الموضوع: رسائل أدبية
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-23-2019, 12:52 AM
المشاركة 61
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: رسائل أدبية
الرسالة الجدية
وهي الرسالة التي كتبها ابن زيدون في آخر أيامه، حيث استخدم أسلوب الرحمة، وقد تميزت هذه الرسالة باحتوائها على الكثير من الاحداث التاريخية والاقتباسات، وقد كتبها أثناء سجنه في قرطبة، يستعطف فيها بن جهور ولي العهد، حتى يستشفع له عند والده أبي الحزم ليطلق سراحه.
أما عن سبب تسميتها بالجدلية فهي للتفريق بينها وبين الرسالة الهزلية.
نص الرسالة الجدية لابن زيدون
يامولايَ وسيّدي ، الّذي ودادي له ، ومَنْ أبقاه الله تعالى ماضِيَ حدّ العزم ، واري زَند الاملِ ، ثابتَ عهدِ النّعمه ،
أظمأتني إلى برودِ إسعافكَ ، ونفضتَ بي كفَّ ِحياطَتك ، وغضضتَ عني طرفَ حمايتك ، بعدَ أن نظر الأعمى إلى تأميلي لكَ ، وسَمِعَ الأصمُّ ثنائي عليك ، وأحسّ الجماد بإستنادي إليكَ ، فلا غرو : قد يغصُّ بالماءِ شاربهُ ، ويقتلُ الدواء المستشفيَ به ، وُيؤتى الحذرُ من مأمنه ، وتكونَ منيّةُ المُتمني في أمنيتهِ والحين قد يسبقُ جَهدَ الحريصِ :
كل المصائبِ قد تمرُّ على الفتى **وتهونُ غير شماتـةِ الحُسّـاد ِ
وإنّي لأتجلدُ ، وأُرِي الشامتينَ أنّي لريبِ الدَّهرِ لا أتضعضعُ ، فأقول :
هل أنا إلا يد أدماها سُوارُها ، وجبينٌ عضَّ به إكليلهُ ، ومشرفيٌٌ ألصقهُ بالأرضِ صاقِلهُ ، وسمهريٌّ عَرَضَه على النُار مثقفُه ، وعبد ٌ ذهب به سيده مذهب الذي يقول :فَقَسَا ليزدجروا ومن يك حازماً** ًفليقسُ أحيانا ً على من يرحـم ُ

هذا العتبٌ محمود ٌعواقبه ، وهذهِ النّبوةُ غمرةٌ ثم تنجلي ، وهذه النكبةُ سحابةُ صيف ٍ عن قريبٍ تُقشّع ، ولن يريبني من سيّدي أن أبطأ سَحَابُه ، أو تأخر ـ غير ضنين ـ غَناؤه ، فأبطأُ الدلاءِ فيضا ً أملؤُها ، وأثقل السحائبِ مشيا ً أحفلُها ، وأنفع الحيا ماصادف جدبا ، وألذُّ الشَّرابِ ما أصابَ غليلا ، ومع اليوم غد ٌ ، ولكل أجل ٍ كتاب ، له الحمد على اغتِنَامِهِ ولا عتب عليه في إغفاله .

