الموضوع: أنت طالق...!!
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-27-2014, 01:19 PM
المشاركة 67
صالح اهضير
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
[justify]سيكون تعليقي مختصرا ومقصورا على "العنوان" و "المقدمة"،وذلك بعد أن خاض الخائضون في مناقشة هذا النص القصصي الهام من كل الزوايا والأبعاد تقريبا...
1- العنوان
إن العنوان هو مفتاح للنص وتسميةٌ له ،بل هو يساعد على إضاءته وسبر أغواره.وهو بالتالي جزء من إستراتجية العمل بالرغم من كلماته المختصرة.. فهل تحقق ذلك من خلال عنوان العمل السردي الذي نحن بصدد دراسته؟
العنوان مكون من ضمير للخطاب وصفة ..وهو كما نرى جملة اسمية ،وهي خاصية مميزة للعناوين عامة..مما يسمها بالثبات بخلاف الفعلية التي تعد شذوذا عن القاعدة في هذا الصدد..فالأمر محسوم منذ البداية لأن الاسمية هي خارج حدود الزمن ..فلو كان البديل : أنت ستطلقين ..لكان معنى ذلك أن الطلاق سيحصل في المستقبل..
ويبدو لأول وهلة أن العنوان الذي اختارته الكاتبة هو من النوع الذي يمكن تصنيفه ضمن ما يسمى بالعنوان الاتجاهي ،حيث يطرح قضية يعتقد أنها مشكلة اجتماعية للتأثير على الرأي العام وبلورة أفكاره حولها.ومن الملاحظ أن وضعه تم بطريقة ميسرة ولم يكن بحاجة إلى إجهاد في البحث مادام من نوع العناوين التي يمكن استعارتها من داخل النص ذاته..ربما اعتقادا من الواضع أنه يحمل دلالة مركزية للعمل..
إن على القاص أنْ يفتح شهية القارئ ويدفعه نحو القراءة, وهذا لا يتحقَّقُ إلاَّ ببناء شراك من خلال العنوان وذلك بأن يجعله مثيرا من حيث التركيب والدلالة والمجاز.؛والعنوان الذي بين أيدينا عنوان اعتيادي لا يحمل أي جديد أو غرابة..ولكن الجميل فيه أنه جإء متوجا للنص كعلامة صارخة.. الطلاق ظاهرة شائعة وهي تتكرر كل يوم في مجتمعنا بشكل كبير..ولكن إيرادها هنا كقنبلة تفجر في وجه المرأة -أنت طالق- الغرض منه التذكير( زيادة على ما ستشير إليه الأحداث المضمنة في النص) بعواقب هذه المأساة الاجتماعية ،ومن ثمة لفت الانتباه إلى ضرورة إعادة النظر في تقاليدنا البالية التي تقرر مصير المرأة العربية بمجرد النطق بكلمتين - أنت طالق- أو زوجتك لفلان ..دون الأخذ بعين الاعتبار بآراء من يعنيها الأمر من حيث الرضا أو القبول.
وخلافا لبعض التعاليق أرى أن عنوان النص ينبغي أن يكون ملمحا لمضمون النص لا العكس،لان التلميح هنا يعني قبسا من معرفة وليس كل المعرفة..فأحيانا ما نحبذ أن يكون العنوان خلاصة لفكرة النص،على أن تكون ذات طابع تأثيري وتشويقي. و"أنت طالق" وإن كان يخلو من الإثارة إلا انه يدفع إلى التساؤل :عن أي طالق سيتحدث القاص ؟ ما ماهيته؟ما مصيره؟ ولم حدث؟
فلو اخترنا على سبيل المثال هذا العنوان للقصة :" معاناة امرأة"،فإننا سنكتشف لا محالة ولأول وهلة أنه لا يلمح إلى الحدث الرئيسي وهو قابل لتأويلات عديدة،لأنه يتسم بالفضفضة ..مادامت "المعاناة" قابلة لاحتواء حوادث لا حصر لها قد تذهب بالقارئ إلى متاهات متشابكة...
2 -المقدمة
في العمل السردي الخاص بالقصة القصيرة،يمكن الإشارة إلى ثلاثة نماذج للقص:
- بناء القصة بالطريقة الاعتيادية من البداية إلى النهاية.
- بناء القصة من منتصفها...
- بناء القصة انطلاقا من النهاية اعتمادا في الغالب على عملية استرجاعية للحدث المعاش.
وهذا الصنف الأخير هو ما لجأت إليه القاصة،حيث أشارت إلى ما آل إليه مصير البطلة بعد حادثة الطلاق..والتي شرعت بعد ذلك في تناول الخطوط الأولى للحدث حتى النهاية للعودة بعد ذلك إلى البداية..وهي كما نرى عملية استرجاعية : فلاش باك ..وهي تقنية انتقلت من السينما إلى الرواية - رواية -"اللص والكلاب" مثلا عند نجيب محفوظ- كعملية لإغراء المشاهد ودفعة إلى المتابعة بل إشراكه في العمل لإعمال فكره وتوقعاته،لاقتراح الحلول،وقد يصيب أو لا يصيب،المهم انه اندمج مع العملية الإبداعية للكاتب ..ونهج هذه الطريقة يتم في الروايات البوليسية على الخصوص،حيث يبدأ الحدث بمسرح للجريمة والمحققون يسجلون ملاحظاتهم.وعلى الكاتب أن يكشف بعد ذلك : كيف ومتى تمت الجريمة ومنهم مقترفوها ولماذا؟..إلخ.
فالبدء من النهاية في مقدمة النص بالإشارة إلى حادثة الطلاق وملامح من تبعاته قد حسم الموقف إلى حد ما كما نرى،ولكنه حسم لن يحول أبدا دون جذب القارئ وجره إلى المتابعة ،لأنه يجهل الكثير عن مجريات الأحداث من خلال طرحه للأسئلة : كيف؟ومن؟وماذا؟وأين؟ولماذا؟
إن المقدمة،كما العنوان، تعريفٌ بالنص وكشفٌ له.ولكنه لا يعرف بكل شيء ولا يكشف كل شيء..وقد أشار "جيرار جينيت" إلى أهمية العنوان والمقدمة موضحا ما معناه أنهما أول باب يشرع في وجه المتلقي للدخول معه في حوار ليثيرا فيه نوعا من الإغراء والفضول العلمي والمعرفي..
وإضافة إلى العنوان والمقدمة أشير باختصار إلى أن البعد الدلالي للنص يطرح فكرة الطلاق من منظور عاد ولا يحمل جديدا،إلا أن بعده الفني من حيث البناء القصصي وأسلوب المعالجة قد جعله أكثر متانة وتماسكا وإغراء بالمتابعة على الرغم من إغراقه في الانحياز.أما الآراء التي ترى أنه عبارة عن خاطرة أو أقرب منها،فإني أقول لا هذا ولا ذاك،ومع ذلك فقد بدا لي أن القاصة لشدة تأثرها بالحدث وبغية الكشف بمصداقية عن مشاعرها الجياشة، قد استعارت خيوطا واهنة من الخاطرة عمدت إلى توظيفها بذكاء فلم تؤثر على عملها الإبداعي إلا بقيد أنملة...
[/justify]