عرض مشاركة واحدة
قديم 11-11-2016, 03:34 AM
المشاركة 7
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
فاز ترامب… لم يحن بعد موعد اللطم… ولا موعد الاحتفال!
عماد شقور
Nov 11, 2016

ما كان مستبعدا، بفعل اخذ ما يقوله الخبراء في الشؤون الأمريكية على محمل الجد، اصبح حقيقة. ما لم يخطر على بال هؤلاء اصبح واقعا. وهنا يعود إلى الذاكرة القول المأثور: لا يُستغنى عن الخبراء، فهم الاقدر على توقع ما ستكون عليه النتيجة، وعندما تأتي النتيجة مناقضة لما توقعه الخبراء، فانه لا يُستغنى عن «خبراء» لشرح اسباب ما حدث.
انتهت معركة الانتخابات الرئاسية في أمريكا بفوز مثير لمرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، الذي سبق وتبرّأ منه كثيرون حتى من الصف الاول في قيادة حزبه، فاختلطت جراء هذه النتيجة اوراق المتابعين في اروقة حكومات العديد من دول العالم، إلى درجة غير مسبوقة. وستمضي اشهر عديدة، وربما سنوات، ونحن نتابع تفسيرات وشروحات «الخبراء» في استطلاعات الرأي، و»الخبراء» في الإحصاء وفي تلوين اعمدة رسومهم البيانية، وهم يجهدون في فرز واعادة تنظيم اوراقهم المخلوطة، ليعيدوا ترتيبها في كتاب نظري، سرعان ما يجيء الواقع ليجعل منه مادّة للسخرية، كما نسخر هذه الايام من «مادة» استقراء «الخبراء» للانتخابات الأمريكية.
نجح ترامب، في اقل من سنة ونصف، في الانتقال من اللامكان، إلى المكان الاهم في العالم: المكتب البيضاوي في البيت «الابيض»، حيث تتأثر بقراراته مصائر دول وشعوب وامم، بفعل التحكم بازرار قنابل قادرة على تغيير شكل الكرة الارضية وما عليها، وازرار اقتصاد هو الاول في العالم، وازرار كثيرة اخرى في غاية الاهمية.
قال ترامب كلاما كثيرا في حملته الانتخابية لا تستلطفه آذان العالم، لا في أمريكا نفسها، (النظرة والتعامل مع المرأة، ومع السود والمهاجرين المقيمين في أمريكا)، ولا في أمريكا اللاتينية، (جدار مع المكسيك على حساب المكسيك)، ولا في العالم الإسلامي، (منع دخول المسلمين إلى أمريكا)، ولا في العالم العربي وفلسطين، (نقل السفارة الأمريكية إلى «اوراشليم، العاصمة الابدية للدولة اليهودية»). لكن ترامب «المرشح»، ليس بالضرورة ترامب «الرئيس». وكما يقولون: ما تراه من منصة الخطابة والمهرجان، لا يتطابق بالضرورة مع ما تراه من موقع اتخاذ القرار. او كما قالها اريئيل شارون عندما اصبح رئيسا لحكومة اسرائيل، واضطر إلى التراجع عمّا كان قد وعد ناخبيه باتخاذه من اجراءات: ما تراه من هنا (مكتب رئيس الحكومة)، هو غير ما تراه من هناك (مقعد البرلمان ومنصة الخطابة).
نعرف، ويعرف العالم معنا، كيف تفكر، وكيف تقول، وكيف تتصرف هيلاري كلينتون، وهو بالتأكيد ليس في صالح شعبنا وقضيتنا. لكن لا نحن نعرف، ولا العالم، ولا حتى الأمريكيون، كيف يمكن لترامب ان يتصرف. إلا ان هناك، في ما يخصّنا كفلسطينيين اساساً، بعض المؤشرات: اهمها على الاطلاق اعلان ترامب خلال معركته الانتخابية ما معناه ان «حل الدولتين» قد عفى عليه الزمن، وانه لم يعد قابلا للتنفيذ. هذا الموقف المعلن الذي احتفى به غلاة اليمين العنصري في اسرائيل، في حزب «البيت اليهودي» ورئيسه نفتالي بينيت وغيره كثيرون، ليس هو «الحلم الوردي» الذي يتمنى الفلسطينيون تحقيقه. «حل الدولتين»، بالنسبة للحركة الوطنية الفلسطينية، هو في الاساس «خطوة إلى الوراء»، اضطُر الفلسطينيون لاتخاذها، من باب تسهيل التوصل إلى «حل مرحلي» يتم انجازه، لتليه خطوات لاحقة محتملة: ابتداء من فيديرالية او كونفيديرالية فلسطينية اردنية، او حتى فيديرالية او كونفيديرالية تكون اسرائيل جزءاً منها، او كما قالها الزعيم الفلسطيني الخالد ياسر عرفات «بينيلوكس شرق اوسطي». بكلمات أٌخرى: ما اعلنه ترامب في حملته الانتخابية، وما يتمناه غلاة اليمين في حكومة نتنياهو العنصرية، ليس فيه، بالمطلق، ما يخيف الفلسطينيين او يهدد مستقبلهم، حتى لا نقول اكثر من ذلك: حلم فلسطيني بين بين، إذا تحقق فلا بأس، وان لم يتحقق فذلك خير وانفع.
