عرض مشاركة واحدة
قديم 12-17-2011, 02:23 PM
المشاركة 138
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
أحمد علي الزين: بمجوعتك "بالأمس حلمت بكَ" بتقول كانت الكتابة آنذاك نوع من الهروب من الانتحار بما معناه.
بهاء طاهر: بالزبط قلت هذا الكلام، يعني ليس بالضروري الانتحار المادي وحتى الانتحار المعنوي يعني، لأني كنت أشعر في ذلك الوقت أن الحياة لا معنى لها، وأنني يعني أقضي أياماً لا أكثر ولا أعيش.

أحمد علي الزين: يعني بتلاقي بالكتابة نوع من الخلاص أحياناً؟
بهاء طاهر: نعم بكل تأكيد.

أحمد علي الزين: وبتقديرك ما بتتحول لفخ بمستوى ما للكاتب، كمان هو يعني كمان هو بيتورط بشغلة ما كانش منتبه كثير إلى أين تذهب به؟
بهاء طاهر: عندك أمثلة كثير أستاذ أحمد عن كتاب الكتابة كانت بالنسبة لهم انتحار يعني، بل ذاكر اللي كان يقعد يشرب قهوة وواقف هو بيكتب لغاية ما مات يعني، فيه كثير من الكتاب الكتابة قضت عليهم يعني، وهمونغي الذي انتحر لأنه لم يستطع أن يواصل الكتابة.

أحمد علي الزين: يعني عندما بطل يكتب انتحر. طيب مثل ما بنعرف أستاذ بهاء أنت مبكراً يعني بدأت تكتب، ولكن ما كنت تنشر وكما تقول في بعض اللقاءات أنه كنت تهاب أمام النشر.
بهاء طاهر: جداً، وما زلت، وما زلت يعني عندي كثير من الأعمال التي لم أنشرها.
أحمد علي الزين: هذا راجع لمعايير عندك، لمعايير أنت حاططها بمكان ما من وعيك أم إلها علاقة بالثقة بالأشياء اللي بتكتبها؟
بهاء طاهر: الحقيقة لها علاقة بتقديسي للكلمة، أنا أذكر لما كنت أرى الدكتور طه حسين في الجامعة كنت أشعر بمهابة لا يشعر بها أصغر مواطن أمام أعظم إمبراطور يعني، كان شيئاً عظيماً في وجداني يعني..

أحمد علي الزين: وهو يستحق..
بهاء طاهر: طبعاً.

أحمد علي الزين: وأنت متأثر فيه طبعاً؟
بهاء طاهر: طبعاً، وكنت أعتقد أنه الكتابة مهنة مقدسة، مهنة مقدسة بالفعل، يعني عندما تمسك القلم فأنت على علاقة بالمقدّس بشكلٍ ما يعني..

أحمد علي الزين: بشكلٍ من الأشكال.
بهاء طاهر: فبشكلٍ من الأشكال، ولذلك أتهيب للكتابة لأنني أخشى في كثير من الأحيان ألا أكون على قدر هذه المهمة المقدسة.

أحمد علي الزين: النبيلة.
بهاء طاهر: إذا شعرت أنني وكثيراً ما أشعر أن ما أكتبه لا يساوي لا أنشره على الإطلاق.

أحمد علي الزين: يبدو اليوم معظم الكتّاب هذه الخاصية شوي مش متوفرة عندهم بنفس المستوى اللي متوفرة عند جيلك على الأقل، أنه هالتهيب أما الورقة البيضاء يعني يمكن يقروها يقراها واحد أو 100 ألف، يعني هذا الاستسهال بتقديرك شو سببه؟
بهاء طاهر: ما لوش علاقة بالأجيال، له علاقة بموقف الكمال معلش أنا آسف دائماً بكرر الحكاية ديه، بس بموقف المجتمع من الكتابة، يعني موقف المجتمع من كتابات الجيل الذي ينتسب إليه طه حسين ويحيى حقي وغيرهما من كبار الكتّاب غير موقف المجتمع دي الوقت، فلم تعد فكرة أن الكتابة شيءٌ له هذا القدر الهائل من الأهمية موجودة في المجتمع، فلا تلومن الكاتب يعني أنا قلت في مرة من المرات أنه لو توافر الكاتب الآن أن يكتب عملاً يجمع بين عبقرية شكسبير والمتنبي ومن شئت من الكتّاب فأقصى ما يطمع إليه عمود في إحدى الصحف كانوا يقولوا له متشكر أو حاجة كده، لكن كان فيما مضى كان ظهور رواية لنجيب محفوظ أو مجموعة قصصية ليوسف إدريس أو مسرحية لمحمود دياب أو لغيرهم من الكتاب حدثاً اجتماعياً، يعني تلاقي الصحافة كلها وأجهزة الإعلام.. دي الوقت زي ما بقول لك كده عمود صغيّر وكلمتين والله كويس والله..

