عرض مشاركة واحدة
قديم 02-16-2014, 03:21 AM
المشاركة 28
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
هل الفعالية السياسية ستكون لها نتائج على التقدم ؟

لا أعتقد أن الفعالية السياسية تأتي من الخواء والفراغ ، و لا يمكن لفكرة مهما بلغت من الجودة أن تصنع التاريخ ؟

لو استقرأنا تجربة ألمانيا النازية رغم تقدمها العلمي والتكنولوجي لم تستطع البقاء كنظام ، ولو بقيت بعد الحرب العالمية لكانت ألمانيا إلى اليوم دويلة ضعيفة إقتصاديا و سياسيا ؟ ذلك لأن صنع امبراطورية لا يتأتي بإعلان الإستقلالية السياسية الكلية عن القوى المؤثرة في العالم أي الدول الكبرى ، و أعتقد أن الاتحاد السوفياتي نال نفس مصير ألمانيا النازية ، رغم فوزه في الحرب ، ذلك لأنه حاول كما حاولت النازية استباق الأمر و إعلان الامبراطورية بدون مقومات الهيمنة . و هو السيطرة على مقومات نهضة الدول و أظن أن أمريكا أيضا قد تعاني من نفس المصير إن لم تجد من يفرمل تهور بعض صانعي قراراتها . فلو استمرت سياسة المحافظين العدائية مع العالم بأجمعه لعجل بذهاب الامبراطورية الأمريكية ، التي لم تكن في الأصل غير نسخة منقحة للامبراطورية الإنجليزية .

عندما نتأمل الفكر القومي العربي اليساري و حتى الصحوة الإسلامية اليمينية أو حتى الأنظمة القطرية في العالم العربي والإسلامي سنلاحظ بشكل جلي نوع من التقوقع على الذات وانتشار ثقافة كراهية الآخر بشكل أو بآخر و جرعة زائدة من أنانية ثقافية تهيمن حتى على الطبقات المثقفة . وهذا عامل حساس يغذي ثقافة النفور و النزوع إلى الهامش و في الوقت ذاته يغذي نوعا من السذاجة و يبعد الفكر الموضوعي و يسهل السقوط في فخ المؤامرات ، التي يضيع بواسطتها الجهد و تنحرف الأهداف ، و يصيب الرؤية بنوع من الضبابية و تداخل الأوليات .

لكي نزرع آمال التقدم لابد من الاستفادة من دروس التاريخ ، فلو أخذنا نموذج الصين فهي نأت بنفسها عن الحرب الباردة رغم تمسكها بالشيوعية ، و اختارت البراغماتية و النمو الناعم ، فحتى اليوم لا تزال الصين تلعب في هامش السياسات الغربية و لم تعلن العداء للغرب كما فعل البلاشفة ، وتمارس الاكتساح الناعم للعالم بخطط حكيمة . فغالبا ما نسمع عن الحياد الصيني و هو موقف سياسي مهم يمنحها هامشا كبيرا من المناورة لأخذ قسطها من الكعكات الغربية ، بإمكاناتها البشرية البشرية والعلمية و الصناعية . لو تأملنا النمور الأسيوية التي ذابت سياساتها في الأديولوجية الغربية ، ولم تنخرط في الحرب الباردة بمقدراتها فهي استطاعت أن تبني دولها و تنتشل شعوبها من الفاقة و التخلف و تترصد تقلبات العالم لتعلن عن وجودها ولو إقليميا .

يستعصي وجود نموذج في التاريخ الحديث عن دولة أو مجموعة إقليمية تمكنت من بناء التقدم مع رغبة في الاستقلال عن القوى المهيمنة ، بل هناك على الدوام براغماتية سياسية تحافظ على المكتسب و تبحث عن تنمية بجهد أقل . تجارب القومية العربية كلها سقطت في فخ الحرب الباردة ورأينا بأم أعيننا كيف انهارت أنظمتها بدون أن تأسف عليها حتى شعوبها ، رغم أنها خاضت حروبة كبيرة ضد الهيمنة الامبريالية ، وحافظت على كيان العروبة كثقافة ، ومرد ذلك أنها خاضت حروبا لا تعنيها وهي لتوها انعتقت من الاستعمار المباشر و لم تمنح نفسها فرصة بناء الذات ، مما اضطرها إلى تغليب القول على الفعل ، فخطبها النارية المؤججة للعواطف ذهبت أدراج الرياح و بقيت الحقيقة المرة أن مقومات الدولة غائبة فعليا .

