الموضوع: الطريق إلى مكة
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
16

المشاهدات
7685
 
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي


ريم بدر الدين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
4,267

+التقييم
0.68

تاريخ التسجيل
Jan 2007

الاقامة

رقم العضوية
2765
10-23-2010, 04:10 PM
المشاركة 1
10-23-2010, 04:10 PM
المشاركة 1
افتراضي الطريق إلى مكة
الطريق إلى مكة


عند البحر تحتويك زرقتان ...سماء وماء..
صخب الأمواج مستمر دؤوب، لكأنه لا يريد أن يكف عن شغبه و مشاكساته و انشغاله الدائم بتقليب المياه من ضفة لأخرى و مراقبته للقمر يغتذي من الشمس و يتعلق بثوب أخته الأرض ...عندها يتمايل الموج مداً و جزراً ...تنافراً مع رمال الشاطئ و غزواً مباغتاً لها..
كلامٌ...صوتٌ ...صخبٌ ...ترتب أفكارك عندها لكن بطريقة عشوائية .. يحضر لك الموج في كل دقيقة قصصا ...عن بحارة ..عرائس البحر ...و بشرٍ يعيشون عند الضفة الأخرى يماثلونك أنسنةً و يختلفون عاداتٍ و طبائع.
ربما يجتاحني الحديث عن البحر و أنا أغزو صحراء مترامية الأطراف ...
فللصحراء لغة رغم أنها تبدو بكماء .
عندما ينكسر اللون عند خط الأفق بين صفرة الرمال و زرقة السماء و لا يتخلل هذا إلا نبات تخلى عن خضرته و مال نحو اليباس في محاولة لحماية رواء وجهه من شمسٍ لاهبةٍ حادة.
هدوء يكتنف المكان ... فلا طير يصدح و لا صوت مياه يأتي من مكان ما يحرك حر الجو .
حتى أن وقع الأقدام مفقود عندما تنغرز في الرمل و كأنك تمشي حافيا كشبح يتجول في قلعة منسية من العصور الوسطى.
مع الإمعان في الرؤية و التأمل يبدأ اللون بالتفتت و كأنها حامل ألوان لرسام مراوغ أخفاها في لوحة تحتية أو بينية غير مرئية للمارين بها سراعاً لكنه يمنح جمالها لمن يقفون طويلا أمام جلال اللون و هيبة الصمت.
هي الألوان تتدرج ما بين الأصفر إلى آخر درجات البني حسب تماوجها مع نور الشمس و زاوية الوقوف ...لتكتشف حينها أن هذه الصحراء الفارغة إلا من الرمال تشغى بالحياة التحتية ..تصرخ بلغة خاصة بها ...توغل في عمق التاريخ ...تتداعى إلى ذاكرتك عندها كثير من العوالم و الكائنات و التواريخ .
مرورا من هنا كان من وقف على الأطلال ..
من خولة لبرقة ثهمد إلى سقط اللِوى بين الدَخول فحومل!!
أشعلوا نيرانهم و اصطلوا بدفئها ...و درؤوا عن أنفسهم خطر ذئاب جائعة ...و ربما ضيَفها *جرول ما ذات ليلة في حالة يتجاذبها الخوف و الرعب مع المحبة و الرجاء ..
و قبل أن تأتي الرياح فتذروا آثار أقدامهم امتشقوا قيثارة الكلام
لخولة أطلال ببرقة ثهمد =تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
تجول العين مع حركة الشمس ارتفاعاً إلى كبد السماء ثم تمتطي قوس القبة لتزور الطرف الآخر للأرض
مرت قافلة كشفية تسبر عمق الصحراء مع لورانس تبحث عن آثار ثمودٍ و عادٍ " جابوا الصخر بالواد" و ابتنوا و بذخوا في بنيانهم ترفا و طغيانا
حيكت المؤامرات و دُست السموم
و أريقت المياه ثم الدماء حتى الوصول إلى تلال نجد المؤنسنة.
ملك ضلِيل يحتاج أن يستحيل اليوم خمرا و غدا تقرع الأجراس ......يطلب ثأراً و ملكاً لينتهي صريع مؤامرة على طرف الصحراء الآخر..ربما ما زال هناك يقول ليتني لم أستفق !
روح كليب تستحث المهلهل ليدرك ثأراً آخراً أوقدته ناقة عجفاء مريضة و بسوس لا حول لها ولا قوة لكنها توجت حرب أربعين عاما باسمها البريء.
هجرات سرية و علنية شهدتها هذه الرمال الصامتة إلى أن تشرفت بمواطىء قدم خير البرية محمد صلى الله عليه و سلم و صاحبه أبا بكر تظلهما غمامة ربانية ليبلغا موئلهما في واحة بَرود ..عند نخيل يثرب المباركة.
ألم أقل لكم أن هذه الصحراء الفارغة ممتلئة بالحياة؟
و لو قيض لها أن تحكي..
و ستحكي !!
فسيكون لها قصص و حكايات لا تنتهي، ستفشي كثيرا من الأسرار.
لست أدري كيف حضر غوركي المختلف أيديولوجية و فكرا إلى هذه البقعة
مع كونوفالوف ..مع محطة قطاره البائسة القائمة في قلب صحراء حيث طباخة شنقت نفسها ضجرا و كمدا و قهرا
حضرت كثير من العوالم هنا ، اجتذبتها صفرة الرمال و قسوة العيش وجفافه
شيئا فشيئا أطفأت الصحراء قنديلها المضيء و بدأت تغرق في ظلامها البارد ... و بدأت تفرش لحافها الأسود لتغطي به رؤوس الكثبان و الوهاد قبل أن تكتنف أقدامها معاكسة لقانون الضوء و العتمة ...البرد و الدفء..
و بدت كأنها تطردني ...تستحثني لأن أغادر عالمها المخيف
عندها فقط..كنت على مشارف مكة المكرمة