عرض مشاركة واحدة
قديم 02-11-2013, 11:18 AM
المشاركة 910
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
11- عناصر الجمال والتأثير في رواية 'المجوس: لإبراهيم الكوني:
- الموت رفيق الصحراويين، سرّ الصحراويّ أنهلا يخاف الموت. يقال إنّه نزل الى الحياة بصحبة الموت، وعندما استنشق الهواء وأخذأوّل نفس من فتحتي الأنف، توقّف الموت ورفض أن يدخل الى الجوف. قال للإنسان: أناافضّل أن أمكث هنا وأنتظر. حفر مأوى بين فتحتي الأنف والشفة العليا، في هذا الضريحيرقد الموت ) المجوس ج 2 ص 182.

- في هذا الخضمّ منالتنافر والتجاذب، بين السماء والارض، الروح والجسد، التبر والطهر، الحياة والموت،تبدو مصائر ذوات الروايةوشخوصها فجائعية، مهولة، تنقذف الىالموت بنفس القسوة والصرخة والألم التي انقذفت بها الى الحياة لحظة ولادتها،لأنها اقترفت ذنبا لا يغتفر، خدشت صمت الصحراء، جرحت سكونها، لم تعرف الإنصاتلسكينتها، فقضت لا يداخلها الخوف ولا التردّد ولا الضعف، بل هي في تقدّمها باتجاهالموت كأنّها تتقدّم خطوة ربّما باتجاه حياة اخرى، في عيونها ترتسم أشباح وشياطينوفي قلوبها توق مرير الى ( واو المفقودة ) فردوس الامتلاء في فراغ الصحراء، فردوسالارتواء في صحراء الظمأ.

- الحنين قدر الصحراوي الأول. والانتماء المزدوج هو الذيخلق منه قدرا. فيوم انفصل عن أمّه الارض بقوّة الروح السماوية، الإلهية، التي نفختمن نفسها في كتلة الطين، كان عليه أن يعاني غربة مزدوجة. فهو نُفي من الفردوسالسماوي وانفصل عن الله. نزل الى الارض لكنه لم يتّحد بالصحراء، لم يفز بامتدادهاوعرائها وحريتها. حلّ في حفنة الطين قبل أن يبلغ الأصل الآخر، الأكبر، الأرحم،والأعظم: الصحراء. فظلّ المخلوق كائنا معلّقا بين السماء والارض. البدن يسعى للعودةالى وطنه الصحراء، والروح تحن عشقا لأن تتحرّر من المحبس الأرضي وتطير الى أصلهاالسماوي ) المجوس ج 2 ص 62.

- ينتهي العبور الصحراوي الى الموت غرقا، ظمأ،ذبحا، خنقا … ولكن الدائرة لا تنقفل به على صعيد استمرار الجماعة وديمومتها فوقالصحراء، إذ تلوح تباشير الحياة فوقركام الجثث وسواقي الدم المراق والحلوقالظمآنة، تلوح على هيئة الرحيل، رحيل رجل وامرأة بقيا فوق الأشلاء. امرأة حدسهاالأنثوي العميق يدفعها لمطالبة الرجل جهارا كي يطأها حتى تستمرّ الذرية، لا ترى فيالخراب العميم من حولها إلا طوقا، يكسره نسل مرتجى من صلب رجل حتى تستمر الحياةوتستمرّ الصحراء، المرأة نفسها التي أنزلت الرجل من "فردوس واو المفقودة" ولم تكنلتخشى النزول. أبدا ارتضت الديمومة للحياة والبقاء فهي من جنس الطبيعة تعصى علىالفناء.

- سوف تبقى المرأة الى الأبد في الثقافة الذكورية موسومة بلعنة الخطيئة،مقترنة بها، لا تستطيع منها فكاكا. وستبقى مصدر الغواية، الأفعى تغوي بالحبّ والجسدوالغناء، وتفعل ما لا تستطيع فعله إلا الشياطين والجنّ.

- تملك نداء الميدوزياتيحطّمن سفن البحارة الأشدّاء على صخرة الضياع والتيه. المرأة لن تفلت أبدا من وشمالخطيئة، ولكنها في المقابل امتلكت سلاحا فعالا وناجعا ضدّ التهمة الأزلية، رشفرحيق الغواية واجتراع طيب الخطيئة حتى الثمالة، التحصن المكين ضد التوق الى ( واوالمفقودة ) واو المرأةفي جسدها، في غنائها، برسم الفرسان والنبلاء يهيمون بها،فتكون هي الشمس وهم الظلال الهاربة، هي الأنثى وهم العابرون. لن تلعن نفسها ولنتشعر بالذنب، وسيبقى حدسها جسر عبور ولغة إشارية تواصلها مع الطبيعة الأمّ.

