عرض مشاركة واحدة
قديم 03-01-2014, 01:54 PM
المشاركة 37
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اعجبني هذا المقال والذي يوضح اثر ابن رشد على التطور المعرفي الغربي لمن يريد ان يتوسع في معرفة هذا الدور:
==

المذاهب الفلسفية والأدبية وأثرها في الرواية الأوربية دعوة الحق
84 العدد

يذكر بعض علماء الغرب بأن الفيلسوف الأندلسي ابن رشد كان أكثر أهمية في الفلسفة المسيحية منه في الفلسفة الإسلامية فهو بالنسبة لهذه ( الفلسفة الاسلامية ) نهاية طريق مغلق بينما هو بالنسبة للأولى ( الفلسفة المسيحية ) بداية الطريق (1)، وذلك منذ أن ترجم إلى اللاتينية من لدن ميخائيل سكوت في مستهل القرن الثالث عشر فكان له تأثير قوي لا على الفلسفة الاسكولائية أي المدرسية وحدها بل وعلى أحرار الفكر من غير المحترفين الذين أطلقوا على أنفسهم اسم أتباع ابن رشد في الوقت الذي كانت جامعة باريس تضم أكثر المعجبين به من الفلاسفة المحترفين فتوما الإكويني الذي يعد من أعظم الفلاسفة الإسكولائيين لم يسلم من التأثر بالفيلسوف المغربي على الرغم من إعلانه القيام بدور تصحيح فلسفة أرسطو مما ألم بها من الخطأ في اعتقاده عن طريق ابن رشد وأتباعه من المسيحيين معتمدا في هذا التصحيح على الترجمة من اليونانية بفضل صديقه وليم الموربيكي وهناك أيضا الإسكولائي الإنجليزي روجير بيكون الذي انتقد المترجمين من معاصريه عن اليونانية والعربية معا، مثلما كان ينتقد بناء الحجة على ما اعتقده الأسلاف بينما نراه بالرغم من ذلك لا يتورع عن اقتباس آراء بعض الفلاسفة، من بينهم ابن رشد وابن سينا كذلك (2).
إذن فقد كان ابن رشد بداية الطريق في الفلسفة الأوربية التي سنراها تغتني بالعديد من المذاهب الفلسفية والأدبية والعلمية يتداخل بعضها في بعض ويناقض بعضها الآخر ولم يكد يحل القرن السابع عشر حتى رأينا عناية فائقة بالمنهج فظهرت عدة كتب في هذا الموضوع لفلاسفة مشهورين مثل فرنسيس بيكون صاحب كتاب الأرجانون الكبير وديكارت صاحب المقال في المنهج وإصلاح الذهن لسبينوزا وقد كان بيكون في مقدمة فلاسفة المذهب التجريبي المناهض للمذاهب العقلية الصرفة في حين نرى ديكارت من أعلام المذهب العقلي فإذا انتقلنا إلى منتصف القرن الثامن عشر ألفينا المدرسة التصورية أو المثالية في أوجها على يد عمانويل كانت وأتباعه من مثل فخته وشلينج وهيجل فيما بعد.
جاعلين نصب أعينهم معارضة المذهب التجريبي ثم التشككي الذي تزعمه دافيد هيوم.
أما في منتصف القرن التاسع عشر فإن نظرية داروين في النشوء ولم تكن في الحقيقة سوى نظرية بيولوجية لم تلبث أن تحولت إلى مذهب فلسفي تام على يد البيولوجي الألماني هيكل (1834- 1919)، يطلق عليه المذهب المادي أو مذهب الطاقة كما نرى حملة جديدة ضد المذهب التجريبي ونظرية التطور يتزعمها في انكلترا ت، هـ جرين تحت اسم المذهب المثالي المطلق أو كما سماه البعض بالكانتية أو الهيجيلية الجديدة وتزعم هذه الحملة في فرنسا لاشلييه ورويس في أمريكا.