أحمد علي الزين: كثر الكلام وقلّ المعنى، طيب أنت هيك عاطفياً سياسياً يبدو الروح القومية عندك كانت هيك خصبة..
بهاء طاهر: وما زالت.
أحمد علي الزين: وما زالت بس بدون شعارات براقة.
بهاء طاهر: لا بدون شعارات براقة، وبدون انتماءات حزبية كمان.
أحمد علي الزين: بتقول كنت بزمن عبد الناصر زمن الثورة كنت معها وضدها في آن، فسر لي.
بهاء طاهر: هذا صحيح، بمعنى أن مش أنا لوحدي الحقيقة، جيلي بأكمله كنا معجبين غاية الإعجاب بالمبادئ التي أعلنتها الثورة، ولكن في نفس الوقت كنا نطمع باعتبار أنه من آخر سلاسات الإيه المرحلة مش عايز اسميها الليبرالية المرحلة البرلمانية كنا نمطع في أن تكون هناك حريات ديمقراطية تتيح لنا القدر الكافي من التعبير ومن النقد أيضاً يعني النقد يصوّب مسار الحركة.
أحمد علي الزين: ومسار الثورات.
بهاء طاهر: مسار الثورات، ولكن هذا لم يكن موجوداً على الإطلاق.
أحمد علي الزين: غير متوفر.
بهاء طاهر: فكان الشعور بتعانا فيما أسميته "ثنائية الوجدان" ما بين الحماس الشديد للمبادئ الثورية، وبين الرفض الشديد لممارساتها.
قال أستاذنا الحكيم: الناس أجناس، والنفوس لباس، ومن تلبس نفساً من غير جنسه وقع في الالتباس، فسألناه: يا معلمنا فهل النفس قناع نرتديه إن أحببناه وإن كرهنا نبذناه، فردّ مؤنباً أوَلم أقل لكم: من تقنّع هلك؟ قلنا: فمن ينجو يا معلمنا؟ أطرق متأملاً ثم رفع رأسه يجول فينا ببصره، وقال في بطؤ: يا أبنائي وأحبائي أفنيت العمر في البحث والترحال، فما عرفت إلا أن الجواب هو السؤال.