لو نظرنا إلى البديل الإسلامي و هنا أقصد حركات الإسلام السياسي ، لوجدناها تغترف من الفكر القومي نبرته النارية بدون حتى ظهر مسنود كما وقع للقوميين أيام الاتحاد السوفياتي ، فهي في العراء تعلن عداءها لكل ما هو خارجي ، ثقافة و سياسة و أسلوب حياة ، مما يبين أنها غير مستعدة للبناء بقدرما هي تسير إلى مزيد من العزلة و التموقع خارج التاريخ ، فمشروعها مجرد كلام أو ظاهرة صوتية لا ترقى إلى مستوى المسؤولية و الفعل السياسي ، فعندما تقدم على ممارسة سياسية يجب اكتساب المرونة اللازمة للفعل السياسي .

سنأخذ نموذجين للدول الإسلامية التي تحاول بناء دولها و اقتناص الفرصة لرفع أسهمها في عالم اليوم .

نبدأ بإيران على سبيل المثال : فإيران كانت على الدوام تعلن عداءها لأمريكا ، لكن هذا لم يمنعها من التعاون مع أمريكا في غزو العراق و أفغانستان ، فبدل أن تساند المقاومة في هذه الدول جاءت من جانب القوي لأنه يخوض حروبا هي في حاجة إليها لإضعاف شوكة منافسيها الإقليميين و لتكون في نفس الوقت هذه المقاومات و و الدول الناشئة فيها من تخوض الحروب نيابة عنها ، كما يفعل نظام المالكي و نظام كرزاي ، فكلاهما يساهمان في قوة إيران ، و الجماعات المنعوتة بالإرهاب تقوام المشروع الأمريكي ، فكلهم في الأخير يصبون في مصلحة إيران . و ضد إسرائل لم ترسل إيران قواتها ولا جيوشها رغم ما تعلنه من عداء مع الصهاينة ، بل صنعت من يخوض معهم الحروب وفق رغبتها ليكون مجرد ورقة ضغط . فهي كلما أحست بدنو الخطر ، تعقل صانعوا سياستها و أعادو الدفء إلى علاقاتهم مع الغرب .

لا أعتقد أنه لولا النوايا التوسعية لإيران في المنطقة و تأثرها الكثير بالقومية العربية من حيث الخطاب نظرا للتقارب الثقافي لكانت مسيرة إيران التنموية بلغت أضعاف ما وصلت إليه اليوم و لكان نفوذها أعظم من أن تساوم عليه .

إذا أخذنا النموذج التركي الذي أسسه أتاتورك و خلفاؤه العسكريون ، الذين اختاروا العلمانية كإديولوجيا لقربهم من أوربا فقاموا بتحديث الدولة و انتهجوا سياسة الحداثة و بفضلها بنوا ثقافة و صناعة و سياسة و مؤسسات اقتصادية قادرة على المنافسة ، وعندما جاء البديل الإسلامي الحداثي و قطع مع ثقافة الفساد و ناهض البيروقراطية مستفيدا من الأزمة الاقتصادية الغربية ليزيد من نموه و من تطور الدولة التركية التي تكتسح سلعها كل الأسواق العربية و الدولية بنعومة ، رغم خطابات أردغان النارية إلا أن الفعل يبقى في صالح الدولة التركية و لا يمكن لتركيا أن تخوض حروب الآخرين بمقدراتها تماما كما تفعل إيران ، وما تلك الخطب النارية في حد ذاتها إلا من مخلفات الثقافة القومية عند العرب . لكون جمال عبد الناصر كان يمثل رمزا للصمود والنضال في الشرق و ربما في العالم . لكن تلك العواطف لا تقوم بها الدول ، فالدولة تبنيها القدرة على توجيه الفعل إلى مصدر النمو والتقدم و ليس إلى ثقافة انتحارية .

و يبقى السؤال لماذا تقدم الغرب و تأخر الشرق مطروحا ؟ إلى حين .