عرض مشاركة واحدة
قديم 12-24-2011, 11:37 AM
المشاركة 176
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
كتبها زاويـ ـ ـ ـة ، في 26 مارس 2009 الساعة: 23:40 م

العبور من محطة إلي أخري مع الطيب صالح يصيبك بالدهشة
الطيب صالح : الشهيرة " زائفة " والنجومية " وهم " .. !


* الكتابة تصبح أصعب عندما يكون الواقع أغرب مما يتخيلة الكاتب .
* " نوبل " لن تفكر في " الطيب " لأن حياته غير مثيرة وكتبه غير كثيرة .
* المجتمعات العربية قائمة على الصراعات والتاريخ الدموي .
* أحيانا أشعر أن البشرية تأئهة وأنا معها !
القاهرة - أصيلة : حاوره : خالد محمد غازي :
العبور من محطة إلي أخري مع الطيب صالح يصيبك بالدهشة•• هو شخص عادي -كما يصف نفسه- وولوجه إلي عالم الكتابة لم يكن بغرض الكتابة لكنها الوسيلة المثلي للتعبير•• لكن ما الذي يريد أن يعبر عنه هذا "الأسطوري" الذي يعترف بأن حياته تصنعها الصدفة، وأنه ككاتب يعاني نوعاً من الإنفصام•• ها أنا قد عبرت معه من محطة البداية بعد رحلته من السودان إلي لندن، ومن الخاص إلي العام فإذا به يعود إلي محطته الأولي السودان•• وإذا بي أعود إلي صورة الصوفي الزاهد التي رسخت عنه في نفسي، فأجدني أكثر عطشاً من ذي قبل أريد أن أقف علي جدوله وأنتظر تمر نخلته، فأجمع "حفنة تمر" وأضعها علي مائدة أوراقي وأقول له•• وماذا بعد أول قصة كتبتها فيقول: بعد "نخلة علي الجدول" بسبع سنوات كتبت قصة قصيرة أخري أسميتها "حفنة تمر" ثم كتبت "دومة ود حامد"، نشرت في مجلة كانت تصدر بلندن اسمها "أصوات" يحررها المستشرق الإنجليزي دينيس جونسون ديفيس مع الصديق المصري الراحل - ادقار فرج - وبادر جونسون ديفيس إلي ترجمة -دومة ود حامد- إلي الانجليزية وأرسلها إلي مجلة (إنكونتر ظهظيلهي ئظؤ) وكانت أكبر مجلة أدبية تصدر في بريطانيا في تلك الفترة•• ولشدة دهشتي قبلت المجلة القصة ونشرتها
إن أي متفحص للمراحل التي مرت بها تجربة الكتابة للطيب صالح سيلمس بسهولة أن هذا الكاتب لم يكن يرسم لنفسه يوما المنزلة الأدبية والابداعية التي يتربع عليها اليوم•• إذ كانت الملامح الأولي لهذه التجربة لا تمثل بالنسبة اليه إلا هواية ولعبة أدبية استهوتها نفسه، وشجعت لها إطراءات المقربين اليه، العاملين خاصة بإذاعة لندن •• وإذا ما كان واحد من هؤلاء الأصدقاء المقربين اليه يلح عليه بمواصلة الكتابة•• فإن جواب الطيب صالح لا يأتي إلا متعجبا للطلب•• بمواصلة الكتابة•• ؟•• يعني أن أتحول إلي كاتب•• هذه مزحة•• لقد كتبت ما عندي وخلاص••! تلك كانت الإجابة التي يمكن أن تمثل بعد المسافة الفاصلة في أن تكون الكتابة هما وانتماءً له •• أولا تكون •• ليتعامل معها كأمر ثانوي وعن بعد • الإنجازات الأولي ولكن•• متي بدأ هذا الروائي يقف حقيقة عند البداية الجادة للإحتراف الأدبي ؟•• وما هي العوامل التي ساعدت علي أن يستمر في الكتابة ويقدم إبداعاته هنا وهناك؟•• إنها في الواقع عدة مؤثرات وعوامل، منها ما يتعلق بشخصية الكاتب نفسه•• وأخري تتعلق بالفترة التاريخية التي ظهرت بها تلك الكتابات