أحمد علي الزين: ليس غزيراً لكنه كثير العناية وأصبح كثير الانتشار، بهاء طاهر السبعيني يواصل بخفر التزامه بفعل الكتابة، فالإبداع عنده ليس ترفاً بل هو في مستوى ما محاولة للتنوير محاولة للتغيير أو للإسهام بفعلٍ خلاّق لا مجانية فيه أو لهوٍ أو عبثٍ، هو القادم من فِكر طه حسين وجيل النهضويين ومن أحلام عبد الناصر الذي كان يلتقي معه في منتصف الطريق، يبدو أنه كان يدرك معنى السقوط في فخاخ الإديولوجيا أو الانبهار ببهرجة الشعارات، هو قادمٌ من تجارب وخبرات صقلت حياته وكتاباته، هو الصعيدي الذي فتنه الكتاب واللغة والحكاية، ومنذ مطلع الخمسينات بدأ يؤسس لتجربته الخاصة قاصاً وروائياً تهيب أمام النشر حتى مطلع السبعينات كقاص، لكنه كان قد لمع ناقداً للمسرح فمترجماً وصاحب مقالة، في مطلع السبعينات تعرّض للإقصاء على يد الرئيس السادات حيث منع من النشر لحوالي ثمان سنوات، لكن هذا لم يمنع خزينه من التراكم، واحداً من التجارب المريرة التي عاشها بهاء طاهر فماذا عن تلك الأيام؟
بهاء طاهر: كان في ذلك الحين هناك اعتقاد أن الكتاب الذين يوصفوا بأنهم تقدميين و..
أحمد علي الزين: وثوريين.
بهاء طاهر: وثوريين وإلى آخره، ليسوا ممن تلائمون أو يتلائمون مع فكر المرحلة، فما حدث لي حدث لعشرات الكتاب في ذلك الحين، كل لجأ إلى الشتات شرقاً وغرباً.
أحمد علي الزين: أنت بالفترة السابقة قبل يعني من مطلع الخمسينات حتى بداية السبعينات كنت بمستوى عملك شبه يعني مطمئن ومتوازي شغلك مع طبيعة المرحلة، إلى أن إنه اشتغلت بالإذاعة فترة من الزمن فترة طويلة، بتقديرك العمل بهذا المجال الإعلامي بيوهم أحيان بتحقيق شيء مهم أنه الواحد حقق ذاته ليتناسى أو ينسى أو يتجاهل بعض الجينات المبدعة في ذاته؟
بهاء طاهر: من المؤكد هذا الوهم اللذيذ وهم التحقق من خلال العمل الإعلامي بيكون على حساب العمل الإبداعي، ولكن أنت كلمتني عن فترة أو عن مرحلة أنا شديد الاعتزاز بها، برغم ذلك القصور أو ذلك العيب الذي تفضلت بالحديث عنه، لأنه مرحلة العمل الإذاعي التي قمت بها كانت مرحلة إنشاء شيء جديد على غير مثالٍ سابق، وهو إنشاء أول برنامج ثقافي في العالم العربي، كانت تجربة زي ما قلت لحضرتك على غير سابق مثال كنا نبتكر طول الوقت نبتكر أشكال ونبتكر حلول، وحتى أنا أذكر أنني وزملائي في الإذاعة في ذلك الحين أذكر أننا كنا نبقى يعني مع معيد الدوام الرسمي من الساعة 8 إلى الساعة 2 كنا نبقى حتى لمنتصف الليل.
أحمد علي الزين: في إحساس بالانخراط بهذا الشأن يعني بكل أحواله، لأنه أنت قضيتك هيدي كانت.
يقول عنه الدكتور محمود عبيد الله قدم بهاء طاهر مع مجايليه من أبناء جيل الستينات إسهامات أساسية في القصة القصيرة والرواية، فكان له دور جليل في تطوير السرد العربي الحديث وفي محاوراته الثرية، إن بهاء طاهر نسيج وحده بمعنى تحقيق الذات ومنحها سمات فارقة، إنه ابن زمانه ومكانه تجمع كتاباته بين الأناقة التعبيرية والغِنى الرؤيوي، هو مبدعٌ ومثقفٌ تنويري من أؤلئك المبدعين الذين يقدسون الكلمة، طيب لو أردنا التحدث عن هيك مصادرك البدائية الأمكنة الأحداث الشخصيات أديش فينا نعطيها هيك مثلاً علاقة بالواقع وعلاقة بالمخيلة؟
بهاء طاهر: أنا بفتكر إنه لا يوجد ذلك النوع من الكتابة التي تستند كلياً على الإلهام، وإنما لا بد من أن يكون فيه عمل جدي من الكاتب لتنظيم هذا الـ..

أحمد علي الزين: الإلهام.
بهاء طاهر: طبعاً، فلذلك أنا بفتكر أنه الواقع مصدر أي نعم الواقع مصدر أساسي للإلهام زيه زي الحلم، زيه زي الفانتازيا زيه زي أي حاجة ثانية، ولكن لا بد أنا أقول دائماً أن الكتابة هي إعادة الكتابة، الكتابة هي إعادة الكتابة بمعنى أنك تكتب الدفقة الأولى بما تسميه الإلهام ولكن هذا الإلهام يحتاج بعد كده..

أحمد علي الزين: لشغل كثير.
بهاء طاهر: لشغل كثير.