ترامب، الرئيس الخامس والاربعون للولايات/ الدول الأمريكية المتحدة ما زال لغزاً. هو أُحجية. لكنه ليس كذلك بالنسبة لنا وحدنا. انه كذلك بالنسبة لاسرائيل. وهو كذلك بالنسبة إلى العالم اجمع، وبالنسبة للأمريكيين ايضا. وهو، كما يبدو حتى الآن، يكاد يكون النقيض بالكامل لصاحب العهد الأمريكي المنتهية ولايته، باراك اوباما. نقيضه في الشكل كما في المضمون. من لون البشرة والشعر والعينين، مرورا بالمَلَكة الخطابية والسلوك اللطيف الراقي، والمَيل إلى الايحاء بالتماشي مع المنطق والتسامح، في مقابل الفجاجة في اللفظ والشكل، والاندفاع بلا كوابح لمواجهة الآخر المختلف، بعيدا عن كل اللياقات وقواعد الديبلوماسية.
لكن، ماذا استفاد الفلسطينيون والعرب من باراك (حسين) اوباما؟. «خطاب القاهرة» اليتيم تمت ترجمته الي العديد من لغات البشر، بما في ذلك العربية والعبرية، لكنه لم يترجم إلى لغة الواقع. وما ان انطلقت اول شرارة لحرق جسد الشهيد التونسي محمد البوعزيزي، وانطلاق شرارة «الربيع العربي»، (وهو في واقع الحال «الشتاء» العربي، بكل ما فيه من عواصف واوحال، وما فيه من خير ايضا لم تَبَن بوادره بعد)، حتى فاجأنا اوباما وادارته باطلاق شرارة الدعم والمساندة لاعداء الديمقراطية والحريات بكل معانيها وابعادها، حاملي فكرة القفز عن المصالح الوطنية والقومية ايضا، تحت غطاء الإسلام كما يفهمونه هم، وهو فهم ابعد ما يكون عن الروح الثورية الحقيقية التي جاء بها الإسلام اصلا، اندفاعا عاقلا نحو التقدم والخروج من عهد الظلام إلى عهد النور والاستنارة، بحثا عن مستقبل افضل وانفع للبشر، كل البشر.
ثم إذا كان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن قد بدأ تدمير العراق باندفاعه الاهوج، فأن اوباما اكمل ما بدأه بوش بتدمير العراق، وغير العراق ايضا من الدول العربية، لكن ليس بالاندفاع بل بالانسحاب من معادلات المنطقة المعقدة اساساً، نحو بناء معادلات جديدة اكثر سوءاً لحاضر العراق ومستقبله.
لا مبرر لأن يذرف العرب والفلسطينيون الدمع في فراق اوباما ووزيرته التي سعت لوراثة موقعه على رأس العالم «الحر».
لا مبرر، بعد، لليمين الاسرائيلي العنصري للاحتفال بفوز ترامب. فهو ما زال لغزا، ولم ينظر بعد إلى العالم والمنطقة وفلسطين، من داخل ذلك المكتب البيضاوي الذي تظهر فيه الحقائق والخرائط كما هي عليه في الواقع، دون حواجز من زجاج ملون ومنحن، يجعل الواقف على منصة الخطابة يرى ما يريد ويتمنى. دون ان ننسى ان الملياردير ترامب ليس رهينة لتبرعات اليهود في أمريكا.
يبقى بعد ذلك القول ان من يحدد مستقبل الشعب الفلسطيني، بالمعنى الكبير لكلمة المستقبل، هو الشعب الفلسطيني نفسه، وليس طاووس منصات الخطابة في الحملات الانتخابية، ولا حتى عندما يصبح سيّدا للبيت «الابيض» الذي لم نرَ شيئاً من بياضه منذ عقود.

٭ كاتب فلسطيني