عرض مشاركة واحدة
قديم 05-28-2012, 11:43 AM
المشاركة 714
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
حوار مع الكاتب المصري جميل عطية إبراهيم
إيلاف 27- سبتمبر 2006

سلوى اللوباني من القاهرة : حصل الاديب "جميل عطية ابراهيم" على شهادات دراسية متباينة ونتيجة لذلك عمل في مهن متعددة، فقد عمل قبل تخرجه من الجامعة كاتب حسابات في مصنع للنسيج في شبرا الخيمة ومدرساً للموسيقي للأطفال، وكذلك مدرساً للحساب والجبر والهندسة للمراحل الإعدادية في مصر والمغرب، وبعد تخرجه من الجامعة عمل كمفتش مالي وإداري في وزارة الشباب في سنوات الستينات، وبعد نجاحه في نشر بعض القصص انتقل إلى الثقافة الجماهيرية بفضل الأساتذة نجيب محفوظ وسعد الدين وهبة ويعقوب الشاروني، وظل في الثقافة الجماهيرية حتى سافر إلى سويسرا عام 1979 وعمل بالصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة العربية في جنيف حتى هذه اللحظات حيث يستعد للتقاعد والتفرغ للأدب، الاديب جميل عطية ابراهيم أحد مؤسسي مجلة جاليري 68 الادبية، ومن رواد حركة أدباء الستينيات، ركز من خلال اعماله على الدور الاجتماعي للادب، من مؤلفاته.. أصيلاً، النزول الى البحر، ثلاثية 1952، أوراق اسكندرية، الثورة، المسألة الهمجية، خزانة الكلام وغيرهم.. دار الحوار حول أيدولوجيات الستينيات، ومجلة جاليري... ورسالة الاديب، وعن افكاره التي وردت في رواية المسألة الهمجية وبطله المثقل بهموم وطنه، وأيضاً عن الحوار مع الآخر وأسباب انتشار التيار السلفي... ونظرته الى العالم اليوم.

* ما هو السبب في حصولك على شهادات دراسية متباينة؟
- دراستي الأساسية في كلية التجارة، حيث تأثرت في صباي بمقولات المفكر المصري البارز "سلامة موسى" حيث كتبه ومجلاته التي أصدرها كانت توجد في المنزل لسبب أجهله وقرأتها في صباي وشبابي عدة مرات، وتعلمت منه أن الأديب يجب أن يكون ملماً بالاقتصاد وعارفاً بالعلوم، فتوجهت إلى كلية التجارة ودرست إدارة الأعمال والتنظيم وغير ذلك، ورفضت الالتحاق لهذا السبب بكلية الآداب التي كانت تناسبني، وبتأثير كتابات سلامة موسى الذي لم ألتق به في حياته دلفت إلى معهد الموسيقى العربية وتخرجت منه أثناء دراستي في الجامعة وحصلت على دبلوم متوسط والتفت إلى الفنون التشكيلية وفي سنوات السبعينات التحقت بأكاديمية الفنون في القاهرة، ودرست فيها حتى حصلت على ماجستير في فنون عصور ما قبل التاريخ، وهذه الدراسات نفعتني عند عملي في الصحافة في الخارج فقد كنت مسلحاً بمعارف كثيرة وسهلت لي متابعة خطوات العولمة وفهم أبعاد الاقتصاد والسياسة الدولية، كما أن دراستي للقانون في كلية التجارة لمدة أربع سنوات مكنتني من متابعة الاتفاقيات المختلفة وفهم المصطلحات القانونية والجديدة منها، فعلت كل هذا لأكتب قصة قصيرة جيدة فقط وليس للتفوق في تلك المهن.

