الموضوع: أنت طالق...!!
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-16-2014, 12:16 PM
المشاركة 40
مباركة بشير أحمد
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
يقول الأستاذ ياسر علي :
بداية أعتذر للأشخاص الحقيقيين الذين انبنى النص على بعض تصرفاتهم و سيرهم و هذا أضعف الإيمان ، فالكتابة المستندة إلى أحداث واقيعية هي أصعب أنواع الكتابة ، إذ تتقلص مساحة التخيل ، و تدخل الرقابة الذاتية على عملية البناء و تكبل حرية التصرف بقيود الحدث ، و شخصيا لدي بعض المحاولات في هذا الأدب لكن لا أظنها يوما سترى النور لاعتبارات شتى ، ربما في العمل الروائي يمكن صياغة عمل واقعي وسيرة ذاتية نظرا لما تتيحه الصفحات من الاستطراد لجعل الشخصية قريبة من الجمهور و تجعل تصرفاتها مقبولة و لا يلفها الغموض .

وبداية أقول يا أستاذ ياسر علي : الواقع لا يقيَد الإبداع إنما يزيده مصداقية ،لأن خيال الإنسان مهما اتسع فلابد للضيق أن يثني بعضا من سيرورته ، واعتماد الكاتب " القاص" على الواقع ،ليس يعني أن خياله سيأخذ عطلة عن الإبداع ،وإلا فما الفرق بينه والصحفي ،ناقل الخبر بعين الكاميرا ؟
الله عزوجل يقص لنا أحسن القصص التي جرت على أرض الواقع ،لكن بأسلوب نوراني ،له أثره الجذاب في نفسية القارئ . ثم مارأيك في لوحة "الموناليزا" مثلا ، أليست ملامحها مجتثة من الواقع ؟ وفرضا لو ،مصورة تلك المرأة بآلة تصوير ،هل كانت ستنال أكبر قدر من الإعجاب ،رغم تعاقب الأجيال ؟



كان لايزال ربيع عمرها يدرج على سلالم النضوج الأنثوي، تلك الفاتنة، عندما تقاطرشهد السعادة من أنفاسها الملتهبة شوقا للقاء.

اللقاء هنا كلمة غريبة في هذه الجملة ، هل هو لقاء النضج أم لقاء الحبيب ، وكان الأحرى هنا توضيح هذا اللقاء ، أو لقاء بمعنى الزواج، والنضوج الانثوي هنا ثقيل يمكن اسبداله بكلمة الرشد


لقاء الحبيب طبعا . لكن المفهوم الذي يجذب خلفة الدهشة أجده ،أكثر تأثيرا .نعم يتساءل القارئ : لقاء من ؟ لكن بمجرد أن أذكر اسم نبيل ،تكتمل الصورة في ذهنه ،ثم أن الإنسان إلى من يشتاق ؟ إلى عدوَه مثلا ؟
ولماذا ترى ان كلمة نضوج أنثوي ،معنا ثقيلا ؟ فهي ليست بالطفلة ،التي لاتدرك معنى للحب ولا للهفة ،وليست في سن رشد ،فمابينهما ،أي في سن تتأرجح مابين الطفولة والنضج ،أقول الأنثوي ،وليس الفكري ،فالفتاة في هذه السن تغلب عليها العاطفة ،وإذا احبَت ،تكون شعلة من الوله ، والشوق إلى لقاء الحبيب ،يصل إلى أعلى درجاته – الحب الأول


نبيل....!عطرُ كلماته ها قد انفتحت قارورته المنسية في ثنايا الذاكرة، واقتحم أسوارها دون استئذان، لتجد نفسها منغرسة به طريقا ترامت مسافاته، ، وتعسَرت قراءة عناوين محطاته.

ربما كلمة نبيل مستقلة ومتبوعة بفراغ و علامة تعجب ، أعطت قيمة لهذه الشخصية ، لكن أن يغيب الحبيب عن ذاكرة امرأة وهي تعاني ظروف قاهرة في حياتها الزوجية ربما شيء يبدو غريبا بعض الشيء ، تعسرت عناوين محطاته زرعت الغموض في الجملة بعد أن كانت واضحة الانشراح .


