عرض مشاركة واحدة
قديم 09-10-2017, 04:12 PM
المشاركة 12
زهرة الروسان
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
قلب حزين
استفاقت شهد على صوت طرق شديد لباب غرفتها. وإذا بفداء تقف لدى الباب والسعادة تغمرها...
-شهد: ما بك، لم أيقظتني في هذا الوقت الباكر و بهذا الشكل المريع.
-فداء: آسفة جدا لكني أحمل لك خبرا رائعا... كنت أبحث عن والدك منذ زمن لكن دون جدوى... تذكرين الصورة التي التقطناها قبل عدة أعوام حين تخرج جود من الجامعة... لقد وضعتها كغلاف لصفحتي على مواقع التواصل الاجتماعي... راسلتني سيدة تعمل في دار للمسنين، أخبرتني أنهم يرفهون عن نزلائهم بمساعدتهم في تصفح الأنترنت... رجل عجوز كان يتصفح مواقع التواصل تحت إشرافها... أندفع باكيا حين رأى الصورة، وقال أن فتاة في الصورة نسخة طبق الأصل عن طليقته المتوفاة... تلك الفتاة هي أنت يا شهد... ذلك الرجل الكهل هو والدك الحقيقي.
بقيت شهد صامتة دون أن تنطق حرفا واحدا، وفداء تنتقل من باب لآخر، مرة توقظ أمها وأخرى توقظ جود ثم تعود وتهز شهد وهي تتراقص فرحا بمعرفة مكان الوالد وكأنه والدها هي. اجتمع أفراد الأسرة ينتظرون رد الشهد التي آثر السكوت على إبداء أي شعور.
جود: شهد، متى ستذهبين لزيارته؟
-فداء: اتفقت مع السيدة أن تذهب شهد غدا للقائه في دار المسنين؛ فهو لا يستطيع الخروج فقد كبر في السن ويحتاج كرسي متحركا للتنقل.
-الأم: هذا رائع. جود لما لا تذهب معها... فقد تحتاجك في لقائها الأول مع والدها.
-جود: لا أدري، أظن أن علينا منحها بعد الخصوصية... ما رأيك يا شهد؟
-شهد: أنا لن أذهب الى أي مكان... ولن أقابل أحدا.
-فداء: ما الذي تقولينه... إنه والدك... ألست مشتاقة لرؤيته؟
-شهد: لم يشتق لرؤيتي لأكثر من ثلاثين عاما... لذا لا، لست مشتاقة لرؤيته... ألم يتركني وأمي وحيدتان في بلد غريب، قبل أن أتم أسبوعي الأول! هو من تركنا بلا سبب... وبلا مأوى.
-الأم: لكن يا ابنتي، إنه والدك. وبما أنه طلب رؤيتك... فهذا يعني أنه يحتاجك. من المؤكد أنه لم يعد لديه سند، لذا لجأ لمأوى العجزة... وأنت ابنته الوحيدة. أنت بصيص الأمل لمتبقي له ليعيش.
-شهد: ألم يتزوج بعد أمي! لم لا يذهب لزوجته.
-جود: لو أنها حية لما كانت لتتركه وحده... هو يحتاجك.
-شهد: قلت لن أذهب.
رن هاتف المنزل فأجاب جود فإذا به الطبيب نبيل يعتذر عن الحضور لجلسة شهد العلاجية، فقص عليه جود ما حدث وطلب منه اقناعها... وبعد وقت وجيز عادت شهد وجلست.
-جود: ماذا قررت يا شهد؟
-شهد: لا، لن أذهب.
-جود: ألست بحاجة لأحداث لقصتك الجديدة؟
-شهد: لا، شارفت القصة على الانتهاء... إن زدتها ستصبح مملة.
-جود: لكنها أحداث مهمة.
-شهد: تعلم، أقنعتني... فبطلة القصة لا تعرف والدها... ستكون إضافة مثيرة... كن جاهزا عند التاسعة صباحا... إن تأخرت سأغير رأيي.
خرجت شهد فقالت الأم: هاذا النبيل له أثر كبير على أختك.
-جود: أجل مع أنها كانت ترغب بالذهاب لكنها تتظاهر بالرفض، وتريد من يقنعها.
