عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2014, 05:30 PM
المشاركة 22
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
امرأة غريبة

كان الحديث بين أياد وبسام قد أكسبنى حليفاً جديداً وقوياً ..والحق أنى لم أر أياد سوى مرة واحدة فى حياتى للحظات وجيزة وسأذكرها لكم فى حينها ..ورغم هذا فهو من دفع بالأحداث للتغيير ...وهو من أرسى فى قلب بسام الهمة والعزم لخلاصى فلم يكد يمر على رحيل بسام يومين إلا وأجد فدوى بطلتها البهية تزورنى وقت الظهيرة فى فترة الراحة وبعيداً عن أعين جانو .. سمعت طرقات رقيقة على باب غرفتى وصوتها الهامس مرتعشاً .. فتحت بسرعة لأجدها أمامى وقد أرتدت عباءة قرمزية فضفاضة قديمة الطراز وقد شعرت أن هناك أرطال أضيفت لجسدها الرقيق .. دخلت فى خفة فراشة وهى تجيل نظراتها السريعة فى غرفتى ثم تستدير وتتنزع عباءتها وقد لفت سجادة بديعة بخصرها .. نزعتها بلطف .. ثم أخرجت من جيبها المصحف الشريفً.. نظرت لها وهى تمد يدها وقد ترقرقت الدموع فى أعيننا وصوتها متهدج

- هى هدية وأمانة أن أسلمها لك .. شادن
مواقف كهذه يخجل أن يهطل فيها المطر الحنون فيعانق السحاب مرتجفاً من نشوة الأمل فتهزه فى لهفة دقات القلوب ..وتمسح الأنامل أنهار الدموع على وجناتنا المشتاقة للسجود .. وأجد نفسى بين أحضان فدوى ولسانى يردد

- الحمد لله ..الحمد لله

أقولها مرة أخرى وسأظل أرددها لم يكن الفرق كبيراً بين عمرينا ولكنى فى هذه اللحظة وجدت فى فدوى الجارحى الناصرية أماً حنونا غير أمى الآخرى جوجى وهى تقف خارج الغرفة ترقب الطريق وحين يطل وجهها الحبيب عبر فرجة الباب تشير لفدوى كى تذهب .. تغلق فدوى عباءتها الفضافضة وهى تهمس ضاحكة
- كونى حذرة حتى يقضى الله أمره .. ثم تمضى عبر الباب كالحلم وتختفى

احتضنت المصحف الشريف وهممت بوضع السجادة لكنى سمعت عبر الدهليز خطوات خافتة .. لم أكن أشعر بها سابقاً فقد تحفزت حواسى بشكل رهيب درأ للخطر

خبأت كنز نجاتى بسرعة فى أحد الأدراج وأغلقته ثم وضعت المفتاح بجيبى .. فقد توقفت الخطوات عند الباب ... بخفة القط سرت تجاه الباب وفتحته عنوة لتقع جانو أمامى .. نظرت لها بسخرية
لما لا تطلبين من العجوز أن يضع لى جهاز مراقبة أفضل فى الغرفة لتوفير جهدك الدؤوب

قامت دون مساعدة وقد أحمر وجهها ليس من الخجل بل من الغيظ وهى تجلس فى هدوء

لما لا .. عزيزتى ناتالى ...
كانت تعرف أن الاسم يثير جنونى ولكنى كنت أحتاج لصرفها بهدؤء حتى أتفرغ للعودة لشادن مرة أخرى وأعود لهويتى الحقيقة بعيداً عن إثارة الشكوك

قلت .. جانيت لماذا تضايقنى
أجابت بلا مرواغة

فقط أودى عملى ايتها الصغيرة ..ناتالى

جاء اسم ناتالى من بين شفتيها كالفحيح وايقنت لحظتها أن هذه المرأة المحدقة بى تكن لى حقداً ساماً قد يكون جراء معاملتى الجافة ولكن طبيعتى أنبأتنى أن الأمر أكبر من هذا بكثير فقد رأيت نيران الكره السوداء تموج فى عينيها وأن لم تحرص هذه المرة على إخفائها كطبيعتها الباردة ، كرهاً يكاد يتحول لسياط بغيتها حرق روحى قبل جسدى

