عرض مشاركة واحدة
قديم 01-17-2013, 12:31 PM
المشاركة 293
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ليس إلا
«ديستوفسكي» عبقري القرن الماضي
صالح إبراهيم الطريقي
لم أحب روائيا مثل الروائي الروسي «ديستوفسكي» الذي أغضب أبو علم النفس «سيجمند فرويد»، ففرويد كان يقول: «كل مرة أنتهي من كتابة بحث عن حالة نفسية، أجد ديستوفسكي قد كتب عنها في رواياته».
ديستوفسكي الذي قال عنه عالم الفيزياء الأشهر «آينشتاين» حين سأله أحد الصحافيين عمن هو عبقري القرن الماضي، فأجاب بلا تردد: «الروائي ديستوفسكي».
مع أن الروائي الروسي العظيم تلستوي قال لصديقهما المشترك «غوركي»: «ديستوفسكي يزور الشخصيات ولا يكتبها، إنه يصنع الشخصيات».
وكان تلستوي يؤمن بأنه علينا تسجيل قصة الإنسان، لا صنع كائنات وهمية من خيالنا، فهو يقول: «حين تسقط امرأة مومس في الوحل فيما طفلها يبكي حزنا، سجل هذا يا غوركي، أعرف أنه مؤلم، ولكن لن يغفر لنا الطفل لو لم نسجل الحقيقة».
كنت ومنذ 25 عاما ومازلت أحب تلستوي، لكني أحببت أبطال ديستوفسكي أكثر، تعاطفت كثيرا مع بطل روايته «الجريمة والعقاب» راسكيلنكوف الذي كان يؤمن بأن قتل المرابية أمر سيئ، لكن أخذ أموالها ودعم الجمعيات والطلاب غير القاردين على التعليم عمل عظيم، وحين قتل المرابية اليهودية، لم يستطع فعل تلك الأعمال الجليلة التي ستنتج عن موتها، فتساوت الحياة والموت عنده.
تمنيت كثيرا أن تدرس هذه الرواية للطلاب في المتوسطة والثانوية، لأنها ليست قصة عابرة، إنها قصة تتحدث عما بعد الخطيئة، وكيف هي الجريمة في نهاية المطاف لن تؤدي بنا لحياة أفضل.
في روايته «الإخوة كرامازوف، أو الأعداء»، كان الأخ الأوسط «إيفان» يمثل الشيطان، والأصغر «أليوشا» الملاك، و«ميشا» الأخ الأكبر ــ الذي لا يشبه والدهم ــ هو الإنسان.. هو نحن.
فرغم خطاياه المشابهة لخطايانا تجده الأقرب لقلبك وأنت تقرأ الرواية، فهو لم يستطع أن يكون ملاكا رغم محاولاته المتكررة، ولا هي غرائزه أوصلته لمرحلة الشيطان «إيفان»، وكان الأخ الأكبر يمثل الخير والشر، الروح والجسد.
في روايته الأبله حاول أن يعيد شخصية «أليوشا» كإنسان، أو كما اتهم من الكنيسة بأنه يعيد المسيح لهذا القرن، وكان ديستوفسكي يريد فضح ما حدث من تشوه للإنسان، وأن هذا الزمن لم يعد يتحمل قديسين.
«رواية المراهق» والتي يعدها الكثير من النقاد أنها الأفضل، مع أني مازلت أصر على أن رواية «الإخوة كرامازوف»، يروي حكاية مراهق وقح جدا، لكنه يكشف لنا لماذا هذا المراهق وقح ويفكر بشكل سيئ، فهو وكما يقول بطل الرواية: «ما الذي تنتظرونه من شخص تطاردونه بكلمة لقيطة»؟
كان العبقري «ديستوفسكي» كما وصفه آينشتاين وفي كل رواياته يحفر في دواخل الإنسان لدرجة تجعل قارئه لا يعرف أي الروايات التي تستحق القراءة أكثر من الأخرى، فكل رواياته تتناول أو تضيء جانبا مظلما في الإنسان كما تقول إحدى شخصيات رواياته التي لم أعد أذكر في أية رواية تحدث: «هل تذكر حين كنا أطفالا وطلابا في المدرسة، كنا نشعر بمتعة حين يضرب المعلم صديقنا، مع أننا نحب ذاك الصديق، ومع هذا كنا نتمتع لألمه».
هل كان «ديستوفسكي» يريد أن يقول لنا: إن الإنسان حقير، ولديه قدرة على التمتع حتى في ألم من يحب؟
يخيل لي: أنه كان يريد كشف خبايا الإنسان، أو هو يريد اكتشاف كنه هذا الإنسان القادر على البناء والتدمير في نفس الوقت، وكأنه يريد أن يقول: أليس مؤلما أن نعيش ونموت، دون أن نعرف ما كنه هذا الإنسان، ومن هو، أعني من نحن؟
S_ alturigee@yahoo.com

