عرض مشاركة واحدة
قديم 03-10-2014, 09:37 PM
المشاركة 16
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
لم أكن أعرف أنى صنعت سحابة سوداء فى بيت الجارحى
و سببت مشكلة كبيرة بين أفراد هذه الأسرة الصغيرة الهادئة هدوء البحيرة الساكنة التى تخفى بداخلها الآلام الكبيرة التى عصفت بهم طوال أعوامً مريرة حتى ركدت فى الأعماق ، جثة خاوية دامية ، حرك ذكراها وجودى ذاك االصباح المطير بينهم.

كان تعاطف بسام وفدوى السريع معى يقلق نادر كثيرا بل زاد هذا القلق وبسام يقول أمامه فى قوة يخشاها نادر دائما فهو يدرك صلابة بسام وقد خبره لسنوات طويلة حينما يخطط لشئ ما وقد دوت فى أذنه كلماته كطرق الطبول:-
- هذه الفتاة تسلخ هويتها بكل قسوة وهى بعد غضة صغيرة لا تملك من أمرها شيئاً ولن تقاوم كثيرا أمام جبروت خورى العجوز ثم يهتف بقوة فى وجه نادر لابد من إعادتها لذويها.
فحدق فيه نادر للحظات وهو ينقل بصره بينه وبين وجه فدوى القلق وقد أمسكت ذراع بسام فى قوة تسانده كعادتها .. هو يعلم هذا أيضا فلطالما وقفا أمامه يساندان بعضهما وكأنهما شقيقان وليسوا ابناء عم
، فهتفت أعماقه بكلمة واحدة
- أحمقان .. هذا ما ينقصنى
وكأن شادن صارت تهدد أمنه و أمانه الذى ضاعا سنوات وسنوات لا يدركها من سوى من عاشها وتذوق مطرها الأصفر المغبر بذرات الرمال تسد الحلوق وتغلق الأنوف وتخرس الأمعاء المتقلصة من الخواء

نادر لم ينس سنوات الحصار فى المخيمات ولا الدماء الطاهرة التى اغتيلت لم ينس نظرة أمه الخاوية لدى موتها ولا برك الدماء التى خاضها وهو يحمل أخته على كتفه وبسام يمسك بيده فى خوف وذهول فقد باتوا ليلتهم على حكايا أمهم فى أوائل الربيع العبق برائحة الآقحوان الحار واستقيظوا على دك البيوت وعصف الرصاص وصريخ متقطع وفزع ، كانوا ليلة الهول هذه يختبئون من النور الساطع الذى غمر البيوت

تلك الليلة المشئومة لتتيح للخونة قتلهم والتمثيل بجثثهم

مازال بكاء فدوى المرير يصم أذنه وارتعاشة جسد بسام وهو يحتمى بالجدار معهم وكيف نزلوا البئر المظلم ثلاثة أطفال.. هوكبيرهم هرباً من الموت بعد أن غاصت أقدامهم البريئة فى الأزقة تصطدم بجثث الشهداء تارة وبجيوش الفئران والقوراض تلتهم الجسد العربى وقد اختلطت الأشلاء بركام البيوت
والحجارة والخشب وكيف له أن ينسى عربات القمامة تنقل الجثث فى الصباح لتقبر الضحايا فى قبور طويلة مظلمة ليطويهم الثرى المبتل بمطر أحمر عاصف دامى.

كما لم ينس نظرة القوم له لأنه ابن الخائن لم ينس وهو ابن السادسة مصرع أبيه على يد قومه وكلمة الخائن تغوص فى نخاعه وتورثه السقم
لم ينس زفاف أمه بعد أشهر ، كان كارها لكل شيئا لم يخفف عنه معاملة زوج أمه الحسنة فهولم يات لدارهم وحده بل ابن أخيه اليتيم بسام

لم يكن يربطه أى شئ بالحياة سوى فدوى شقيقته الصغيرة التى ربطت بينها وبين بسام برباط من الدم أقوى من رباطها بأخيها غير الشقيق ذلك الرباط الذى اشتد بعد استشهاد أبيها .. حتى أن لعب دور البطولة فى ليلتهم الدامية لم يجعله يأخذ مكانة بسام لديها الذى ظل يهدهدها فى البئر المظلم ويعدها أن يذهبان لأمهما ، كان فى الثانية عشر وبسام فى العاشرة وهى بعد طفلة غضة فى السادسة , غران انضجهم أتون سنوات الجمر كما كان يسميها بمطرها الأحمر اللاهب المميت

