الموضوع: في ظلال القرآن
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-06-2020, 06:18 PM
المشاركة 57
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: في ظلال القرآن
خير الحركة الهادمة البانية . خير المحاولة التي لا تكف ، والتطلع الذي لا يقف ، والتغيير والتطوير في هذا الملك الكبير .
عندئذ جاءهم القرار من العليم بكل شيء ، والخبير بمصائر الأمور :
{ قال : إني أعلم ما لا تعلمون } . .
{ وعلم آدم الأسماء كلها ، ثم عرضهم على الملائكة ، فقال : أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين . قالوا : سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا . إنك أنت العليم الحكيم . قال : يا آدم أنبئهم بأسمائهم . فلما أنبأهم بأسمائهم ، قال : ألم أقل لكم : إني أعلم غيب السماوات والأرض ، وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون } . .
ها نحن أولاء - بعين البصيرة في ومضات الاستشراف - نشهد ما شهده الملائكة في الملأ الأعلى . . ها نحن أولاء نشهد طرفا من ذلك السر الإلهي العظيم الذي أودعه الله هذا الكائن البشري ، وهو يسلمه مقاليد الخلافة . سر القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات . سر القدرة على تسمية الأشخاص والأشياء بأسماء يجعلها - وهي ألفاظ منطوقة - رموزا لتلك الأشخاص والأشياء المحسوسة . وهي قدرة ذات قيمة كبرى في حياة الإنسان على الأرض . ندرك قيمتها حين نتصور الصعوبة الكبرى ، لو لم يوهب الإنسان القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات ، والمشقة في التفاهم والتعامل ، حين يحتاج كل فرد لكي يتفاهم مع الآخرين على شيء أن يستحضر هذا الشيء بذاته أمامهم ليتفاهموا بشأنه . . الشأن شأن نخلة فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا باستحضار جسم النخلة! الشأن شأن جبل . فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بالذهاب إلى الجبل! الشأن شأن فرد من الناس فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بتحضير هذا الفرد من الناس . . . إنها مشقة هائلة لا تتصور معها حياة! وإن الحياة ما كانت لتمضي في طريقها لو لم يودع الله هذا الكائن القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات .
فأما الملائكة فلا حاجة لهم بهذه الخاصية ، لأنها لا ضرورة لها في وظيفتهم . ومن ثم لم توهب لهم . فلما علم الله آدم هذا السر ، وعرض عليهم ما عرض لم يعرفوا الأسماء . لم يعرفوا كيف يضعون الرموز اللفظية للأشياء والشخوص . . وجهروا أمام هذا العجز بتسبيح ربهم ، والاعتراف بعجزهم ، والإقرار بحدود علمهم ، وهو ما علمهم . . وعرف آدم . . ثم كان هذا التعقيب الذي يردهم إلى إدراك حكمة العليم الحكيم :
{ قال : ألم أقل لكم : إني أعلم غيب السماوات والأرض ، وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون؟ } . .
{ وإذ قلنا للملائكة : اسجدوا لآدم . فسجدوا } . .
إنه التكريم في أعلى صوره ، لهذا المخلوق الذي يفسد في الأرض ويسفك الدماء ، ولكنه وهب من الأسرار ما يرفعه على الملائكة . لقد وهب سر المعرفة ، كما وهب سر الإرادة المستقلة التي تختار الطريق . . إن ازدواج طبيعته ، وقدرته على تحكيم إرادته في شق طريقه ، واضطلاعه بأمانة الهداية إلى الله بمحاولته الخاصة . . إن هذا كله بعض أسرار تكريمه .