عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-2018, 04:54 AM
المشاركة 79
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وها نحن ذا معًا في الجزء الأخير من سباعية كيف تكتب رواية؟!
ربما عليّ أن أخبرك الآن أنك حتمًا ستواجه صعوبات في النشربحيث يصبح العنوان هنا " كيف تنشر روايتك؟"..

أعلم أن اغلبنا يتحدث عن الصعوبات التي تواجه الكتاب الشباب، ممن يحاولون شق طريقهم في عالم الأدب، نعم واقعنا مؤلم، نعم هناك صعوبات متضاعفة تواجه كل صاحب حلم أيًا كان هذا الحلم، رغم قناعتي بهذا لكن لي الحق أن أتساءل، بربكم هل تعتقدون أن هناك طريقًا للنجاح كان ممهدًا ومفروشًا بالورود؟!
نعم ربما تعاني في البداية فيما يخص النشر، وخاصة في منطقتنا العربية التي لا توفر مساحة عادلة ومنصفة للجيل الحالي من شباب الكتاب، لا تجعلون هذا الأمر محبطًا، تذكروا أن أغلب الكُتاب المشهورين، قد تم رفض أعمالهم في بداية حياتهم الأدبية، فالمتابع لقصص نجاح الأدباء الذين أوجدوا لأنفسهم مكانًا بين ظهرانينا، ليكونوا علامات نقتدي بها، سيجد أنهم جميعًا نالهم الكثير من الإحباطات والخيبات وقوبلوا بالرفض والتهكم والسخرية، وسيّر حياتهم تحكي طرفًا عن معاناتهم التي كابدوها قبل أن يصبحوا كتابًا كبار يذكرهم تاريخ الأدب وتترجم أعمالهم ويسعى الناس لقراءتها بمختلف اللغات.
فكاتبة مثل مارجرت ميتشل صاحبة رواية (ذهب مع الريح)، قد تم رفض روايتها هذه من قبل دور النشر، وأخبروها أنها لا تصلح وليس لها جدوى اقتصادية، جوزيف هيلر وستيفن كينج وأول أربع روايات له. نجيب محفوظ الذي رفض الناشر نشر ثلاثيته الشهيرة بدعوى أنها ألف صفحة ولن يقرأها أحد فقام بتجزئتها لثلاث روايات (بين القصرين/ قصر الشوق/ السكرية) وغيرهم كثيرين.

حاول أن تجرب أكثر من سبيل، ولا تستسلم بسهولة وخاصة أننا أصبحنا في عصر الإنترنت، يمكنك أن تنشر عملك إلكترونياً وأن تحاول نشره ورقياً أيضاً.
وقد حدثتكم عن تجربة أماندا هوكينج من قبل في مقالي عن النشر الإلكتروني والمنشور على صفحات جيل جديد..
وسأشارككم رابط المقال بأول تعليق للإفادة.
وهناك بالفعل مواقع تقدم خدماتها لمساعدة الكُتاب على نشر أعمالهم الأدبية على منصات النشر العالمية الشهيرة مثل أمازون وسماش ووردز وأبل بوك ستورز وغيرها.

هل تعتقد أن روايتك القابعة الآن على مكتبك، أو المحفوظة بصمت داخل حاسوبك، لا تستحق منك المحاولة؟!
أعلم أن الكلمات تنتظر كي ترى النور، أن تقرأها الأعين، أن تجد حروفها طريقها للعقول والقلوب فلا تتأخر، ولا تيأس، عليك أن تحاول..

ألا زلت مترددًا؟! حائرًا؟!
فلنتفق سأتوقف عن الحديث، وسأكف عن حثّك للسعي لكن بعد أن احكي لك حكاية..
ألا تحب الحكايات؟!
كُلّنا نحب الحكايات...
بعد أن أقصها عليك أعلم أنك ستجد طريقك ولن تتوقف إلا عندما تصل لهدفك..

