عرض مشاركة واحدة
قديم 04-24-2016, 08:14 AM
المشاركة 2136
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رائدة طه يتيمة الاب في سن السابعة


رائدة طه... ألاقي زيك فين يا علي؟» : ما بعد رمزية وقداسة الشهيد
هلا أبو طالب

بعد خمسة عروض*اجتذبت جمهورًا كبيرًا في مسرح البلد، اختتمت الأربعاء الماضي مسرحية «ألاقي زيك فين يا علي؟»،*من كتابة وتمثيل رائدة طه، وإخراج لينا أبيض.+

تقاطر الجمهور الى المسرح على صدى أغنية «ألاقي زيك فين يا علي؟» بصوت الصبوحة، لتبدأ المسرحية بصوت رائدة طه الجالسة بأناقة على الكنبة، وهي تروي قصتها، متنقلة بين أعمار مختلفة، وبين سنوات مختلفة، وتعود بنا إلى عمر السابعة، وبالتحديد إلى العام 1972، يوم استشهاد والدها علي طه في عملية خطف طائرة سابينا المتجهة الى مطار اللد، مجسدة الشخصيات العديدة التي مرّت بحياتها.*تجلس تارة وتقوم تارة وترقص تارة وخلفها الكنبة وصور تعرض أحيانًا في الخلفية مع تسجيلات صوتية قليلة. *
تروي الممثلة طه عبر المونودراما القصة بطريقة حكواتية بامتياز تشعرك بخصوصية التجربة بعيدًا عن أي تكلف أو تصنع في الأداء، لتشعر بأنك جالس في جَمعةٍ عائلية وقد تناول الحديث أحد أقربائك المفضلين القادرين على رواية القصص ببراعة، فهي لم تكسر حاجز المُلقي للمتلقي فقط، بل وسعت أيضا لكسر حواجز القدسية والرمزية التي تغلف الشهداء خصوصًا وعوائلهم عمومًا.
من الابنة إلى الزوجة إلى الأخت، ارتسمت بطولات مُغيّبَة، جسدت لنا واقعا تعيش تحته عائلات الشهداء بعد رحيل الشهيد، ورحيل الضجيج الذي رُسم حوله من قبل الإعلام والتنظيمات والشعارات الرنانة.
كان في الطرح نوع من الجرأة، بداية من استخدام الأغنية في العنوان وخلال العرض، وعبر الحديث عن تجارب خاصة تتعلق بالتحرش الجنسي وما إلى ذلك، مما كسر أيضا غطاء القدسية الذي يغلف العاملين في الحركات الوطنية المختلفة ويعرض بطولات رائعة من نوع آخر. من الابنة إلى الزوجة الى الأخت ارتسمت بطولات مُغيَبة، جسدت لنا واقعا تعيش تحته عوائل الشهداء بعد رحيل الشهيد ورحيل الضجيج الذي رُسم حوله من قبل الإعلام والتنظيمات والشعارات الرنانة. فيبقى ضجيج من نوع اخر؛ ضجيج الصمت في غيابه، ضجيج صادق هو ضجيج الروح والذاكرة التي تذكر الحبيب والأب والأخ والصديق والانسان بكل ما فيه، وتجرده من رمزيته وهالته التي حصل عليها بعد رحيله فقط.
امتلأ العرض بالشخصيات النسائية الحزينة الجبارة المضحكة الصامدة، وبشخصيات ذكورية بعيدة كل البعد عن البطولة، بل وهي على عكس ذلك فقد شملت شخصيات مريضة، منافقة، غير فاعلة باستثناء شخصية أبو عمار وغازي* الحسيني اللتان كانتا الأقرب للإيجابية. عدا عن شخصية الأب الشهيد علي طه التي عشقناها من خلال المشاعر المتضاربه التي رأيناه فيها من خلال النساء في حياته، ومدى تأثيره عليهن ليومنا هذا حيث لم تلقى أي منهن بديلا لعلي. وقد غضبت رائدة طه الطفلة من علي كثيرا ولم تقدر أن تسامحه على غيابه إلا لاحقا بعد أن قالت لها أمها أن «علي يحب فلسطين لأنه يحبنا».
