عرض مشاركة واحدة
قديم 05-31-2012, 08:20 AM
المشاركة 735
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
صفة التنقل في الرواية:
يعتبر التنقل تقنية من التقنيات التي استعملت دائما في الحكايات، و يمكن إرجاع هذه التقنية إلى أسلوب الرحلة، و ما يمكن التعبير من خلاله عن تبدل الأوضاع، و تجذر المشاهد و ظهور الشخصيات، فكل حكاية، كما يقول (ميشيل بوتور M.Butor)" يجب أن تعتبر رحلة و اكتشافا، و يمكن القول فيما يتعلق بهذا الموضوع أن كل أدب خيالي يستقي مواضيعه من هذا المعين، و كل رواية إنما تقص علينا خبر رحلة ما".
فالرواية من الناحية النظرية هي وصف لعملية البحث و خروج للبطل من أجل استكشاف عالمه الخاص. و من هنا كان السفر حافزا مهما من حوافز الرواية، فالسفر بهذا المعنى هو تنقل من اجل البحث، نظرا لأن الانتقال يكون دائما مدفوعا بدوافع الرغبة في الاكتشاف و التوصل إلى المجهول.
وإذا ما رجعنا إلى رواية "المعلم علي" فإننا لن نجد سفرا بالمعنى الحقيقي للكلمة، و إنما سنجد تحركات داخل فضاء مدينة فاس، و سنجد تحديدا نوعين من التنقلات:تنقلات فعلية.
تنقلات ذات خاصية مجازية.
و على العموم، فإن مجموع هذه التنقلات يمكن تصنيفه إلى ثلاثة مستويات:الانتقال على مستوى الأمكنة: يترسخ لدى قارئ الرواية انطباع واضح بالقلق و التوتر اللذين يميزان شخصية "علي" و ذلك من خلال تعدد تنقلاته المكانية، إذ نجده يتنقل من مكان إلى آخر:
(المنزل المطحنة دار الدبغ المعمل السجن)
و الملاحظ أن هذه التنقلات تتميز بكونها تنقلات غير تلقائية، و إنما نزولا عند رغبة العيش، إلا أن التنقل من دار الدبغ إلى المعمل يشكل بداية لحدث نوعي بالنسبة لِـ"علي" هو بداية التمرس بالعمل/ الوعي النقابي الشيء الذي سيؤدي به مرغما إلى أن يعيش تجربة السجن التي ستخلق منه إضافة إلى مناضل نقابي، منظرا للعمل النقابي و السياسي. فالتنقل على مستوى الأمكنة داخل الرواية، يمثل تدرجا من حالة الوعي السلبي المضطرب نحو حالة الوعي الإيجابي، و يمكن تجسيد ذلك عن طريق الشكل الآتي:
المطحنة دار الدبغ المعمل السجن تأسيس النقابة.
وعي سلبي وعي مضطرب وعي نقابي وعي سياسي إحراز الاستقلال.
الانتقال على مستوى العلاقات: رغم الصفة القارة لعلاقات "علي" بأمه و إخوته، فإننا سنجد بصدد علاقاته العملية تبدلا يعكس القلق و التوتر المميزين لشخصيته، و أول مظهر لهذا التوتر هو تركه المعلم التدلاوي و اشتغاله عند المعلم عبد القادر الذي سيضطر لتركه هو الآخر للالتحاق بعمله الجديد في المعمل حيث سيتصل بالعمال المغاربة و الفرنسيين، ثم في السجن الذي سيتعرف فيه على نوع آخر من الناس هم المناضلون النقابيون. و أهم ما يميز علاقات "علي" هو علاقته المتميز بكل من الحياني و عبد العزيز، فالأول يمثل تتميما لشخصية علي / المناضل. أما الثاني فيمثل عقل علي/ المناضل، فإذا كان علي يفتقد الوعي النقابي و السياسي، فإن هذا الزاد سيصله من عبد العزيز، و يمكن رصد حالتين لـ "علي" قبل اتصاله بعبد العزيز و بعده:
ما قبل اتصال علي بعبد العزيز
ما بعد اتصال علي بعبد العزيز
علي التمرد
انفعال و انعدام المنهجية في النضال.