في عام 4691 نشر روايته الأولي - عرس الزين - والتي كان قد كتبها قبل هذا التاريخ بسنوات •• ولم تحظ هذه الرواية بالاهتمام الذي حدث بالنسبة لروايته الثانية التي جلبت له كل الشهرة دفعة واحدة•• حصل هذا عام 6691 حينما نشر رواية (موسم الهجرة إلي الشمال) في مجلة حوار اللبنانية التي كان يرأس تحريرها الشاعر الفلسطيني توفيق صائغ•• في ذات الوقت كانت هذه الرواية قد صدرت في لندن مترجمة من قبل أحد زملاء الكاتب العاملين في هيئة الإذاعة البريطانية•• ومن المحتم أن هذه الانجازات الأدبية التي حصلت ما بين عامي 4691-6691 قد حثت وشجعت الأديب للمضي في التجربة، هذا بعد أن لاقت الرواية الثانية صدي واسعا من قبل القراء والنقاد•• وأصبحت الأضواء تتركز علي شخصية الطيب صالح•• الأديب
ويروي الأديب واحدة من صور الإهتمام المدهشة والجديدة التي واجهها من قبل القراء والنقاد خلال تلك الأعوام >زرت جامعة أكسفورد ، وكان لي منها بعض الأصدقاء ، منهم الأخوان حسن بشير وكرار أحمد كرار، وهناك التقيت واحدة من علماء إحدي كليات أكسفورد اسمها سانت أنتوني saint antoy ، كانت مجلة إنكونتر قد نشرت في العدد نفسه الذي نشرت فيه (دومة ود حامد) قصة للكاتب الأمريكي نورمان ميلر، وهو من أشهر الكتاب في أمريكا•• وأثناء تناولنا وجبة الغذاء قال لي أحد الأساتذة
هل تعلم أن نورمان ميلر يمكن أن يتعلم منك •• صعقت حين سمعت هذا التعليق•• وتساءلت >يتعلم مني أنا<••!•• فأجاب بالإيجاب، وراح يتحدث عن مميزات القصة•• وقال إنها قصة كلاسيكية فيها بساطة شديدة وجوانب فنية غير مطروقة< تلك واحدة من صور عديدة جعلت وساهمت مثلما ساهم الكثير من العوامل والأسباب لأن ينظر الطيب صالح نظرة أكثر حميمية وقربا وانتماء إلي عملية الكتابة•• ففاز بآراء نقدية جادة ومهمة •• فقبل 52 عاما تقريبا صار اسم الطيب صالح ذائع الصيت في دنيا الرواية العربية•• ووصفه الناقد (رجاء النقاش) وبوقت مبكر•• الطيب صالح في الرواية شاعر كبير•• أدواته الفنية في منتهي الطاعة لرؤاه الفنية الفياضة•• وأدبه نموذجا للحوار الفصيح الذي يحمل الكثير من الروح الشعبية••< السودان أولا البيئة الشعبية السودانية هي العالم الوحيد الذي تدور فيه كل أجواء رواياته وقصصه القصيرة التي كتبها•• وحتي اذا ما كتبت عن مكان آخر غير السودان، فان ذلك المكان يأتي موظفا للبيئة الأصل•• وهي واحدة من أهم العوامل التي ساعدت علي صنع هذا الأديب•• فإذا ما كنا قد عرفنا تأثير البيئة السودانية علي كتابات الطيب صالح فما هو تأثير الأماكن الأخري غير السودانية علي الكاتب•• يقول: >إنني لم أهتم بالكتابة عن البيئات الأخري إلا بشكل محدد جدا، ولذلك كان اهتمامي بالبيئة السودانية•• وحتي الأفكار التي أكتبها عن بيئات أخري أجلبها إلي هذه البيئة وأغرسها فيها •• ثم أراقب ماذا يمكن أن تفعل •• ولعل في شخصيتي الكتابية - لا شخصيتي كإنسان - نوعا من الانفصام هنالك جانب في > عرس الزين < أقرب إلي طبيعتي •• أحيانا أكتب روايات ليس فيها توتر ، والعلم فيها متجانس وليس فيه صراعات عنيفة •• ثم هنالك جانب آخر هو عالم > موسم الهجرة < وهو العالم المكتسب من التعليم والسفر والعيش