سألتنى مباشرة
ماذا كانت تفعل خديجة فى غرفتك
غصت وأنا أقول كاذبة تسألنى أن تأتينى بشئ من الطعام – حمدت الله أنها لم تصطدم بفدوى يبدو أن جوجى أخرجتها دون أن تراها جانيت

برقت عينها بشدة وهى تقول
تكذبين ناتالى ثم اقتربت منى وهى تقرص وجنتى بخفة تغصين حينما تكذبين – أنت حقاً ابنة لوسى – لديها نفسى العادة
نزعت يدها بعنف عن وجهى ..وأنا أقول
ابتعدى عنى أيتها الأفعى .. أنا أكرهك
قالت ببرود وهى تقف فى منتصف الغرفة

وهل أطيقك أنا وضحكت بسخرية .. لديك صلة حب مع خديجة لأنها مسلمة
لكن أيتها الغبية الدين لا يشكل فارق لدى خورى العظيم .. هى فقط عصبته االموروثة فيجب أن تكونى ناتالى خورى مثله تماماً .. هو لا يملك أى احترام لأى مقدس .. أن خورى العظيم لا ينحنى أبدا ولا يقبل إلا تطبيق عقله

وقفت تجاهها وأنا أقول بمكر
ها أنت تسخرين من خورى العظيم

هتفت فى ارتياع يا لك من ماكرة

لكن تذكرى أنى يمكن أن أغض النظر ولا أخبره عن زيارة جوجى

كان تهديدها مباشرا رداً على تهديدى وقد أدركت خطورة موقف الخادمة العجوز التى تساعدنى وهى الضعيفة .. أومأت برأسى .. حسناً .. هل انصرفت وتركتنى لحالى فأنا أريد أن أغفو قليلاً

همست بخبث بجانب أذ نى

- تكذبين يا صغيرة فلم يحدث أن غفوت نهاراً منذ أتيت إلى هنا لديك عقل صقر متيقظ دائماً تماماً مثل خورى العجوز

ثم استدرات وهى تغادر عبر الباب
لديك سر تفعلينه ناتالى .. فقط أحفظيه بعيدا عن عينى وأذنى وضحكت ضحكة شريرة وهى تغلق الباب خلفها

كانت هذه المرة جريئة للغاية .. فهى تدرك حبى الشديد لخديجة وقد كشفت عن نوايها السيئة تجاهها بعد أن امسكت بورقة ضد الخادمة المسكينة ... بيد أنى ادركت أنها تكن لخورى العجوز حقدا مريرا وخوفا عظيماً

بعد انصرافها ... اغلقت الحجرة بالمفتاح .. وابتسمت فى رضاء وأنا أتجه للحمام .. للوضوء.. ما أغبى الإنسان .. وضوؤه وصلاته يمدانه بقوة تجعله قادرا على مواجهة الجبروت وقد شعرت بهذه القوة تسرى فى خلايا تكوينى وتتغلل فى روحى وأنا أسجد لله عز وجل وأتضرع فى وله محموم أن يفك كربى وغربتى

كانت ساعة تصافت فيها روحى ونفسى وتعاهدا على الصمود .. حينما خبأت المصحف والسجادة مرة أخرى .. كنت أحفظ معهما هويتى كلها وأملى العارم ولم يخرجنى من هذه الطمأنينة سوى أصوات شجار أسفل شرفتى فهرعت لأفتحها على مصراعيها
لأجد جانو تزجر راهبة غريبة بعنف وتطلب منها الرحيل .. يوحى جسدها الضعيف عن فقر حالها فناديت بعنف جانو كانت تضرب المرأة بلا شفقة على وجهها فنظرت كلتاهما تجاهى
ثم طارت الراهبة عبر المروج ثم عبر الباب الرئيسى وردائها الكهنوتى يتطاير خلفها