تناول الكاتب الراحل عبد الوهاب مطاوع قصة أرسكين كالدويل الأديب الأمريكي في واحد من كتبه التي تعرضت لنماذج إنسانية يُقتدى بها، قال عنه في إحدى الفقرات:
”قصة كالدويل والبطاطس بما ترمز إليه من القدرة على الكفاح وقوة الإرادة وتحمل جفاف الحياة خلال صعوبات البداية فلقد عاش سنوات يزرع البطاطس في الأرض المحيطة بالبيت الحجري الذي استأجره في مقاطعة فيرنون، بولاية مين الأمريكية ويأكلها وحدها بلا إدام .. ويكتب طوال الليل في غرفة باردة تتجمد فيها أصابعه وهو يدق بها على الآلة الكاتبة .. ويرسل القصة وراء القصة إلى المجلات الأدبية.. فتعيدها إليه ملصقًا عليها بطاقة رفض مطبوعة حتى تجمعت لديه من هذه البطاقات مجموعة كبيرة احتفظ بها في ألبوم ضخم كألبوم الطوابع ! ومع هذا فلم ييأس ولم يتوقف عن الكتابة .. بل ولم يندم على قراره المصيري الذي اتخذه وهو في الثانية والعشرين من عمره بالاستقالة من وظيفته كمحرر صحفي بجريدة محلية يتقاضى أجرًا مضمونًا ليتفرغ لكتابة القصة ، وليس في جيبه سوى بضع دولارات يشتري بها الورق وبذور البطاطس وطوابع البريد لإرسال القصص للمجلات، فيطول انتظاره سنوات وسنوات وتصاب أصابعه بقرح البرد ويفقد عشرين كيلو جرامًا من وزنه فلا يثنيه كل ذلك عن مواصلة المشوار“.