في بيئات غريبة ومعاناة الشتاء القاسي في لندن والدخول في أزمات مع النفس•• ومعايشة أقوام غرباء•• فأكتب عندها علي غرار >موسم الهجرة<•• ولعلي في روايتي >ضو البيت< و >مريود < خلطت بين الشخصيتين فثمة جانب عنيف تمثله أسطورة بندرشاه وعلي السطح هنالك القرية بل هنالك أشخاص >عرس الزين< وامتدادهم محجوب وعبد الحفيظ والطيب يعيشون علي السطح•• ويستطيع الواحد منا القول أننا في العالم العربي كله نعيش في مجتمعات قائمة علي أعماق من الصراعات والتاريخ الدموي
مشهد من رواية بندرشاه بقيت الثقافة والبيئة السودانية بخصوصيتها المتوارثة من جيل لجيل هي مكان وزمان الكتابة•• حتي بدت كتابات الطيب صالح عبارة عن إعادة وحفظ لتلك الميثلوجيا •• والفلكور الإجتماعي •• مفيدا له ومستفيدا منه•• ولنلاحظ الإستفادة التي أخذت منها رواية ( بندرشاه ) من الفلكورالسوداني، حيث جعل الأديب الشخصية التقليدية السودانية تتحرك وتعيش في روايته دون تدخل منه ودون قمعها تحت تأثير ذاتية المزاج أو لغة الكتابة•• بل إن الكتابة تأتي أحيانا باللهجة السودانية• >قعدنا علي الحالة دي أسبوع عند بندرشاه•• حكيت لهم حكاية الشطة، وقت جروحنا بردت أنا ومختار •• رجعنا للحلوة •• مختار بطل الافتراء ، وأنا من يومها ما قاشطت جنس مخلوق•• ونحن الأربعة بندرشاه، وجدك، ومختار، وأنا، بقينا أصحاب أي كأننا اخوان أشقاء ما يفرق بيننا إلا الموت< قلت لسعيد الذي كان قبلا يلقب بسعيد البوم: >قالوا سموك سعيد عشا البايتات ضحك ضحكته البريئة التي أذكرها من أيام طفولتي في ود حامد وقال بلهجته البدوية•• >الوليه فطومه أجارك الله ، وقت العرقي يشلع في راسها تطلع الكلام خارم بارم قلت له•• -وكمان فطومة غنت في عرسك قال •• - يامحيمين أخوي•• في هادي الأيام الفلوس موتجيب الهوا من فروته•• قلت له•• - فطومة شن قالت فيك ••؟ فقال فخورا وهو يبرم شاربه الصغير الذي يجلس قلقا علي فمه كما تجلس العمامة المفرطة الكبري علي رأسه - يازول فطومة تطير عيشتها•• هو لكن غنا فصاح - يازول العرس الماغنت فيه فطومه أصلا ما يقولوا عليه عرس < وأعدت عليه السؤال، فقال: - علي الحرام، أخوك عرس عرسا خلي ناس ها البلده تنسي عرس الزين•• أسأل أيا من كان يقول بك العرس عرس سعيد والا بلاش< عرس الزين كان أعجوبة•• أما أن سعيد اليوم يصبح صهرا للناظر بجلالة قدره، فهذه هي المعجزة•• وقال سعيد•• >عليك أمان الله، ما لقينا محل نحشرها•• قبايل قبايل•• كل قبيلة تساوي الشئ العلاني•• عملنا العقد في الجامع الإمام قال للرجالة كل واحد يشوف ويسمع سعيد راجل حبابة•• ما في انسان يقول سعيد اليوم< ••
تلك الشخصيات وتلك الأجواء حاضرة أبدا في روايات وقصص الطيب صالح•• ويبدو أنها دائما مُستلة من واقع اجتماعي سوداني لم تدخل اليه السياسة بعد •• ولم تجعله فيما بعد واقعا إجتماعيا قلقا كما هو عليه اليوم بفضل التناحرات السياسية أو المعاناة الإقتصادية والمعيشية التي يعاني منها الإنسان السوداني • زمن مختلف عن هذا الواقع المتغّير•• يقول الطيب صالح وهو يتحدث عن أجواء رواياته في حقبات ما قبل امتداد أصابع السياسة إلي لوحة المجتمع في السودان•• >حين كتبت هذه الروايات كان السودان -نسبيا- مستقرا، ولم يكن قد دخل في هذه الصراعات الدامية •• وربما هذا جزء من عرقلة الكتابة •• فهي تغدو أصعب حين يصبح الواقع أغرب مما يمكن أن يتخيله الكاتب• هذا هو الأمر عندما يتذكر المرء إعدام النميري لعبد الخالق محجوب والشفيع ثم شنقه محمود محمد طه أو يتذكر إعدام هذا النظام حوالي ثمانية وعشرين ضابطا في أواخر شهر رمضان •• وأنا وصفت في >ضو البيت< الجلد والتعذيب قبل أن يحدث ذلك في السودان •• كنت أحس ذلك خيالا •• ولكنه حدث فعلا•• بيوت أشباح وتعذيب وبلاء•• هذه الأمور أحيانا تعرقل الخيال أو تعكره ••
ما حدث في الجنوب مأساة كبري جدا إذ أبيدت قري كاملة•• أنا أنتمي إلي الشمال ولكن علينا أن نقر بأنه وقع ظلم كبير جدا علي الجنوبيين في حرب أدارها زعماء سياسيون< الشهرة شئ زائف قبل أن يظهر اسم هذا الروائي، ليحضر بكل قوة وتفرد في الساحة الأدبية العربية منذ منتصف الستينات، لم يكن يعرف القارئ كاتبا سودانيا كان قد حقق من قبل ما حققه الطيب صالح علي مستوي العملية الإبداعية والانتشار مع أنه يعتبر كاتبا ليس غزير الانتاج•• فما السر الذي يراه هذا الكاتب بالنسبة لاهتمام القارئ بنتاجاته••؟ >عندما أكتب شيئاً، أحب أن يكتشف فيه القارئ متعة مختلفة ،يكتشف عالما جديدا<•• لكن الأقلال في الكتابة كيف يفسره ؟ يقول عن ذلك > ليس عندي هذا الهوس بالكتابة كما لدي بعض الكتاب ، فإذا كتبت فليكن، وإن لم أكتب فلا أظن أن الناس قد خسروا كثيراً، فأنا لا أؤمن بالكثرة في الإنتاج، إذ ليس ضروريا أن أخرج كل سنة كتابا •• بل الكتابة تأتي حين يكون الكاتب قد نضج تماما ، وما عنده لا يمكن حبسه أي كما يقول العرب -بلغ السيل الربي- وكثيرا ما أجد اناسا كتبوا أشياء رائعة في العالم فأتساءل: ماذا بوسعي أن أضيف إلي كل هذا•• بل ما معني أن أكتب رواية كل شهر ليس لها مضمون ذو بال•• كما أنني حقيقة، لا أحس بهذه الرغبة الحادة في الكتابة، غير أني أستمتع بأشياء أخري ذلك أن عالم الإبداع يلتهم الحياة ، فحين نقرأ سيرة الكاتب > بلزاك < مثلا ، نجد أن هذا الرجل أفني عمره ليكتب فالتهم الفن حياته•• وقد تأسف علي ذلك في آخر سنوات عمره••< • هل هذا يعني الإعتراف صراحة بأن الطيب صالح آسف علي ذلك الزمن الذي التهم من حياته وأنفقه علي الكتابة•• ؟
ثم ما هي الحياة التي يتمناها ويرنو لها من بعيد ليعيشها•• يضيف الكاتب•• >أريد أن أوازن بين الحياة وبين الفن حتي لا يلتهم أحدهما الآخر، ولعلي أميل إلي الحياة مني إلي هذا العالم الموهوم الذي أسمه الفن•• لذلك فأني أستمتع بالقراءة وبمقابلة الناس وبالسفر< هل هذا معناه محاولة للهروب من ضريبة الشهرة التي يجلبها الإبداع علي الكاتب••؟ يجيب عن ذلك بالقول••>في الحقيقة أن الشهرة شئ زائف ووقتي والنجومية وهم•• والشئ الأهم وهو الأمر العادي الذي ينتج عن هذا الجهد الذي يبذله الكاتب العربي لا يحصل عليه•• فلو كنت كاتبا انجليزيا لحصلت علي تقدير مادي، وكتاب مثلي يعيشون في بحبوحة من العيش لدي الإنجليز والفرنسيين أما نحن العرب فمساكين لا نجد سوي بعض الحفاوة ونحمد الله علي ذلك•• والشعوب التي تهتم بالكاتب بحكم توجهها الحضاري أعطت للإبداع سواء كان كتابة أو موسيقي أو رسم ، وظيفة في المجتمع ، وأي مجتمع لا يمكن أن يكون متحضرا بدون الإبداع لأنه في نهاية الأمر لا يبقي سوي الفن والثقافة•• فالأمة التي تريد أن تصنع حضارة لابد أن تحتفي بالثقافة والفن، ونحن أهملنا هذا، ربما لظروف فرضت علينا لأننا ظللنا قرونا عديدة وطويلة لا ننتج شيئا< • جائزة نوبل جوابك هذا يعني أن الأديب والمبدع العربي بأقصي حاجة إلي رعاية•• ولعل تكريمه بجائزة ما عالمية سيكون لها أبلغ الأثر عليه• كما حصل مع الروائي نجيب محفوظ ••> فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل كان فوزا بينا، وهو رجل يستحق هذه الجائزة بكل المقاييس ولقد قلت ذلك قبل سنوات••
ويوجد شعراء وكتاب عرب عديدون يستحقون هذه الجائزة، وأنا شخصيا لا أريد أن أشغل نفسي بالجوائز•• جائزة العويس•• جائزة البابطين وغيرها من الجوائز •• ولو ظل الإنسان يفكر في هذه الجوائز فلن ينتهي إلي وضع يستريح له•• والأديب يفعل ما يستطيع تحقيقا لنوازع هي أهم من الجوائز • أما بالنسبة لجائزة نوبل فالله وحده يعلم ، هل سيعطونها لعربي في المستقبل القريب•• ؟ لكن لابد أن نتذكر أن نوبل جائزة أوروبية•• وهم أحرار في منحها لمن يريدون•• وأري أن الرد علي السخط العربي بأن كتابنا مهمشون من قبل جائزة نوبل هو إنشاء جائزة عربية تعطي علي غرار جائزة نوبل•• ونحن كعرب لاينقصنا المال•• إلي درجة أن لدينا أثرياء عرب يستطيع الواحد منهم إنشاء مثل جائزة نوبل•• فنحن نسمع أحيانا أن (فلان) لديه كذا مليار دولار >طيب يعمل أيه في هذه المليارات< فلو خصص منها علي سبيل المثال 005 مليون دولار، وتمنح هذه الجائزة لمن يكتب أحسن بحث عن جزئية معينة من الحضارة العربية والثقافة العربية • وبهذا نكون مساهمين في الحوار الدائر ولسنا متعلقين•• فنحن دائما مستهلكون، نقف متفرجين إلي أن تأتينا السلعة الأجنبية من الخارج•• فجائزة نوبل أنشأها فاعل خير سويدي اسمه -نوبل- صنع الديناميت والقنابل، وتحت أحساس وخز الضمير قال: نخصص جائزة للعلوم والآداب تمنح للمتفوقين سنويا في العالم ، ولكن موقفنا من هذه الجائزة سلبي••
ولابد إذن من انشاء جائزة عربية كبري بديلا لها وعلي الإعلام العربي أن يتولي الدعوة لها•• ومع أن الطيب صالح تحدث عن جائزة نوبل بشئ من التهكم•• إلا أن هنالك أقوالاً ترددت حول سعيه لنيل هذه الجائزة •• وبهدوئه وتواضعه المعتاد يرد الروائي السوداني علي تلك الأقوال•• >لم أسع إلي جائزة نوبل، ولم أفكر فيها علي الإطلاق•• وأنا أولاً لا أملك الإنتاج الأدبي الكافي لتأهيلي إلي نيل هذه الجائزة ثم أني لا أعتبرها شيئا متغيرا في تاريخ الأدب ولا شيئا قادرا علي تضخم الكاتب الذي يحصل عليها سوي في الأيام الأولي للإعلان عن الفوز بها•• ثم ينتهي كل شئ وتدور عجلة الحياة•• وعموما الجوائز لا تصنع أديبا ، ثم إن جائزة نوبل ليست كل شئ في حياة الأدباء الذين يحبون الأدب والحياة والجمال•• وعن سعيي إلي هذه الجائزة كمن سعي إلي السراب لا لأنها ليست مهمة، بل لأنها تسند لأسماء قد لا يتوقعها أحد ولأسباب كثيرة•• ثم إن جائزة نوبل لن تفكر في الطيب صالح لأن حياته غير مثيرة وكتبه غير كثيرة <• المتعة والإمتاع - قلت: طالما أن المتعة الحقيقية لكاتب مثل الطيب صالح تأتي في التعبير عما به، ولا يبغي الشهرة ولكنه مندهش من الواقع عندما يصبح أغرب من الخيال، فيا تري ما الذي يمتع الطيب صالح وهو يبدع؟
يقول: أحب صوت فيروز وأنا أكتب، ولا أعرف لماذا، أم كلثوم يحتاج صوتها إلي تهيؤ واستعداد، لكن صوت فيروز يثير في أشياء كثيرة، أحب المقام العراقي الملئ بالشجب، وأحب كثيراً من الغناء السوداني الخصب، ويحضرني أحمد المصطفي، وعبد الكريم الكابلي، وحسن عطية، وعثمان حسين، هؤلاء أحملهم معي من الوطن، هذه هدايا منقولة من الوطن، عندنا مطربة اسمها حنان النيل، صوتها جميل، وهادية طلسم، وعندنا شاعر من منطقتنا اسمه عبد الله محمد أحمد، وشاعرنا السوداني المعروف سيدي أحمد الحردك• وأسمع موسيقي عالمية، أحب الجاز، وأحب أناشيد المديح، مديح الرسول في شمال السودان، وأحببت موسيقي البيتلز في غناء الأوروبيين• الواقعية السحرية - قلت: تشربت بالثقافة من هنا وهناك حتي أنك تري أن الكتابة في بعض جوانبها تماثل عمل علماء الانتربولوجيا والآثار•• فكيف يكون ذلك؟•• قال: هؤلاء يحفرون طبقات الأرض فيجدون أحياناً بعض التحف أو الصخور الدالة علي حضارة معينة، وأحياناً بعض الحلي، وهم في ذلك مثل الروائيين والمؤرخين، لأن مايقولونه لا أحد يستطيع إثباته لأنه دخل في بحر الزمان، وأنا شخصياً لا أشعر بأنني غريباً عن هؤلاء الناس، علي الرغم من أنهم قد يستعملون عبارات تبدو محددة، لكنهم بالضبط مثل الروائيين
وفي اعتقادي أن الكاتب أو الروائي "أركيلوجي" بشكل مختلف•• الكاتب ينظر إلي مايسمي بالواقع، ولكن حين نفكر فيه بعمق لا يوجد واقع، من الناحية الفلسفية لا يوجد واقع، هناك حلم، كما يقول شكسبير، إذا نظرت إليه من الناحية التاريخية، وهو ليس ثابتاً• حتي الأشياء التي تحدث قبل أسبوع نجد الناس ينظرون إليها بشكل مختلف، ويحكونها بكيفية مختلفة، وكل واحد يعيد صياغتها بنفسه، وأنا شخصياً لم أسع مطلقاً أن أصنع واقعاً لأني لا أعرف ماهو هذا الواقع•• وأقول في السياق نفسه: إن الذاكرة تلعب كثيراً بالإنسان، وبالنسبة لي حيث أتذكر واقعة ما، فإنني لاأعرف علي وجه الدقة هل ما تذكرته يناسبني في الكتابة؟•• لذلك تجدني دائماً أقول إنني أعتمد أنصاف الحقائق، والأحداث التي يكون جزء منها صحيحاً والآخر مبهماً، وهذا يلائمني تماماً، بمعني آخر قد تكفيني جملة سمعتها عرضاً في الشارع لأستوحي منها فكرة للكتابة، وليس بالضرورة أن أجلس مع صاحب الجملة لأستمع إلي قصته كاملة، هذا لايهمني ولكن يكفيني جملة واحدة أسمعها في الطريق فتثير في نفسي أصداء لاحدود لها
قد لايفهم القارئ أبعاد ماتكتبه خصوصاً حين تكيف ما تسمعه لكي يتناسب وطريقتك في الكتابة، لذلك أعتقد أن كثيرين أستوعبوا وفهموا ماكتبت، وفي المقابل ربما هناك كثيرون لم يفهموا ما كتبت، وهذا شئ طبيعي، ومجمل القول إن كل صناعة لها آفات، والأذن كذلك، الحداد مثلاً علي رغم أنه يتعامل مع النار صباح مساءً قد تطير شرارة صغيرة وتحرقه، الزراعة لها آفات لذلك يستعمل المزارعون لفظ "آفة" حيث يتحدثون عن أمراض القمح أو القطن، والكتابة خصوصاً في هذا العصر وفي عالمنا العربي مليئة بالآفات، والذي يطرح أفكاره علي الناس علناً عليه أن يتحمل تبعات ذلك، لذا لا يزعجني أحياناً حين يسألني بعض الناس هل مصطفي السعيد يشكل جزءاً من سيرتي الذاتية؟ وهو مايذكرني بالواقعة التي تقول أن أبو تمام عندما أستهل إحدي قصائده المشهورة بالضمير، واستعمل كلمة "هن" في أول البيت، قال له أحدهم "لماذا لا تقول مايفهم" فرد أبو تمام "ولماذا لاتفهم مايقال"؟•• والأمثلة متعددة•• إذن الناس أحرار فيما يسمعون ويقرأون، وحدث أكثر من مرة أن ألتقي أناساً يتحدثون عن رواية وهم لايعرفون حتي عنوانها•• لكنهم أحرار، ويبدو لي أحياناً أن البشرية تائهة، وأنا تائه معها•• لذلك لا أطالب الناس أن تفهمني كما أريد•• الكاتب نفسه أحيانا لايعرف ماذا يقول وماذا يكتب
سيرة ذاتية - قلت للطيب صالح: صرحت مراراً بأن ليس في حياتك مايمكن كتابته أو طرحه كسيرة ذاتية•• فلماذا غيرت رأيك وتحدثت لتخرج سيرتك الذاتية في كتاب؟ قال: ولآخر قطرة من حياتي أقول: "ليس لدي ماأقوله"، وما حدث في السيرة الذاتية التي نقلها عني الأديب "طلحة جبريل" هو قراءة لسيرة إنسان•• وأنا أفهم الآن مايسمي بتواصل الإنسان مع بيئته ومع الناس، فقد عشت في بيئة صنعها أجدادنا، شرب جدي من لبن البقرة وشربت أنا من سلالتها من بعد، وحتي الحمير كنا نعرف من أين جاءت كأنها بني آدم، كنا نعرف تاريخ كل نخلة علي حدة، كل شئ كان متصلاً ومتناسقاً، كان هناك "هارموني" بين الإنسان وبيئته، وحين يتحدث علماء البيئة حالياً عن المدن الحديثة، أدرك تماماً مايقصدونه، لأن الإنسان في هذه المدن عبارة عن خلية أخذت من بيئة أخري، وزرعت في هذه المدن، وعندما تركت قريتي وسافرت إلي لندن ساورني طويلاً هذا الإحساس، الإحساس بأنني خلية زرعت في مدينة كبيرة زراعة اصطناعية، لذلك لم أحس إطلاقاً بالراحة النفسية التي كنت أحس بها في قريتي• وهذا الحنين الجارف إلي الجذور يتكرر في أكثر من موضع من سيرة الطيب صالح، وهذا الحنين وحده كان دافعه إلي الإبداع، وهو لم يعتبر نفسه أبداً مبدعاً علي مستوي الإحتراف، وإلي ماقبل مغادرته السودان إلي لندن في عام1953م، لم يكن كتب سوي محاولتين قصصيتين، مزقهما، وأنتهي الأمر عند هذا الحد
يقول الطيب صالح إنه لايعتبر نفسه جزءاً من الحركة الأدبية، ولديه رغبة حقيقية في عدم الإلتزام بالأدب ويقول: لاأقترب أبداً مما يسمي بالصالونات الأدبية أو اتحادات الأدباء•• أنا شخص علي الهامش، وهذا الوضع يريحني كثيراً• عزوف والذين يعرفون الطيب صالح يلمسون عزوفه عن الشهرة، ونفوره من التنظير والإدعاء، ورغم أنه كان من الممكن أن يستغل شهرته ويقبل علي انتاج أعمال كثيرة يفوز من ورائها بشهرة أكبر وربح مادي أوفر إلا أنه رغم تقدمه في العمر ورغم تجربته الموسوعية في الحياة يري أن الشهرة شئ زائف والنجومية وهم ويقول أيضاً: لم أكثر يوماً من الانتاج•• أنا مقل لأني أشتغل في عمل أكسب منه، ولكن الناس ينسون أحياناً أن الكاتب يعيش في الدنيا أيضاً، أنا أختلف في هذه الجهة عن ميخائيل نعيمة الذي كان يعيش في أعالي "بسكنتا" في جبل "حنين" والذي كان خالياً من أية مسئوليات عائلية•• زرته يوماً في منزله، وقلت له "ليتني كنت في وضعك، وليس عندي عائلة وإلتزامات"•• الكتابة ليست هي كل حياتي، وقد ذكرت مرة أنني أراوغ في عملية العلاقة مع الفن لأن الفن يلتهم الحياة•• يأكلها•• هناك من يقبل هذا المصير، ولا يفعل شيئاً سوي الرسم أو الكتابة أو نظم الشعر•• "أنا مش عاوز المصير ده"•• وأرجو بالطبع ألا يكون النبع قد جف عندي، ولكن ماينقصني هو توفر الوقت، فالوقت في الحياة قصير جداً• - قلت للطيب الصالح أليست الكتابة عملاً يومياً؟ قال: لا
لأن الأفكار تدور في ذهني•• ونوع الكتابة التي أقدمها تستلزم أن تتفاعل مع العمل وتبقي في المخيلة مدة طويلة• - يثار جدل حول مسألة زمن القصة القصيرة وزمن الشعر وهي أسئلة مستهلكة وأنت كالعادة تقرأ كل ماهو مستهلك وكل ما هو معلق•• لكن هل تعتقد أن رواية واحد جيدة في هذا الزمن تستطيع أن تصنع كاتباً؟ نعم•• ففي تاريخ الأدب، توجد أعمال منفردة صنعت كتاباً، وحين نستعرض الشعر العربي مثلاً نجد شاعراً لم يقل إلا بيتين، ولكن هذين البيتين ظلوا يترددوا، علي مر العصور، إذن فالكثرة ليست محاكاً، وإذا كانت كثرة مع جودة فهذا يكون شئ جيد•• لكن نادراً ماتكون الكثرة فيها جودة•• وهناك كتاب مقلون وكتبوا أشياءً عظيمة مازالت موجودة حتي اليوم
- عندما صدرت مجموعة يوسف إدريس مثلاً "أرخص ليالي" أثارت ضجة، وفي الطبعة الثانية كتب لها المقدمة د• طه حسين في هذا الوقت بالذات وسط الانتشار الإعلامي ووسائل الاتصال ورغم ذلك إلا أنه من الصعب جداً أن مجموعة قصصية أو عمل واحد تستطيع أن تقدم كاتباً؟ هذه القضية، قضية مفتعلة كلها، لأن القارئ لايقرأ كل شئ- حتي ولو كان قليلاً لأي كاتب، وهناك روائع عندنا قد نكرها الناس، من قبل، وكأنهم يريدون توجيه اللوم للكاتب دائماً، وأنا أنظر للأشياء دائماً علي أنها مترابطة، فغير مهم أن يكون الكاتب كبيراً ولكن المهم أن تخلق مجموعة من الأصوات تتفاعل في جيل أو جيلين لتخلق شيئاً جديداً وجيد، ولو لم يكتب يوسف إدريس إلا "أرخص ليالي" لكان من الممكن أن يشهد الناس لعمله هذا بأنه عمل جيد، ولكن من حسن الحظ انه كتب أكثر من ذلك، فالضغط علي الكاتب بأن ينتج باستمرار ليس مهماً، ويمكن الاستمرار في الكتابة في حالة واحدة فقط وهي إذا كانت حياته مرتبطة بالكتابة فمثلاً، تشارلز ديكنز عند الإنجليز أو بانزاك كان يكتب كثيراً لأنه يريد أن يكسب، وكان يقدم الرواية مسلسلة للصحيفة ليكسب منها لأنه إذا لم يفعل ذلك فقد يموت من الجوع، وهذا هو المبرر الوحيد، وغير ذلك لايوجد أي مبرر للضغط علي الكاتب كي نتتج، فإذا قارنت بين ابراهيم عبد القادر المازني وبين طه حسين ستجد أن د• طه حسين أنتج عدداً من الأعمال ذوي مستوي عالي جداً، ولكن المازني علي قلة ماكتب ترك أدباً علي مستوي عالي
- إذن فليست المسألة مسألة نجومية؟ هناك إناس يحبون النجومية، ولكن هذا ليس له صلة بعملية الإبداع