عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
13

المشاهدات
2861
 
فارس العمر
من آل منابر ثقافية

فارس العمر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
481

+التقييم
0.28

تاريخ التسجيل
Aug 2019

الاقامة
الشرق الأوسط

رقم العضوية
15897
11-23-2019, 10:25 PM
المشاركة 1
11-23-2019, 10:25 PM
المشاركة 1
افتراضي تحدّي القراءة: سخافات ثقافية

تحدّي القراءة: سخافات ثقافية


في بداية هذا العام كنت أشعر بالحماس الشديد تجاه القراءة، كوني عدت بعد فترة انقطاع طويلة لأسباب شخصية، ولأنني خشيت أن توقفني مشاغل الحياة – كما فعلت مرات عديدة- عن القراءة، فبحث عن أفكار ألتمس فيها الدافع لاستمراري بالقراءة خلال العام. كانت فكرة مجموعات القُرّاء فكرة مذهلة، حيث أن الاندماج معهم يجعلك دوماً تشعر بأن القراءة فعل طبيعي يحدث كل يوم، يمارسه الكثير رغم ظروف حياتهم المختلفة. تشمل هذه المجموعات برامج التواصل الاجتماعي وموقع Goodreads الشهير، كما بدأت في كتابة المراجعات للكتب التي أقرأها إيماناً مني بأن ذلك يُساعد من يرغب في قراءتها، ناهيك عن متعة قراءة المراجعات والآراء بعد الانتهاء من قراءة الكتاب، وكأن هذه المراجعات تقوم بمناظرة بعضها البعض.


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

أثناء استعدادي لرحلة قراءة العام التي نويتها، أرسل لي موقع Goodreads اقتراح بأن أقوم بوضع خطة للقراءة باختيار عدد محدد من الكتب كوسيلة للتحفيز لإنهائها قبل انتهاء العام. لاحظت أن الكثير ممن أتابعهم وبعض من أصدقائي قد قام بوضع خطة بالفعل، بعضهم كانت خطته قراءة مائة كتاب وآخرون أقل من ذلك. أعجبتني الفكرة ظناً مني بأن هذه الطريقة هي وسيلتي الحقيقية لمواجهة خطر التوقف عن القراءة. ليبدأ العام وقد وضعت خطة قراءة ثلاثين كتاباً خلال العام.

ملحوظة: أعجبتني جداً إحدى الأفكار الرائعة التي رأيتها في أحد الحسابات المختصة بالقراءة، تخصص نوع معين من الأدب لكل شهر من شهور السنة، فمثلاً، شهر لقراءة الأدب التشيلي أو الهندي، وشهر لقراءة الأدب الهندي، وشهر لقراءة التاريخ، وشهر لقراءة كتاب في الفلسفة، وشهر لقراءة انجليزية، وشهر لقراءة تكنولوجية أو حتى مالية. مثل هذه الأفكار جداً ممتازة ويعتبر نوع من التنوع والتخطيط الجيد لتوسيع مدارك العقل.

دعوني أبدأ بنتيجة اتباعي لخطة القراءة التي وضعتها قبل الحديث عن التجربة; فقد قرأت خمسين كتاباً بدلاً من ثلاثين كما خطّطت أول العام. قرأت بشكل يومي وعلى مدار السنة أيام العمل والعطلات ما عدا بعض الأيام القليلة التي لم أفعل بسبب مرض أو عمل. قمت أيضاً بكتابة مراجعة لجميع الكتب التي قرأتها ودأبت على قراءة مراجعات الآخرين وآرائهم بل وخضت نقاشات مع بعض القُرّاء في المجموعات أو مع بعض الأصدقاء أو مع الأهل. بشكل عام، أنا راضٍ عن التنوّع في اختيارات الكتب التي قرأتها مقارنة بقراءاتي سابقاً، وأنوي تطوير آلية الاختيار لمزيد من التنوّع في العام القادم بإذن الله.

قبل أن أتحدث عن التجربة، أرغب في أن أوضح بأنني أدركت أثناء تلك الرحلة، بأن غرضي ليس قراءة أكبر عدد من الكتب والصفحات، بل كانت لي أهداف أراها أفضل بالنسبة لي وأكثر منطقية وهي اعتماد القراءة اليومية كأسلوب حياة ممتع يتم الاعتياد عليه، التأمل في أفكار الكتَاب، توسيع دائرة معارفي الأدبية بحيث أتعرف على أدباء جدد وأنواع مختلفة من الكتابات الأدبية. كما كنت أطمح لتحسين أسلوب الكتابة والتعبير لدي بعد أن أضعفت الحياة اليومية ومنصات التواصل الاجتماعي ذلك.

أعترف بأنني لم أستسغ أبداً فكرة تحدّي القراءة أو ماراثون القراءة، أو أي من هذه المُسمّيات التي هدفها الأساسي الكم وليس الكيف. أتفهّم جيداً أن ذلك قد يعجب بعض الناس ويستهويهم، إلا أنني لم أستطع أن أجد تصنيفاً لمثل هذه المُسمّيات، لهذا جمعتهم تحت تصنيف شخصي يخصني وحدي، وهو أنها مجرد هراء. نعم، أرى أن هذه التحديات هي هراء ولا أشعر أمامها إلا بالشفقة على من ينقادون خلف مثل هذه التحدّيات الفارغة. التي لا أرى أي فائدة منها إلا الاعتياد على القراءة السريعة جداً، ومثل هذه القراءة مفيدة في موضعين، الأول أثناء قراءة الصحف، والثاني لقراءة الأجزاء المملة التي تملأ الكتب أو المقالات الغالب عليها الاستطراد أو الإسهاب والإطناب.
القراءة ليست مجرد التهاماً للحروف، بغرض تمريرها على العقل لزمن يقل عن اللحظة الواحدة كي تخرج سريعاً من الذاكرة كعربات القطار السريع في المدن الترفيهية والتي لا تستطيع عدّ عرباتها من فرط سرعتها.
ما الفائدة من ذلك؟ قراءة مئة صفحة خلال ساعة؟ وهل نقيس إدراكنا وفهمنا بعدد الكلمات التي قرأناها أم بقوة تأثيرها علينا ومدى تأمّلنا وتعمّقنا في معانيها؟

لطالما دلّل الناس على أطعمة الوجبات السريعة أنها سيئة للإنسان بصفة عامة وللجهاز الهضمي بصفة خاصة، لا ينافسها أي طعام صحي في الوقت اللازم لتحضيرها أو لتناولها، لكنها بلا طعم أو رائحة أو فائدة، رائحة وطعم صناعيين يتمثّلان في ألوان ومحليات وصوديوم لخداع العقل. ألا ترون ثمة تشابه في القراءة السريعة جداً المتواجدة في مثل تلك التحديات؟
لماذا طلب الله منّا أن تتدبّر قراءة القرآن؟ ولماذا يُطلب منّا التأني في قراءة دروسنا أثناء الاستذكار؟ لماذا نقوم بإعادة مقاطع موسيقية لسماعها مرة تلو أخرى وسط سكون محيطي، لماذا نتأمل لوحات بعينها دون المرور سريعاً أمامها؟ لماذا نتوقف أمام النص؟ لماذا يستوقفنا اقتباس ونظل نتأمل فيه وننسى أحياناً أننا وسط قراءة كتاب أو رواية؟

إنه التأمل... تذوّق الحروف ومحاولة الاندماج فيها وإسقاط معانيها على أوجه مُختلفة.
هذا التأمل هو ما يعطي النص روحاً ليقوم بالتأثير فيك، ليفتح لك طاقة تنفذ منها إلى حياة أخرى في الخيال قابلة للتنفيذ أو بها أمل مستقبلي للحدوث أو رجاء التحقق. هي طاقة يمكنها أن تصنع منك شخصاً جديداً.

تختلف طبائع الناس وأساليب حياتهم التي قد تمنحهم مزيداً من الوقت لالتهام العديد من الكتب، هناك من لا يفضل الحياة الاجتماعية الزاخرة، وهناك من يحاول أن يتخذ من القراءة مهرباً أو يتفاخر بعدد الكتب التي قرأها لمجرد التباهي، وهناك من هم بالفعل يستطيعون قراءة كم كبير من الكتب لقدرتهم الحقيقية على القيام بذلك. أؤمن بأن الوسطية والتوازن هي أفضل مرحلة يصل إليها الإنسان في أي مجال أو تجربة يخوضها. وليس معنى التوازن هو الحيادية، بل في إيجاد نقطة اتزان خاصة تختلف من شخص لآخر يجد فيها نقطة تلاقي ما بين متعة داخلية مع قيمة ذاتية تحقق له رغبته في استقرار نفسي.
من زاوية أخرى، فإن القراءة مناظرة بين القارئ والكاتب، تتعدى حدود المكان والزمان، الكاتب بذل الكثير من الجهد كي يُخرج لك كتاباً، فحاول أن تتخيّله أمامك، هل تظن أنه سيكون سعيداً أو أنه من اللائق أن تنظر إلى ساعتك كل خمس دقائق كونك تريد الانتهاء من لقاء يجمعكما، بحجة ارتباطك بمواعيد أخرى؟

أحمد فؤاد