يقولون أن البدايات تشير في بعض الأحيان إلى النهايات، والمؤكد أن بدايات هذا الروائي كانت توحي بقوة الإرادة والقدرة على الكفاح والصبر على تحقيق الأهداف.
حكى كالدويل في مذكراته الأدبية بعنوان ”كيف أصبحت كاتبًا روائيًا“ عن مشواره الذي بدأ وهو في المرحلة الثانوية عندما قرر العمل في معصرة للزيوت، فعمل بها سرًا بغير علم والديه وراح يدخل فراشه مساء كل يوم وينتظر حتى يستغرق أبواه في النوم ثم يتسلل إلى المعصرة البعيدة ليقضي الليل كله في العمل بها مقابل دولار واحد، واستمر بضعة أسابيع حتى انكشف أمره فمنعه أبوه من العمل رحمة بصحته، وانتهت تجربة العمل الأولى في حياته لكنها تركت في حياته أثرًا شديد الأهمية ، فلقد اشترى بمدخراته من هذا العمل آلة كاتبة مستعملة ارتبط مصيره بها بعد ذلك لسنوات طويلة وبدأ يستخدمها في كتابة القصص الإخبارية التي يبعث بها للصحف المحلية ثم أنهى دراسته الثانوية والتحق بالجامعة في مدينة أخرى فحمل معه هذه الآلة المستعملة وواصل هوايته في كتابة الصور الأدبية ونشرها بمجلة الجامعة، ثم هجر دراسته الجامعية قبل التخرج وعمل بصحيفة محلية في ولاية أتلانتا، وحقق في عمله الجديد نجاحًا طيبًا وارتفع معه أجره الأسبوعي واستقرت أحواله المادية.
لكن شيئًا ما في داخله كان يتطلع إلى ما هو أكثر من العمل الصحفي العادي، فراح يكتب القصص القصيرة ويرسل بها إلى المجلات الأدبية ، وقبلت إحدى الصحف أن يقوم بكتابة تعليقات قصيرة على الكتب الجديدة بلا أجر مقابل احتفاظه بما ترسله من هذه الكتب.
وبعد عام واحد من عمله هذه الصحيفة وجد لديه حوالي ألفي كتاب جديد ، وأربعين أو خمسين قصة قصيرة أرسلها للمجلات الأدبية ورفضتها ومائتي دولار وفرها من أجره فأقدم على أخطر خطوة في حياته وهي أن يستقيل من عمله الصحفي ويتفرغ لتحقيق هدف محدد هو أن يصبح كاتبًا محترفًا، قرر ألا يعمل بأية وظيفة أخرى إلا مضطرًا ولفترة مؤقتة حتى يحمي نفسه من الجوع والضياع إلى أن يرجع للتفرغ للأدب من جديد، وحدد لنفسه فترة خمس سنوات لتحقيق أمله في أن يصبح كاتبًا معروفًا تدفع له الصحف أجرًا مقابل ما ينشره فيها من تعليقات على الروايات.
يعترف كالدويل في مذكراته تلك، أنه لم يكن يدري كيف سيعيل نفسه وأسرته فقيرة لكنها لا تستطيع مساعدته، لكنه غامر وسافر إلى فيرنون وهناك استأجر بيتًا حجريًا لمدة عام دفع إيجاره مائة دولار مقدمًا ثم شحن كتبه في صناديق كبيرة عن طريق النهر وركب القطار إليها وكان البيت قديمًا جميلاً كبيت صيفي، أما خلال الشتاء الطويل فقد كانت الإقامة به محنة قاسية، وكان أول درس تعلمه من أحد جيرانه هو أن يزرع على الفور بذور البطاطس في الأرض المحيطة ليجد ما يطعمه خلال الصيف، وأن يقطع عددًا كبيرًا من أشجار الغابة القريبة ليجد ما يكفيه من أخشاب للتدفئة طوال محنة الشتاء .
وبالفعل قام كالدويل بزراعة البطاطس وقطع الأشجار للحصول على أخشاب التدفئة والكتابة بالليل على آلته الكاتبة حتى الفجر لكنه فقد مخزونه من الخشب بأسرع مما توقع، وصور حاله حينذاك قائلاً :
”مع مجيء يناير كان معظم الخشب المخزون قد نفد وكان الثلج يرتفع في الخارج بضعة أقدام فأبقيت مدفأة المطبخ وحدها مشتعلة، ورحت أكتب في الليل في غرفة باردة بالطابق العلوي بلا مدفأة مرتديًا سويترًا من الجلد فوق البيجامة وأنا ألفّ ساقي ببطانية وأنفخ في أصابعي المتجمدة من حين لآخر، وأكتب من 10 إلى 12 ساعة كل ليلة“.
وكلما عجز عن احتمال البرد سافر إلى الجنوب طلبًا للدفء وأقام في كوخ صغير زهيد الإيجار لبعض الوقت إلى أن يتحسّن الجو يعود بعدها إلى بيته الحجري ومع مجئ الصيف التالي كان قد تعلم الدرس، فبدأ يقطع كمية أكبر من الأخشاب وراح يعزق الأرض لإخراج ثمار البطاطس، وجد أنه لم يكسب طوال هذا العام دولارًا واحدًا من الأدب، وكان كل ما كسبه من بيع الكتب التي يكتب التعليقات المجانية عليها فكان كلما نفدت نقوده ملأ حقيبة كبيرة بعدد منها ثم ذهب إلى المدينة ليبيعها ويشتري بثمنها الورق وطوابع البريد والخبز.
وأخيرًا وبعد عامين من التفرغ الكامل لكتابة القصة تلقى خطابًا من مجلة أدبية متخصصة تصدر من نيويورك اسمها ”كارفان“ تبلغه فيها بقبول أول قصة له للنشر مقابل 25 دولارًا !
وزار المجلة التي قبلت قصته ، وعددًا آخر من المجلات ودور النشر فقبلت إحداها نشر قصة أخرى طويلة له ، ثم رجع إلى فيرنون بعد نفاد نقوده ليواصل أكل البطاطس وكتابة القصص وإرسالها للمجلات متعلقًا بأمل جديد ! وقبل أن يفترسه الجوع والإجهاد والعمل الشاق كل ليلة أنقذته مجلة أدبية أخرى بقبول نشر قصتين وإرسال 350 دولار ثمنًا لهما إليه، ثم قبلت مجلة ”كارفان“ نشر أول مجموعة قصصية له فبدأت معالم الطريق تتضح أمامه بعض الشيء وبدأ مرحلة جديدة من حياته حيث راح ينتقل خلالها من مدينة إلى مدينة بحثًا عن تجربة إنسانية يسجلها في قصة جديدة، فيقيم في الفنادق الصغيرة الرخيصة ويكتب طوال الوقت ويعيش على الخبز والجبن، فإذا نفدت نقوده تمامًا أخرج تذكرة العودة بالأتوبيس ورجع إلى البيت الحجري ينتظر بيع إحدى قصصه ليرجع إلى التجوال من جديد .
وصدرت مجموعته القصصية الأولى بعنوان ”الأرض الأمريكية“ فلم يحسن النقاد استقبالها، وانهمك في كتابة رواية طويلة لأول مرة منقطعًا لها تمامًا لمدة ثلاثة شهور مقسمًا يومه إلى ثلاث فترات محددة 8 ساعات للنوم ، 8 ساعات للعمل اليدوي الشاق في جني البطاطس وزراعة البذور الجديدة وقطع الأخشاب و 8 ساعات للكتابة .
وصدرت روايته الأولى (طريق التبغ)
تلك الرواية الشهيرة، والتي قُدِّمت على مسارح برودواي بنيويورك لسنوات، لم يرحب بها معظم النقاد لكنه لم يُحرم من بعض التعليقات المتعاطفة معها وتعرف بوكيل أدبي تحمس لتسويق مؤلفاته فكتب رواية أخرى، وأصبح يرسل إليه قصصه القصيرة ليتعاقد هو مع المجلات على نشرها مقابل نسبة مئوية له، وبعد أربع سنوات من الانقطاع للكتابة الأدبية كان دخله السنوي من الأدب قد بلغ 700 دولار فدفع إيجار البيت الحجري لمدة عام آخر وبقي معه ما يكفي ليعول به نفسه وأبويه الذين لحقا به للإقامة معه في البيت وكتب عن ذلك يقول:
”تناولنا اللحم المشوي لأول مرة منذ سنة وتركنا نسبة كبيرة من البطاطس تتعفن في باطن الأرض في ذلك الخريف وأملت أن يكون ما أكلته منها ومن اللفت الذي كنت أزرعه معها هو آخر ما آكله منهما في حياتي!“