في صباح اليوم التالي تجهز كل من شهد وجود واتجها نحو دار المسنين... استقبلتهما سيدة عند باب الدار وأخذتهما مباشرة الى غرفة الوالد... كان رجلا عجوزا يغطيه غبار الزمن، جالسا على سريره وهو يضع وشاحا صوفيا قديما، وبجانبه كرسي متحرك...وكان حاد الملامح... كما شهد.
دخلت شهد الغرفة بوجه مبتسم... جلست على كرسي بجانب سرير والدها، وجود الى جانبها.
-شهد: أنا شهد... وهذا أخي جود. سررت بمعرفتك
-الأب: أهلا بكما. شهد عزيزتي، أنت تشبهين أمك تماما.
-شهد: شكرا لك.
-الأب: حبيبتي حدثيني، كيف كانت حياتك؟ و عمك، هل هو لطيف معك؟ وماذا عن زوجته؟
-شهد: كل شيء على ما يرام... عاملني عمي كابنته تماما... لم يكن يفرق بيني وبين جود.
-جود: لقد كان يدللك أكثر مني.
-الأب: دائما ما تحظى الفتيات بالدلال و المحبة أكثر من الفتيان... أليس كذلك يا بني! وكيف حال والدك الآن؟
-جود: رحل والدي قبل عدة أعوام.
-الأب: رحمه الله... كان رجلا صالحا... أحب أمكما و رعاها أكثر مني... لقد ربى لي ابنتي.
-شهد: هل كنت تعرفه؟
-الأب: نعم، لقد زرتك عدة مرات بعد زواج أمك.
-جود: حدثني يا عم، هل لشهد إخوة؟
-الأب: ثلاث... ثلاث أبناء.
-شهد: يبدو أنك حصلت على ما أردت تماما... لكن أين هم؟ ولم أنت في هذا المكان؟ وماذا عن زوجتك؟
-الأب: هل حدثتك أمك عن سبب طلاقنا؟
-شهد: القليل... أعلم أنك تركتنا بعد أن أنجبتني أمي بأسبوع لأنها أنجبت أنثى... وتركتها في المدينة وحيدة. هذا ما أعرفه... عندها وجدها أبي... كانت مريضة جدا و متعبة. عالجها و طلب من جدتي رعايتها ريثما يتصل بأسرتها... حينها جاء خالي فادي لأخذنا... بعد عام جاء الينا وطلب الزواج من أمي.
-الأب: تنادينه أبي... هذا لطف منك.
-جود: عمي، أين أبنائك و زوجتك؟
-الأب: آه يا بني... لو تعلم ما أصابني، نصيحة لك يا بني مهما حصل لا تقبل أن توقع ظلما على أحد... مهما كان السبب. سأحدثكم بقصتي من البداية... تزوجت في بداية حياتي من فتاة في نفس عمري، كنت حينها في أواسط العشرين... عشنا معا عامين ولم نرزق خلالهما بأي مولود... فطلبت مني أمي أن أطلقها فقد ظنت أنها لا تنجب. بعد أن طلقتها تزوجت وامك... وعمرها خمسة عشر عاما. انجبت طفلا بعد عام من الزواج، لكنه مات سريعا... بعد عامين أنجبت آخر، ومات أيضا... لحظة ولادته. كانت أمي قد نفذ صبرها فهي تريد رؤية طفلي فأنا ولدها الوحيد... كنت أحاول تهدئتها لعدة أعوام فقد أخبرني الطبيب أن زوجتي لا تزال صغيرة وجسمها لا يحتمل وعلى الأغلب أن المولود في كل مرة لا يكتمل نموه فيموت... في العشرين من عمرها أنجبتك... وأخبرني الطبيب أنك سليمة تماما ولا مؤشرات قد تؤدي الى رحيلك باكرا... سعدت كثيرا ورحت أزف الخبر لوالدتي. فانفجرت غاضبة، فهي ارادت صبيا بعد كل هذا الانتظار... وطلبت مني ترك والدتك،، والزواج من غيرها... وكأن الذنب ذنبها. ابقيت أمك أسبوعا كاملا في المشفى وأنا أحاول اقناع أمي في تغيير رأيها لكن دون جدوى... عندها أقسمت بالله إن لم أطلقها، فلن تكلمني مجددا... حتى أنها منعتني من تسديد تكلفة يوم آخر