عرض مشاركة واحدة
قديم 03-27-2014, 03:06 PM
المشاركة 23
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
مرض فدوى وسفر العجوز



مرض فدوى وسفر العجوز

فدوى تتحدث
أشعر أنى أعانى من المرض وقد صارت الحياة صعبة بعد مشكلة شادن وانشغال بسام الشديد بها ، بدا هذا واضحا وأنا أزوره اليوم وكان يعانى من مرض خفيف لا يستدعى القلق .. إلا أنه يبدو أننى التقطت منه البرد الذى يجتاح بيروت هذه الأيام ..ولم أشعره بما ينتابنى من ألم وضعف وأنا أشاهد حماسته الشديدة وهو يتناقش مع صديقه السورى أياد ونحن نتناول الطعام فى أحد المطاعم الصغيرة الدافئة
حرت فى أمره فمنذ زمن بعيد لم أجد شئ يهزه ويحركه على هذا النحو .. كانت خلاجات وجهه تنقبض وتنفرج فى سرعة لدى حديثه عن شادن ... تساءلت فى نفسى هل هو ذاك التيار الصاعق الذى يجتاح القلوب .. ضحكت فى سرى وأياد ينظر له نظرة ذات مغزى لم تفوتنى .. أياد يعلم عنا أنا وبسام كل شئ
أن بسام هو أخى الحقيقى أما نادر فقد ذرع حول نفسه جدراً منيعاً يفتقر لأدنى المشاعر الإنسانية فكيف له أن يتعاطف مع الصغيرة المسكينة وهو نفسه لا يتعاطف مع نفسه أو أقرب الناس إليه شقيقته وابن عمه

كنا نطوق أنا وبسام للعودة يومأ لدارنا فى الناصرة ولكننا لم نستطع أبدا فالأوضاع فى غزة والناصرة جحيماً فعلى وخاصة لاسم مثل عائلة الجارحى ، فقدت كل رجالها فى حلم عودة الوطن المسلوب
ولم يبق منها سوى بسام الجارحى وأنا فدوى الجارحى

زفرت بعمق وأنا أقول كان أجدى بك يا نادر أن تكون شقيقى وموضع سرى فهناك من الأشياء التى لن استطيع مصارحة بسام بها واوجعنى صدرى وأنا أتذكر بسام العزيز ودمعت عينى دموعاً حارقة حتى هطل المطر بقوة ضربت الشباك فهرعت لأغلقه حيث راعنى أن أرى نادر يرفع مسدسه فى وجه شادن وجانو تشاهد الأمر ثم يلبث أن ينزله توجست شراً أن يكون كشف أمر السجادة والمصحف وأنا دائماً أتوقع أسوأ الأشياء من أخى
حين وصلت وجدتها تنظر إليهم بتحدى وقد بللها المطر كلياً فاعطيتها المعطف وتوسلت إليها أن تذهب ، رأيت التعجب على وجه نادر وجانو لانصياع الفتاة الفورى لكلامى وما لبثت جانو أن اختفت فى أثرها
ظللت تحت نظرات نادر النارية فاشحت بوجهى وأنا أدلف عبر الباب والماء يتقاطر منى ، نادنى نادر فلم أعره انتباهاً وسعلت بحدة إنى مريضة بالفعل ولا قدرة لى على التحمل وحصار أسئلته وأوامره التى لا تنتهى

لكن هل أخبرتكم يوماً أن نادر يملك لى و لغيرى مشاعر رقة واهتمام هيهات فقد دخل بعدى وقد ارتميت على الأريكة بثيابى المبللة وصوت نادر فوقى يرعد عن الفتاة ويحذرنى بأن أبتعد عن طريقها

وقد رحت فى إغفاءة ثقيلة وأنا أرتعش بشدة فألقى على بدثار وهو يقول

- كأنى احتاج مزيدا من المشاكل
نمت فى هذه الليلة محمومة تنتابنى أحلاماً شتى لا علاقة لها بشادن أو نادر أو حتى بسام بل بشخص آخر تماماً شخص قدر له أن يبتعد عنى بإرادتى
كم أنت عجيب إيها القلب حينما تتألم فى صمت وتعصف بك رياح الحنين

آه آه يا عذاب روحى كيف هى الحياة دونك إيها الحبيب
تذكرت وجهه بسام وهو يتحدث عن شادن وأنا أنوح على ذاك التيار الذى مس قلبى يوماً
وضعت يدى على قلبى وأنا أهمس فى ضعف
ليته يعلم .. ليته يعلم ولا يتعذب كم أتعذب