نظرت فى حيرة لجانو من نافذة غرفتى ..ونظرت تجاهى ولم أتبين ملامح وجهها جيدا ثم دلفت إلى القصر وهى تضع فى رأسى ألف تساؤل عن هذه الغريبة المسكينة التى وقعت تحت رحمة جانيت.. يبدو أن القصر ملئ بالطغاة كلا على قدره .. وها هى سيارة الطاغية الأكبر تدلف من البوابة الرئيسية لحظة خروج الراهبة منها ثم تتوقف برهة لتقف المرأة الغريبة أمامها وقد أنزل سائقها الزجاج أمام خورى العجوز .. لم تكن الرؤية جيدة فلم أتبين أن هناك ثمة حديث إلا من إشارات غاضبة ليديها بعدها أسرعت الخطى عبر الباب الحديدى لتختفى فى لحظة وتجعلنى اتساءل .. من هذه التى أثارت غضب جانيت وقفت تتحدى العجوز ... .. هناك شئ غامض بها .. شئ يزعج جانو بشدة ويزعج العجوز أيضا .

..نزلت السلم الرخامى بعد فترة للعشاء .. وكان من تعس الحظ أن أقابل نادر الناصرى وجهاً لوجه وقد نم وجهه الحليق عن غضب شديد ونظر تجاهى بحقد وهو يخرج من مكتب العجوز.. نظرت له بدهشة .. ترى ماذا فعلت له هذه المرة .. أغلق الباب خلفه بغضب بارد .. وصلت برودته لأوصالى .. دلفت للمطبخ ووجدت صينية طعامى جاهزة أخذتها بسرعة قبل خروج العجوز من مكتبه وجلست فى الشرفة ألتهم الطعام براحة وبطء ..استرخيت هادئة وأنا أنظر للقمر النصف مكتمل وأعد على أصابعى وأهتف
ثلاثة عشر قمرا انطفأت منذ اختطافى وتساءلت لماذا لم يحرك أبى ساكناً حتى الآن واجتاحت جسدى قشعريرة أن يكون حدث له مكروه ..أخرج من أفكارى السوداء على صوت أكثر سواداً والعجوزيقف مراقباً يقول
هنياً ثم يردف
متى تتعلمين قواعد الاتكيت وتأكلين برفقة جدك ناتالى
نظرت له بنصف إغماضة ساخرة
يبدو أنها لا تليق على
جلس أمامى
فتاة متمردة
سألته فى حدة مثل أمى
رد ..
- جميل حبيبتى ناتالى أن تتذكرى أن أمك ابنتى
هتفت فى حنق وقد ازعجنى صحة قوله
- أنا لم أقل هذا مطلقاً
وقف فجأ ة وهو يدب بعصاه الغليظة المذهبة بالجرانيت بصخب
- كفى ناتالى أيتها الحمقاء.. لاتغضبينى أكثر .. لدى من المشاكل ما يكفينى .. أنت فتاة جاحدة
وكز على أسنانه
- تماما مثل لوسى أمك .. ثم ولى عنى وانصرف إلى حجرته
خبطت بكفى على جبينى أنا حمقاء بالفعل .. يجب على مداهنة العجوز.. لكنى فى تلك السن الصغيرة مجرد فتاة لاحيلة لها وكنت أحتاج لكثير من المكر لاخدع هذا الثعلب العجوز حتى تكتب لى النجاة من براثنه.