- الرجالوحدهم من سيلعنونها وسيلعنون قبلها أنفسهم وهم وحدهم المذنبون. وإن حمّلوها الوزر،لن تطيق أجسادهم الناحلة متعة الخطيئة، ولكنها هي الأنثى تطيقها، لن تطيق أرواحهمالهائمة متعة الاغتراب والضياع في المتاهة، ولكنها الأنثى تجرّيها في دمها، وستبقىأبدا هي، وهم الآفلون.

- تحضر الطبيعة ـ عناصرهاوأشياؤها ـ كموجودات حيّة تتنفّس وتحيى في علاقة وطيدة مع الإنسان، الذي يمتلكتصوّرا خاصا عن حياة مبثوثة في رمل الصحراء الحارق ورياحها العاصفة وسلاسل جبالآيدينان في جلستها الوقورة الرزينة تراقب باهتمام وهدوء الصحراء ـ المسرح، هدوءالقويّ المسيطر على أشيائه، فلا تخذله قوّته ولا يخذله اتباعه وتقديرهم وتبجيلهملحقيقة السطوة الفعلية لهذه الكائنات الخرافية، المعمّمة بالضباب والغموض والأسرارالعصيّة على البشر.

- ينفتح منجم الأساطيروالحكايات والمرويات، ويختلط وينشبك مع الأحداث والوقائع، ليختلط الأسطوريّبالواقعيّ،والسرابيّ بالحقيقيّ، وعناصر الطبيعة بشخصيات الرواية، فلا يعود التمييزممكنا بين الادوار.

- ما من سرد خاصّ بالبشر، بل هو يسيل على لسان الجماد والحيوانبلغة الرمز والإشارة، ويصبح التخاطب ممكنا بل مفتوحا بين الجماد والإنسان، الحيوانوالإنسان، كلٌّ يفهم تماما ما يريده الآخر، وما هي حدود دوره في هذا العبورالصحراوي وإن بدا الخلود والبقاء للطبيعة وأشيائها، فالصحراء نداء، يدوّخ المنادىويسلبه عقله ( الصحراء مثل الأغاني السماوية، إذا لم ترتو من لحنها قتلك العشقوالجنون ) المجوس ج 1 ص 79.

- يبدو جهدإبراهيم الكوني تأسيسيا في سياق كتابة رواية عربية صحراوية بامتياز، والمفارقة هيفي المخالفة الأصيلة والمبتكرة التي تتمثل في التوظيف المبدع لجنس أدبي غربي قائمعلى الاجتماع والمدينة أساسا، وتكريسه للكتابة عن الصحراء القائمة على الانفصالوالوحدة.

- يبدو نجاح الكوني معتمدا بالدرجة الاولى على التواصل العميق والقدرةعلى التخاطب واستنطاق الصحراء ومفرداتها بلغة شعرية حيّة ( لا أرى أنّ باستطاعة أيّقوّة أن تمزّق الحجاب الذي يلفّ الصحراء غير الشعر ) المجوس ج 2 ص 45.

والأمر الآخر هو تمثُّلُ ثقافة شفويةموغلة في القدم والبكارة، وإعادة إنتاجها كتابيا لتحتل مكانها اللائق في ثقافاتالعالم وآدابه العظيمة. ( وتقول الأسطورة أنّ الخالق فضأ العالم وجرّده من الحياةكي يتفرّغ لخلق المخلوق فصنع الصحراء الكبرى. خلق المخلوق وراقته سكينة الصحراءفباركها وخلق في قلبها "واحة واو" وتنفّس الصعداء. ولازالت التنهيدة الجليلة تسمعفي سكون الصحراء حتى اليوم، والأصوات التي تدمدم في الفراغ كالأنغام هي أنفاسهالجليلة فأصبح الإنصات للصمت عبادة. ولم يكن لغير المعمّرين، الذين ذاقوا طعمالسكينة، أن يفهموا سرّ هذه اللغة. فاتّخذوها " واوا " أخرى يقضون في رحابهااللحظات المعدودة من حياتهم الفانية. وكثيرا ما يضرب الحكماء منهم صدورهم النحيلةليردّدوا: " واو الحقيقية هنا. قفص الصدر أسوارها والسكون لغتها " ) المجوس ج 1 ص 278.