فإن يكنِ الفعلُ الذي ساءَ واحدا ** ًفأفعالهُ اللاتي سَرَرنَ ألـوف وأعود فأقول :
ماهذا الذنبُ الذي لم يسعه عفوكَ ؟ والجهلُ الذي لم يأتِ من ورائهِ حلمك ؟ والتطاول الذي لم يستغرقهُ تَطَوُّلك َ؟ والتحامل الذي لم يفِ به أحتمالك ؟ ولا أخلو مِن أنْ أكونَ بريئا ً ، فأين العدلُ؟ أو مسيئاً ، فأين الفضلُ ؟
إلا يكن ذنب ٌ فعدلـك واسـع ُ**أو كان لي ذنب ٌ ففضلك أوسع ُ
حنانيكَ ، قد بلغَ السيلُ الزُّبى ، ونالني ماحسبي به وكفى ، وما أراني إلا لوأنّي أمرتُ بالسجود لآدم فأبيتُ وأستكبرت ُ، وقال لي نوح ٌ (أركب معنا ) فقلت سآوي إلى جبل ٍ يعصمني من الماء ، وأمرتُ ببناء الصرحِ لعليَّ أطلع إلى إلهِ موسى ، واعتديتُ في السبتِ ، وتعاطيتُ فعقرت ، وشربت من ماء النهرِ الذي ابتليَ به جنود طالوت ، وقدتُ الفيلَ لإبرهه َ، وعاهدتُ قريشا ً على مافي الصحيفهِ ، وتأولتُ في بيعة العقبةِ ، ونفرتُ إلى العير ببدر ، وأنخذلت بثلث الناسِ يومَ أحد ،وتخلفتُ عن صلاةِ العصرِ في بني قريضه ، وأنفتُ من إمارة أسامهَ ، وزعمتُ أن بيعة أبي بكر ٍ كانت فلته،ًورجَمتُ الكعبة، وصلبتُ العائذَ بها على الثّنية ، لكان فيما جَرَى على مايُحتمل أنْ يُسمى نَكالاً ، ويُدعى ولو على المجازِ عِقاباً :
وحَسبُكَ مِن حادِثٍ بامريءٍ ** تَرَى حَاسِدِيهِ لهُ راحمينا
فكيف ولا ذنب إلا نميمة ٌ أهداها كاشح ، ونبأ ٌ جاء به فاسق ؟
وهم الهمازون المشاءؤن بنميم ، الواشون الذين لا يلبثون أن يصدعوا العَصَا ،والغُواةُ الذين لا يتركون أديما ً صحيحا ً والُّسعاةُ الذين ذكرهم الأحنفُ بن قيس ، فقال : ماظنكَ بقوم ٍ الصدقُ محمود ٌ إلا منهم حلفتُ فلم أتركُ لنفسك ريبةً وليس وراءَ الله ِ للمرءِ مذهب ُوالله ما غششتُكَ بعد النَصيحةِ ، ولاانحرفتُ عنكِ بعد الصّاغية ، ولانصبتُ لكَ بعد التّشيّع فيك ، ولا أزمعتُ بأساً مِنكَ مع ضمانٍ تكفلت به الثّقةٌ عنك ، وعهدٍ أخذهُ حُسنَ الظّنِ عليك ، ففيما عَبِثَ الجَفاءَ بأذمّتي ، وعاثَ العقوقَ في مودتي ؟ وتمكّن الضياعُ مِنْ وسائلي ، ولمّا ضاقت
مذاهبي ، وأكدتُ مطالبي ، وعلامَ رضيتُ مِنْ المركبِ بالتعليقِ ؟ بل من الغنيمة بالإياب . وأنّي غلبني المغلبِ وفخرَ عليّ العاجزُ الضعيف
ولطمتني غيرُ ذاتِ سُوار ؟ ومالكَ لاتمنعُ منّي قبلَ أنْ أُفتَرَس ، وتُدركني ولمّا أُمزّق ؟ أم كيفَ لاتتضرّمُ جَوانحُ الأكفَاءُ حَسَدَاً لي على الخصُوصِ بك ؟ وتتقطّع أنفاس النّظراءِ منافسةً في الكرامةِ عليك فكيف ؟ وقد زانني رَسمُ خِدمتكَ ، وزاهني وَسمُ نِعمتكَ ، وأبليتُ البلاء الجميلِ في سِماطِكَ ، وقمتُ المقام المحمود عن بِساطك :
الستُ المُواليَ فيكَ غُرَّ قصائدٍ
هي الأنجمُ اقتادت مع الليلِ أنجما
ثناءٌ يُظَنُّ الرّوضَ منه منورا
ضُحى ويُخالُ الوشيُ فيه منمنما
وهل لَبِسَ الصباح إلا بُرداَ طرزته بفضائلك ! وتقلّدت الجوزاءُ إلا عِقداً فصّلتهُ بمآثرك ؟ واستلّ الربيع إلا ثناءً ملأتهُ من محاسنك ، وبثّ المِسكَ إلا حديثاً أذعتُه في محامدك ؟ ومايومُ حليمةَ بِسر ، وإن كنتُ لم أكْسُكَ سليباً ، ولا حليتُكَ عُطْلاَ ، ولا وسمتُكَ غُفْلا ، بل وجدتُ آجُرًّا
وجِصّا فبنيتُ ومكان القولُ دا سِعةٍ فقلتُ : وحاشا لله أن أُعدُّ من العاملة النّاصبة ، وأكون كالذّبالةِ المنصوبةِ تُضيءُ للنّاس وهي تحترق ، فلكَ المَثَلُ الأعلى ، وهو بك أولى .