عرض مشاركة واحدة
قديم 04-02-2014, 03:08 PM
المشاركة 25
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
أوراق سيلين
جلست أمام المسبح مع بسام ونادر يقف على مقربة هو لم ينس صفعتى لجانيت ولا اكتشافى أن الراهبة هى أمى وزاد الأمر ذلك التحدى بينه وبين بسام الذى جلس يرمقه بعيون نارية .. بسام غاضب منه لإهماله شقيقته وغاضب منه لأنه يقف ضدى .. كان الأثنان يتبادلان النظرات بتحدى ولكنى سررت حينما استسلم نادر وأدار لنا ظهره ومضى إلى البوابة الرئيسية يتبادل حديثا ما مع الحراس
أفقت على صوت بسام الدافئ وهو يقول
شادن أريد مساعدتك لكنى أفتقر لكثير من التفاصيل
اه يا بسام رغم مرور السنوات ..مازلت أذكر لقاؤنا هذا كأنه بالأمس القريب .. مازلت أذكر اهتمامك بكل كلمة ذكرتها .. اسم أبى.. بيتنا فى القاهرة.... مدرستى .. وحتى زيارة لوسى الأخيرة وما حدث بينى وبين جانيت
يومها قلت لى بحزم لا تقلقى شادن سأعمل ما بوسعى حتى تعودى أمنة لوطنك وقد وقفت بقامتك المهيبة كى تنصرف لتطمئن على ابنة عمك وقد هممت بمرافقتك لكنك همست
لالا ناظرا باتجاه نادر وطلبت منى أن أذهب للمنزل حتى لا تزداد الأمور توترا ...كنت أحب رفقتك بسام .... لكنى سببت لك المشاكل مع نادر .. غير فدوى المريضة ... مازلت أذكر لقاؤنا هذا فبعده دخلت إلى المنزل كما طلبت .. كان الوقت مازال مبكراً ولا درس لى اليوم ولا حتى جانيت موجودة فقط شادن وجدران القصر وأوراق سلين .. تلك الأوراق التى ترجمت منها الكثير وقد حان الوقت لأفهمها ... هل ندمت يوماً على شئ فعلته ... هل ندمت يوماً على نصيحة لم تستمع لها من خديجة الطيبة
دع الموت يرتاحون فى قبورهم يا ابنتى ...لقد اتعبتنى مذاكرات سيلين المهترئة لسنوات وسنوات بكلماتها المشوشة وحروفها المرتعشة .. حيث يقبع بين سطورها ثلاث ضحايا وأنا رابعتهم .. أعود بين الحين والآخر لأقرأ منهم
أن روحى تختنق بالمكان
لقد فصلنى عن لوسى وأرسلها لمدرسة داخلية أخبرنى أنها مدرسة فى سويسرا لأبناء الطبقات الراقية
نظرت له بسخرية .. أعرف أن لوسى تقبع بمكان ما فى بيروت .. إنه يخدعنى ... من أين له أن يتحدث عن الرقى ... إن ذاته تحترق بجبروته الذى يحرق معه الجميع
صفحة آخرى مهترئة
كلما نظرت للوحة لويس الملك تذكرت أنى قطعة اضيفت للقصر مثله
يوم كئيب آخر ملبد بالغيوم مازال خورى فى سفر لكن حراسه يقفون كالصقور
هو يعلم أنى أنتوى الرحيل آه يا لوسى يا ابنتى كم أفتقدك
وورقة قد ضاعت معظم أسطرها ولم يبق منها سوى
علمت أنه سيلحق ابنى الصغير بلوسى فى المنفى كما كنت اسميه جادلت غسان كثيرا لكنه لم يأبه لى رد بتأفف
خائنة مثلك لا تستحق سوى أن أبعد عنك ولديك آلمتنى الكلمة أنا لم أفعل .. لم أخنك غسان
سمرنى فى مقعدى لقد اطلعت على أشياء تكتبيها قلت كالمذعورة إنها كلمات مجرد كلمات
سألته فى خفوت أين أوراقى قال بتلذذ
مزقتها
بكيت وبكيت هذا التعس مزق صفحات من عمرى يا لوسى
مزق تاريخى مزق مشاعرى
