الموضوع: أدب السجون
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-28-2010, 10:14 PM
المشاركة 10
عبير جلال الدين
كاتبـة مصـرية
  • غير موجود
افتراضي
محمود النعيمي


شخصية مواطن مثالي أو عاشق للمثل العليا ، يظن الناس كلهم مثله ، ولم يخطر في باله أن يدخل سجناً ، وإذا دخل ، فهو يظن في نفسه المقدرة على إقناع الجلادين ببراءته ، وبعدالة الأفكار التي يؤمن بها ،
وبقدسية ما هو مقدس عند البشر من دين أو خلق أو صدق أو رحمة ، فإذا هو يكتشف الجانب القذر من إنسان الغابة في الكبار والصغار ، بل في مؤسسات كاملة ،
وهي خبرة نافعة للمواطنين العاديين ، ولكل مجتمع مبتلى بالطغيان ، حتى يكتسبوا المناعة ، وحتى تزول عن أعينهم الأغشية ،

ولكي يأخذوا دورهم في الهم العام وفي عملية الإصلاح ، وبذلك يكون الطغيان جلب لنفسه الخطر ، وأسس لمحاربة نفسه وحشد من لم يحشد من المواطنين ضده وضد وجوده .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن صمت الشارع أو الرأي العام طوال أربعة عقود من الانحرافات لا يعني إخراج المجتمع من السياسة ،
بل يعني أن هناك تراكمات من المعاناة المضاعفة المحتقنة كالبركان الذي ينتظر لحظة الانفجار ، كما أن تطاول الزمن لا يعني النسيان بحال من الأحوال ،
بل التخمر والتفاقم والمزيد من الغليان وتلاحم الآلام .
فالثورة الفرنسية لم توجد أسبابها قبل يوم أو شهر أو سنة من انفجارها ،
وكذلك ثورة العبيد في روما ، لكن وعي الجماهير المضطهدة فعل فعله
حين اكتشف المواطن الفرد أن ألمه ألم جماعي ، وأن النقمة جماعية ،
وأن الحراك الجماعي قابل للتحرك والتفجير ثم التغيير . وهذا قانون أو سنة من قوانين الاجتماع البشري ، لكن هل يقيم الجلادون أو الطغاة شأناً للقوانين أيّاً كانت ؟

يفسر هذا القانونَ العبثُ ولحظات الضحك التي يمرُّ بها مجتمع المعتقلين حين يأوون إلى النوم الساعة العاشرة مساء ، فلا ينضبطون بقرار اتخذوه في أحد المهاجع الجماعية ، يخرقه أحدهم بهمس أو نكتة ، فينفجر المهجع بصيحات التأييد أو المعارضة تنفيسا عما فيه من بلاء .

كما يفسره جانب السخرية اللاذعة في شخصية محمود النعيمي أيضاً ، يقول : ( القاضي : - هل من أقوال أخرى ؟
- نعم يا سيدي ، فإن كلامي لم ينتهِ بعد ، وكنت أودّ أن أقول ، بأنك أنت نفسك لو وضعوك في الفلق أو تحت لسع الكهرباء ، لاعترفت بأنك أخ لموشيه ديان .
- ضحك الجميع إلا القاضي ، فقد كان هو الآخر أعور ...) (ص100) . وما السخرية إلا ضحك هادف يخفي وجعاً عميقاً .

ويفسره أيضا الضحك غير الهادف إلا طلباً للترويح عن النفس ، والضحك للضحك في قاع الجحيم ، يقول :
( كان للشيخ مريد طريف طيب ، يدعى عبد السلام ، كان كلما شعر بدبيب الملل و احتدام الجدل ينقذ الموقف
بقوله : إذاعة القرآن الكريم من سجن<السادات> تقدم لكم ما تيسر من كتاب الله من تلاوة شيخي محمد خير .. فيقرأ الشيخ ما تيسر ، حتى يجد الهدوء والراحة والسكينة مرتسمة في الوجوه .

وقال عبد الكريم : عندي كنز لا ينفد من حكايات جدتي ، سأقص عليكم قصتين كل يوم ، نستعين بذلك على طرد الملل ، وجلب شيء من البهجة ) ( ص 76) والصفحات ( 66 و 74 و 75 و 1079 ) .
أما الروسم أي (الثيمة ) التي قام عليها بناء الرواية ، فهو التسلسل الزمني للأحداث والوقائع من البداية إلى النهاية ، وهو أخلق بالرواية التسجيلية .

والذي بعث الحيوية في هذا البناء ثلاثة عوامل :
الأول
تعدد الأمكنة والانتقال من سجن إلى سجن ومن تحقيق إلى آخر .
العامل الثاني
شبيه بالأول وهو تنوع الشخصيات في الجلادين والمعتقلين .
العامل الثالث
وهو أهمها ، ختام الرواية بترتيب عملية هرب جماعية ،
يخطط لها وينفذها المعتقلون بتعاون مع السجان الرقيب (طاهر) ، وهي خاتمة تذكرنا بالقصص البوليسي وبروايات أغاثا غريستي ، خاتمة ملائمة لطبيعة الأحداث ، وللغة السجون القائمة على أحد الخيارات الثلاثة : دوام السجن لمعتقلي الرأي ، أو الموت صبراً ، أو الهرب لمن يتاح له الهرب ، وما أندر ذلك !! وحصول الهرب مؤشر على التفاؤل ، و على انتصار الخير على الشر بعد صراع مرّ ، وإعمال للفكر ، وتصميم على النصر . وما ضاع حقّ وراءه مطالب !!


،،