فإذا أشرف القرن على نهايته رأينا في فرنسا رد فعل قوي للنظرية الآلية العلمية بلغ دورته في مذهب التطور الإبداعي الذي يمثله الفيلسوف الفرنسي الشهير هنري برجسون يقابله في ألمانيا هانس دريش ووليم جيمس في أمريكا تحت اسم البراجماتزم وعليه بنى جون ديوري فلسفة الذرائع لنخلص فيما بعد إلى المذهب الواقعي المتفق مع الروح العلمية الحديثة والنتائج العامة التي وصل إليها العلماء وقد ظهر على يد الفيلسوف البريطاني ((صمويل ألكسندر)) الذي اعتمد على الزمان والمكان أو الكون الزماني المكاني ذي الأبعاد الأربعة، والمعتمد على الحركة البحتة( أي الانتقال من نقطة زمانية مكانية إلى نقطة أخرى) (3) .
وإذا كنا لم يخطر ببالنا قط محاولة التعرض إلى جميع المذاهب الفلسفية الغربية التي ظهرت خلال القرون الأخيرة بسبب أن ذلك قد ينحرف بنا عن القصد الذي نرمي إليه فإننا تحرينا الإشارة إلى البعض منها مما قد يكون له مداخلة مع بعض مع بعض المذاهب الأدبية التي كان لها بعدا الأثر في الرواية الأوربية، على أننا لا نغفل هنا الألماع إلى أثر بعض المذاهب السيكولوجية والاجتماعية والكشوف العلمية في الموضوع فنظرية فرويد سنرى ما لها من أثر في المذهب السريالي مثلا ووليم جيمس وهو العالم النفساني كان له أبعد الأثر نتاج أخيه الروائي هنري جيمس وكان لبعض الاختراعات أثر لا ينكر في الرواية كذلك فاختراع الكاميرا مثلا قد بدأ أثره على الرواية في العناية بالحركة الخارجية وتسجيلها بدلا من الاهتمام بالدوافع النفسية، والاعتماد على العقل الباطني.
وقبل التعرض إلى بعض المذاهب الأدبية وأثرها في الرواية الأوربية يجب ألا نغفل الإشارة إلى تدخل مختلف العوامل السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية في نشوء تلك المذاهب بحكم النزوع الحي إلى محاولة إنشاء الهياكل المثلى للبنيات الاجتماعية والسياسية والثقافية والأدبية وإذا كان الشرق الإسلامي لم يستلفت نظره من التراث اليوناني إلا الفلسفة والطب والهندسة وغيرها من العلوم دون الاهتمام بالجانب الأدبي والفني من ذلك التراث فإن الفكر الغربي الذي عرف كثيرا من تلك العلوم عن طري الفكر الإسلامي أقبل بشغف على التراث الأدبي اليوناني بواسطة المترجمين الذين نشطوا خلال القرن الثاني عشر حيث كانت المراكز الرئيسية لنشاط الترجمة بصفة عامة هي القسطنطينية وبالرموز وطليطلة و هذه الأخيرة كانت أهمها حيث أنشأ رئيس الأساقفة ريموند كلية الترجمة (4) ، وهذا ما جعل معظم الأدباء ينحون نحو الأدب اليوناني ويتأثرون به جد التأثر ومن ثم كان في معظمه كلاسيكيا إلى أن ظهرت الرومانطيقية وكان من حظ الرواية أن تحتضن هذا الاتجاه الأدبي قبل فني الشعر والمسرح أي منذ 1802 حيث أصدر الكاتب الفرنسي شاتوبريان روايته رينه التي تدخل في نطاق الرواية السيكولوجية وقد اصطبغت بها الرومانطيقية في بدء ظهورها شانها في ذلك شان روايتي مدام دي ستايل ودلفين وكورين ورواية اعترافات في العصر لألفريدي موسيه وإن كان التعبير ها هنا أكثر اتساما بميزات الرومانطيقية فهو ملتهب وفصيح عاطفي يحمل التحاليل بحركة مستعجلة لاهتة (5) ولا تكاد تظهر روايات ستندال حتى نرى الروح الرومانطيقية