علي الثورة.
دراسة و اكتساب المنهجية في النضال النقابي و السياسي الانتقال على مستوى التعبير:
يمكن ملاحظة أن سلوك (علي) يتدحرج تدريجيا وبصورة حاسمة من حالة القبول بالواقع كما هو إلى حالة الدخول في صراع مع هذا الواقع. فبعدما كانت لغة (علي) لغة بسيطة، تتسم بالخضوع والقبول ــ ولو ظاهريا ــ بالوقع على عِلاَّتِهِ:
" ــ صباح الخير آسيدي المعلم...
ــ أمي تقرئك التحية، وتسأل عن صحتك..." ( ص.44 و45).
فإن هذه اللغة هي التي سنجدها بشكل مختلف ومتطور نسبيا حين يتكون لدى (علي) ذلك الوعي الجنيني/ النقابي، فيتداخل الآخر (الجماعة) والذات، حين تدرك هذه الأخيرة همومها كجزء من هموم الجماعة (الطبقة):
" ــ أ صحيح أننا لو اتحدنا لما استطاع المعلم عبد القادر أن يطردني... ؟" (ص.186)هذا هو السؤال الذي يكشف عن بداية تخلخل البنية الفكرية الاستسلامية التي سيطرت على (علي) والتي ستتطور أكثر فيما بعد، حين نجده مثلا يقول:
" ــ لو كنا مسلحين بالنقابة لتحَمَّلَتْ مسؤولية القيادة." (ص.308)
" ــ لِمَ لانُكَوِّنُ نقابة مستقلة عن نقابتهم." (ص. 309)
إن هذا التعبير يزيح الستار عن اكتساب وعي نقابي، سيتطور بعد ذلك إلى وعي سياسي بعد فترة السجن:
" ــ لا تضطرب فالسجن أُسِّسَ للرجال، وقد تكون كاكثر الذين تراهم هنا مظلوماً.
ــ كلنا مظلومين، ولكنا نتقبل الظلم بقلب مليء بالأمل، ومن الخير لك ألا تغتم فتفقد الأمل، فستضاعف من مدة سجنك من حيث لاتشعر." (ص. 342) " ــ منذ الآن يجب أن ننصرف عن الطريق المسدودة إلى الطريق المفتوحة: إلى تكوين جماهير الاستقلاليين." (ص.376)
" ــ ولكن، لأن أعمل على تكوين مناضل استقلالي يحقق الاستقلال والنقابة خير من أن أنفق جهدا من جهدي في تكوين نقابي يبحث عن النقابة فلا يجد." (ص. 377) الراوي ووجهة النظر:
قد نجد مرادفات لمصطلح وجهة النظر ( POINT DE VUE) في النصوص النظرية الخاصة بالسرديات مثل: مصطلح (رؤية / VISION) ويستعمله ( ج. بويون / J.POUILLON)، وكذا مصطلح ( التبئير/ FOCALISASION) ويستعمله (ج. جينيت / G. GENETTE). والمعروف أن هناك ثلاثة أشكال لوجهة النظر هي:
الرؤية من خارج أو التبئير الخارجي: وفي إطارها يمنع الراوي عن نفسه التسرب إلى ضمائر الشخصيات، إنه يدعي الجهل بالمحركات والنوايا، ولهذا تتقلص شخصياته إلى خواصها الجسدية أو سلوكاتها.
الرؤية المصاحبة (مع) أو التبئير الداخلي: حيث يتطابق الراوي مع شخصية من شخصيات الحكاية فيرى بعينها الناس أو أفعالهم.