* مجلة غاليري 68 مشروع ثقافي رائد وعبر عن مرحلة جديدة كما أفرز العديد من الكتاب، هل ولدت فكرة المجلة كنتيجة لهزيمة 67؟
- صدرت غاليري 68 في مايو 1968 واستمرت حتى فبراير 1971، ولم يكن صدورها معلقاً بهزيمة 67، فقد كنا قد بدأنا التحضير لها بين عامي 66 و 67 وكانت المشكلة في الحصول على رخصة إصدار رسمية وفشلنا في ذلك الحين، وبعد استشارة قانونيين قررنا إصدار المجلة ككتاب غير دوري، وكان وزير الإعلام في ذلك الوقت "محمد فائق" وهو رجل متفتح فساعدنا بالترخيص للشاعر "أحمد مرسى" بتولي رئاسة التحرير إلى جانب وظيفته في وزارة الإعلام وكان ذلك ضرورياً، الخلاصة التفكير في إصدار جاليري 68 كان نابعاً قبل الهزيمة لأسباب موضوعية كثيرة، أجملها في عدة نقاط أولاً مع بداية الستينات تقدم إلى الساحة الثقافية كتاب جدد لم يسمع بهم أحد من قبل، ومعهم كتابات جديدة مختلفة عن الكتابة السائدة، كتاب من حواري القاهرة ومن الأقاليم، قرءوا وتعلموا بالمجان في عهد جمال عبد الناصر وأحبوه وخاصموه واختلفوا وأيدوا وسجنوا طويلاً وظهر ذلك في كتابات جديدة تسير على درب الدكتور يوسف إدريس وتبتعد تماماً عن درب يوسف السباعي وعبد الحليم عبد الله وغيرهم، ومن حسن الحظ كانت الساحة الثقافية غنية بالرواد يحي حقي في مجلة المجلة، عبد الفتاح الجمل في جريدة المساء، فؤاد كامل وبهاء طاهر في البرنامج الثقافي في الإذاعة المصرية، ومن النقاد محمد مندور وعبد القادر القط وعلي الراعي وأحمد عباس صالح وإبراهيم فتحي ورجاء النقاش وغالي شكري وصبري حافظ وعلي شلش وغيرهم، وتلقف هؤلاء العظام الكتابات الجديدة وأفسحوا لها مكاناً بقدر وحذر في البداية، وكانت النقطة الحاسمة ندوة الأستاذ نجيب محفوظ في كازينو أوبرا، حيث تجمع أجيال متعددة من المفكرين والمبدعين وتسلل الكتاب الجدد إلى الندوة للقيام بندوة أخرى في شوارع القاهرة بعد ندوة الأستاذ، وتعارف الشباب وانتقلوا إلى مقهى ريش وباب اللوق ومعهم إنتاج جديد لا يعرف الثرثرة ويضرب في الواقع ويحلم بدنياً أخرى، ونشر يحي حقي أعمالاً لم يكن من السهل قبله نشرها مثل أعمال محمد إبراهيم مبروك وأعمال أدوار الخراط وأعمال وإبراهيم أصلان وجمال الغيطاني وأنا، وعرفت الكتابات الجديدة بصعوبتها وبجديتها وبرفضها للواقع المعاش، ولما صدرت جاليري 68 تفرغت لنشر هذه الأعمال الجديدة وقد جمعت صداقات بينهم وبعدها انضم إليهم كتاب الأقاليم، وكانت تأتي إلينا رسائل من كتاب جدد من الأقاليم ونهب إليهم وندعوهم إلى القاهرة وعرف جيل الستينات.

*ولماذا لم تستمر المجلة؟
- سبب توقف جاليري 68 فكان لأسباب موضوعية فبعد الترحيب بالكتاب الجدد ونشر أعمالهم في المنابر التقليدية والمؤسسات الحكومية لم تعد هناك حاجة إلى مجلة خاصة بهم، كما أن المجلة كانت تصدر بجهود ذاتية من مقهى ريش، وفتر الحماس ودبت شيخوخة.. وزادت مطالب الحياة.. فتوقفت جاليري 68 بعد أن أدت رسالتها في انتظار موجة تجديد أخرى لتصدر مجلة أخرى وهذا ما حدث!