قد تبلورت بشكل يعاكس ما رأيناه في رينه لشاتو بريان واعترافات فتى العصر لموسيه وإن كان هذا لا ينفي أن مشاغل أبطال ستندال كانت نفس مشاغله هو مع شيء من الاهتمام بالأشخاص الثانويين واتساع المجال أمام المخيلة مع تعقيد الدراما ولم تلبث الرومانطيقية أن اتخذت التاريخ مصدرا لها بحكم النزوع إلى التخصيص الذي أضيف إليه فيما بعد ذوق التجريد والحقيقة الخارجية التي هي أحد الخطوط الرئيسية في الرومانطيقية (6) وكان ذلك أيضا على يد شاتو بريان ملحمته الشهداء LES MARTYRES التي ظهرت سنة 1809 على أ ألكسندر ديماس استطاع أن يوفر للرواية التاريخية ما اتسمت به من شعبية بقطع النظر عما وجه إليه من انتقادات لا مجال لذكرها هنا وفي هذا الصدد ينبغي ألا نغفل عن ذكر رواية روتردام دي باري لفيكتور هيجو الذي ستتخذه الرواية الرومانطيقية على يده إطارها الاجتماعي في البؤساء les misérables دون تجاهل تأثره باوجين سو SUE ولاسيما في روايته أسرار باريس.
أما الرواية الواقعية وهي من مواليد الرومانطقية كذلك فكان رائدها المبرز بدون جدال بلزاك في رواياته الخمس والعشرين التي جمعها تحت عنوان الكوميديا الإنسانية la comédie humaine وبالمقابل تتمثل الرواية العاطفية عند جورج صاند ويمكن القول إن الرواية استفادت من الرومانطيقية عمقها واتساعها، وكان أول الفنون الأدبية احتضانا لهذا المذهب الأدبي الذي قام على أنقاض الكلاسيكية التي كانت إلى القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر مسيطرة على الجو الأدبي والعكس على الرواية ما تتسم به من الرومانطيقة من أحلام وأوهام وتعلق الأمور البعيدة وميل إلى الحزن والتفكير في الموت والإغراق في الخيال والإيمان بالمغيبات والولع بالفروسية وهيام بالبطولات وهي جميعها خصائص الرومانطيقية.
هذا في فرنسا أما انجلترا فقد ظهرت الرومانطيقية في قصص الغموض والخيال بظهور قلعة اترانو لهوراس والبول وقد نشرت سنة 1746 أما روايات السير والترسكوت فيمكن أن تساق كمثال للرواية التاريخية الرومانطيقية (7) ولم تخل آثار أدباء انجليز كجورج اليوت ونيومان وكارليل وغيرهم من ثمار الرومانطيقية وإن كانت جورج اليوت تمتاز بالتزامها الواقعية وتطبيقها تطبيقا علميا على عقول شخوصها (8) وظهرت السريالية لتهدف إلى استعادة جميع الطاقات غير المعترف بها مرتكزة حسب رأي أندريه بريتون على الإيمان بالحقيقة العليا لبعض أشكال الجمعيات التي كانت مهملة قبلها وعلى قوة الحلم العظيمة والحركة النزيهة للفكرة ومن المسلم به أن السريالية تخرج عن نطاق الأدب بالنظر إلى أنها تهدف إلى انعتاق الإنسان من مدينة بالغة التعقيد والنفعية إلا أنها بالنظر إلى أن أفضل وسيلة للإعراب عن الحالات النفسية هي الفن فقد لجأت إلى تقييم الانتاجات من الناحية الجمالية فقط (9) فالفن عند السرياليين إذن ليس سوى طريق موصل إلى السريالية وصحيح أن السريالية أفادت الشيء الكثير من كشوف فرويد النفسانية إلا أنها تخطت التحليل إلى تحقيق ما اكتشف من الثروات الداخلية للإنسان وهذا يعني أنها تجمع النظرية والتطبيق وبالنظر إلى أن السريالية كانت في الواقع ثورة على الرومانطيقية لأجل اكتشاف عالم آخر فإنها من