عرض مشاركة واحدة
قديم 10-18-2011, 09:19 AM
المشاركة 167
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رواية 1984 جورج اورويل

صدرت رواية “1984 في عام 1948, وهي رواية سياسية دسيوتوبية, ومصطلح “يوتوبيا” يعنيالعالم المثالي”, أو بالأخص “الحضارة المثالية” وخصوصاً في الجانب السياسيوالاجتماعي منها, ومصطلح “دسيوتوبيا” يشير للفكرة المعاكسة من ذلك؛ والتي تعنيالمجتمع القائم على القمع والاستبداد.

الرواية عبارة عن تصور وتحذير لمستقبلمن الوارد جداً حدوثه, وتاريخ نشر الرواية هو في غاية الأهمية؛ فعنوان الروايةبالنسبة لتاريخ نشرها يلمّح بأن السيناريو المستقبلي المخيف المذكور فيها قد لايكون بعيداً, بل إن العديد من المفكرين يظنون أنه قد تحقق جزء كبير منه, والعقبةالتي تحول دون تحققه كلياً هي مجرد عقبة تكنولوجية؛ وبشيء من التطور العلميوالتكنولوجي قد يصبح عالمنا – إن لم يكن كذلك الآن – مثل عالم “1984″.

تبدأالرواية بالطبع في عام 1984 حيث العالم منقسم لثلاث دول: الدولة الأولى هيأوشيانيا” (تمت ترجمتها لـ “أوقيانيا”), وهي عبارة عن الأمريكيتين واسترالياوالجزر البريطانية. والدولة الثانية هي “أوراسيا”, وأراضيها هي روسيا والباقي منأوروبا. والدولة الثالثة هي “إيستاسيا” وتتكون من الصين واليابان وكوريا وشمالالهند. أما بالنسبة للشرق الأوسط, وجنوب الهند, وأفريقيا, فهي عبارة عن ساحات حربومناطق متنازع عليها من قبل هذه الدول الثلاث.

أحداث الرواية تدور في دولةأوشيانيا حيث الأيدلوجية هناك هي الاشتراكية الإنجليزية أو ما يسميه الحزب الداخليبـ (الإنجسوك), وحيث المجتمع هناك مقسم لثلاث طبقات: طبقة “الحزب الداخلي” ونسبتهااثنان بالمئة من السكان, وطبقة “الحزب الخارجي” ونسبتها ثلاثة عشرة بالمئة منهم, وأخيراً توجد طبقة “العامة”, وفوق هذه الطبقات كلها يوجد الحاكم المسيطر المستبدالأخ الأكبر”؛ هذه الشخصية التي أصبحت من أكثر الشخصيات الروائية شهرة, بل إنهاأصبحت رمزاً لأي عملية استبداد أو تجسس أو قمع. وبالمناسبة, سبب تسمية البرنامجالتلفزيوني الشهير “الأخ الأكبر” بهذا الاسم هو عملية المراقبة الدائمة علىالمشاركين فيه.

في هذه الرواية يثبت جورج أورويل أنه ليس أديباً فذاً فقط, بل يثبت أنه مفكر سياسي حاذق, فهو لم يكتفي بتحليل الفكر الاستبدادي وتحليل طريقةعمله, بل تجاوز ذلك ليتنبأ لنا بنبؤة مستقبلية متكاملة مذهلة لما سوف يؤول إليه هذاالفكر إن استمر حاله على ما هو عليه. هذا النوع من الفكر يستخدم ما يحلو لي تسميته (الداروينية الاستبدادية)؛ فهو بمرور الوقت يتخلص من نقاط ضعفه التي تطيح به عادة, وأيضاً بمرور الوقت يعزّز أوجه قوته كي يكسب أعضاء جديدة يسيطر بها على العامة وعلىالثورات والانقلابات المحتملة؛ فأفكار الأخ الأكبر في هذه الرواية تختلف تماماً عنالأفكار الاستبدادية التقليدية, فهو يتعامل مع الشعارات والهتافات والتسميات بطريقةمختلفة, ويتعامل مع الثوار والمنشقين بطريقة مختلفة, ويتعامل مع طبقات المجتمعوالحروب والثروات والتقنية بطريقة مختلفة, بل أنه يفهم فكرة “السلطة” وغايتهاوتطبيقها بشكل مختلف, يتعامل الأخ الأكبر مع هذه الأفكار ويفهمها بطريقة جديدةمتطورة تضمن له أن يكون نظامه السياسي غير قابل للهزيمة؛ ويبدو لي أننا بقليل منالتعديلات نستطيع تحويل الرواية لكتاب من نوع (الطغيان للمبتدئين).

فيأوشيانيا يستبد الحزب الداخلي بقيادة الأخ الأكبر استبداداً مذهلاً وجباراً علىباقي الطبقات؛ فهو يزرع شاشات الرصد في كل مكان؛ وهذه الشاشات مهمتها مراقبة الشعبونشر الأخبار الملفقة وإصدار الأوامر للأفراد, ويزرع الحزب الميكروفونات في كل مكانلرصد كل همسة من الشعب, بل ويتجاوز الحزب ذلك ويعمد لتحطيم العلاقات الأسرية لإفناءكل ولاء ليس موجه له, ويعمد أيضا لإذلال العملية الجنسية بجعلها مجرد وسيلة لخدمتهوبتجريدها من أي رغبة أو وله أو عاطفة كؤاد لأي احتمال لنشوء ولاء لغير الأخالأكبر. ثم يتفوق الحزب في استبداده على نفسه ليصل لمرحلة الاستبداد العقلي فيسيطرعلى اللغة, ويدمر, ويعيد تركيب كلماتها, بل ويصنع لغة جديدة, ويمنع الاتصالبالحضارات الأخرى, ويحرّف التاريخ, ويلفّق الماضي, ويقلب الحقائق, حتى تتوه العقولفلا تجد إلا الحزب كحقيقة ثابتة تستطيع أن تؤمن بها.