إنى أكتب لك القليل خلسة منه حتى تفهمى .. لقد ضربنى اليوم كثيرا حتى أدمى جسدى حتى ايلى المسكين
لقد أسال الدم من أنفه ..هو لم يحبه أبدا .. أحبك أنت لوسى لكن بطريقته
وورقة آخرى تحمل اعترافا فظيعا

خنته اليوم مع أحد حراسه .. لوسى ليس حبا فى الخيانة بل أملا فى الحرية حتى يساعدنى على الهروب
سأرحل لوسى سأرحل سأخذ ابنى وأرحل لقد ضربه خورى مرة آخرى اليوم
لا أعرف مكانك حبيبتى
لكنك ستعلمين مكانى بباريس
تركت لك هذه الوريقات فى حشية البيانو لأنك الوحيدة التى تعرفين قيمته ليس كقطعة انتيكة أنيقة يضمها قصر الخورى
ثم أوراق وعبارات لم أفهم منها شيئا

صدمنى ما قرأت وآلمنى صورة الطفل الحزينة
وتساءلت أى نهاية حدثت لك سلين
أى مصير كان مصيرك أنت والطفل المسكين .. هل قتلكما خورى أم ماذا ؟
أن صورتكما المكللة بالسواد تنبئ بموتكما
لكن كيف؟
كانت جوجى كعادتها فى المطبخ منهمكة فى إعداد الطعام تسللت إليها خفية
رحبت بى مازال الوقت مبكرا على طعام الغذاء ضحكت يبدوا أن ثمة شئ شهى لنا اليوم
نعم حبيبتى اعددت شيئا مميزا لفدوى وبسام ثم غصت أعلم أنك تحبينهما كثيرا لكن جدك لن يحبذ هذا وقد يغضب كثيرااتكأت على الحائط أغمم فى شرود إلى أى مدى يصل غضبه
هل سيقتلنى كما قتل سيلين وابنه
كان رنين المعلقة التى وقعت على الأرض يكسر هدوء القصر وجوجى تأخذنى فى حضنها فى رعب
لاتلفظ اسم سيلين حبيبتى رجاء نظرت لها دامعة
هل قتلهما جوجى؟!
مسحت دموعى
لا حبيبتى لم يفعل ..لكن. لكن ماذا ؟!
نظرت حولها جيدا وكأنها تخشى من يلتصص
لقد انتابت سيلين حالة من الآلم وقد حاولت الهرب مرارا ولم تفلح ثم ركبت سيارتها ومعها الصغير وخورى يومها كان يقهق كالشيطان وهو يقول هيا اهربى
ترجته كثيرا وقبلت قدمه والصغير يبكى فى السيارة أن يتركها ترحل لكنه رماها بقسوة وقد تعلق بصرها بالباب الحديدى المغلق وعنئذ اتخذت قرارها ركبت سيارتها وبسرعة ودون أدنى توقع قادت السيارة واصدمت بالباب فى قوة كان حادثا مريعا ثم عادت لطناجرها تمسع دموعها السخية وصوتها مختنق
لكنه لم يقتلها ضحكت فى سخرية ..يا البشاعة لم يقتلها
يا له من قاتل يا له من جبار يا له من طاغية ..كم أود أن أقتله
لم أسمع صوت جوجى محذرا وأنا أنصرف ولم أع أن هناك من كان يتلصص
ومن يحصى أنفاسى وخطواتى ومن ينتظر وينتظر
الواشى

مع أفكارى الحزينة جلست حتى المساء .... لم أتناول طعاما فصورة ايلى الصغير وسيلين تنغص مضجعى ...إنها ضحيته الأولى ...قتلها بأعصاب باردة ودون رحمة ..قتلها قبل موتها بسنوات دون أدنى شفقة...يتراء لى شبحها الحزين يعزف لحنا جنائزياً على البيانو...تساءلت فى وجوم هل يصبح مصيرى مثلها ....ثمة طرقات على الباب إنها جوجى .. اخبرتها بضعف لا رغبة لى فى تناول الطعام ...اخذتنى فى حضنها وهى تقول اهدئ إيتها الصغيرة ...آه يا جوجى الحبيبة كم كان حضنك دافئاً...وكم فرحت وأنت تخبرينى أن فدوى فى تحسن مستمر وأنهم يدعونى لتناول الطعام معهم.