جهة تعارض ذاتية الرومانطيقة التي لا تعترف إلا بحقيقة إنسان مفكر عاقل كما ترفض من جهة أخرى ذاتية التأثرية Impressionnisme التي تقضي بإبقاء التأثر على النحو الذي وقع الشعور به والسريالية تعتبر الشعر الأكثر جدارة لإيحاء المهاوي السرية من فن التصوير بالنظر إلى تمييزه بسرعة الإعراب عن تتابع الأفكار في الروح المودعة لنفسها، ومن ثم ينصح أندريه بريتون بممارسة الشعر لبلوغ الإلهام السامي ، ومن أجل ذلك نرى أن السريالية وجدت مجالها الفسيح في الشعر أكثر من أي فن أدبي آخر. إلا أنها مع ذلك لا تتجاهل ما للحوار من تناسب مع أشكال اللغة السريالية بالنظر إلى أنه يبتدع صورا عفوية شريطة عدم اللجوء إلى استنباط متعة جدلية من أحد الطرفين وفرضها على مخاطبه ومعنى هذا أن السريالية تتحرى مجانية العالم الواقعي لتقتحم عالم الرؤى والأشباح وهذا الجو اللاواقعي هو الذي نعثر عليه في الروايات السوداء للقرن الثامن عشر بانجلترا والتي قوبلت بنجاح كبير فرواية الراهب التي ترجمها انطونان أرتو بعد أن استهوته تلك المداخلة الثابتة للسحر والشعوذة في الحياة الواقعية يرى فيها بريتون ( رغبة الخلود لأبطال منعتقين من كل مضايقة وقتية ولا يطرى إلا ما يوحى من الروح ترك الأرض " ومثل ذلك يمكن القول عن رواية " هويماس " ( على الطوف ) ورواية " المسدس ذو الشعر الأبيض " التي يصف فيها ( بريتون ) أحد قصور الأحلام ورواية " قصر أو تراب" التي استلهمها " هوراس والبول " من أحد الأحلام.
أن السرياليين يعتقدون أن الإنسان أسير أحلامه في حين نرى أن الطبيعيين يعطون للتوافه اليومية أهمية في حياة الإنسان الذي يتفطن لها دائما ثم كان يحدو هؤلاء الرأي القائل : أن مصير الإنسان هو وسطه " عكس الأخيرين الذين يقولون : أن مصير الإنسان هو خاصته إذا كان أميل زولا مؤسس الاتجاه الطبيعي في الرواية اعتمد بالدرجة الأولى على الجانب الفيزيولوجي فإن تلاميذه اتجهوا إلى الجانب الإجتماعي بالنظر إلى أن الفرد يعكس الوسط الاجتماعي إلا أن هؤلاء انقسموا فيما بعد إلى تيارين أساسيين في المذاهب أولهما يهتم بوصف البيئة الاجتماعية وفضحها وكذلك القضايا الاجتماعية وفضحها وكذلك القضايا الاقتصادية والرواية الأمريكية تسعفنا بنماذج من التيارين معا على أن أبرز من يمثل التيار الأول "جيمس فاريل " بينما يمثل التيار الثاني " دوس باسوس " ومع ذلك فإن من الخطأ الاعتقاد بأن الطبيعيين من كتاب الرواية تقيدوا دائما بأسس هذه المدرسة " فزولا " نفسه وهو مؤسسها يؤكد لنا في " جيرمينال " هذا الرأي حيث يحلق في أجواء الخيال الفسيحة يشكل يذكر بالأحلام ومثل ذلك يقال عن " فاجنر" أما الوجودية فبالرغم من أنها فلسفة قوامها الفرد بنزعاته ورغباته وبذلك القلق الحاد الذي يستحوذ عليه حيال المصير بل وطلاسم الحياة نفسها فمن الصعب تأطيره كمذهب فلسفي منظم ذلك لسبب وجيه هو أنها مذهب حياة والحياة معقدة وغنية بالمفاجئات ومن ثم اختيار الوجوديون لأنفسهم طريقة العرض الروائي والمسرحي والقصصي لنظراتهم الفلسفية وهي تعارض كل ما يندرج تحت العموميات والقوانين الكلية وبصفة عامة جميع المذاهب التي تقضي بذوبان الشخصية كمذهب " هيجل " الألماني مثلا.