في المشهد الافتتاحيللرواية نرى المواطن “ونستون سميث”, والذي يعمل في وزارة الحقيقة (وزارة الإعلام) والتي, بشكل ساخر, مناطه بتزييف الحقائق, نرى هذا المواطن وهو يدخل غرفته وقد أصابهالإحباط من دكتاتورية الحزب, ومن أسلوب الحياة الذي يفرضه. يفتح حينها دفتر كان قداشتراه بشكل غير شرعي ليبدأ في تدوين أفكاره؛ وهو مدرك أنه ابتداء من هذه اللحظة قدصار في عداد الموتى, فمجرد عملية التفكير يعتبرها الحزب جريمة تستحق الموت ويسميهاجريمة الفكر”, يكتب ونستون في دفتره أنه يكره الأخ الأكبر, ثم يبدأ التفكير بـأوبراين”, وهو أحد أعضاء الحزب الداخلي الذي شعر ونستون أن ولاءه للحزب ليس تاماً, فقد شك ونستون أن أوبراين ينتمي لأخوية شديدة السرية والغموض تعمل ضد الحزب, ثميفكر بعد ذلك في “غولدشتاين” عدو الحزب الأول, والذي كان أحد أهم أعضائة ولكنه تأمرعليه وحكم عليه بالموت ولكنه استطاع الهرب وأصبح يشكل قلقاً كبيراًللحزب.

انتهى ونستون؛ هذه الأفكار المجردة تعني مؤت زؤام مؤكد, لذا لم يعدلديه شيء يخسره, فالمرء في كل الحالات لن يُقتل إلا مرة واحدة ..

ومن هناتبدأ الرواية؛ ويبدأ استعراض القمع والتسلط والطغيان والدكتاتورية والاستبداد, ويبدأ استعراض الريبة والقلق والاضطراب والجزع, الحزب في كل مكان, الحزب في كل فرد, أو كما يقول ونستون: لم يعد هناك مكان آمن سوى سنتيمترات معدودة فيالجمجمة.

رواية “1984 كان لها تأثير كبير على روايات عديدة؛ فقد أثرت فيرواية “فهرنهايت 451 لـ “راي برادبوري”, و”الرجل الراكض” لـ “ستيفن كنج”, والبرتقالة الميكانيكية” لـ “أرثر بيرجس”, ومن جهة أخرى كان لرواية “نحن” للأديبالروسي” يفنجي زامياتين” ورواية “عالم جديد شجاع” لـ “ألدوس هكسلي” تأثيراً كبيراًعلى جورج أورويل أثناء كتابته لهذه الرواية.

أيضاً كان لهذه الرواية تأثيركبير على اللغة الإنجليزية؛ فقد شاع استخدام العديد من المفردات التي ابتكرت في هذهالرواية مثل: (الأخ الأكبر - Big Brother), (الغرفة 101 - Room 101), (شرطة الفكر - Thought police), ( التفكير المزدوج- Doublethink), ( اللغة الجديدة – Newspeak), بل لقد درج استخدم مصطلح (أورويلي – Orwellian) كطريقة لوصف الحالات, أو المشاهد, أو الأفكار, أو طرق التحدث التي تشبه ما جاء في أعمال أورويل عموماً وهذه الروايةخصوصاً.

العنوان الأصلي لهذه الرواية كان “أخر رجل في أوروبا” ولكن الناشراقترح على أورويل تغييره, وبالرغم من المحاولات العديدة لتفسير سبب اختيار أورويللعام “1984 بالضبط كي يكون عنواناً للرواية, إلا أنها كلها غير مؤكدة, والاقتناعالسائد الذي يُذكر غالباً بهذا الخصوص أن عنوان الرواية هو عكس لأخر رقمين من سنة 1948, وهي السنة التي أتم فيها أورويل كتابة الرواية والتي استغرقت كتابتها ثلاثسنوات بداية من 1945, ونشرت في عام 1949.

ترجمت هذه الرواية لـ 62 لغة, وبمناسبة الحديث عن الترجمات فإني أقدم جزيل الشكر للأستاذ “أنور الشامي” لترجمتهالرائعة لهذه الرواية.

جدير بالذكر أن مجلة “التايم” اختارت هذه الروايةكواحدة من أفضل 100 رواية كتبت بالإنجليزية من عام 1923 وحتى عام 2005, هذا بالرغممن أنها منعت في الكثير من الدول والكثير من المكتبات حين صدورها باعتبارها روايةخطره سياسياً.

مما لاشك فيه أن جورج أورويل استوحى الكثير من سمات “الأخالأكبر” من القائد الثاني للاتحاد السوفيتي “جوزيف ستالين”, واستوحي الكثير من سماتمجتمع “أوشيانيا” من مجتمع “الاتحاد السوفيتي” حينذاك, حتى شخصية المنشق “إيمانويلغولدشتاين” مستوحاة من المثقف الثوري الماركسي “ليون تروتسكي” الذي طرد من الحزبالشيوعي وأبعد عن الاتحاد السوفيتي.