أحمد علي الزين: صحيح، يعني الأحداث اللي بتمر بحياة الإنسان بمختلف درجات المأساوية أو غير المأساوية يعني هي كمان أيضاً بتشكل حوافز لكتابه مش بالضرورة عن تلك المأساة أو هذا الفرح، بتقديرك كمان هي بتعلب دور؟
بهاء طاهر: نعم. ودور زي ما حضرتك قلت يمكن أن يكون إيجابياً وممكن أن يكون سلبياً، يعني إذا كانت يعني الفترة التي قضيتها أنا في بداية انتقالي للعمل في الغرب وقد استمر لفترة طويلة فترة السنين الأولى فيها لم أكن أستطيع الكتابة على الإطلاق، يعني كانت كأنك اقتلعت إنسان من جذوره كدا نبته من جذورها ورميتها يعني، والله الخروج منها أستاذ أحمد اقتضى جهد هائل يعني اقتضى جهد هائل، لأن أنت اشتغلت في الغرب وتعرف عن نوعية العمل في الغرب إنك بتعمل من الصباح الباكر حتى..
أحمد علي الزين: تتفرغ..
بهاء طاهر: حتى الليل، فتكون في نهاية العمل قد ابتزت منك كل الطاقة يعني..
أحمد علي الزين: يعني طالما فتحت هذا الحديث عن تجربة بجنيف يعني حيث عملت بالأمم المتحدة حوالي 15 سنة، يعني هلأ بس تنظر لها لهالتجربة ما بتلاقي أنها شكلت مصدر آخر لهالمخزون الروائي اللي عندك؟

بهاء طاهر: بالتأكيد بالتأكيد.


أحمد علي الزين: "الحب في المنفى" روايتك هيدي ما إلها علاقة بالتجربة؟
بهاء طاهر: طبعاً، لها علاقة بالتجربة بالتأكيد يعني بالتأكيد..
أحمد علي الزين: بتحكي عن بيروت على كل الحال الحب في المنفى..
بهاء طاهر: طبعاً، كلها عن بيروت طبعاً، ولذلك اقتضت كتابتها مني سنين طويلة لأني أردت أن أكتب عن شيءٍ لم أره، عن صبرا وشاتيلا التي هزتني هزاً، إلى أن هداني الله إلى الحل، وأن يكون الرواية على لسان مراسل صحفي لم يعش التجربة وإنما يتلقى الأنباء عنها.
أحمد علي الزين: يقال أستاذ بهاء أنه أنت ممكن تكتب أكثر من عمل بنفس الوقت صحيح هذا الكلام؟
بهاء طاهر: حصل، ما دمت مكلمك عن تجربة الحب في المنفى في أثناء كتابتي للحب في المنفى طلعت أربع كتب يعني طلعت رواية "قال الضحى" طلعت مجموعة "بالأمس حلمت بك" طلعت مجموعة "أنا الملك جئت"..

أحمد علي الزين: بالأمس حلمت بك بعد موت الوالدة؟
بهاء طاهر: بعد موت الوالدة، لذلك فيها ذلك الجو الشجن الشديد يعني، وكتبت "خالتي صفية والدير" في أثناء كتابتي للحب يعني الرواية فضلت شغلاني عشر سنين بس ما كنت بكتب فيها عشر سنين، يعني أنا كانت شغلاني أكتب بعض الأفكار وأرميها أكتب بعض الصفحات وأرميها، وأتفرغ بقى للعمل الثاني خالتي صفية أو لقال الضحى أو لغيرها من الأعمال.

أحمد علي الزين: طيب خلينا نعد مثل العادة هيك للبدايات، يعني أنت من مواليد 1935 في الجيزة؟

بهاء طاهر: في الجيزة من أسرة صعيدية.

أحمد علي الزين: من أسرة صعيدية، يعني إذا بدنا نتحدث عن زمن الطفولة أديش كان منسوب السعادة منسوب الشقاء منسوب الفرح منسوب اللعب؟

بهاء طاهر: في الحقيقة لا أستطيع أن أصف طفولتي أنها كانت طفولة سعيدة لأ لا أستطيع، لأنه اقترنت ببعض التجارب المريرة جداً، يعني هذه الفترة فترة الطفولة كانت هي فترة الحرب العالمية الثانية..