وإذا كان " كير كجورد " ( 1813 – 1855 ) يذكر دائما على أنه أبو الوجودية فمن الخطأ الاعتقاد بأنها لم تخطر ببال أحد قبل ذلك " فتوما الأكويني الإسكولائي " أدرك هو
أيضا قبل " كير كجورد " أن المجرد غير موجود وأن التجريد يرتكز على الفرد وأن هذا الفرد هو نقطة انطلاق.(10)
ووجود الفرد سابق على ماهيته من وجهة النظر الوجودية ويكمن هذا الوجود فيما يقوم به الفرد من أعمال وما يتخذه من مواقف ومن ثم كان عليه أن يجعل لوجوده نكهة وجدة وهذا يعني الانتقاء وهذه المسؤولية الشعور وهذا بدوره يعني الحرية والمسؤولية في آن واحد على أن تتجاوز هذه المسؤولية الشعور بالحرية في اختيار المصير إلى اتخاذ هذا الفرد موقفا مما يدور حوله في هذا الكون فهو مسؤول عن كل شيء " مسؤول عن الحرب كما لو كان هو الذي أعلنها " على حد تعبير " سارتر " في " الوجود والعدم ".
هناك فكرة تطبع أدب العصر حسب رأي " جورج برنانوس " هي أن " كل شيء ينبغي أن يعاد ويبدأ من جديد(11) " إذ أن الإنسان يلفي نفسه وحيدا أمام نظريات جاهزة يرفضها ويتحمل مسؤوليته في وحدته هذه ومن ثم يشتد قلقه وحيرته وتتضاعف مسؤوليته، وهذا هو القاسم المشترك بين آثار كل من برنانوس ومالرو وكراهام كرين وألبير كامو وصحيح أننا نلمس منذ بداية القرن العشرين أن " الحياة كف عن أن تكون جاهزة(12) " نلمس ذلك عند " بيجي " و " أندري جيد " وصحيح أيضا أن " الحرية " و " الوعي " تأخذان مكان الصدارة في آثار " جيد " و " كوكتو " و " رال يغييه " بالقدر الذي جعل بطل الأول " لافكاديو " وبطل ثاني " توماس " المشعوذ ومن أبطال الثالث سكاري مراهقين لا يومنون بغير أهوائهم وحريتهم الثمينة ولكن المأساة الإنسانية تبدو عند " مالرو " و " كامو " أكثر جسامة حين يواجه الإنسان مصيره وقدره في حين تحول الوعي و الحرية عند " روكانتان " بطل رواية " الغثيان LA NAUSEE " " لسارتر " إلى ضرورة قاسية وفاجعة (13) وفي قصة " ضباب " ( لميجل أو نامونو ) الفيلسوف الوجودي تتجلى ظاهرة القلق الحاد من أجل المصير فلا يتورع " اونامونو " عن التدخل حينما قرر البطل الانتحار لينخرط معه في حوار عن الموت وحينما يموت البطل يحاول الفيلسوف الوجودي أن يبعثه مرة أخرى وفي الحلم يخاطبه البطل قائلا : " أن الذي يموت لا يستطيع الخالق أن يبعثه لأن أحدا لا يرى حلما واحدا مرتين " والحياة غير مبررة والشعور بهذا يتبدى لنا عند البطل " كامو " في قصة " الغريب L’ETRANGER ".