وشتان ما صنعت بالثلاثة فقد أورثت فدوى وبسام قلباً يافعا غضاً ونفس قنوعة وأيماناً راسخاً , وأورثت نادر المرارة تعبث فى جنبات نفسه فتزيده سخطاً على الزمن وتنعكس على نهر الوجود فى داخله فيموج بثورات الغضب وتدفعه إلى الرياضة البدنية العنيفة يفرغ فيها طاقته ، تشيعه دائما نظرات أخته المشفقه ونظرات بسام المتعاطفة

وقد عملا على استكمال تعليمهما حتى صارت هى الطبيبة وهو المهندس أما نادر فقد تخلى عن دراسته منذ الثامنة عشر ليعمل كحارس أمن جراء قوته البدنية الهائلة وبعدها تخلى عن كل شئ يخص هويته ولم يكن يربطه بأخته وابن عمها سوى تلك الأموال التى كان يرسلها لهما لإستكمال دراستهما ، تلك الأموال التى أصر بسام أن يردها بعد عمله ، ولم يرفض نادر بل اعتبر الأمر بلا معنى إنسانى . رافضا كل مودة أو صلة حاول بها بسام أن يعيده لعائلتهم الصغيرة الفلسطينية الفتية ، التى تحمل اسم الجارحى ، وهو اسم لأعرق العائلات وسخر كثيرا ، فهو ينتمى للجارحى بالصدفة وهل نسى أحد أبيه .وأن حياته اعتمدت على سوانح الحظ وليس على صيت العائلة المندثرة

أن هويته الوحيدة وموهبته تكمن فى كونه رئيس حراس غسان والذى الذى خاض من أجله أو بمعنى أصح من أجل وظيفته الكثير حتى أنه هو نفسه المسئول الأول عن اختطافى من القاهرة لأعود لهذا الجد المقيت.

وهو لايعتقد أنه جبل من طينة الأبطال المغاوير لأنه فى مئات المرات لم يكن يتبين خطر موقفه إلا بعد انقضاء الأمر وقد اعترف لى بعد سنوات حين قابلته أنه جبان و الجبن ربما يجرى فى دمه بالوراثة من أبيه العميل لليهود الصهاينة .


لذا كان حديثه عنيفا لبسام وقد وقف يزأر فى وجه بسام وفدوى

اسمع يا بسام .. أنت مرحب بك فقط لأنك زوج شقيقتى ، و لن أسمح لك أن تتخطى الفاصل بينا

فقاطعه بسام
لكن يا ابن العم

- لست ابن عمك ، تذكر هذا
قالها نادر وهو يصفق باب غرفته خلفه
هذا وقبل أن يرد بسام يخرج نادر وقد ارتدى ملابسه ويلقى نظرة قاسية باتجاههما ، قالها فى قسوة وسخرية ،
- أظنك يا ابن العم تبيت لدينا ليلة الخميس ، ألم يحن موعد مغادرتك
ويغلق الباب خلفه فى برود وغلظة

غلظة شعت فى ملامح وجهه القاسية وهو يرمقنى ويمر بى ثم يلقى أوامره بمراقبتى وتشديد الحراسة على
وهكذا قدر لى أن يكون من بين أفراد هذه العائلة الحليفة عدواً شديد الخطورة ... وقد اعتبر نى أهدد أمنه وكيانه ، وبدافع من هذا الشعور عزم على تتبع حتى أنفاسى .

بينما التمعت عينا فدوى بالدموع وهى تربت على ابن عمها وتقول


-لاتغضب منه بسام أرجوك
- فيغمض بسام عينيه فى ألم
- أنه بائس ، يخسر كل شئ
فتقول فدوى
- إن أمر الفتاة يزعجه ، وقد يؤثر على وظيفته و..
فيقاطعها بسام ، فدوى أختى الحبيبة ورفيقة دربى ، هذه الفتاة ترغم على ترك هويتها
ترغم على ترك دينها ، فهل نتركها ، هل نغض الطرف عن هوانها
فدوى .. لكن بسام هى بالفعل حفيدته من ابنته لوسى وقد يكون أبوها مسلم أو مصرى لكن هذا لن يغير شئ فيما يخطط له خورى فهى آخر من تبقى له من عائلته .. أنت تعلم الروايات التى تروى عنه
فيقاطعها بسام فى ألم
ولو يا فدوى الظلم ظلم
ونادر هو من يساعد الطاغية على تحقيق طغيانه