* الا تعتقد بأن جيل الستينات بقي محصوراً في أفكار وأيدولوجيات لم تعد صالحة للوقت الحالي؟ وهل نجحت الأيدولوجيات المختلفة التي نشأت في الستينيات مثل اليمين أو اليسار أو الناصريين أو الاخوان المسلمين في إحراز أي تغيير أو تقدم للمجتمع؟
- جيل الستينات انفتح على العالم ولم يكن محصوراً في الدعاوى السياسية في ذلك الوقت، بل وكان معارضاً شديداً لبعض سياسات الرئيس جمال عبد الناصر والزعامات المعروفة ومعظمه دخل السجون لسنوات طويلة، جيل الستينات حافظ على استقلاليته الأدبية ولم يكن تابعاً للسلطة في مصر أو في غيرها، والنقد الأساسي الذي يوجه لجيل الستينات هو انشغاله بالسياسة على حساب الأدب، وكانت هناك معركة طاحنة في مصر بين دعاة الفن للفن، وبين دعاة الفن للحياة، وقد انحاز جيل الستينات بكل قوة لمدرسة الفن للحياة كما أوضحها سارتر ودفع ثمناً كبيراً لهذا الانحياز، ووسط جيل الستينات تفرغ بعض الكتاب بإعطاء أولوية للفن بدلاً من السياسة منهم إدوار الخراط وإبراهيم أصلان على سبيل المثال رغم اهتمامهما بالسياسة ومواقفهما التقدمية المشرفة، كانت مصر في ذلك الحين ترفع شعارات الوحدة والاشتراكية والعدالة ومقاومة المحتلين في الجزائر وفي الدول الإفريقية التي كانت معظمها محتلة ودعمت حركات التحرير وأممت شركات البترول ودعمت دول الخليج، وكان جيل الستينات يدعم هذه التوجهات وعيناه على غياب الديموقراطية مما ولد معارك بين الكتاب والسلطة وفشلت كل جهود السلطة في تطويع جيل الستينات، وكلنا يذكر البيان الذي قدمه صنع الله إبراهيم في رفض جائزة مبارك منذ ثلاث سنوات، فقد كان البيان قنبلة بحق، وأنا لست عضواً في اتحاد كتاب مصر حتى اليوم ومنذ عهد يوسف السباعي.

* وعلى من تقع مسئولية الفشل؟
- حقيقة كما جاء في السؤال فشلت عدة حركات سياسية تبنتها أنظمة في ذلك الحين في تحقيق إنجازات واضحة، وفشلت الأنظمة في ترسيخ الديموقراطية وتحقيق عدالة مقبولة والقيام بنهضة شاملة ومحو الأمية الذي تبين أنها تتزايد بعد خمسين سنة ثورة، وهذه كلها مثالب سلبية، ومسؤولية الفشل لا تقع على الكتاب ولكن على السلطة التي رفضت السماع للكتاب والمفكرين ووضعتهم في السجون وعزلتهم عن الجماهير، في سنوات الستينات كان يسمح لنا بالحديث في البرنامج الثاني باعتباره للمثقفين ولا يسمح لنا في قنوات التلفزيون العادية، يسمح لنا في الكتابة في مجلة المجلة والكاتب والمساء ولا يسمح لنا باقتحام الصحافة اليومية واسعة الانتشار، وهكذا قننت عزلة المثقفين بأعراف محكمة.

* ما هي ملامح رسالة الاديب في نظرك.. وهل ينجح الاديب عادة في رسالته؟ هل بامكانك أن تقدم لي مثالاً على نجاح أديب معين برسالته!
- الأدب قيمه جمالية وللمتعة وليس منشوراً سياسياً، وقد نجحت الحركات الأدبية التقدمية في الحفاظ على ذوق المتلقي إلى حد ما وفي صعوبة شديدة لأسباب راجعة للسلطة، وأعظم قصة قصيرة لن تٌخرج مظاهرة ولكنها تتفاعل مع الناس وتخرج مظاهرات في الشوارع ربما بعدها بسنين، انحطاط الذوق مصيبة مثل الحفاظ عليه نضال، ومبادئ الحق والخير والجمال هي أساسيات الأدب والفن، ولنر حالياً مع انحطاط الذوق العام في كل الدول العربية ماذا حدث؟ انتشر العنف والإرهاب والقتل على الهوية وتجاهل الآخر ونسيان الصراع الأساسي بين الدول النامية والقوى العظمى والانشغال بأمور جانبية، الحديث عن الفشل والنجاح في هذا السياق ليس منطقياً، المهم كم من أعمال متميزة أنتجت؟ لأن هذه الأعمال تؤتي ثمارها بعد حين.

