الموضوع: القصــــة
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-19-2011, 01:00 AM
المشاركة 2
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
القرون الوسطى ـ عصر النهضة وما بعد


يبدو من خلال استعراض الأعمال الأدبية التي تعود إلى القرون الوسطى أن العصر قد تميز بتوليد الأشكال الأدبية الفنية وتكاثرها، ولكن ليس بالضرورة بتطوير وتهذيب أشكال السرد القصيرة. ففيه صارت الحكاية القصيرة وسيلة مهمة للتسلية والإمتاع. ومابين عصر الظلمات حتى عصر النهضة تبنت حضارات كثيرة شكل السرديات القصيرة للتعبير عن مقاصدها. فحتى غزو البرابرة الجرمانيين العدواني القاتم الروح، خضع للتعبير عنه في أشكال السرد القصيرة، كما أن الأساطير والحكايات البطولية القادمة من اسكندناڤيا وإيسلندا النائية تدل على أنواع الحكايات الكئيبة والعنيفة التي حملها الغزاة معهم نحو جنوبي أوربا.



وعلى نقيض ذلك فإن الخيال الرومنسي والمعنويات العالية لدى السلتيين Celts بقيت بادية للعيان في حكاياتهم وقصصهم، وأينما ظهروا سواء في إيرلندا أم في فرنسا أم في بريطانيا كانت ترافقهم قصصهم المشربة بالسحر والروعة، مثل الحكايات الأسطورية التي ظهرت في القرن التاسع حول «لونغِس مَك ن ـ ويسْلِن» Longes mac n- Uislenn التي غرست نبتة الرومنسات الفروسية chivalric romances التي ازدهرت لاحقاً في التربة الأوربية. ومن المساهمين الأبلغ تأثيراً على صعيد السرديات القصيرة في القرن الثاني عشر كريتيان دي تروا Chrétien de Troyes وماري دي فرانس Marie de France.



في تلك المرحلة اشتهر أيضاً نوع من القصص عُرف بـ «النموذج» Exemplum هدفه تحفيز القارئ أو المستمع على الاقتداء بسلوك نموذجي. ومن أشهر هذه القصص في القرنين الحادي عشر والثاني عشر تلك التي استوحت نماذج من سلوك القديسين، وهناك ما يقارب المئتين منها كان الكهنة يستخدمونها في مواعظهم الكنسية أيام الآحاد.


أما بين عامة الناس في أواخر القرون الوسطى فقد ظهرت حركة أدبية معارضة لنوعي الـ «رومَنْس» و«النموذج» مفضلة الفطرة السليمة، والفكاهة الدنيوية والحسية sensuality، ومالت على نحو كبير إلى الذكاء العملي لدى حيوانات حكايات الوحوش، وإلى النكات الخشنة المسلية وإلى الحكايات البذيئة Fabliaux، المنظومة شعراً، وهناك منها قرابة مئة وستين حكاية، وكانت هذه الأخيرة أبرزها أهمية، واستمرت محافظة على شعبيتها قرابة قرنين من الزمن، بدءاً من القرن الثاني عشر، ولفتت انتباه بوكاتشو Boccaccio الإيطالي وتشوسر Chaucer الإنكليزي.



كان حكواتي القرون الوسطى ـ بغض النظر عن الحكاية التي يفضلها ـ يعتمد غالباً على حكاية إطار format تساعده على رصف القصص بعضها بجانب بعض، مهما كان عددها، مع الحفاظ على استقلالية كل منها نسبياً. ولما كان تأكيد الوحدة العضوية لهذا النوع من السرديات أمراً لايؤبه له كثيراً، فقد فضل الحكواتي حينذاك إطاراً مرناً يسمح بإضافة أو استبعاد حكاية ما من دون تغير ملحوظ في التأثير. وكان النموذج الذي يبحث عنه متوفراً في «حكماء روما السبعة» The Seven Sages of Rome، وهي مجموعة من القصص ذات الشعبية الواسعة في أنحاء أوربا كافة، وإطارها قصة أمير محكوم عليه بالموت، فيقوم محاموه وهم الحكماء السبعة، كل على حِِده، بسرد قصة جديدة كل يوم، فيؤجل تنفيذ الحكم حتى تثبت براءته فينجو من براثن الموت.



