الموضوع: في ظلال القرآن
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-06-2020, 06:19 PM
المشاركة 58
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: في ظلال القرآن
ولقد سجد الملائكة امتثالا للأمر العلوي الجليل . .
{ إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين } . .
وهنا تتبدى خليقة الشر مجسمة : عصيان الجليل سبحانه! والاستكبار عن معرفة الفضل لأهله . والعزة بالإثم . والاستغلاق عن الفهم .
ويوحي السياق أن ابليس لم يكن من جنس الملائكة ، إنما كان معهم . فلو كان منهم ما عصى . وصفتهم الأولى أنهم { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } . . والاستثناء هنا لا يدل على أنه من جنسهم ، فكونه معهم يجيز هذا الاستثناء ، كما تقول : جاء بنو فلان إلا أحمد . وليس منهم إنما هو عشيرهم وإبليس من الجن بنص القرآن ، والله خلق الجان من مارج من نار . وهذا يقطع بأنه ليس من الملائكة .
والآن . لقد انكشف ميدان المعركة الخالدة . المعركة بين خليقة الشر في إبليس ، وخليفة الله في الأرض . المعركة الخالدة في ضمير الإنسان . المعركة التي ينتصر فيها الخير بمقدار ما يستعصم الإنسان بإرادته وعهده مع ربه ، وينتصر فيها الشر بمقدار ما يستسلم الإنسان لشهوته . ويبعد عن ربه :
{ وقلنا : يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ، وكلا منها رغدا حيث شئتما ، ولا تقربا هذه الشجرة ، فتكونا من الظالمين } .
لقد أبيحت لهما كل ثمار الجنة . . إلا شجرة . . شجرة واحدة ، ربما كانت ترمز للمحظور الذي لا بد منه في حياة الأرض . فبغير محظور لا تنبت الإرادة ، ولا يتميز الإنسان المريد من الحيوان المسوق ، ولا يمتحن صبر الإنسان على الوفاء بالعهد والتقيد بالشرط . فالإرادة هي مفرق الطريق . والذين يستمتعون بلا إرادة هم من عالم البهيمة ، ولو بدوا في شكل الآدميين!
{ فأزلهما الشيطان عنها ، فأخرجهما مما كانا فيه } . .
ويا للتعبير المصور : { أزلهما } . . إنه لفظ يرسم صورة الحركة التي يعبر عنها . وإنك لتكاد تلمح الشيطان وهو يزحزحهما عن الجنة ، ويدفع بأقدامهما فتزل وتهوي!
عندئذ تمت التجربة : نسي آدم عهده ، وضعف أمام الغواية . وعندئذ حقت كلمة الله ، وصرح قضاؤه :
{ وقلنا : اهبطوا . . بعضكم لبعض عدو ، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين } . .
وكان هذا إيذانا بانطلاق المعركة في مجالها المقدر لها . بين الشيطان والإنسان . إلى آخر الزمان .
ونهض آدم من عثرته ، بما ركب في فطرته ، وأدركته رحمة ربه التي تدركه دائما عندما يثوب إليها ويلوذ بها .
{ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ، إنه هو التواب الرحيم } . .
وتمت كلمة الله الأخيرة ، وعهده الدائم مع آدم وذريته . عهد الاستخلاف في هذه الأرض ، وشرط الفلاح فيها أو البوار .
{ قلنا : اهبطوا منها جميعا . فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } . .
وانتقلت المعركة الخالدة إلى ميدانها الأصيل ، وانطلقت من عقالها ما تهدأ لحظة وما تفتر . وعرف الإنسان في فجر البشرية كيف ينتصر إذا شاء الانتصار ، وكيف ينكسر إذا اختار لنفسه الخسار .

(1/30)