أحمد علي الزين: بدايات الحرب العالمية الثانية.
بهاء طاهر: بدايات الحرب العالمية الثانية، يعني عندما تفتح وعيي عندما ابتديت أفهم الدنيا كانت الغارات وظلام الأنوار في القاهرة وصوت القنابل وصوت المدفعية المضادة للطائرات ثم اقترنت بتجربة شخصية مريرة جداً بالنسبة لأسرتي ولي شخصياً، أنه كان هناك في الأسرة في الصعيد حيث كان كل الأعمام والأخوال وأبناء الأعمام وأبناء الأخوال وباء الملاريا الذي لم يكن له علاج آن ذاك في ذلك الوقت سنة 1942، وهذا قضى على معظم أفراد أسرتي الذين كانوا في الصعيد أعمام وأخوال وأبناء عم وأبناء أخوال، فكان جو الأسرة في فترة طفولتي جو من الحزن الحقيقي يعني الحزن الحقيقي نعم، وأظن أن هذه الفترة كان عمري وقتها سبع سنين أظن أنها تركت بصمة..

أحمد علي الزين: بصماتها لأ واضحة.
بهاء طاهر: طبعاً.

أحمد علي الزين: يعني هذا الشجن والحزن بأعمالك مزروع من ذلك الوقت؟
بهاء طاهر: ممكن. ولكن فرحات الطفولة كانت هي استماعي إلى القصص التي كانت ترويها أمي، هذه هي الفرحة الحقيقية أيضاً.

أحمد علي الزين: بتقول مع الشيخوخة تتضح أكثر صورة الطفولة.
بهاء طاهر: صحيح حقيقي بالنسبة لتجربتي الشخصية ما أعرفش..

أحمد علي الزين: أنت عم تشوفها بطريقة أوضح؟
بهاء طاهر: نعم.
أحمد علي الزين: من وقت سابق؟
بهاء طاهر: نعم. أنا ما أعرفش هذا النقوص إلى الوراء تعليله النفسي إيه أو تحليله النفسي إيه ما أعرفش، ولكني شعرت بهذه المسألة عندما كنت أكتب رواية "خالتي صفية والدير" ذكرياتي عن الصعيد كلها مستمدة من زياراة صيفية في فترة العطلات المدرسية للقاري، فكنت أكتب الرواية في جنيف ولم أكن قد زرت مصر بقالي 10 سنين عندما ابتدأت كتابة هذه الرواية، فإذا بكل الصعيد

أحمد علي الزين: حضر.
بهاء طاهر: حاضراً في غرفتي في جنيف، وكل اللغة الصعيدية وكل المصطلحات، فقلت في ذلك الحين أنه يبدو أنه الواحد لما بيقدم بيكبر في السن بينكس إلى الوراء للطفولة بنوع من..

أحمد علي الزين: ليش؟ ليش بتقديرك تشبثاً بالحياة أكثر، والدفاع عن الحياة أو..
بهاء طاهر: ربما محتاجة لخبير نفساني يقول لنا إيه السبب، مش عارف يا عم الكاتب بدون كتابة مالوش وجود الحقيقة ما لوش وجود.