* في معظم كتاباتك نجد جميل عطية ابراهيم يبرز بين فترة وأخرى.. لذلك دعني اسألك عما ورد في رواية "المسألة الهمجية" على لسان البطل والذي اعتبرته لسان جميل عطية، تقول بأنك تبينت أن كل ما اعتقدت بكذبه في سابق أيامي كان صحيحاً، وأن معظم أوهامي كانت حقائق واختلطت أوراقي..هل هذه رؤيتك للاحداث والتاريخ؟
- الفنان والكاتب عندما يعيش في الغربة تواجهه عدة أزمات، هل يندمج كلية في المجتمع الجديد ويصنع له حاضراً في الغربة؟ أم ينفصل عن حاضره المعاش ويغرق في ماضيه وأوهامه من ناحية أخرى، الكتابة في الغربة محنة، فكيف يصنع الكاتب الوصل والفصل؟ كل كاتب يحل هذه الأزمة بمعرفته ووفقا لقيمه، الكتاب اللبنانيون في الحرب الأهلية عاشوا في باريس، وبعد انتهاء الحرب عادوا إلى بيروت، وكانت الغربة فترة إجبارية مؤقتة، وقلة منهم بقت في باريس، أنا منذ قدومي تبينت أن الكتابة في الغربة باردة وجافة وتنقصها الروح، فدأبت على العمل في الغربة من حيث الدراسات والتحضير، والكتابة الأولية ثم العودة إلى القاهرة عدة مرات في السنة بإعادة ما كتبته وسط ضجة القاهرة وقيظها ولياليها الساهرة وزيارة المواضع القديمة، وكنت في السنوات الأولى من غربتي مشغولاً برصد التغيرات السياسية والاجتماعية منذ 1952 حتى مصرع الرئيس السادات، وبعدها شغلت بثلاثية العولمة، وكتبت نصفها في الغربة ونصفها في القاهرة وفي العامين الأخيرين، تعلمت الكتابة في الغربة، والمراجعة في القاهرة فقط، لإجراء تعديلات بسيطة، ومالت كتاباتي لرصد الخارج بعد أن كنت مشغولاً بالداخل في النزول إلى البحر، وثلاثية 1952، وعلى كل حال أنا كنت محظوظاً في الغربة بسبب صحبة الكاتب الكبير "بهاء طاهر" الذي عاش في جنيف 15 عاماً، وكذلك المترجم المعروف "محمد مستجير"، حيث نقلنا مقهى ريش وزهرة البستان إلى وسط جنيف، واعتقد أنه بدونهما لما واصلت البقاء في الغربة.

* وتقول إنك حبيس حارة جدنا نجيب محفوظ!
- في رواية "المسألة الهمجية" يقول البطل أنه حبيس حارة نجيب محفوظ على سبيل المديح، فقد سبر الكاتب الكبير تفاصيل الحارة المصرية وجعلها مركزاً للكون، ومن جانب آخر يلمح البطل إلى أن هناك كتابات أخرى في أمريكا اللاتينية تطير فيها الشخوص، بينما حارة الأستاذ نجيب محفوظ لا تعرف المطارات، هذه دعوة للنظر في آداب حديثة لم نقترب منها.

* بطلك الرئيسي في أعمالك هو بطل مثقل بهموم وطنه.. الذي لا يكف عن طرح التساؤلات والافتراضات بحثاً عن الحقيقة النهائية.. بعد مشوارك الادبي الثري والطويل هل استطعت أن تصل الى نهاية حقيقة؟
- لا توجد حقيقة للوصول إليها، والإمساك بها، وتوجد راحة بعد الرحلة، بعيداً عن العقائد الدينية كل الحقائق نسبية، وقابلة للمناقشة، والكمال بعيد، ويكفي الكاتب أن يطرح تساؤلات تثير مشاعر القوم للبحث فيها، وفي السنوات العشر الأخيرة شغلت بمناقشة الحداثة والثورات المختلفة من وراثية إلى اتصالات وتحرير التجارة وغيرها، وأرجو أن أكون قد نجحت في إنارة حارة وليس طريقاً على هذا الدرب.

