عرض مشاركة واحدة
قديم 10-16-2010, 11:45 AM
المشاركة 6
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
الباب الثاني
علامات الحب


وللحب علامات يقفوها الفطن، ويهتدي إليها الذكي. فأولها إدمان النظر، والعين باب النفس الشارع، وهي المنقبة عن سرائرها، والمعبرة
لضمائرها والمعربة عن بواطنها. فترى الناظر لا يطرف، يتنقل بتنقل المحبوب ويتروي بانزوائه، ويميل حيث مال كالحرباء مع الشمس. وفي
ذلك أقول شعراً، منه:
فليس لعيني عند غيرك موقف كأنك ما يحكون من حجر البهت
أصرفها حيث انصرفت وكيفما تقلبت كالمنعوت في النحو والنعت
ومنها الإقبال بالحديث. فما يكاد يقبل على سوى محبوبه ولو تعمد ذلك، وإن التكلف ليستبين لمن يرمقه فيه، والإنصات لحديثه إذا حدث،
واستغراب كل ما يأتي به ولو أنه عين المحال وخرق العادات، وتصديقه وإن كذب، وموافقته وإن ظلم، والشهادة له وإن جار، واتباعه كيف
سلك وأي وجه من وجوه القول تناول.
ومنها الاسراع بالسير نحو المكان الذي يكون فيه، والتعمد للقعود بقربه والدنو منه، واطراح الأشغال الموجبة للزوال عنه، والاستهانة بكل
خطب جليل داع إلى مفارقته، والتباطؤ في الشيء عند القيام عنه. وفي ذلك أقول شعراً
وإذا قمت عنك لم أمش إلا مشي عان يقاد في نحو الفناء
في مجيئي إليك أحّتث كالبد ر إذا كان قاطعاً للسماء
وقيامي إن قمت كالأنجم العا لية الثابتات في الإبطاء
ومنها ت يقع وروعة تبدو على المحب عند رؤية من يحب فجأة وطلوعه بغته.
ومنها اضطراب يبدو على المحب عند رؤية من يشبه محبوبه أو عند سماع إسمه فجأة وفي ذلك أقول قطعة، منها.
إذا ما رأت عيناي لا بس حمرة تقطع قلبي حسرة وتفطرا
غدا لدماء الناس باللحظ سافكاً وضرج منها ثوبه فتعصفرا
ومنها أن يجود المرء ببذل كل ما كان يقدر عليه مما كان ممتنعاً به قبل ذلك، كأنه هو الموهوب له والمسعي في حظه، كل ذلك ليبدي محاسنه
ويرغب في نفسه. فكم بخيل جاد، وقطوب تطلق، وجبان تشجع، وغليظ الطبع تطرب، وجاهل تأدب، وتفل تزين، وفقير تجمل. وذي سن
تفتى، وناسك تفتك، ومصون تبذل.
وهذه العلامات تكون قبل استعار نار الحب وتأجج حريقه وتوقد شعله واستطارة لهبه. فأما إذا تمكن وأخذ مأخذه فحينئذ ترى الحديث
سراراً، والإعراض عن كل ما حضر إلا عن المحبوب جهاراً. ولي أبيات جمعت فيها كثيراً من هذه العلامات، منها:
أهوى الحديث إذا ما كان يذكر لي فيه ويعبق لي عن عنبر أرج
إن قال لم أستمع ممن يجالسني إلى سوى لفظة المستطرف الغنج
ولو يكون أمير المؤمنين معي ما كنت من أجله عنه بمنعرج
فإن أقم عنه مضطراً فإني لا أزال ملتفتاً والمشي مشي وجي
عيناي فيه وجسمي عنه مرتحل مثل ارتقاب الغريق البر في اللجج
إغص بالماء إن أذكر تباعده كمن تثاءب وسط النقع والوهج
وإن تقل ممكن قصد السماء أقل نعم وإني لأدري موضع الدرج