أحمد علي الزين: بهاء طاهر أو محمد بهاء الدين عبد الله طاهر هو اختزالٌ آخر يقوم به باسمه مثلما يفعل في اختزالاته للكتابة، مولودٌ في الجيزة عام 1935 من أبوين متحدرين من الكرنك الأقصر صعيد مصر، درس التاريخ في البداية وتخرج عام 1956 وتابع تخصصه في هذا المجال وفي مجالات الإعلام والدراما، بدأ حياته العملية في الإذاعة المصرية حيث أسهم في تقديم المعرفة والرواية، أتقن فنون الكتابة الدرامية ودرّس مادة الدراما والسيناريو في معهد السينما، وكتب في النقد، بدأ في نشر أعماله على أول السبيعينات نذكر منها: "الخطوبة" وقصص أخرى "بالأمس حلمت بك" "أنا الملك جئت" وفي الرواية "شرق النخيل" و"قال الضحى" "خالتي صفية والدير" "الحب في المنفى" "نقطة نور" و"واحة الغروب".
بهاء طاهر: كانت فكرة الكتابة حاجة محترمة جداً في الجيل الذي أنتسب إليه، يعني فكرة وجود طه حسين فكرة وجود الكتّاب العمالقة في ذلك الحين خلت يعني طموح كل شاب صغير يبقى كاتب يعني الأولاد طموحه أن يبقى لاعب كرة مش كده ولا أيه؟ لكن..
أحمد علي الزين: فكرة التماثل بلا شك يعني.
أحمد علي الزين: نعم. فكانت الكتابة أمل كبير جداً عند الناس يعني فكرة الثقافة كانت فكرة لها احترامها الكبير جداً، أذكر يعني في فترة الدراسة في المدرسة الابتدائية كان كلنا نقلد أساليب الكتاب الكبار وكده يعني، لكن بعضنا بيستمر وبعضنا بيتوقف، أنا كتبت الشعر ولكنه كان شعر بالغ الرداءة برضه في هذه الفترة، ولم أحاول أن أنشر منه أي شيء يعني، لكن لسببٍ أو لآخر استمريت في حب القصة وكتابتها، يعني كنت قارئ نهم للقصة والرواية منذ سن مبكر جداً يعني..
أحمد علي الزين: بأكثر من لغة؟
بهاء طاهر: بأكثر من لغة يمكن من المرحلة الثانوية، لأنه أنا ما تعلمت في المدارس..
أحمد علي الزين: بس لا يبدو.. شو بيعني لك الزمن يعني؟
بهاء طاهر: مش بس من دي الوقت حتى وأنا صغير جداً قبل السبعينات..
أحمد علي الزين: كنت تشعر..
بهاء طاهر: كنت أشعر بأنه صراع الإنسان الحقيقي هو صراع مع الزمن، بمعنى أنك تريد أن.. يمكن نجيب محفوظ في الحرافيش أوضح الحكاية دي جداً في إحدى الشخصيات التي حاول أن يكون خالداً يعني، بمعنى أن كل إنسان حتى الطفل يعني عندما يواجه بفكرة نهاية الحياة وبتاع بيحاول أن يتحدى مش ضروري يتحدى بمعنى أنه بيحاول أن يثبت وجوده في مقابل فكرة العدم، إنه يريد أن يثبت أنه يستطيع أن يترك بصمة يستطيع أن يحقق ميزاته حتى ولو من خلال الإنجاب ومن خلال استمرار الحياة بالمعنى الفسيولوجي.
أحمد علي الزين: أشكال من الخلود يعني.
بهاء طاهر: طبعاً.
أحمد علي الزين: بس غير أكيدة على الإطلاق؟
بهاء طاهر: على الإطلاق.
أحمد علي الزين: شيء مؤسف، ربما الأدب أو الإبداع بشكل عام هو بيحقق هذا المقدار؟
بهاء طاهر: حتى هذا العزاء أيضاً أستاذ أحمد مش عزاء كافي، لكن على الأقل محاولة يعني نبش يعني محاولة نبش خربشة يعني.
أحمد علي الزين: من إيمتى بلشت تحس أنه ما فيش وقت كفاية لحدّ القول كل ما يجول في بالك يعني في أي مرحلة؟
بهاء طاهر: في مراحل كثيرة الحقيقة، يعني أنا كنت بعتقد أنه آخر ما سأنشره هو رواية "الحب في المنفى" وقلت هذا الكلام، قلت أنا خلاص قلت كل ما عندي ومش حأكتب بعد كده يعني، ولكن..
أحمد علي الزين: مع إنه أنت مش غزير كثير نسبة للـ..
بهاء طاهر: لا خالص، ولا كانت من ضمن أحلامي أني أكون غزير، لم يكن من ضمن أحلامي خالص أنه أنا أكون كاتب غزير..
أحمد علي الزين: لم تسعَ؟
بهاء طاهر: لا إطلاقاً، زي ما قلت لك لست متهيباً فقط من فكرة النشر، ولكني متهيّب أيضاً من فكرة التكرار، أن أكرر ما سبق أن قلته، فلذلك أحاسب نفسي حساباً عسيراً، وبما أن الكتابة في عصرنا هذا لم تعد ذلك الشيء المهم جداً الذي كانته في صباي فلذلك لم.. حافز الاستمرار لم يكن يعني موجوداً، أنا قلت أنا رح أقول في هذه الرواية كل ما لدي وأمتنع عن الكتابة عن "الحب في المنفى" ولكن شاءت الأقدار أنه أكتب بعد كده.
أحمد علي الزين: نعم. الآن يعني عندما هيك بتحاول تلتفت إلى الوراء بتحسّ بنوع من الرضا عن مسار هالتجربة، والسؤال التقليدي اللي عادةً الواحد بيسأله أنه فيما لو خيّر المرء أن يعيد حياته أو يصنعها بيده هو بتعيد نفس التجربة أم..
بهاء طاهر: توفيق الحكيم ردّ على هذا السؤال قال: أرجع أشتغل لاعب كرة، لكن أنا مش رح أقول كده مش حأرجع أشتغل لاعب كرة حأقول أنه أنا بكل تواضع بكل يعني تجرّد أنني أشعر أنني أديت ما عليّ في حدود الإمكان في حدود الإمكان فعلت ما أستطيع أن أعمله.
أحمد علي الزين: يعني أنت من الناس اللي كنت تشعر دائماً بحكم انتماءك الفكري وأنه عليك مهمة يعني يفترض أن تقوم بها..
بهاء طاهر: جداً، عندي هذا الإحساس طبعاً سواء نجحت أم لم أنجح ولكن بما أني كتبت كتاب أبناء رفاع الذي سجلت فيه مسار تطور الفكر..
أحمد علي الزين: والنهضة.
بهاء طاهر: والإبداع وإسهام يعني حتى الفصل الأول منه اسمه "ماذا قدم المثقفون لمصر؟" إحساس بأنه الكاتب ملقي على كاهله مسؤولية عظمى عندي هذا الإحساس طول الوقت طبعاً، أما إن كنت نجحت أو فشلت فهذا لا أستطيع أن أحكم عليه طبعاً.
أحمد علي الزين: يعني الرواية بتقديرك بتقوم بدور معيّن بدور اجتماعي؟
بهاء طاهر: بدور اجتماعي أنا شديد الثقة من ذلك، وأردّ على من يقولون أن أنهم فكرة الفن للفن وفكرة الإبداع من أجل الإبداع أنه أكثر الأعمال ابتغاءً لوجه الفن تتضمن رسالة اجتماعية ورسالة سياسية، ما فيش أبداً ذلك العمل التجريدي خاصةً أظن سارتر استثنى الشعر من الحكاية ديه، ولكن حتى الشعر يساهم.
أحمد علي الزين: نعم. يعني ما زلت بتعقد الأمل على دور لمشروع المثقفين المتنورين يعني رغم دخولنا مثل ما سألنا في البداية بهذا النفق؟
بهاء طاهر: النفق آه، شوف أستاذ أحمد أعتقد أنه ده الأمل، هل سيتحقق هذا الأمل أم لا أنا لست متنبئاً ما أقدرش أتنبأ، لكن هو ده الأمل هو ده الأمل أن تعود أن يعود للأمة إدراك أهمية عقلها.