الرؤية من خلف أو انعدام التبئير: وهنا يكون الراوي عليما (OMNISCIENT)، إنه متفرج ذو حظوة بالغة، نظرا لأنه يعرف بصفة تامة الأفكار السرية أو الأفعال المستترة للشخصيات، ويمكنه أن يخبر بها القارئ، وهذا النوع من الرؤية هو المستعمل في الرواية التقليدية.
ويمكن القول بأن رواية ( المعلم علي) تنتمي إلى الرؤية من خلف، لأن الراوي يبدو عارفا بعالمه معرفة تامة، وهي معرفة متعلقة بتفاصيل الأحداث، كما أنها معرفة متعلقة بما يجري حتى في أذهان أبطال الرواية، ويمكن أن نلاحظ هذه المعرفة المزدوجة في النموذج التالي:
معرفة على مستوى الظاهر" كان الجنرال مضطربا وهو يستقبل نواب جمعية أصحاب العمل مع نواب النقابة ... ولكنه كان يجلس إلى مكتبه ... يبحث أوراقا بين يديه في اضطراب.معرفة على مستوى الباطن لم يكن يقرأها أو يبحث عن شيء فيها. وإنما كان يشغل يديه وهو يفكر قبل أن يبدأ حديثا لايدري بعد كيف يوجهه. كان يستعين على التفكير بالتدخين." (ص. 362 ـ 363)
إن الراوي هو الشخصية المتخيلة التي نتلقى من خلالها السرد، ويقسم ( توماشيفسكي) الراوي إلى نوعين:
الراوي الذاتي (NARATEUR SUBJECTIF): ويمكن أن ندرج ضمنه مجموع النصوص الروائية التي يستعمل فيها الراوي ضمير المتكلم، والتي تتميز بكونها لاتروى إلا من زاوية رؤيته هو بحيث يكون شاهدا، أو أحد الشخصيات. وفي هذا الصدد يقتصر سرده على الأحداث التي شارك فيها أو المعلومات التي توصل بها عن طريق مصدر معلوم، أو يكون هو البطل، وهكذا تتركز الأحداث حوله مما يسهل عليه مهمة حكايتها.
الراوي الموضوعي (NARATEUR OBJECTIF): ويجوز أن ندرج ضمنه الراوي الذي يستعمل ضمير الغائب. وهو راوٍ يتميز بقدرة خارقة " على التحرك في جميع الاتجاهات" كما يقول (ألان غوب غرييه) عن (بلزاك).
وإذا كانت وضعية النوع الأول من الرواة تسمح بتفسير الطرق التي يستقي منها الراوي مصادر ما يحكيه، فإن وضعية الثاني تعمل على تجاوز ذلك نظرا لأن علاقته بالأحداث و الشخصيات لايمكن إدراكها.
أما فيما يخص رواية (المعلم علي) فإننا نجد بأن أحداثها تُروى بضمير الغائب، مما يجعل الراوي في هذه الرواية راويا موضوعيا، لكن ما سمات الراوي الموضوعي في رواية (المعلم علي) ؟ لقد أكد الكاتب باستعماله ضمير الغائب، أنه سيقدم تفسيرا لجميع الوقائع، فما على القارئ إلا أن يتابع الأحداث لمعرفة الحلول، لأن حريته في التأويل والاجتهاد من أجل معرفة الأحداث تكاد تنعدم.
إن استخدام ضمير الغائب ما هو إلا إيهام بالموضوعية، وإنما هو في حقيقته يتجه نحو صيغة وثوقية تضيق الخناق حول القارئ فلا تُقهمه إلا ما أرادت أن يَفهمَه.