كانت الساعة نحوالتاسعة ذاك المساء وكنت سأنام فى العاشرة .. لا بأس أن أفرد جسدى قليلاً فى الحديقة المبللة بمطر مسائى شحيح هبط فجأة ثم اختفى كضيف عابث .. حينما وصلت للشجرة التى التقيت بسام عندها .. شجرة الأمل كما اطلقت عليها.. شجرة بلوط ضخمة جلست أسفلها القرفصاء أنظر لسماء بيروت .. كنا فى منطقة الجبل جنوب بيروت وهى منطقة ذات طقس متقلب مائل للبرودة فجلست القرفصاء أحيط جسدى بذراعى واضع ذقنى على ركبتى كدمية صغيرة اخفتها الظلال .. كنت أشعر أنى أتوارى عن الأنظار التى تراقبنى وأحلم أن تختفى البقعة بى حتى لا يرونى ..انتبهت على خطوات خافتة فتكورت على نفسى أكثر واعجبتنى اللعبة يبدو أنى تغيبت وهناك من يبحث عنى
كانت عدة خطوات هادئة انبأتنى أن هناك شئ غير ما ظننت جاء الصوت الواضح القوى لنادر وهو يهتف
جانو أيتها الحمقاء طلبت منك مراقبة الفتاة
هتفت جانو
قد فعلت لكنها ذات ذكاء حاد بل يبدو لى أحياناً أنها خورى آخر أشد فطنة
صفق كفيه فى حنق
طلبت منك مصاحبتها ، تقيمين معها منذ عام ولم تكتسبى أبدا ثقتها
فضحكت جانو فى سخرية
أنت لا تعرفها هى صعبة المراس لا تثق فى أحد حتى محبتها القوية لخديجة يغلفها الشك
إنها فتاة عنيدة مثل أمها مع ذهن متقد

صرخت جانو ويبدو أنه أمسك رسغها
وهو يقول بصوت حاقد
ابحثى عن طريقة لتدخلى إليها .. هذه الفتاة خطر كبير إن لم ننتبه جيدا سنفقد عملنا
كلانا أنا وأنت
ثم تركها وهى تتأوه
تذكرى أنى أخرجتك مما كنت فيه ولن أذكرك
جاء صوتها باكيا
أنا لا أنكر فضلك سيد نادر لا أنكره مطلقا وسأفعل ما بوسعى
إلا أنه أكمل فى غلظة
من أخبر لوسى بأمر الفتاة وكيف أتت .. كانوا يتحدثون عن الراهبة عن لوسى عن أمى
قالت لا ادرى لا سر يخرج من القصر
قال أن العجوز غاضب للغاية لقد رأها وتبادل معها حديثا قاسياً

هتفت جانو لم تطأ قدمها القصر منذ رحيلها للدير وعملها خادمة هناك منذ اثنى عشر عشر عاماً ..كانت أطرافى قد تشنجت فتحركت وراعتهما حركتى فتحرك نادر بسرعة وهو يشهر مسدسه فى وجهى
وقفت وقد راعنى نظره
وهو يشد على نواجزه

ماذا تفعلين أنسة

قلت برصانة وإن كنت ارتجف تحت تأثير عينى نادر القاسيتين
ماذا تظن بالطبع
احتار فى ردى وأنا أكمل بالطبع اتصنت على ما تقولانه
وضع مسدسه فى جرابه

إننا نعمل من أجل حمايتك أنسة ناتالى
كان ضخم الجثة مفتول العضلات ولم تخدعنى لهجته الهادئة فعينيه الطافحة بالغضب تنبأ الكثير عما يكنه لى امسكتنى جانو برقة من ذراعى هيا حبيبتى حان موعد نومك

نظرت إليها بفضول ولم أزجرها هذه المرة بل تركتها تتمادى وهى تضع يدها حول كتفى وتكمل بصوت حنون هيا حبيبتى
همست بأذنها بصوت غاضب جانو
لقد صفعتى أمى وهاك الصفعة
دوت على وجهها صفعة مدوية منى
وشعرت بغضب نادر الشديد ليس لأنى صفعت جانو بل لأنى كشفت هوية المرأة المجهولة الراهبة الهاربة
كانت لحظة عاد المطر فيها بجنون وقد وقفنا نحن الثلاثة نادر وجانو وأنا لا نتفوه بشئ
لحظة ظهرت فيها فدوى الحبيبة التى كانت ترقب المشهد من بعيد وقد هرعت لى بمعطف يقينى المطر ويحمينى وهى ترجونى الدخول للقصر ..اصغيت لها ودلفت للقصر وتركتها لنادر وجانووفاتنى سعالها الجاف وضعفها الواضح