وهذه التقانة في السرد كما هو واضح تشابه إلى حد كبير تقنية «ألف ليلة وليلة» العربية التي تعود أيضاً إلى القرون الوسطى، وغالبية قصصها تؤطرها حكاية شهرزاد التي تعود في الأصل إلى مجموعة الحكايات الفارسية «هزار إفسان» Hazar Efsan أي «ألف حكاية خرافية»، وقد ترجمها العرب، فاحتفظوا بالإطار وابتكروا حكايات جديدة مختلفة الأنواع تدور أحداث معظمها بين بغداد في العصر العباسي والقاهرة ودمشق في العهد الفاطمي. وقد وضع الكتاب الجديد في العصر المملوكي (648ـ923هـ/1250ـ1517م).



وبعد كل هذا التعدد والتنوع في السرديات القصيرة جاءت عملية الصقل الفني في القرن الرابع عشر على أيدي عملاقين هما بوكاتشو وتشوسر. ولاشك في أن مصادر قصص الـ «ديكاميرون» Decameron لبوكاتشو تحفل بمؤثرات متنوعة، بما في ذلك الحكايات والنماذج والرومنسات القصيرة. ونتيجة لاتساع شعبيته اظهرت في مختلف أنحاء أوربا وبسرعة لافتة أعمال تقلِّدها، ففي إيطاليا وحدها ظهر قرابة خمسين كاتباً مارسوا السرديات القصيرة novella كما كانت تسمى هناك.



لقد تعلم هؤلاء كثيراً من فنية وحرفية بوكاتشو، وإلى حد ما أيضاً من معاصره فرانكو ساكيتّي Franco Sacchetti، فزودوا العالم الغربي على مدى ثلاثة قرون بالسرديات القصيرة. لم يكن ساكيتي مجرد مقلد لبوكاتشو، بل واقعياً صريحاً ومباشراً في وصفه الحياة اليومية في فلورنسا في مئتي قصة قصيرة أقرب إلى أسلوب «النادرة» anecdote. وثمة كاتبان آخران مهمان على صعيد القصة في القرن الرابع عشر، هما جوڤاني فيورِنتينو Giovanni Fiorentino وجوڤاني سِركامبي G.Sercambi.



وفي القرن الخامس عشر حظيت مجوعة «القصص القصيرة» (1475) Il novellino للكاتب ماسوتشو سالرنيتانو Masuccio Salernitano باهتمام خاص؛ وهي تضم خمسين قصة تحفل بالفكاهة عن العشاق ورجال الكهنوت،على الرغم من أن الإسهاب فيها يحل محل البلاغة.



ومع ماسوتشو بدأ انتشار القصة القصيرة يأخذ أبعاداً جديدة، ففي القرن السادس عشر كان ماتيو باندِلو M.Bandello أكثر الكتاب تأثيراً في مختلف أنواع السرد الأدبي، لكن اهتمامه تركز حول قصص الخداع deception التي شكلت أحد أنواع كثيرة برزت وانتشرت في تلك المرحلة، ومنها على سبيل المثال مجموعة «محاججة الحب» Reasoning of Love للكاتب أغنولو فيرنزولو Agnolo Firenzuolo التي اتصفت ـ على نقيض قصص الجنس المكشوف عادة ـ بأسلوب لغوي أنيق ومرهف.



أما أنطون فرنشِسكو ِAnton Francesco فقد ضمَّن مجموعته المتنوعة «الكريات الزجاجية» The Marbles عدداً من القصص التي تعتمد المفاجأة أو السخرية، في حين جرَّب جانفرانشِسكو سترابارولا Gianfrancesco Straparola قلمه في ميدان الحكايات الشعبية بالعامية في مجموعته «الليالي السارة» The Pleasant Nights.