أحمد علي الزين: طيب هذا الإسفاف اليومي في كل شيء في السياسة في الإعلام وفي الصحافة وحتى في الأدب يعني بين هلالين إذا فينا نسميه أدب، هذا بتقديرك ما بيساهم في تخريب الذوق العام والوعي والـ..
بهاء طاهر: بكل تأكيد، بكل تأكيد بيسهم في تخريب الوعي وبيسهم في.. ولكن يمكن في كل مرحلة كانت هناك ذلك الصراع بين ذلك الجهد التخريبي وذلك الجهد البنّاء، يمكن دي الوقت دي الوقت في العصر اللي إحنا عايشينه ده الجهد التخريجبي..

أحمد علي الزين: شغال أكثر.
بهاء طاهر: أكثر، ولكن لحسن الحظ ما زال ذلك الجزء البنّاء يحاول أن يحفر لنفسه طريقة، إذا اختفى ده فعلاً بقى ما فيش أي أمل، إذا اختفت محاولة الجانب البنّاء في الفكر أن يفرض وجوده لا يعود هناك أمل ما لم تعد الأمة الاعتراف بأهمية دور العقل ودور الفكر فلا أمل لها.

أحمد علي الزين: يقول عنه محمود أمين العالِم كتابات بهاء طاهر من هذه الكتابات الهامسة التي تنساب إليك بهدوءٍ آسر بليغ تربت على مشاعرك في نعومة ورقة مهما بلغت حدتها الدرامية وعمقها الدلالي، إنه قصاصٌ شاعرٌ متصوّف تفيض شاعريته وصوفيته برؤيا إنسانية حادة تغريك برومانسيتها الظاهرة عما ورائها من حكمة وعقلانية وإحساس عميق بالمسؤولية والالتزام، هو عاشقٌ عظيم لمصر، باحثٌ دائب البحث عن أسرارها وأغوارها مهمومٌ بما تعانيه من أوجاعٍ وأشواق