كانت أمسية رائعة شاركنا فيها دكتور كارم الذى جاء ليطمئن على فدوى مرة آخرى . .لم تخل أمسيتنا هذه من بعض القفشات على طهو بسام واللحم النيئ لكن فدوى ساندته كعادتها وهى تقول
هكذا يؤكل اللحم المشوى ثم ضحكت فى ضعف وغص حلقها... فوجئت بذلك الآلم المضنى الذى ارتسم على وجه الطبيب .. يا له من رجل عطوف ولكن النظرة الحائرة فى عينى بسام لم تعجبنى أبدا نظر إلي الطبيب ثم إلى فدوى وارتسم على جبينه ألف سؤال
ترى هل يغار .. هتفت فى أعماقى وما شأنى أنا لكنه فجأة احكم الدثار حول ابنة عمه وهو يحيطها بذراعيه ..وقد فجأتنى تلك النظرة المتألمة فى عينى الطبيب.. ودق قلبى وفزع إنها ليس عطفاً
إنه حب ..هل يعلم بسام...هل تعلمين يا فدوى...المتعت الدموع فى عينى وأنا أتذكر نهارى الحزين وأغوص فى أفكارى السوداء
آه يا فدوى لديك اثنين يحبانك وحياة رائعة حرة بينما أنا سأقبع فى القصر تحت رحمة الطاغية
ستتركين شقيقك نادر لكنه سيبقى يراقبنى كالصقر...ترى كم سأحتمل ...عاماً آخر ..عامين
ثم تكون نهايتى مثل سيلين أو أهرب مثل لوسى ...ارتعش جسدى ولم أعد أحتمل حبس دموعى
فانفجرت فى البكاء ..كان صوت بسام حزينا وهو يقول:-
شادن يا صغيرتى ..ما بك .. كانت أطرافى قد تشنجت.. ثم وجدت نفسى فى فراشى وثلاثة أزواج قلقة من العيون تحيطنى والطبيب يدس فى ذراعى حقنة ما وهو يقول إنها تعانى صدمة ما .. اشحت بوجهى ويدى فدوى تمسح جبنى بحنان ... كنت بدأت أشعر بالدفء حينما دلفت جانيت عبر الباب وهى تهتف باستياء:-

ماذا يجرى هنا
ثم قالت امرة من سمح لكم بالدخول .. سمعت بسام يقول محذرا
إنها متعبة اتركيها ولا تزعجيها مطلقا
شئ فى نبرته الواثقة الجمتها.. لبثت فى مرضى الغريب يومان ...لم أكن أعانى علة ما ولكنى سعدت باهتمام بسام الدائم بى ولم يضايقنى سوى نظرة فدوى الحائرة ..كنت أسعد برفقته الصباحية ...حتى الصباح الآخير اخبرنى أن عليه العودة للعمل ووعدنى بالزيارة فى الأسبوع المقبل ... حينما أغلق الحارس البوابة خلفه شعرت أن روحى طارت شعاعاً معه..وهربت من نظرة فدوى المؤنبة
لم أملك سوى الهرب وتجنبها بقية اليوم...إلا أن يومنا الرائع انتهى فجأة بوصول خورى الطاغية
احضر لى كثيرا من الهدايا والملابس ولكنى اشمئززت منه وتذكرت سلين وايلى فصرخت فى وجهه
وكان هذا خطأى العظيم ..الذى دفع ثمنه غيرى ..بل ودفعت أنا الثمن لاحقاً
كان هناك نادر دائما يحصى ما سماه تجاوزات وكانت هناك جانيت عينه الساهرة على حتى الفجر الآخير الذى كنت أسجد فيه فى صلاة الفجر لأجد ذلك السوط القاسى ينهال على ظهرى وأنا أصرخ وأصرخ حيث هرعت فى أثرى فدوى وخديجة تمنعان الطاغية عنى فقد اكتشف سرى
توقف فجأة عن ضربى وهو ينظر بغيظ للمسكينتين وهو يشير لنادر الذى وقف محتارا لبرهة ضاعت أمام نظرة خورى القاسية وشماتة جانيت الواضحة
واتخذ قراره ....قرارا لا يتخذه سوى شخص جبان لا انتماء له سوى المال .. فقد ربط شقيقته وخديجة بالحبال والقاهم فى قبو المنزل بلا حول ولا قوة