ثم أن هناك نظرية تعني عدم الكفاية للقيمة الخارجية والاجتماعية لبناء حياة أخلاقية حقيقية وصدق إنسان حقيقي وأن لا قيمة للرضى الصادر عن الشهرة وصحيح أن هذه النظرية وردت على لسان " بوسويه " و " باسكال " إلا أنها أخذت مكانة أكثر فيما بعد " جيد و " مالرو " و " بيراند للو " و " أنوى " وإذا كان لهذا الاتجاه من معنى فهو تحد للقيم المتدرجة تحت حضارة متجمدة يخيم عليها الرياء والطمأنينة وينعدم فيها عنصر الإخلاص والقلق ومن ثم فإن الاتجاه الفلسفي " لساتر " يرتكز " على الصراحة والإخلاص والوعي " والمسؤولية العارية دون اعتبار للقيم الجماعية والأخلاقية(14)" والوعي بحاجة إلى شيء يوعي أو بعبارة " سارتر " نفسه " أن كل وعي هو وعي شيء ما " أما الأشياء بحد ذاتها فهي لا تحتاج في وجودها إلى شيء فهي كثيفة ليس لها من هيئة وكذلك تبدو في " الغثيان " ولأنها موجودة بذاتها فقد أطلق عليها " ساتر " اسم الوجود ولكنها بالرغم من ذلك ليست بشيء دقيق واضح وإنما الذي يضيئها ويكسبها معنى هو الوعي الذي يقتطع شيئا من أشياء وهذا معنى إنكار جزء من العالم أي أن الوعي يتجه نحو العدم الذي هو في نظر " سارتر " لا يهوى بالوعي وإنما يرفعه ومن ثم فإن الإنسان ليس إلا وعيا ينفصل عن الأشياء ويعطيها معنى.
وطبيعي أننا لن نستطيع في هذه العجالة الإلمام بمختلف التأملات التي تطرحها الفلسفة الوجودية غالبا في صورة مواقف لأبطال روايات ومسرحيات وما أشرنا إليه منها وبالنسبة كذلك لما سبقها من المذاهب الفلسفية والأديبة كان قصدنا منه بالدرجة الأولى تأكيد الحقيقتين التاليتين :
1- تدفق المجاري الثقافية المسعفة بروافد مختلفة في أوربا وتجددها وحيويتها
2- مسايرة الرواية لهذا التدفق والتجدد والحيوية واحتضانها لكل جديد هذا في العالم الأوربي أما في الشرق العربي فذلك ما سنحاول التعرض له في مقال قادم بحول الله.


(1) تاريخ الفلسفة الغربية لبرتراند راسل ترجمة الدكتور نجيب محمود ص 196 ج 2.
(2) نفس المصدر ص 253 من الكتاب الثاني.
(3) فلسفة المحدثين والمعاصرين ل: أ. وولف ترجمة الدكتور أبو العلاء عفيفي ص 115.
(4) تاريخ الفلسفة الغربية لبرتراندرسل الكتاب الثاني ص 216.
(5) الرومانطيقية لفان تيغم ترجمة بهيج عثمان.
(6) الرومانطيقية للمؤلف والمترجمين السابقين.
(7) القصة في الدب الانجليزي للدكتور طه محمود طه مجلة القصة عدد 2 السنة الأولى.
(8) نفس المصدر ص 168.
(9) السريالية لأدولف دوبليش ترجمة بهيج عثمان.
(10) " الصراع في الوجود " ( لبولس سلامة ) ص 456
(11) " ساتر والوجودية " ل ( ر م البيرتس ) ترجمة الدكتور سهيل إدريس ص 18
(12) نفس المصدر ص 17
(13) نفس المصدر ص 35
(14) نفس المصدر ص 66