==
هذا مقالٌ أكتبهُ لا لأتحدثَ عن حياةِ دوستويفسكي أو لأعرف به، وإنما لأتحدثَ عن تجربتي معَه، وكيفَ قرأتُ كتبهُ، ولماذا فُتِنتُ به.

ربما لا أبالغُ إذا ما قلتُ أنَّ دوستويفسكي هو الذي علمني الإنجليزية أكثر من أيّ شخصٍ أعرفه. حكايةُ ذلك أني كنتُ مولعاً بقراءةِ الروايات الكلاسيكية منذُ صباي، وكانَ أبي يعزز هذا الولعَ بشرائه إحدى روائع الأدب العالمي كل أسبوع. في الإبتدائية قرأتُ لهوجو و سرفانتس و دوما و همنجواي و جاك لندن و زولا وغيرهم وغيرهم.. ولكني كنتُ أقفُ متحسراً و عاجزاً كلما ذكر والدي دوستويفسكي، جاعلاً إياه مثالاً لأفضلِ أنواعِ الأدبِ وأكثرها عمقاً.

بحثتُ في المكتباتِ العربية عن اسمِ دوستويفسكي ولكني لم أجد روايةً واحدةً له بالعربية. كانَ المطافُ ينتهي بي دائماً إلى قسم الروايات الإنجليزية، حيثُ أقفُ أمامَ رواياتهِ العديدة التي يفصلني عنها حاجزٌ كاملٌ من لغةٍ لا أتقنها. أذكرُ أني كنتُ أقفُ في مكتبةِ جرير ساعاتٍ طويلة محاولاً أن أقرأَ صفحةً واحدة دونَ فائدة. بالأخير.. عقدتُ العزمَ على شراءِ روايةٍ له بالإنجليزية، رغم ضعفي اللغوي حينها.

لا أدري لماذا وقعَ اختياري حينَها على رواية ( الأبله ). كنتُ أعرفُ عن والدي وعن قرائاتي أنَّ أشهر رواياتِ دوستويفسكي هي ( الجريمة و العقاب ) و ( الأخوة كرامازوف )، رغمَ ذلك اشتريتُ روايةَ ( الأبله ) التي أصحبت أفضلَ روايةٍ قرأتها على الإطلاق.

تروي ( الأبله ) حكاية الأمير ميشكن، ذاكَ الرجلُ المصروع الذي تماثلَ للشفاء في سويسرا، ليرجعَ إلى وطنهِ الأم روسيا. يركبُ الأمير ميشكن القطار متوجهاً إلى وطنه، وعلى متنهِ يقابل بطل القصة الرئيسي الثاني روجزهن. يستطيع ميشكن في أولِ يومٍ له في بطرسبرغ أن يأسرَ قلب كل من يلتقي به، بطيبته الطفولية، وبساطته الآسرة. يحاولُ دوستويفسكي في هذه الرواية أن يرسمَ صورة الرجل المثالي، المسيح الروسي كما تصوره، الرجل الذي يجد في الألم تطهيراً له، ويحاولُ أن يحققَ السعادةَ لأعدائه وأصدقائه على حدٍ سواء. لكن هل يستطيع رجلٌ مثل هذا أن يعيشَ وسط شرور المجتمع؟ هذا ما تتحدثُ عنهُ هذه الرواية.