نعم تغيب ذكرى الحبيب بالتجاهل ،ومحاولة النسيان ،ويزيدها القهر أو حب الزوج ،بعدا ،فكم من امرأة أحبت قبل زواجها ،ثم نسيت علاقتها مع حبيبها ، لكن ذكرى الحبيب تستيقظ أطيافها النائمة ،في حالة ما إذا توفرت الظروف المساعدة لاسترجاع الذكرى ، فالشابة المطلقة ، وفي طريقها إلى بيت والدتها ،أكيد أن الأماكن التي مرَت بها ،قذ ذكَرتها بحبيبها الغائب ،فقد يكون جارها مثلا ،ابن الحي الذي كانت تقطن فيه ،أوحتى غريبا عن ذلك الحي ،لكن اللقاء ،على مقربة من بيت اهلها ....ثم وباعتباره أول حبيب ،لابد أنها في تلك الحالة النفسية العصيبة ،كانت بحاجة إليه يكفف دمعها ،ويربَت على كتفها بحنان –أتحدث هنا عن الحب العذري-. .

ها هو ذا طيفه ينبعث من ردحات الماضي البعيد، ليغشى عينيها الناعستين، ويهرق الأمل صوب دواخلها المرتعشة، ويذكّرها بالوعد الذي كتب صحيفة بقائه السّرمدي بدماء قلبه النابض حبا وألما:
"رحمة ... مستحيل أن يأخذك غيري....مستحيل...!!"

التكرار يفيد التوكيد و هذا إصرار على عدم تذكر نبيل إلا في ذلك اليوم . ربما الاسم له دلالة جميلة بكونه يحمل معنى النبل ، لكن لا حدث في النص يبين هذا النبل بل هناك استسلام كامل و ربما الجملة الموالية بينت ذلك أكثر .

، أما عن اسم نبيل ،فلقد فرض نفسه في القصة ،بغير تدبير منَي ،و الأسماء ليس بالضرورة تدلل على أصحابها ،فكم من رجل اسمه محمد ،ولكنَه أبو جهل بسلوكاته المشينة. فلاتهتم كثيرا بتحليل معاني الأسماء

[color="navy"]تلك كانت رواسب زفرات اشتعلت بها نيران غيرة هوجاء، حيال ما اكتشف المتيم أن حبيبته، وضياء عينيه، سينتشلها من بين يديه آخر، وأن لافتات الفراق ستُعلى هاماتها قريبا، في حين تتوارى الأحاسيس النازفة حرقة و ولها، وتركل بعيدا أمانيها على رصيف الأوهام، بقدم سلطة والدها، الذي أقسم أن زواجها سيتم ذات ليلة كُسرت فيها آخر الفوانيس للقيا الحبيب، واستبدلت بدخان خانق.[/color]

لا يزال اللقاء هنا غريبا هل هو لقاء تشكو فيه لحبيبها قرار الأب فقد حدث أم هو الزواج . ينتشلها هنا أعطيت دلالة النشل و السرقة و النزع ، لست أدري إن كانت قد استطاعت تحمل هذا الدلالة ، و خاصة لكونها موزونة صرفيا على الافتعال و لصق بها معنى الإيجابية في الاستعمال وهناك انتقال من هو إلى هي بشكل غير مريح .

،لن تلتقى حبيبها ،فهذا يعني ،القضاء عليها ،سواء أشتكت إليه فعلة والدها بها ، أواكتفت بالنظر إليه باكية ،ومن شرب كأس الحب المرَ ،يدرك تماما ،مامعنى أن يُمنع الحبيب عن لقاء حبيبه .ينتشلها من بين يديه آخر ،بمعنى يسرقها منه ،أولانُسمي المرأة التي تأخذ زوج غيرها " خطافة الرجال "هههه


ليلة فيها تبعثرت الرؤى، وتلعثمت خطى المشاعر، وانسدل ستار أسود معلنا عن النهاية، تحت وقع الدفوف، و زغاريد النساء، عندما زرعوها بذرة ورد غريبة بأرض تمادت مساحات جفافها وتعذر عليها استنشاق الهواء عبر مساماتها الضيقة، أين اجتثت جذور كرامتها وألقي بوريقاتها ذاوية في المتاهات
بين عشية وضحاها، أمست تلك الحورية الجميلة خادمة البيت، وجارية السيد العظيم.
شكواها لوالدتها لم تكن لتغير مستحيلا، أو تعبث بالتواءات خط رسمته لحياتها يد الجبروت..!
شريط من الأحداث السوداء توالت حلقات مسلسله، ناشبة أظافرهاعلى شجيرة عمرها الأخضر، وكاتمة على أنفاسها حدّ الهذيان .
- متى؟ كيف؟ هل من سبيل؟ تساءلت بمرارة، ورفعت راية الإحتجاج بصمت، إلى أن أغمي على أفكارها، وأعلنت الإستقالة من عالم الأحياء...!


