عرض مشاركة واحدة
قديم 04-27-2012, 11:02 PM
المشاركة 9
عبدالله بيلا
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
يبدو انني في كل مرة سوف استمع فيه لجواب منك ساقول واو كبيرة ، لكنها ستكبر حتما كلما تعمقنا في السؤال والجواب فانت مدهش بحق خاصة انك ما تزال فتيا شابا.

لكني لا اتفق معك بأن الحياة سوداء..صحيح ان هناك ليل لكن هناك ايضا نهار والحياة مثل الليل والنهار 50% ليل و50% نهار، لكننا نستشعر العتمه ونأخذ النهار كمسلم به وكأنه غير موجود. فنحن لا نخاف انفسنا ولا نخاف الليل ولا نخاف الشياطين في النهار نحن نخافها كلها في العتمة فقط.

ثم لا اتفق معك بأن الالم هو الذي يجعل الحياة سوداوية مع احترامي لوجهة نظرك بل بالعكس فلو اننا عشنا في القطب الشمالي مثلا حيث النهار يطول ربما لستة اشهر لاشتقنا جدا للعتمة وبحثنا عنها ربما في كهف في اعماق الارض.

ربما أن ما يجعلنا نشعر بقيمة الحياة ولذتها هو ذلك الالم الذي يمكن ان يدغدغنا بين فينة واخرى فيعطي الحياة معنا وقيمة.

س - ما الذي يجعل النص الابداعي يلامسُ مشاعر المتلقي ويدغدغ أحاسيسه وعواطفه في رايك؟

س - وهل يمكن تصور الحياة من دون صراع؟ فرويد يقول اننا في صراع مع المحيط، وداروين يقول ان الحياة صراع من اجل البقاء وهيجل يقول ان الحياة تقوم على صراع الفكرة ونقيضها؟ وماركس يرى بان الحياة صراع بين الطبقات ،وحتى النص الادبي (القصصي او الروائي) ان لم يتمحور حول صراع من نوع ما لا يكون له قيمة ادبية، وكلما اتضحت ملامح الصراع واشتدت كلما نبض بالحياة... فهل يمكن تصور الحياة من دون صراع والم وموت؟

س- ثم هل يستطيع ان يوزع الحب ما كان سوداويا او لنقل من كان ينظر الى الحياة بواقعية فوجدها سوداوية؟ ام ان مهنة الشاعر هي تحويل طوفان الالم الى طوفان من الامل والحب؟

س- ثم ما هي مصادر الالم هذه التي تجعل الحياة سوداء في رأيك؟ هل تعتقد ان خوفنا الوجودي من الموت هو منبع الالم الاكبر والاول؟

س- ثم ما رأيك في فلسفة الشاعر ايليا ابو ماضي الذي يقول:

أيّها الشّاكي وما بك داء كيف تغدو اذا غدوت عليلا؟
انّ شرّ الجناة في الأرض نفس تتوقّى، قبل الرّحيل ، الرّحيلا
وترى الشّوك في الورود ، وتعمى أن ترى فوقها النّدى إكليلا
هو عبء على الحياة ثقيل من يظنّ الحياة عبئا ثقيلا
والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئا جميلا
ليس أشقى مّمن يرى العيش مرا ويظنّ اللّذات فيه فضولا
أحكم النّاس في الحياة أناس عللّوها فأحسنوا التّعليلا
فتمتّع بالصّبح ما دمت فيه لا تخف أن يزول حتى يزولا
وإذا ما أظلّ رأسك همّ قصّر البحث فيه كيلا يطولا
أدركت كنهها طيور الرّوابي فمن العار أن تظل جهولا
ما تراها_ والحقل ملك سواها تخذت فيه مسرحا ومقيلا
تتغنّى، والصّقر قد ملك الجوّ عليها ، والصائدون السّبيلا
تتغنّى، وقد رأت بعضها يؤخذ حيّا والبعض يقضي قتيلا
تتغنّى ، وعمرها بعض عام أفتبكي وقد تعيش طويلا؟
فهي فوق الغصون في الفجر تتلو سور الوجد والهوى ترتيلا
وهي طورا على الثرى واقعات تلقط الحبّ أو تجرّ الذيولا
كلّما أمسك الغصون سكون صفّقت الغصون حتى تميلا
فاذا ذهّب الأصيل الرّوابي وقفت فوقها تناجي الأصيلا
فأطلب اللّهو مثلما تطلب الأطيار عند الهجير ظلاّ ظليلا
وتعلّم حبّ الطلّيعة منها واترك القال للورى والقيلا
فالذي يتّقي العواذل يلقى كلّ حين في كلّ شخص عذولا
أنت للأرض أولا وأخيرا كنت ملكا أو كنت عبدا ذليلا
لا خلود تحت السّماء لحيّ فلماذا تراود المستحيلا ؟..
كلّ نجم إلى الأقوال ولكنّ آفة النّجم أن يخاف الأقولا
غاية الورد في الرّياض ذبول كن حكيما واسبق إليه الذبولا
وإذا ما وجدت في الأرض ظلاّ فتفيّأ به إلى أن يحولا
وتوقّع ، إذا السّماء اكفهرّت مطرا يحيي السهولا
قل لقوم يستنزفون المآقي هل شفيتم مع البكاء غليلا؟
ما أتينا إلى الحياة لنشقى فأريحوا ، أهل العقول، العقولا
كلّ من يجمع الهموم عليه أخذته الهموم أخذا وبيلا
كن هزارا في عشّه يتغنّى ومع الكبل لا يبالي الكبولا
لا غرابا يطارد الدّود في الأرض ويوما في اللّيل يبكي الطّلولا
كن غديرا يسير في الأرض رقراقا فيسقي من جانبيه الحقولا
تستحم النّجوم فيه ويلقى كلّ شخص وكلّ شيء مثيلا
لا وعاء يقيّد الماء حتى تستحل المياه فيه وحولا
كن مع الفجر نسمة توسع الأزهار شمّا وتارة تقبيلا
لا سموما من السّوافي اللّواتي تملأ الأرض في الظّلام عويلا
ومع اللّيل كوكبا يؤنس الغابات والنّهر والرّبى والسّهولا
لا دجى يكره العوالم والنّاس فيلقي على الجميع سدولا
أيّهذا الشّاكي وما بك داء كن جميلا تر الوجود جميلا

