عرض مشاركة واحدة
قديم 02-16-2014, 03:41 PM
المشاركة 3
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أهلا بالأخ و الكاتب محمد مهاجر .
هذا العمل له وجهان ، وجه مشرق يكاد إشراقته تمسح كل عيوبه و ترفعه إلى الأعالي متلألأ متبخترا بما يحمله من إشارات تنم عن وعي و قراءة للحدث . و وجه آخر يلقي بالنص في عتمة كادت تهوي بكل إيجابيته و تفرغه من رصانته الأدبية .

أبدأ بالوجه المشرق ، وهو اختيار المكان ، فالطاحونة مكان له طعم خاص سواء تلك التي تعمل بمروحات مائية و تشيد في منحدرات السواقي بين الحقول ، فتكون مبنى منعزلا غارقا في رومنسية الطبيعة ، و فيه إيحائية لوالدة نصوص إبداعية من مذكرات أحداثه ، ناهيك عن رمزيتها في الثرات والحضارة والفعل في ثقافتنا الماضية . أو حتى التي تعمل بمحركات تدوي بقوة مزلزلة سكون الأرياف مثيرة نقع الدقيق كدخان أبيض ينال منه كل زبون حظه ، كلما احتضنه المكان ، وهم يستعملون لغة الإشارات في التواصل ، و يرفعون أصواتهم لعلها تعلو على هدير المحركات ، وتقترب فيها الشفاه من الآذان لتوصيل الرسالة ، ناهيك عن خطر الحزام " الشريط" الذي قد يكون موطن رعب و حوادث قاتلة و هي مكان يقصده الصغار والكبار من الجنسين مما يجعلها تربته خصبة لميلاد حكايات جميلة ، أو حتى طاحونات اليوم التي تعمل بالكهرباء التي لا تكاد تسمع منها غير همس خفيف ، فتداعب الآلة الزرع بين طحين و غرلبة و صاحبها كشخص منبعث من الرماد .
و أنا أقرأ النص طارت بي الذاكرة لاستحضار طفولتي و أنا أحمل أكياس الزرع على ظهر حماري إلى الطاحونة فتتراقص الذكريات في ذهني تباعا ، كما أستحضر رائعة Alphonse Daudet في الثقافة الفرنسية التي تحمل مجموعة من الحكايات ولدت في الطاحونة بعنوان Lettres de mon moulin, 1870 .

هذا عن المكان الذي يمكن اعتباره رمزا للإلهام و له مكزية قوية في النص ، ثم تتباع النقاط المضيئة في النص وهي اللغة الجميلة الأسلوب الشيق و حياة الأرياف و إقحام الغجر كعرق له ثقافته المميزة " ليس دائما بحمولتها السلبية كما يحب البعض ، فإبداعك ينم عن إنسانية هذا الجنس ، كما يطرح النص قصة الهجرة الموسمية و يطل على القضية السورية بإيماءة خفيفة . كما يتناول النص ذلك النقد للثقافة التقليدية في الزواج .
هذا وأحداث النص تتسلسل ليختار البطل في النهاية أن يكون هو بذاته ، لا كما تحاول الثقافة صياغته و تشكيله و كلها نقاط في صالح النص .

لعل ما كاد يذهب بهذا الكم الهائل من الجمال هو الاستغراق في التفاصيل الجزئية حتى شاب النص بعض التكرار الذي أحيانا تكون له جماليته ، لكن أراه غير موفق في هذا النص ، فتناول الحميمية بجزئياتها و تكرارها بين الفينة والأخرى يفقد الحميمية بهاءها التي غالبا تكون الكتابة الأدبية تتناولها بالإحساس والشعور لكي لا يسقط النص في الابتذال و الترهل التعبيري و القيمي ، فالأدب قبل كل شيء قيمة جمالية في اللغة والفكرة والجزئية ، لا أعتقد أنه عندما نتحدث عن الأكل و نستطرد في جزئياته الحسية سيكون تعبيرا جميلا للدلالة عن قيمة الأكل ، و لو عبرنا بكثير من الجزئيات عن قطف وردة و التلذذ برائحتها حسيا ما كان ذلك في صالح النص الإبداعي .

شكرا لك

و ربما لي عودة أخرى .