تظهر قوة الأم فتحية، التي ترملت وهي في السابعة والعشرين من عمرها مع أربعة فتيات أكبرهن في السابعة (وهي رائدة طه) وأصغرهن ذات الثمانية أشهر، خلال المسرحية كاملة. عبر الجنازة وفي بيت العزاء ومن ثم في الليالي الطوال وعيون «الرفاق» تتهافت على الأم، الى أيام بيروت ومدارسها، لنقاش لاحق مع الابنة الكبرى تقول لها فيه «إصحِك تزاودي عَلَيَ، لا إنتِ ولا غيرك..» في ردٍ على تهكم الفتاة من جملة أمها وهي تقول «يا ريتك كنت بياع فجل يا علي وتكون جنبي». تفاصيل عدة تجرّد عائلة الشهيد من قناع العنفوان والبطولة ليكونوا أشخاصا طبيعيين مثلي ومثلك، مقهورين في ظل احتلال غاصب قام بدفع أب رائع للقيام بعملية خطيرة بقصد الإفراج عن أسرى فلسطينيين.
تلي هذا القصة، حكاية العمة سهيلة المثيرة للدهشة، التي وبإصرارها ومثابرتها العجيبة لم تتوان عن الذهاب لأي شخصية مسؤولة تأتي الى القدس، مثل فيليسيا لانجر، المحامية الإسرائيلية التي اشتهرت بالدفاع عن الفلسطينيين،*وأمين عام الأمم المتحدة آنذاك فلدهايم، للمطالبة بجثة أخيها علي التي بقيت سنتين كاملتين في ثلاجة الموتى ولم يقبل الإسرائيليون بتسليمها للدفن. قامت العمة، التي من الممكن أن أطلق عليها لقب «أنتيجوني فلسطين»1، بالذهاب في ماراثون من منزلها فور سماعها على الراديو بأن هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي آنذاك، كان في زيارة للقدس، *لتلقاه وهي أمّية لا تقرأ ولا تكتب في فندقه، وتطالبه بإعادة جثمان أخيها لتقوم بدفنه. تروي «رائدة» القصة بتفاصيل عديدة تضفي عليها نكهة ساحرة فتريك العمة سهيلة التي تحدت الجميع لتحقيق هذا المطلب بنكهة فيها فكاهة وصلابة وعزة في آن واحد بعد أن كانت قد عاهدت نفسها منذ استشهاد أخيها بأن لا تضع غطاء على نفسها، إلا بعد أن تخلِّص علي من برد ثلاجة الاحتلال ليعود لتراب وطنه فيدفن فيه ملفوفا بعلم فلسطين الذي يحب، وهكذا كان.
ألاقي زيك فين يا علي؟ لم تلق رائدة مثل والدها علي أبدا، ولم يعوضها شخصٌ عن والدها حتى «أبو*عمار» الذي تبناها معنويا وكان جزءًا أساسيًّا من حياتها الشخصية والمهنية أيضا.
تقول رائدة بأن أمها السبعينية لا زالت إلى الآن تحلم بعلي وتشتاق إليه، وتنتهي المسرحية بفيديو للعظيمة ببساطتها سهيلة*طه2، وهي في الثمانين من عمرها، تغني بثوبها الفلسطيني المطرّز وابتسامتها الأخاذة تعلو وجهها «ألاقي زيك فين يا علي؟ وأنت في العين دي *والعين دي يا علي، يا كاويني يا علي .. يا ناسيني يا علي، عالعين يا علي يا علي.. علي».
فنشتاق نحن لعلي ولبطولات حقيقية وشخوص ملهمة كسهيلة و فتحية*وعبلة3*والعديد من الشخصيات الغائبة الآن ونشكر رائدة على حفرها لشخصيات عظيمة كهذه في ذاكرتنا الشخصية والوطنية أيضا في قالب فني مميز.