كلّي أسفٌ على التأخر في الرد .. لانشغالي باختبارتي الخاصة.

*إنسانُ الشرق يختلف في طبيعته وبيئته وشأنه الاجتماعي عن إنسان الغرب اختلافاً شاسعاً،وهذا ما يجعل من الإجابة عن السؤال المتعلق بما يمكن أن يستثير ويلامس مشاعر الإنسان ويدغدع عواطفه،إجابةً نسبية تتعلق بالإنسان الشرقي العربي بوجهٍ خاص،ذلك أنَّ الشرقي مسكونٌ بالعاطفة التي توجهه وتقوم على بنائه وتكوينه،فبالرغم من الطوفان المادي الذي اجتاح العالم كله ما زال الإنسان الشرقي محتفظاً بروحانياته وعقائده بخلاف الغربي الذي مال إلى المادية بشكلٍ أكبر.
وربما كانت الموضوعات الدينية والعاطفية الرومانسية والسياسية أكثر تأثيراً على عقلية القارئ العربي,وأقدر على تأجيج عواطفه ومشاعره،بخلاف المواضيع الفلسفية والفكرية العميقة.

*الحياة برمتها نتيجة لصراعٍ كوني كبير لا يمكن لنا أن نستجلي غوامضه،بدأً من خلق آدم وصراعه مع إبليس الذي انتهى بخسارته ونزوله إلى الأرض،ليبدأ الصراع الأكبر بين الخير والشر والظلمة والنور..
وهذا الصراع هو الذي أعطى الحياة قيمةً ومعنى،ولولاه لانتهت الحكايةُ قبل أن تبدأ.
بالنسبة للكتابة الأدبية لا بد لها أن تنتج عن صراع،وأن تعبّر عنه،وأن تجعل باب الصراع مفتوحاً ..وهذا ما يُسمَّى بالتساؤل الشعري(القصيدة المفتوحة على أكثر من سؤال دون أن تنتظر إجابة).

*توزيع الحب لا علاقة له بالموزِّع .. إنها مسألة مادية بحتة،والشاعر الذي يريد توزيع الحب على العالم كله لا يضره أن يكون قلبه قد امتلأَ سوداويةً وتشاؤماً ..
مادام قادراً على إضفاء مساحاتٍ من البهجة على الأرواحِ التي يكتب القدرُ عليه مهمة إنجادها وتبييض سواد نهاراتها.
ولا يعني ذلك أن يكذب الشاعر على واقعه فيجعل من جهنم جنة عدن،ومن الصحراء القاحلة روضةً مخصبةً،ولكنه يقوم بواقعيته كما هي متوازيةً مع جرعاتٍ من الأملِ لكل الحزانى والمكلومين.

*الألم وللأسف الشديد له أكثر من منبع وأظنه لا يمكن أن يُحصر في منبعٍ وحيد..إذْ أنه يزرع فخاخه في كل الخُطى ولا يفتأُ يصبغُ حتى لحظاتنا السعيدة-على ندرتها-بلونه القاتمِ العنيد..
الموتُ ألمٌ لذيذ..ذلك أنه خلاصٌ مؤقتٌ من حالة من حالاتِ الشرود الدائمِ والانتظار المستفز..أظنُّ أنَّ ألم انتظار الموت أقسى من ألم الموتِ نفسه.

*الشاعر إيليا أبو ماضي..من أهم المدارس الشعرية التي أذكت روح الشعر العربي الفصيح الذي استنَّ سنةَ الفصاحةِ والسهولةِ والعذوبة في اللفظ..
وفلسفة الشاعر في هذه القصيدة هي فلسفة حياة،فلسفة إنسان يقدِّس الوجود بكل تناقضاته وآلامه وأحزانه،هي فلسفة روحانية عالية تلامس قبةَ السماءِ ولا ترضى بأن تجعل من الأرضِ مثابةً أخيرةً لها...
ما يكتبه إيليا أبو ماضي هو أفضل دواء لكل قلبٍ أوشك اليأسُ أن يستوعبه.