الشخصيات في رواية (المعلم علي) :
يقصد بالشخصية في التحليلات الشكلية ظهور اسم علم، أو ما يعادل هذا الإسم، في النص بحيث يحدث ظهوره ما يشبه الفجوة في عملية القراءة. وهذه الفجوة إما أن تمتلئ بالمعنى أو لاتمتلئ. فإذا كان الإسم أو مايقابله قابلين للامتلاء فإنهما إما أن يمتلآ دفعة واحدة كما كان يحدث في روايات (ق 19) أو أن يمتلآ بصورة تدريجية إلى غاية انتهاء الرواية، ويحدث الامتلاء المذكور في شكلين:
امتلاء عن طريق التراكم، حيث كل فعل يقع يعمل على ظهور صفة جديدة تنضاف إلى الصفات الأخرى الخاصة بالشخصية التي أنجزت الفعل.
امتلاء عن طريق العلاقات بين شخصين أو مجموعة من الشخصيات، تتنوع هذه العلاقات بحسب الأغراض التي يراها الكاتب مناسبة للرواية.
إذا استطعنا استخلاص لائحة تامة بالشخصيات التي تتوفر عليها رواية (المعلم علي) لاحظنا التنوع التالي:
وجود شخصيات تظهر على مستوى ما يُحْكى من قِبل الراوي: ونعني بذلك الشخصيات التي تقوم بأعمال هامة أو ثانوية في سيرورة الحكاية، نمثل لها بكل من : علي / الحياني / فاطمة / وكذلك عبد العزيز...
أوضاع شخصيات أخرى تتمركز أهميتها في مستوى الكتابة أو طريقة الحكي: وهذه الشخصيات لاتقوم بأعمال في سيرورة الحكاية، ولكنها تعمل على إبراز بعض الأجواء المتعلقة ببعض التطورات ويمكننا أن نضرب مثلا على ذلك بشخصيات إخوة (علي): عيشة / كنزة / الجيلالي.
شخصيات تذكر بأسمائها كاملة، مثل علي وعبد العزيز، غير أن هذه الوضعية لاتدل على أهمية الشخصية، ذلك أن : الحاج عبد الله أو السي الحسن، يذكران باسميهما دون أن يكون لهما دور على مستوى ما يُحْكى.
شخصيات يتكرر ظهورها على امتداد فصول الرواية مثل (علي)، وشخصيات لاتظهر إلا بضع مرات أو أقل من ذلك، مثل : للا خدوج / عمي اللمطي / قدور...
من خلال هذه الملاحظات نستطيع أن نتبين التنوع الكبير لأساليب تقديم الشخصيات في رواية (المعلم علي)، هذا التنوع يضعنا أمام صعوبة تصنيف كل شخصيات الرواية أو على الأقل المهم منها. وهذه الصعوبة تدفعنا إلى اختيار تصنيف يهتم بنوع الأعمال التي تؤديها هذه الشخصيات إما على مستوى المحكي (ما يُحكى)، أو على مستوى الحكي (طريقة حكي ما يحدث):المعيار الأول: اعتبار عمل الشخصية على مستوى المحكي: ويمكن أن نلاحظ في هذا الإطار:شخصيات تبادر بالقيام بأفعال مستقلة أو أفعال ناتجة عن تطورها السيكولوجي، مثل:علي: في مراحله الأولى قبل أن يتصل بعبد العزيز.
عبد العزيز: في المرحلة الثانية حين أصبح هو العقل المدبر والموجه للجماعة فلا تعمل إلا بناءً على تعاليمه.
شخصيات لاتقوم بأعمال مستقلة، وإنما يترتب سلوكها مباشرة عن علاقتها بالنوع السابق من الشخصيات، ولهذا نلاحظ ضعف صفتها السيكولوجية، ونمثل لها بــ :
علي: بعد اتصاله بعبد العزيز، إذ أصبح الأول فاقدا لمبادرة بذاته.الحياني: على اعتبار أنه هو وعلي يأتمران بأوامر عبد العزيز.المعيار الثاني: اعتبار فعل الشخصية على مستوى صيغة الحكي، وفي هذا الصدد يمكن تبين الأنماط التالية: