الموضوع: نظرات زائغة
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-25-2014, 02:09 AM
المشاركة 9
زياد القنطار
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
اقتباس
رأيت امرأة خمسينية بجلبابها المبلل تتحاشى برك الماء في الشارع فتعتلي الرصيف أحيانا و تتجرأ أحيانا متوسطة الطريق ، مستغلة فسحة قلة المركبات. مر بجانبها شاب يمتطي دراجة نارية دفعها بيده دفعة خفيفة كادت تسقطه من على راحلته التي انعرجت به يمينا ثم يسارا ، ليوقفها بعد جهد في بركة الماء ، ولسانه يسترسل سبّا وشتما . انخلع قلبه عندما التفت ليجدها جثة هامدة وسط الطريق و بعض المتطفلين يهرولون جهتها محاولين استنهاض همتها المتراخية ، كانت الأمطار تزداد غزارة عندما لحقت بالمتحلقين حول المرأة ، نظرت إلى عينيها اللتين تفتحتا، فحدجتني بنظرة ماكرة قبل أن يزيغ نظرها ولسان الشاب يلومها بافتعال الصرع ، وتماديها في التمثيل قصد ابتزازه حينما يحضر رجال الأمن والسلامة الطرقية .
إمرأة خمسينية .......إذاً ليست في مقتبل العمر ,ولم تخرج للشارع لتعتاش من أعمال الشوارع القذرة ,لأنها لاتملك مقومات هذا العمل وأراد لنا الراوي أن ندرك الأمر تماماً , وندرك أيضاً أن طريقها لم يكن أمن المسار ختى إنها كانت تفر من الرصيف الأمن إلى وسط الشارع الخطر ليس إلا لقطع برك الماء لخط سيرها ,وهنا دلالة على ضيق ذات اليد وضيق فرص الحياة الكريمة لخمسينية يفترض أن تكون كذلك ,خاصة إذا علمنا أن سن الخمسين عند المرأة هو سن مرتبط باليأس ....
في ذات المقطع يلتحق البطل..ويصر على أنه التحق ولم يكن من الأوائل الذين هرعوا ليتفقدوا المرأة ,الحقيقة هذا تأكيد على أنه على دراية بكل ما حوله والمرأة من ضمن مايعرف ,وإلا لما خصته بتلك النظرة قبل أن تزوغ نظراتها في رجاء أن لايفصح ,عما يعرف ,وبقي البطل يستمع لسباب الشاب صاحب الدراجة غير محتج عليه ولا محتجاً على تمثيلية الموت تلك وكأن الأمر شرعة المحتاج أو ذلك الدرك المظلم الذي وصل إليه الناس احتيالاً على تحصيل قوتهم .

اقتباس
ازدادت الأمطار قساوة و هبت ريح عاصفة بينما لاتزال المرأة ممددة على البساط الأسود ، تتجنبها العربات كما سيول المياه الجارية ، تفضل واحد من رجال الحسنات فغطاها بغطاء بلاستيكي يقيها رعونة الأمطار التي أجبرت فضولنا على التلاشي ، بينما صاحب الدراجة يتحين الفرصة للهروب من هذا المأزق الذي يراه مفتعلا .

عندما وصلت إلى مقعدي لم أستطع تبين المرأة مع اشتداد الضباب و تقلص مدى الرؤية بينما بعض السيارات أطلقت أنوارها ، بغتة ظهرت شاحنة ممتدة تتطاير المياه على جوانبها وعواؤها المفزع يثير ما تبقى من فضولي ، رأيت شبح المرأة ينتفض بعنف ، تعثرت خطوتها فحاولت التخلص من الغطاء الملتف حول رجلها بحركة بهلوانية ، و يداها ممتدتان لارغام الموت على تغيير مساره ، لكن أطنان الحديد أبت إلا أن تعصر ليونتها و تحطم صلابتها ، تألمت عيناي من ذلك المشهد الرهيب ، أحكمت أغلاقهما و جبهتي على المائدة ، حين رجعت بهما إلى المكان ، غابت الشاحنة و لم أر للدراجي أثرا لكن حمرة الماء كانت بادية .

طفت بعيني المتعبتين المقهي الذي تخلص من آخر زبنائه ، قدماي تبتعدان عن المكان وسياط المياه المتدفقة من الأعالي تنهال على جسدي بينما تحاصرني ظلمة خفيفة يزداد سوادها مع توالي الخطوات .

هنا برأي كان لابد من إشراك الطبيعة لتتوافق مع سطوة الواقع ,وتسخيرها لتتجانس وتتماها معه ,والحقيقة واللافت هو التعامل مع الحدث من قبل الجمور بهذا القدر من عدم الاكتراث ,وإفساح المجال لتلك الشاحنه التي تقذف الماء وتشق بركه لتفعل فعلها بهذا الجسد , وماتمثله هذه الماكينه من انفلات في كل شيء ,وكيف غيرت المسارات والوضع برمته وخلق حالة أخرى لم تبق من المشهد إلا أثره ...
هنا يبدأ انقلاب آخر في ذات البطل ,يفرغ من حول كل شيء , ولايبقى له إلى وقع خطوات تنوء بألم سياط المياه الجالدة تعنيفاً على ا أعتقد ,وإلا ما كانت الظلمة لتشتد مع كل نقللة لها ..
في النهاية ..أنا مررت على هذا النص أروي الذائقة المتعطشة وها هي أصابت من هذه العين الصافية ما أصابت ,وأرتوت من عطشِ.
الأستاذ ياسر علي .
مررت هاهنا قارئاً أحاول الغوص في جمال هذا النص ,وأرجو أن أكون وفقت ,لما لهذا النص من قيمة جمالية وإبداعية ,,حيث اكتملت زينة القصة لغة وحبكة وشخوصاً وتشويقاً ونهاية ,
حرف مبدع كما هو دائماً خالص التقدير,

هبْني نقداً أهبك حرفاً