عرض مشاركة واحدة
قديم 10-24-2016, 08:41 AM
المشاركة 8
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
مصر: صندوق النقد وإصلاحات السيسي
رأي القدس
Oct 24, 2016

من المتوقع أن تقوم الحكومة المصرية الشهر المقبل بخفض قيمة الجنيه وتخفيض الدعم على مواد الطاقة وذلك استجابة لشروط وضعها «صندوق النقد الدولي» لإقراض الحكومة 12 مليار دولار خلال 3 سنوات «لدعم الاقتصاد المصري».
هناك فقرة وحيدة في التقرير تتحدث عن «قطاع السياحة الذي تأثر بحادثة سقوط الطائرة الروسية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي» (كأن الطائرة سقطت وحدها وليس بفعل فاعل) وباستثناء هذه الإشارة اليتيمة فلا يوجد أي ربط بين الوضع الاقتصادي والأوضاع السياسية في مصر.
من الواضح أن مسؤولي صندوق النقد لا يهمّهم غير تطبيق وصفتهم التي تثبت في كل مرّة بؤسها واحتقارها للبشر والبلاد التي تطبق عليها بدعوى «الإصلاح»، ولذلك إذا هبطنا من «كوكب» كريستين لاغارد (مديرة «صندوق النقد») ومستشاريها، فسنجد الواقع الاقتصادي الحقيقي الذي يعاني فيه المواطنون من اختفاء سلع كحليب الأطفال والسكر أو رفع تكاليف المساكن الاجتماعية (والذي أدّى لمظاهرة كبيرة في بورسعيد)، فيما تستعد قوات الجيش والأمن لإحكام السيطرة على الشارع المصري لإجهاض مظاهرات الحادي عشر من الشهر المقبل تحت عنوان «ثورة الغلابة» للاحتجاج على سوء الأوضاع الاقتصادية.
يتعامل صندوق النقد الدولي مع الشأن الاقتصادي المصري كما لو كان تجربة علمية في مختبر عازلاً إياه عن العوامل الخطيرة المؤثرة في الوضع الداخلي والخارجي، وأول تلك العوامل طبيعة النظام السياسي نفسه والسياق القسريّ الذي جاء فيه وأدّى إلى تجاذبات داخلية وإقليمية كبرى لا يمكن القفز عنها كونها تجعل الاقتصاد مرتبطاً بهذا المخاض العنيف بقوّة.
جرعات الدعم المالي والعينيّ الخليجية للنظام الحالي جاءت في سياق سياسيّ وقد أعطته الملاءة المالية اللازمة للسيطرة العنيفة على الوضع السياسي في إطار عنوانه إقصاء جماعة «الإخوان المسلمين» عن الحكم في مصر بالقوة، ولكنّ النتائج تجاوزت هذا العنوان وأدّت لاحقاً إلى اصطفاف إقليمي مصري معلن (بعد أن كان خافتاً ومقنّعاً) مع روسيا (عبر التصويت لصالح قرارها الأخير حول سوريا في مجلس الأمن) والنظامين السوري والعراقي (وبالتالي الإيراني) والتمرد الحوثي في اليمن، وكان رد فعل السعودية الأخير بوقف مدّ النظام المصريّ بالنفط أحد الارتدادات المعقّدة لهذا الاتجاه السياسي المتخفّي بغطاء الاقتصاد، فيما يشكل الاضطراب الأمني الخطير في سيناء، والاحتجاجات السياسية والاقتصادية الحاليّة، بعض ارتداداته الأخرى.
حسب استفتاء أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام نشر أمس فإن شعبية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تراجعت بنسبة 14٪ خلال الشهرين الماضيين وهو أمر يعكس نسبة احتجاج كبيرة ضد أداء الرئيس والحكومة المصريين، وهو أمر مرجح للتصاعد مع الإجراءات القاسية التي ستقوم الحكومة المصرية بفرضها استجابة لشروط صندوق النقد الدولي.
مثير للسخرية، هنا، أن الحكومة المصرية ووسائل الإعلام المؤيدة بدأوا حملة تسويق كبرى لإلزامات الصندوق المذكور، مع استخدام مضحك للخطوة السعودية بوقف النفط، وقد ابتدأ الرئيس المصري هذه الحملة عمليّا تحت شعار «مصر لن تركع»، لكن الخدعة «الحربية» في هذا الشعار هي أنه يبرر الركوع عملياً لإلزامات الصندوق الدولي الجائرة.
في الحالة الأولى كان ثمن الدعم المالي الانقلاب على شرعية السيسي وبدء حملة اضطهاد كبرى ضد «الإخوان» (تحت شعار مكافحة الإرهاب) مما أدى عمليا إلى تفاقم الاضطراب الأمني والسياسي في مصر، وحين تأكدت خطورة هذا القرار وبدأت السعودية بالتراجع عنه فوجئت برفع حكومة السيسي درجة التحدي وتصعيد التنسيق مع المحور الروسي ـ الإيراني ـ السوري.
أما في حالة الصندوق الدولي فإن الثمن سيدفع من عرق ودماء وخبز كل المواطنين المصريين ولكنه هذه المرة سيكون تحت شعارات دعاوى الصبر والتحمل والجوع في سبيل الكرامة أو، لو أردنا الصراحة، الركوع لضباع الصندوق الدولي.