—-

1 أنتيجوني هي بطلة مسرحية سوفكليس اليوناني وابنة الملك أوديب التي أصرت على عصيان أوامر الملك كريون ودفن أخويها دفنا لائقا.

2 قصة سهيلة طه كما قصص عديدة لنساء فلسطينيات موثقة في كتاب د.فيحاء عبد الهادي الجديد “أدوار المرأة الفلسطينية 1965-1982” الذي تم اطلاقه في هذه السنة.

3عبلة طه شقيقة سهيلة وعلي طه التي اعتقلت إثر محاولة تهريبها للأسلحة عبر جسر دامية في السبعينات.

-----------

الممثلة والكاتبة الفلسطينية رائدة طه: سامحت والدي لأنه استشهد من أجل الحياة
رانيا يوسف
april 23, 2016

القاهرة ـ «القدس العربي»: في إطار مشاركتها ضمن فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان الفنون المعاصرة دي- كاف، رحبت المخرجة المسرحية اللبنانية لينا أبيض بالدعوة التي تلقتها من إدارة المهرجان لإقامة عرض خاص لأحد أعمالها المسرحية «الاقي زيك فين يا علي»، وهي المرة الأولى التي يعرض فيها هذا العمل في القاهرة. وتقول لينا في تصريحاتها لـ»القدس العربي» ان المسرحية عرضت في أكثر من عشر دول عربية، لكن وجودها اليوم في القاهرة أمر مختلف، وتمنت لينا ان يستمر العرض لأكثر من يومين وان تتلقى دعوة أخرى من أي جهة ثقافية في مصر. العرض شهد على مدار يومين زحاما كبيرا رغم ان قاعة مسرح «جريك كامبوس» الذي أقيم فيه محدودة وأيضاً الدعوات توجه لعدد معين من الجمهور، رغم ذلك لم يقتصر الحضور على الجمهور المصري، لكن الكثير من الأوروبيين والعرب سبقوا المصريين إلى قاعة المسرح.
بطلة المسرحية الكاتبة والممثلة الفلسطينية رائدة طه أكدت لـ «القدس العربي» عقب انتهاء العرض الأول، ان مصر تعد من المحطات الهامة التي توقف فيها العرض، لأنها شاهدة على المرحلة الزمنية التي تدور في إطارها القصة، رائدة أشارت إلى ان مصر أيام الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كانت تمثل نموذج العصر الذهبي للأمة العربية خاصة وانها كانت تدعم حركة المقاومة الفلسطينية ولها تاريخ طويل مع هذه الحركة التي خرج منها والدها بطل العرض الشهيد الفلسطيني علي طه الذي ينتمي إلى جيل الستينيات والسبعينيات. وترى رائدة ان مصر هي القلب النابض للشعب العربي، وإذا مصر قررت الاستغناء عن الشارع العربي، فالشارع العربي لا يستغني عن مصر، لذلك كان العرض في مصر محطة رئيسية وهامة لا يمكن إغفالها.
المخرجة اللبنانية لينا أبيض التي تمتلك رصيدا مسرحيا يتجاوز الثلاثين عملا قالت انها قدمت للمرة الأولى كممثلة على المسرح في مسرحية «عائد إلى حيفا». في ذلك الوقت كانت رائدة تروي لها قصصا متعددة عن استشهاد والدها علي طه وهو أحد الفدائيين خاطفي طائرة سابينا 571 في عام 1972 من أجل المطالبة بتحرير عدد من أصدقائه المساجين، والذي استشهد على يد الإسرائيليين، وتشرح لينا ان العمل تجاوز هذه الواقعة إلى سرد تغير الحياة عند أسرة الشهيد، وحاول ان يسرد تأثير استشهاده على أربع فتيات منهن بطلة العمل التي قامت بكتابة هذا النص. وتفتح رائدة كاتبة المسرحية والابنة الكبرى لعلي طه الدفاتر الحميمة لعائلاتها وتكسر قدسية النضال من أجل الوطن وتسأل صورة ابيها الشهيد هل فلسطين أهم مني؟
تواصل رائدة سرد قصة عائلتها من خلال نص يعتمد على الحكي، لينا أبيض أشارت إلى انها استلهمت الشكل المسرحي الذي خرج عليه العمل من خلال واقعة دارت بينها وبين رائدة، تقول لينا انهما كانا يتبادلان الحوارات لساعات طويلة حول تاريخ هذه الحادثة وما تبعها من ثمن دفعته تلك الأسرة وغيرها من آلاف الأسر التي قدمت شهداءها للمقاومة، نقلت لينا الصورة كما هي من فوق الأريكة التي جلست إلى جوار رائدة دوماً عليها لتحكي، وهي الصورة المسرحية التي اعتمدتها لينا، حيث تدير رائدة دفة الحوار من فوق الأريكة ويصاحبها أحياناً سرد بصري لصور قديمة عن عائلتها.