لها في المشفى... لم يكن لدي خيار. اتصلت بأحد أصدقائي وطلبت منه حجز غرفة لها في فندق والاتصال بأسرتها لاصطحابها وتسليمها ورقة الطلاق، وأعطيته المال للتكفل بالأمر... وتزوجت فتاة في الرابع والعشرين من عمرها أنجبت لي ثلاث أطفال بلا مشاكل... لكن عيبها أنها كانت تحب المال بشدة وتطالبني بكسب الكثير من المال لتربية أبنائنا ليكونوا ناجحين وهذا ما حصل... في تلك الأعوام علمت أنك أتممت عامك الثاني فذهبت لزيارتك وأمك... أخبرني حينها عمك أن صديقي قام فقط بتسليم ورقة الطلاق، وأخذ المال لنفسه وترك أمك وحيدة في الطريق. بعدها عدت لأسرتي ولأبنائي كنت حينها قد رزقت بطفل الأول.. ثم رزقت الآخرين وأنا أفني حياتي بجمع المال... بعد أن رزقت طفلي الثالث وصتني رسالة من عمك أن والدتك رحلت وأنه سيهتم بك لأنه كان بحاجتك بجانبه وأنه لا يضمن أن ترعاك زوجتي. في الواقع لم تكن زوجتي لترعاك... فهي حتى لم ترع صغارها. فبعد عدة أعوام طلبت الطلاق... لتأخذ مؤخر الصداق الغال... وتتزوج من شاب عرفته حديثا. وتركت لي أبنائي لأربيهم ولم أرها منذ ذلك اليوم. أبنائي كبروا وتزوجوا جميعهم وتركوني في المنزل وحدي بعد أن صرت عاجزا عن العمل... ذات يوم زارني طبيب وخرج معلنا أنني غير قادر على اتخاذ قراراتي لأنني مصاب بمرض الزهايمر... أخذوا نصف ممتلكاتي ووزعوها بينهم، وتركوني هنا في دار المسنين... من الجيد أنني كتبت لك منزلا لا يعرفون بوجوده... كتبته لك في اليوم الذي رحلت به أمك. فقد ظننت أن عمك لن ينصفك... آسف ابنتي، أرجوك سامحيني
-جود: لا بأس يا عم... شهد تحبك، صحيح أختي.
-شهد: أجل أبي أنا أحبك وأريدك أن تسامحني لأني لم أهتم بك من قبل... سأطلب من مدير هذه الدار أن يسمح لي بأخذك.
-الأب: لا بأس يا ابنتي، فأنا لا أريد لإخوتك أن يعرفوا بوجودك... حين أرحل، طالبيهم بحقك في الميراث. ولا تتنازلي عنه أبدا.
-شهد: لا تقل ذلك أبي... ستبقى معنا أنا وجود سنرعاك.
-جود: أجل يا عم... أنا وشهد سنرعاك... فأنا ابنك أيضا.
-الأب: بني، هل أنت أخو شهد بالرضاعة؟
-جود: لا، أنا أخوها من أمها.
-الأب: هذا مستحيل... من هو والدك؟
-جود: محمد، الرجل الذي تزوج أم شهد ورباها.
-الأب: لا يمكن، هناك خطأ ما فأنت لا تشبه أي منهما.
-جود: هذه قصة طويلة... شهد علينا المغادرة. سيصل نبيل قريبا.
-شهد: ألم يعتذر؟
-جود: اعتذر عن الجلسة وليس عن الحضور... إنه قادم لخطبة فتاة ما أنا لا أعرف من تكون.
-شهد: أجل... جاء لخطبة سندريلا.
-جود: ليست سندريلا، أنت تفهمين من أعني... سأشغل السيارة... عمي سنأتي قريبا لأخذك الى منزلنا لكن علينا استأذن أمي أولا. الى اللقاء.
-شهد: جود، أخي لا تقلق... قريبا سأنفذ ما وعدت به أمي، ولن تقلق حيال شيء مجددا.
-جود: لا بأس سأكون بخير.
-الأب: من نبيل يا ابنتي؟
-شهد: إنه شاب ماهر في رسم البسمات يا أبي... وهو صديق جود. حين تأتي لمنزلنا سنعرفك به... هو لطيف جدا.
-الأب: بالتوفيق يا ابنتي. كما قلت لن أخرج من هنا إلا الى القبر. لا تتعبي نفسك. لكن أخبريني، هل أنت واثقة أن جود أخوك؟