ولكن ليسَ هذا كل شئ. يخطئ من يظنُ أن روايات دوستويفسكي ممكنُ أن تُلخص وتختصر. ففي روايات دوستويفسكي تستمتعُ بالحوار قبلَ أن تستمتعَ بالأحداث. في رواياتِ دوستويفسكي يتكلمُ رجلُ الشارعِ الفلسفة، ويناقشُ الموظف ورجل الشرطة والعاهرة قضايا إنسانية عميقة كوجودِ الله، وأهمية الإيمان، و مشروعية الثورة، وارتباط الأخلاق بوجود الخالق. يعيبُ بعضُ النقاد على دوستويفسكي هذه النقطة التي تجعل رواياته أقرب للفانتازيا من الحقيقة، فلا يمكن أن يتحدثَ كل أعضاء المجتمع بلغةِ الفيلسوف العميق الثقافة الثاقب النظرة، ومن المعروف في الأدب أن مناقشة القضايا الفلسفية والفكرية قد يفسد سير الأحداث الدرامية في الرواية. ولكن هذا الانتقاد لا يصحّ مع دوستويفسكي، فأبطال دوستويفسكي هي الأفكار قبل أن تكونَ الشخصيات، وهو إلى ذلك يجعل الأفكار تتلبسَ أصحابها وتعذبهم وتلحُ عليهم إلى درجةٍ تجعلهم يستسلمون لها بطريقةٍ تعطي الأحداثَ زخماً درامياً رائعاً.

ثمَّ إنّ دوستويفسكي يلجأ إلى طريقةٍ أخرى لشدّ انتباه القارئ، و تسخين الأحداث الدرامية في الرواية، ألا وهيَ بناء الفضائح. يحبُ دوستويفسكي أن يبني مشاهدَ فضائحٍ في رواياته، تجعلُ القارئ ينتقلُ من فكرةٍ إلى أخرى بنفسٍ لاهث، متقبلاً أفكار شخصياتٍ دوستويفسكي المجنونة، رغمَ مخالفتها للواقع والحقيقة.

خاصية أخرى أضافت إلى رواية ( الأبله ) زخماً درامياً هيَ تسخيرُ دوستويوفسكي لأحداث حياته الخاصة للاستفادة منها في رواياته. في رواية ( الأبله ) يصفُ دوستويفسكي نوبةَ الصرع بما يسبقها من مشاهد وهذيان بطريقةٍ عجيبة. لا يستغربُ القارئ هذا إذا ما عرفَ أن دوستويفسكي كان مصاباً بالصرع ويعاني منه الأمريّن. رافق الصرع دوستويفسكي في أكثر من روايه، فالخادم سميردياكوف كان مصروعاً في رواية دوستويفسكي الأخيرة ( الأخوة كرامازوف ). تجربة أخرى وصفها دوستويفسكي في الأبله بشكلٍ رائع كانت تجربة الإعدام. الكلُ يعرف أنَّ دوستويفسكي وقعَ ضحية نزعته الثورية إبانَ شبابه، حيث أودع في السجن، ثُمَّ ساقوه مع رفاقه إلى ساحة الإعدام، حيث غطيت عيناه، وربطت يداه، وأخذ ينتظر سماعَ صوتِ الرصاصةِ التي سوفَ تنهي حياته. في اللحظة الأخيرة صدر أمرٌ بالعفو من القيصر، في مشهد هزليّ مبكي، يُراد به تأديب الثوار الشباب وإرعابهم. سيقَ دوستيوفسكي مع بقية رفاقه إلى سيبيريا، حيثُ قضى سنيناً عديدة في السجن، تركت في نفسِه أثراً عميقاً غيّر أفكاره عن الدين وعن الثورة إلى الأبد.

لا أبالغ إن قلتُ أن نهاية رواية ( الأبله ) كانت أفضل نهاية قرأتها على الإطلاق. أنهيتُ هذه الرواية بعدَ أن تركتْ أثراً عميقاً في نفسي، جعلني أحاولُ أن أنظرَ إلى جميع الناس كأشخاصٍ صالحين، مهما أخطأوا أو جنحوا إلى الكرهِ والظلم. بعدَ أن أنهيتُ رواية ( الأبله )، قررتُ أن أقرأَ جميع روايات دوستويفسكي مهما كان الثمن.