نادر يكمل
وقفت أمام الباب وقد تشبع المساء برائحة الماء المطرى .. كم أكره المطر .. ولكنى أحب وجودى هنا .. وأحب عملى كثيرا والحقيقة أن خورى يجزل لى العطاء فأنا رئيس حراسه وقد تلقيت عنه الرصاص فى إحدى المرات مما أتاح لى أن أكون رئيس حراسه
لكن تلك الفتاة الحمقاء ناتلى أو شادن التى ظهرت من العدم حينما علم بوجودها وترت الأموروعقدتها وصار يحسب لى الأخطاء وكان يكفينى ظهور لوسى الليلة فى الضيعة لتلقى نظرة على ابنتها


هتفت اللعنة وأنا أبصق على الأرض تباً لك جانيت لولاك ما حدث هذا هل اعتقدت أنك تتقربين من العجوز حينما افشيت السر الذى اعترفت به لوسى حينما رزتها وعززت موقفك بذلك الخطاب الذى اوصتك بإرساله لتقولى أنه ضل طريقه للمزرعة
وإن لها ابنة ألم يكفك أيتها الحمقاء أنى انقذتك من الذل والهوان فى ذلك الفندق فى تل ابيب حينما اصطحبنى العجوز فى زيارة عمل ووجدتك تحت رحمة إحدى جماعات الرق هناك
بعد أن طردك العجوز من بيروت كلها لأنك من ساعدت لوسى على الهرب إلى باريس
لتبدأ قصتها مع ذاك المصرى هناك

زفرت بعمق حينما رأيت إحدى خادمات القصر تخبرنى بطلب خورى لى مرة آخرى
دلفت للقصر مرة آخرى وقد وجدته يرزع البهو بعصاه الأبنوسية وشعرت أن ثمة خطب ما
حدق لى بعيونه اللامعة كعيون الفهد وقال
اسمع يا نادر ضع عينك وسط رأسك ، لا أريد مشاكل وساضطرلمغادرة بيروت لمدة أسبوع على الأكثر للسفر لباريس

كانت عادته أن يخبرنى بالوجهة لكن دون التفاصيل
وقبل أن أرد
هذه المرة لن تكون فى صحبتى بل ستبقى من أجل ناتالى هذه الفتاة باستطاعتها خداع طاقم الحراسة كله

ارتسمت على وجهى ابتسامة عابثة لم تتجاوز ثوانى إلا أنه لاحظها فاستدركت

إنها حفيدة خورى يا سيدى ماذا تتوقع
أومأ برأسه لأنصرف ، عدت للمنزل وسمعت صوت فدوى يهذى فاقتربت منها وقد ارتفعت درجة حرارتها بشدة سألتها برفق فدوى
هل تحتاجين لطبيب
هتفت فى بضعف
اذهب أنت كريه أريد بسام هو شقيقى الحقيقى ، اغمضت عينى وكظمت غيظى وأنا أقول وهل طلبت يوماً أن أكون شقيقك؟ ، هل نسيت أنك ابنة الشهيد وأنا ابن الخائن ؟
تركتها وإنها غالبا مصابة بقليل من البرد ولن يضيرها أن تتألم قليلاً جراء لسانها الطويل

عودة لشادن
غادرتهم ودلفت بسرعة لغرفتى وغيرت ملابس ثم اغلقت الأبواب وصليت وقرأت ما تيسر لى من القرأن الكريم واطمأن قلبى المتعب بعد طول انتظار

حينما أتى الصباح استيقظت على صخب فنظرت من الشرفة لأجد العجوز يرحل فى الفجر ومعه حقائبه غمزت لنفسى

ترى زهق وقرر الرحيل
توضأت وصليت الفجر ، كان الجميع نائما بعد رحيل خورى وقد بدأ الصبح يتنفس فعدت لشجرة الأمل مرة أخرى .. ثمة جلبة عند البوابة الرئيسية وشبه عراك يا إلهى أنه بسام ماذا يفعل ويبدو أنه يعنف نادر فى غلظة وقد تركه يدخل ثم يهرع إلى البيت ثمة خطب ما وقد هرعت فى أثره لحجرة فدوى وبسام يجس نبضها مرتاعاً وقد أزرق وجهها فى شدة ونادر يقف محتاراً ولا ينبث ببنت كلمة .