تؤكد لينا أبيض انها اختارت تقديم العرض في صورة مونودراما دون أي مشاركات تمثيلية، لتعطي المجال بالكامل للقصة لتكون هي البطل الرئيسي ، وأوضحت ان رائدة تمتلك شجاعة وموهبة كبيرة في الحكي خاصة وانها تحكي بألم وصدق عن المشاعر المختلطة التي أصابتها واخواتها بعد فقدان والدهم، وحقيقة اليتم والحرمان وفقدان الأب الذي لا يعوض غيابه أحد. وتعري رائدة والدها «علي» ونفسها وأسرتها وتجعل من أمها وعمتها بطلات لا تقل شجاعة وصلابة عن والدها، حتى وان لم يسمع بهن أحد، اما علي طه الشهيد وتقدمه رائدة على انه أب ترك عائلته ورحل، وتجسد في قصص سريعة كفاح والدتها لتربية اخواتها، فمنذ خمس سنوات وهي تفكر في تقديم هذا العرض، تقول لينا ان رائدة فتحت لها عالما لم تكن تعرفه أبداً.
رائدة: «قدمت قصة حياتي، حين جاءتني فرصة للتعبير عن نفسي وان أحكي عنها من خلال مجال المسرح، لينا أعطتني فرصة للوقوف على خشبة المسرح، حاولت تعرية قصة تعبر عن آلاف من قصص زوجات الشهداء، تناولت الواقع بعيدا عن الكليشيهات، أبناء الشهداء يعيشون حالة من الحرمان والألم والعذاب، وأقول أني وأخواتي كنا من أبناء الشهداء المحظوظين، لكن هناك آخرين لم يستطيعوا ان يحصلوا على هذا الاهتمام، الآن حدث ولا حرج أبناء الشهداء لم يقتصروا على فلسطين فقط ولكن أصبح العالم العربي مكتظا بالشهداء».
وتضيف رائدة:»المسرحية منودراما تعتمد على سرد شخص واحد وعلى تفاعل الجمهور معها، ان يلتقط كل الظروف المحيطة بها، الجمهور كان يقظا جدا على مدار ساعة وربع وهو وقت ليس بقليل ليصمد الجمهور أمام ممثل واحد يحكي فقط، الجمهور كان في غاية الترابط مع العرض ينصت ويسمع باهتمام وتعاطف، لأننا قدمنا وجهة نظر إنسانية كانت معتمة. أنا ضد كل الشعارات الكبيرة التي أصبحت فارغة من مضمونها، أحكي عن قصتي بصراحة، وقدمت ما عايشته انا وعائلتي، وحاولت تصوير حياة عائلات الشهداء ومعاناتهم والثمن الذي يدفعه أبناؤهم ونساؤهم من أجل القضية، أنا ضد ثقافة الموت، انا مع ثقافة الحياة، أو مع الموت من أجل الحياة».
في نهاية العرض قالت انها سامحته على قراراه، وتوضح: «أبي أخذ قراره بالاستشهاد من أجل فلسطين لكنه ترك خلفه عائلة عاشت الكثير من الألم والحرمان والوحدة الحياة المعقدة، رغم ذلك لا أحب الشعارات والتغني بالموت وبالحزن والألم، لا أحب تقديم وجه واحد، فالحياة لها عدة وجوه، وكل فعل وله ثمن وكثير من الألم.
لينا قالت: «وأخيرا يسمع الجمهور صدى مختلفا عن أبناء الشهداء وعائلاتهم وأبنائهم، المسرحية شخصية وشجاعة لانها تدخل إلى تفاصيل شخصية وعلاقات خاصة، خاصة التي تجمع بين الرئيس الراحل ياسر عرفات وعائلة الشهيد علي طه وبناته، حكايات مختلفة عن ما يدار على مسامعنا دائماً عن هذه الشريحة، التي هي أيضاً تعتبر ضحية لكنهم يمتلكون قوة كبيرة تعيدهم إلى مواصلة الحياة».
وتؤكد المخرجة المسرحية لينا أبيض ان الصعوبات التي واجهتهم أثناء التحضير للنص هي اختصار القصص الكثيرة التي كتبتها رائده، وتشير إلى انها حاولت اختيار وتكثيف بعضها، التجربة غير تقليدية في الكتابة، واستغرقت كتابة النص ما يقرب من عامين، النص واقعي وغير متكلف، ويشرح معنى ان تكون ابن شهيد لأننا لا نعرف الثمن الذي يدفعه الآخرون.
وتختم رائدة: «سامحت والدي في نهاية المسرحية لأن هذا قراره الشخصي، هو لم يمت يائساً من الحياة بل مات من أجل الحياة. اكتشفت انه كان على يقين انه سيعود بعد تحرير الأسرى، كانت لديه إحتمالات الحياة، لكن التضحية كبيرة وثمنها غال».
حصلت رائدة طه على بكالوريوس اتصالات التعبير والصحافة من جامعة جورج ميسون في واشنطن، وعملت سكرتيرة لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات منذ عام 1987 حتى عام 1994 وترأس حالياً مركز السكاكيني الثقافي في رام الله، كما انها عضو اللجنة الإدارية لمؤسسة غسان كنفاني الثقافية في بيروت.
العرض المسرحي «ألاقي زيك فين يا علي» كتابة وأداء رائدة طه، ودراماتورجية وإخراج لينا أبيض، التي قدمت من قبل أكثر من ثلاثين عرضا مسرحيا منها «الحرب الأهلية اللبنانية» و «النساء وفلسطين» وعرض «الديكتاتوريات العربية».
رانيا يوسف