الرواية الثانية التي اخترتها كانت ( الجريمة و العقاب )، أكثر روايات دوستويفسكي شهرةً بين الناس. تتحدثُ هذه الرائعة عن الفكرة وخطورتها، عن الفكرة إذا تحولت سلاحاً خطيراً يستطيعُ أن يقتلَ ويهدم. هل نستطيعُ أن نقتلَ شخصاً حقيراً من أجل المصلحة العامة؟ لا أعرفُ روايةً يمكن أن تستخدم كمثالٍ على فلسفة كانط الأخلاقية أفضل من رواية دوستويفسكي هذه.

راسكلنيكوف.. الطالب الفقير المُعدم، والمعجب بنابليون وطموحاته حتى الثمالة، يقررُ أن يقتلَ المرابية العجوز لأنَّ في موتها تحقيق للمصلحة العامة. من هنا تبدأ هذه الرواية الدرامية المذهلة، والمليئة بالأسئلة والأجوبة الفلسفية العميقة.

أذكرُ أني أنهيتُ هذه الرواية على مقاعدِ الكلية في الصباح، إذ لم أستطع أن أنهيَها وسط الليل رغم قرائتي المحمومة، فأخذتها معي وأخذتُ ألتهم صفحاتها حتى انتهيتُ منها. بعدَ أن انتهيت، أغلقت الكتاب وأخذتُ أفكر و أفكر بلا نهاية، وليسَ هناك روائي يستطيع أن يجعلكَ تفكر أفضل من دوستويفسكي.

الرواية الثالثة التي قرأتها له كانت ( الشياطين )، أو كما يسميها البعض ( الممسوسون ). هذه الرواية من أكثر الروايات طموحاً على الإطلاق، لم تترك شيئاً إلا تحدثت عنه. ليسَ هناك من روايةٍ تصوّر تفكير المجموعات الثورية أفضل من هذه الرواية. إنها رواية تهاجم التفكير الثوري والشيوعي، وتدين التغيير الذي لا يحدثُ إلا بسفكِ الدم وإحراق المنازل. إنها نبؤة كتبها دوسويفسكي متحدثاً عن شرور الثورة البلشفية قبلَ وقوعها، ولهذا مُنعت هذه الرواية وصودرت في أيام الاتحاد السوفيتي.

استفاد دوستويفسكي في تسميته للرواية من قصيدة بوشكين الجميلة ( الشياطين )، تلك القصيدة التي تصورُ رجلاً على عربة ثلجية يصرخ في السائق كي يمضي رغمَ الشياطين التي تظهر في الطريق. الشياطين في رواية دوستويفسكي هم قادة الثورة، الذين يتحكمون بالرجال البسطاء والرُعاع لأجل تحقيق أغراضهم الخاصة. شرّح دوستويفسكي تكوين هذه الجماعات الثورية، فأشار إلى الشخصية الكاريزمية التي يتوجب وجودها لاستقطاب الأعضاء والثوار للإلتحاق بالثورة. الشخصية الكاريزمية التي يحوّلها رئيس الثورة الفعليّ المختبئ وراء الظلال إلى نبيٍ أو شبه نبي. كأني بدوستويفسكي وهو يتحدث عن لينين وستالين في روايته، عن جيفارا و كاسترو، عن أسامة بن لادن و الظواهري، وغيرهم المئات من قيادات المجموعات الثورية: الشخصية الكاريزمية ومحركها الخفيّ.

لا أستطيع أن أنسَ شخصيات هذه الرواية الغريبة، وبالأخص أحد أبطالها الفرعيين والمدعو كيريليوف. كيريليوف ذاكَ الشاب الملحد الذي رجع من أمريكا، ليعتزلَ الناس لاحقاً، وليخططَ للإنتحار بنية التحوّل إلى إله. كيريليوف يرى أن سرَّ عبودية الإنسان تكمن في خوفه، وأنه إذا تمكن من التخلص من هذا الخوف، إذا استطاع أن ينتحر دونَ أن يخشَ الألم، حينَها سيتحول مباشرةً إلى إله.

عندما أنهيت قراءة هذه الروايات الثلاثة، قررتُ أن أقرأ رواية دوستويفسكي الأخيرة، الرواية الأكثر عمقاً: ( الأخوة كرامازوف ). هؤلاء الأخوة الثلاثة المتحدرون من نسل أبٍ شهواني وأنانيّ: ديمتري الشهواني، إيفان الملحد، وإليوشا المتدين. رغمَ أنّ هذه الرواية هي الوحيدة التي حُوِّلت إلى فيلم هوليوودي بسببِ شهرتها الطاغية، إلا أني أعتبرها الأضعف درامياً وحبكةً بين الروايات الثلاث السابقة. رغمَ ذلك.. تظل رواية مهمة وممتعة حتى الثمالة، بسبب المواضيع الفلسفية العميقة التي تعالجها هذه الرواية.