وبالفعل .. ودع أرسين كالدويل سنوات الجوع والبرد والحرمان بعد ست سنوات حافلة بالعناء وتوالى صدور كتبه ورواياته ومجموعاته القصصية، وقدمت له السينما الأمريكية عددًا من الأفلام الناجحة عن رواياته الشهيرة، كرواية (أرض الله الصغيرة) وصدرت طبعات من كتبه في بريطانيا وترجمات لها في فرنسا، وصدرت له أربع مجموعات قصصية وعدة كتب من أدب الرحلات لاقت رواجًا كبيرًا في أمريكا وسافر إلى الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية فتهافتت عليه الصحف الأمريكية والإنجليزية على نشر مقالاته عن ”روسيا في الحرب“ وعندما عاد إلى أمريكا طلبت منه شركة ”وارنر“ بإلحاح أن يكتب لها مسودة قصة فيلم روسيا في الحرب، مقابل الإقامة الكاملة في جناح فاخر بفندق كبير ودفع أجر سكرتيرته أو مساعدته و 1200 دولار في الأسبوع طوال فترة العمل، واشترى كالدولة بيتًا صيفيًا في ولاية أريزونا الدافئة ربما رغبة في نسيان ذكريات البرد القارص في بيت فيرنون الحجري .
أعيد طبع رواية ”أرض الله الصغيرة“ في طبعة شعبية فوزعت مليوني نسخة، وهي التي لم توزع في طبعتها الأولى سوى ثلاثة آلاف نسخة! وتنافست الصحف والمجلات على طلب القصص القصيرة له لنشرها فيتراوح أجره على نشر القصة الواحدة منها ما بين 500 و 1500 دولار، ومنها بعض ما كان من بين القصص التي كتبها في بيت فيرنون الحجري البارد وهو يعيش على حساء البطاطس وأرسلها للمجلات الأدبية فأرجعتها إليه بالبريد تحمل بطاقة تقول:
مرفوض لضعف المستوى !

انتهت الحكاية..
ما رأيكم؟!
يقال” أن أعظم الأعمال لا تتحقق بالرغبة وحدها وإنما بالمثابرة والدأب والاستمرار في بذل الجهد المخلص لتحقيقها ، ولو تحمل الإنسان في سبيل ذلك.... البرد والحرمان ومرارة الرفض لفترة طويلة“.

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..