رغم الرفض المطلق ربما كانت هناك محاولة للتأقلم مع الوضع الجديد و هنا يمكن زرع فعالية البطلة . و ليس فقط مجرد الاستفسار ؟

رجل أحمق ،عجوز ،وله من النساء ثلاث ،حتى ولوحاولت التأقلم ،فالطرق أمامها مسدودة .فارق السن بينهما ، قسوته وجهله ،غيرة ضرائرها منها ...فهذه أشياء بديهية ،وإذا أضفينا عليها الخيال الإبداعي ، لن نستخلص إلا التشويه الذي سيؤثر سلبا على ملامح القصة. القارئ يفهم ذلك بالتأكيد ،فلماذا التوغل في الهوامش ؟ والقصة القصيرة لاتحتمل ،على عكس الرواية ،التي تستوجب التفصيل.

ثلاث سنوات مضت، تجدولت معاييرها بمسطرة الأنانية، والذكورة الضاربة جذورها في دركات التيه والغطرسة!
والدها الذي استحوذ على تأشيرة التحكم بقراراتها، لأنها ابنته من لحمه ودمه، ومضى يسخّن طبل عجرفته على جمر تأوهاتها ودمع التوسل الملتهب على وجنتيها، وزوجها "الحاج معمر" أحمق،و بخيل ، .قد نُسجت طباعه بغزل القسوة والتعنت...وله من النساء ثلاث...إلى أن سقطت منهارة لا تدرك لأبجديات واقعها الميؤوس منه أدنى التفاتة أو مفهوم صواب..!
وكم ذا تأفف واستشاط غضبا لمنظرها وهي تذوب على فراش المرض كقطعة سكر في بركة ماء، إلى أن تداركته إشراقة شمس دافئة، وهو يلقي بشحنة سخطه اللاذعة في مغاور صدرها، أفعى قاتلة، مربوط بذنبها خيط النجاة:
-"أف... لقد سئمت منك ومن مرضك هذا الذي لا ينتهي أبدا ..أنت طالق...
- طالق .!!؟؟

لم تكن هذه الكلمة ولاريب، إلاَ نسمة من شواطئ الأمل اخترقت جدار العتمة أخيرا، وخلّفت في زواياها المنحنية فوهة،بعثرت من خلالها أشواك المآسي ، ورشّت على عنفوانها الكاسر ترياق الطمأنينة بخاطرها. لم تدر كم من الوقت ارتشفته الدقائق المترامية خلفها، كما حبات خرز ملساء انقطع سلكها فجأة في حضن الزمان.


في هذه الفقرة هناك عودة إلى الأب في الغالب لا يقدم إضافة ، ليغلق النص عند كلمة أنت طالق تفاديا لتكرار حيرة المقدمة أو الاستغناء عن المقدمة ، وربما لإنعاش الفقرة يمكن تطعيمها بحوار من نوع ما منه يمكن استجلاء شخصية الزوج لانتشال النص من التقريرية و كسر رتابة السرد .


المرأة المطلقة ترجع إلى بيت والدها ،فلاغرابة ،لكن بدون هذا المشهد ، تعتبر القصة ناقصة ،والزوج هنا شخصية مهمشة ،لاترتكز عليها الأضواء ،يكفينا منه أن نطق بكلمة ،أنت طالق . وحتى شخصية الوالد ،قد ذابت شيئا فشيئا حتى تلاشت تماما ،لتشمل النهاية شخصيتين اثنتين ،الأم وابنتها ،ثم تذوب هاتين الشخصيتين ،كامراتين يائستين ، باكيتين ، وأركزُ في الأخير على وصف المجتمع بالتخلف،.

وشكرالك أستاذ ياسر علي ،على الحوار الماتع ،وشكرا للجميع .