من يستطيع أن ينسَ تلك الفصول التي تصوّر حوار الأخ إيفان الملحد، مع أخيه الأصغر إليوشا المتدين. من يستطيع أن ينسَ فصليّ ( تمرد ) و ( المفتش العام )، عندما عرض إيفان على أخيه إليوشا احتجاجه الشهير على عدالةٍ إلهية لا تقوم إلا بالتضحية بالفرد. عندما أخذَ إيفان يعذّب أخاه إليوشا بوصفهِ الدقيق للماراسات الوحشية التي يرتكبها بعض الأشخاص ضد الأطفال ( تلكَ الكائنات التي لم تُعطى فرصة الإختيار بعد ليتم التضحية بها )، لماذا قدّر الله عذابات وموت هؤلاء الأطفال؟ عندما يورد إليوشا مثال المسيح كإجابةٍ على تساؤل إيفان، يبدأ إيفان قراءة قصيدته النثرية التي سماها ( المفتش العام ) والتي ينتقد بها الدين الكاثوليكي الكنيسي.

فصل آخر لا أستطيع أن أنساه من رواية ( الأخوة كرامازوف ) هو ذاك الفصل الذي يصف هذيان إيفان، وحواره المضحك والعميق في نفس الوقت مع إبليس. يسخرُ إبليس من إلحاد إيفان، ويروي له كيفَ ركب على فأسٍ وطار في الفضاء، ولكنه تعلق في دورانه حول كوكب، ساخراً بذلك من علمية إيفان المفرطة.

رغمَ سحر وجمال ( الأخوة كرامازوف )، إلا أني لا أستطيع أن أكتم خيبتي من نهايتها التي لم تكن بزخم أحداث القصة، وبالأخص مشاهد المحاكمة المملة، والتي أنهت الأحداث بطريقة مبتورة، وكأن دوستويفسكي كان ينوي كتابة جزءٍ ثاني قبل وفاته.

بعد رواية ( الأخوة كرامازوف ) قرأتُ ( المراهق )، الرواية الخامسة المعدودة من بين روايات دوستويفسكي الضخمة، وإن كانت أقلهنّ شهرة. تحكي الرواية قصة مراهقٍ شباب لا ينتمي إلى أبٍ شرعي، وكيف يتم الصراع بين الجيل القديم والجميل الجديد بفكره العدميّ الخطير. يطرحُ دوستويفسكي في هذه الرواية الرائعة عبارته الشهيرة - والتي تنسب بالأصح لغيره وإن كان دوستويفسكي اشتهر بها أكثر - : "إذا لم يوجد إله، لصحَّ فعل أيّ شئ." هذه الرواية كانت الأكثر فضائحية ودرامية بين الروايات الخمسة، حتى ليُخيّل لكَ أن جميع أبطال القصة مجانين.

تحدثَ الكثير من النقاد عن هذه النقطة، وكيفَ أن أبطال دوستويفسكي هم شخصيات سايكوباثية أكثر من كونهم أشخاص عاديين. يقلل محبو دوستويفسكي من شأن هذا الانتقاد، مشيرين إلى حقيقة أن أبطال دوستويفسكي هي أفكاره قبل أن يصبحوا شخصياته.

قرأتُ إلى جانبِ هذه الروايات أعمال دوستويفسكي القصيرة مثل: ( ملاحظات تحت الأرض )، ( الليالي البيضاء )، ( ناس فقراء )، ( حلم شخصٍ تافه )، ( مخلوقة رقيقة )، ( بيت رجلٍ ميت )، و بقي الكثير من أعماله لم أقرأه بعد مثل ( المراهن ) و ( الشبيه ) و غيرها.

سأتوقفُ هنا لأني ألاحظُ أني أطلتُ الحديث، وربما أعودُ لأتحدثَ أكثر عن أسلوب وأفكار دوستويفكسي، وعن بقية أعماله.


علي الزيبق