وفي مطلع القرن السابع عشر حاول جامباتيستا بازيلِه Giambattista Basile أن يوَشّي المواقف الجاهزة المألوفة في حكايات الجن fairy-tales بتفاصيل واقعية، فكانت النتيجة غالباً لافتة: حكاية عن جنيات وعفاريت وأمراء بدوافع ومشاعر واقعية جداً، مما يولِّد الطرافة والتسلية. ولربما كانت هذه الصفات تحديداً في مجموعته «حكاية الحكايات» (1634) The Story of Stories هي ما ذكَّر القراء ببوكاتشو، ولاسيما أن المجموعة قد عُرفت بعنوان شائع دال هو «بينتاميرون» Pentameron أي «الأيام الخمسة».



إن التشابه الكبير بين بوكاتشو وبازيله، على الرغم من فارق ثلاثة قرون بينهما، يوحي بأن القصة قد احتلت موقعاً معقولاً بين الأجناس الأدبية الأخرى، كما حققت انتشاراً واسعاً، إلا أن قالبها الأساسي وتأثيرها بالكاد تغيرا.



تكرر هذا النموذج من التطور في فرنسا أيضاً، علماً أن إنجاز بوكاتشو لم يُلحظ هناك حتى القرن الخامس عشر، حين ظهر تأثيره عام 1460 مع صدور مجموعة «مئة قصة قصيرة جديدة» Cent nouvelles nouvelles التي تتحدر من سلالة الـ «ديكاميرون». وبعد قرن كامل صدرت مجموعة «الأيام السبعة» (1559) Heptaméron لمرغريت دي أنغوليم Marguerite d’Angoulême، وضمت اثنتين وسبعين قصة غرامية تدين لبوكاتشو بما لاتغفله الملاحظة الثاقبة على الرغم من فارق الزمن.



وفي مطلع القرن السابع عشر نشر الكاتب بيروالد دي ڤِرڤيل Béroalde de Verville حكاياته «طريق النجاح» (1610) Le Moyen de parvenir التي تنتمي من جهة إلى أجواء رابليه ومن جهة أخرى إلى تقاليد بوكاتشو، وهي مجموعة قصص من «الحكاية ـ الإطار» تهدف في المقام الأول إلى التسلية والإمتاع.




أما الأمة الأعظم نفوذاً في القرنين الخامس عشر والسادس عشر في أوربا، ألا وهي إسبانيا؛ فقد أسهمت إلى حد كبير في صقل السرديات النثرية القصيرة وتطويرها، وأكثر ما يلفت الانتباه على هذا الصعيد هي مجموعة دون خوان مانويل Don Juan Manuel بعنوان «كتاب النماذج» (1328ـ1335) The Book of Examples السابق على الـ «ديكاميرون» ببضع سنوات.



وهناك أيضاً تجارب ثربانتس التي نشرت عام 1613 بعنوان «قصص نموذجية» Exemplary Novels وهي تختلف عن معاصراتها من حيث الأسلوب والرصانة في المعالجة، علماً أن هدفها الرئيسي هو استكشاف طبيعة الوجود الدنيوي الذي انغمس فيه البشر, وقد كان هذا الموضوع جديداً نوعاً ما على السرديات القصيرة، فما قَبْل ذلك كانت هذه السرديات إما وعظية تربوية وإما بغرض الترفيه والتسلية.



وعلى الرغم من توافر مجموعات قصصية عديدة ذات انتشار شعبي واسع فقد بقيت السرديات القصيرة في إسبانيا في ظل الرواية التي أخذت بالظهور بقوة في القرن السادس عشر. وكما فعل قدماء الرومان، ضمَّن الإسبان رواياتهم في عصر النهضة كثيراً من القصص القصيرة باعتبارها طرائف ونوادر.

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)