* كيف ترى العالم الان؟
- العالم يمر الآن في مرحلة ذات خصوصية عجيبة، وهي ظاهرة القطب الواحد الذي يدور في فلكه عدة أجرام، والقطب هو الولايات المتحدة الأمريكية، والأجرام هي دول الاتحاد الأوربي وبعض الدول القريبة منها في سياساتها، من جانب آخر تسعى دول أخرى لاستعادة نفوذها مثل روسيا والصين وبعض دول آسيا الصاعدة اقتصادياً، ومن الدول التي توصف بأنها محور الشر كوريا الشمالية وإيران وإلى حد ما سوريا، ووسط هذا الخضم نجحت الولايات المتحدة في تصوير العالم العربي خاصة والإسلامي بصفة عامة بأنه مأوى الإرهاب وسبب البلاء في العالم، والصدام بينه وبين بقية دول العالم وارد وبقوة والسبب الإسلام والمسلمون، وروجت لأقوال مثل صراع الحضارات على أسس دينية وأثنية وغياب الديموقراطية وعدم سماع الآخر وغيرها، وللأسف سقطت الدول العربية والإسلامية في الفخ، واعتبرت أنها في معركة دينية مع الغرب بصفة عامة، ونسيت أن الصراع مع الغرب يعود إلى عدة قرون وأساسه مصالح استراتيجية واقتصادية ومناطق ونفوذ وليس دينياً، فالغرب لا يدافع عن المسيحية ولا تهمه المسيحية ويحسب مصالحه والحفاظ على مصالحه في ضعف الدول العربية وتقسيمها إلى دويلات على أسس اثنية ومذهبية وليست دينية فقط، صراع استمر طويلا في الماضي، وقامت جمعية الأخوان المسلمين في مصر عام 1926 رافعة شعارات محورها الإسلام هو الحل، وظلت الجمعية مصادرة وممنوعة بعد أن اقتربت من العنف بدلاً من السياسة، وفي الربع الأخير من القرن الماضي لعبت الحرب الباردة دوراً بارزاً حيث جيشت الولايات المتحدة "بمعاونة من أنظمة عربية قصيرة النظر" الجيوش لمحاربة الإلحاد السوفيتي والنظم الاشتراكية وبلغت ذروتها في أفغانستان، وعملت الجماعات الأصولية في المنطقة يداً بيد مع القوى الاستعمارية المعادية لمحاربة الإلحاد، سقطت الجماعات السلفية في الفخ ولم تفق إلا بعد وقت طويل فوجهت قنابلها وعملياتها إلى الدول الغربية وراعيها الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001.

* وهل هذه أسباب انتشار التيار السلفي في الدول العربية؟
- انتشار التيار السلفي في المنطقة العربية لا يمكن تبسيطه وحصره في هذه الأسباب، فانتشاره يعود لأسباب موضوعية، فقد فشل التيار العلماني طوال القرن العشرين في تحقيق أهدافه في التنمية والعدالة والديموقراطية، فتقدمت كتائب السلفيين لتحقق ما فشل فيه العلمانيون، بينما الحقيقة أن الحركة العلمانية القومية في العالم العربي تعرضت لمؤامرات وحروب من الخارج والداخل ولعبت الجماعات السلفية دوراً في تعطيل الديموقراطية عن جهل مرات وعن علم مرات بتقديم الذريعة لأنظمة متعسفة معادية لمحاربة الديموقراطية، وعاشت مصر لمدة ثلاثين عاماً تحت قوانين الطوارئ، وهذه جريمة تتحمل مسئوليتها الجماعات السلفية التي سعت للوصول إلى السلطة عن طريق القوة أمام التاريخ.

* أي انه صراع بين العلمانيون والسلفيون؟
- فشل العلمانيون في تحقيق الأهداف طوال القرن الماضي، وتقدم السلفيون مستندين إلى قوى إلهية سوف تحارب بدلاً منا، قوى إلهية عمادها الملائكة والجن والشياطين والنوايا الحسنة، ووسط هذا الانقسام الفكري الحاد، ضاعت أجندة الخلافات الحقيقية بيننا وبين الغرب، لمحاصرة الاستعمار الجديد، القضية ليست إيماناً أو إلحاداً، القضية في أساسها مصالح بترولية، وموارد طبيعية غنية، وعمالة رخيصة، وعوامل وحدة وتقارب بين الدول العربية، دين واحد ولغة واحدة، وأخطر ما وقع في العشر سنوات الماضية إثارة المذاهب الدينية لبث خلافات معروفة في التاريخ الإسلامي للخاصة والعامة، الخلافات المذهبية والعرقية أخطر من الخلافات الدينية، فهل من رجل رشيد يعيد أجندة النضال إلى جوهرها الحقيقي؟ ويدافع لنا عن البترول والموارد الطبيعية؟ وهل من نظام رشيد يتقدم نحو ديموقراطية حقيقية وتسلم وتسليم السلطة بالطرق السلمية، ضعفنا وانعزلنا وضاع نفوذنا إلى الحد الذي شجع الإمبريالية إلى التحالف مع الحركة الصهيونية علانية تحت اسم جديد لخلاص العالم، سلفية مقابلة لسلفية العالم العربي والإسلامي، سلفية هذه المرة تعرف مصالحها، ولا تشغل نفسها بالشعائر الدينية والانقسام حولها كما نفعل، أجندة واضحة وتتسرب بنودها من حين إلى آخر لتمزيق المنطقة.

