بريشة الدهر الساخر..
انتصب ممعنا متفحصا.. كاد ينجرف عن جادة الصواب من سحر لوحة ناذرة تشكلت من زمان مستفز في غفلة عنه.. يراها ماثلة أمام ناظريه.. يجلو خفاياها بعين نافذة.. مبدع خفي سكب فيها، من ماء فؤاده وزيت مشاعره، حياة هادئة صاخبة توحد فيها الضدان.. "كهل غاضب في وضع من يرمي عدوا بمقلاع.. حصان مطهم يلس تبنا فاخرا".. تقدم خطوات وأحنى رأسه حتى لا يصطدم بالسقف المهترئ.. ضغط على مقدمة أنفه بالسبابة والإبهام، ومطط عنقه متفرسا.. ماذا أرى؟ وأي سر ينطق به هذا التشكيل الغريب يا ترى؟! "ذئب هزيل من الطوى يعانق عنزة مقطوعة من شجرة!.. ثعلب متخم يزف بالعير والنفير أرنبا مذعورة!".. ما يزال أخونا يتملى في جمالية اللوحة الزاخرة تتدفق كالشلال.. "خيمة سوداء ذات عمد وأوتاد ذهبية، علا في جوفها صخب البطون المنتفخة.. وبنات الأطلس يتفنن في اللعب بالأرداف! غير بعيد تجمع الخدم يهيئون الخرفان للطهي والشواء.. تلمظ ومرر أصابعه يزيل الريق من حافتي فمه.. شعر بالغبن لما اعتبره استفزازا وتواطؤا. تراجع إلى الوراء مضائلا شخصه حذر الاصطدام. عدل سرواله ونكص على عاقبيه موصدا وراءه باب المرحاض.دس يمناه في الجيب المثقوب، ولعن في سره مكر ما سواه مبدع خفي، طوع بريشته الحجر والإنسان..
المجموعة القصصية:
فرسان الجحيــــم
محمد غالمي