* أي الصورة ليست مبشرة؟
- باختصار الصورة تعيسة وغير مبشرة، وهذه القضايا تشغل الكتاب في العالم العربي وبوضوح، والمشكلة أن الأنظمة لا تستمع إليهم، وتحاصرهم ولا تأثير لكتاباتهم أو إبداعهم، لقد فاض الكيل بدول كثيرة تعاني كما نعاني، وهبت بعض دول أمريكا اللاتينية براية التمرد والعصيان، في وقت تصوت فيه الدول العربية إلى جانب الولايات المتحدة، وتنكس رأسها وتسد أذنيها عن حركات التمرد المتصاعدة، لكن الثورات قادمة فالعالم يمكن ولا يعقل إرادته على النحو السائد أكثر من ثلاث أو أربع سنوات قادمة أخرى، وأنا أجد إرهاصات تحدد موعد الثورات القادمة في العالم بين عامي 2010 و2020 ونحن نحتفل بمرور مائة عام على ثورة 1919 العظيمة.

* هل ساعد الخطاب الديني في توسيع الهوة الثقافية بين العرب والغرب... وأيضا الخطاب الثقافي العربي من قبل بعض المثقفين هل ساعد في تفشي هذه الهوة؟ بمعنى هل نجحنا في التعبير عن أنفسنا كعرب؟ ما هو السبب في فشلنا إذا كنا فشلنا في التعبير أو مخاطبة الاخر؟
- العلاقة بين الشرق والغرب شديدة التعقيد نظراً لاختلاف التصورات ونقاط الانطلاق، الغرب يطمع في الموارد والسيطرة، والشرق يرغب في استقلال كامل وعلاقات متوازنة، والنضال الشعبي منذ احتلال مصر في عام 1882 وهزيمة الزعيم عرابي، كان يصب في هذا الاتجاه، وعندما فشلت الحركة العلمانية في تحقيق هذا الهدف، تقدمت الجماعات السلفية للقيادة، وتعاونت الجهات الغربية مع الجماعات السلفية وشجعتها قبل أن تنقلب عليها، كما نجح الغرب في تصوير الصراع على أنه صراع ديني بين المسيحية والإسلام وصراع حضارات، وهذه كلها أكاذيب ولكنها للأسف راجت وشاعت، وأحد أسباب رواج النظرية الغربية في نوعية الصراع، تدخل الحركة الصهيونية على نطاق واسع لترويج مقولات تصب في احتلال الأراضي الفلسطينية، وتثبيت الأمر الواقع، وعدم الاعتراف بالقرارات الدولية والتحايل عليها بالتسويف، وسوف يظل الصراع في منطقة الشرق الأوسط مادامت القضية الفلسطينية لم تحل، وقد رأينا في لبنان جرائم حرب تجرمها المواثيق الدولية ولكن الولايات المتحدة قادت الصراع بما يحقق مصلحة إسرائيل، ولولا كفاءة المقاومة اللبنانية لما قبلت إسرائيل بالانسحاب، ما جرى في لبنان يعتبر أول نصر يحققه العرب منذ عام 1948 رغم الدمار الذي حل بلبنان، وهذه سوف تضاف إلى الجماعات التي تستند إلى مظلة دينية في المنطقة، وهذه لها ثمن يدفعه الغرب الذي لا يفيق إلا مؤخراً، وما يجري حالياً يصب في صالح الشرق، ولا بد من انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة وترك الفرصة للأمم المتحدة لتؤدي دورها.