عرض مشاركة واحدة
قديم 01-06-2013, 06:27 PM
المشاركة 144
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
لورنس ستيرن
على الرغم من أن الروائي البريطاني لورنس ستيرن قد أنتج عملين أدبيين فقط، إلا أنه صنف من أهم الروائيين في القرن الثامن عشر، بسبب تجاربه حول بنية ومنظومة الرواية. ولم يكتب كلاً من روايته «حياة وآراء تريسترام شاندي» التي تضم تسعة أجزاء ونشرت ما بين 1760 و1767 وروايته الثانية«رحلة مؤثرة عبر فرنسا وإيطاليا » التي نشرت عام 1768،إلا خلال الأعوام التسعة الأخيرة من حياته.

ولد لورنس في 24 نوفمبر عام 1713 في كولنميل في إيرلندا، وأمضى الأعوام العشرة الأولى من طفولته متنقلا بين مدن عدة وذلك تبعا لعمل والده، ولم تتجاوز مدة إقامته في أي مكان العام. ولم ير والده بعد التحاقه بمدرسة قرب هاليفاكس في بريطانيا مطلقا.

درس بعد ذلك علم اللاهوت في كلية كامبردج وتخرج عام 1737.كان من المقرر أن يصبح لورنس واعظا دينيا وتسلم وظيفته كقس في عام 1738 في يوركشاير. وتزوج في عام 1741، وكان كلا الزوجين يعانيان من مرض الالتهاب الرئوي. وبتأثير من عمه الدكتور جاكس ستيرن، بدأ العمل كصحافي سياسي.

عاش ستيرن ما يقارب من عشرين عاما في ستاتون، ونظرا لفشل زواجه فقد ارتبط بعدد من العلاقات العاطفية.

وحينما بدأ بكتابة الجزء الأول من روايته الشهيرة «تريسترام شاندي» توفيت والدته واشتد المرض على زوجته، فيما كان يعاني هو بالإضافة إلى مرضه من التناقض الحاد بين حياته الشخصية وهويته الدينية، مثل بطل رواية هوثرون في روايته «الحرف القرمزي» حيث يواجه القس صراعه مع ضميره. ويمكن القول أنه وجد في الكتابة خلاصه من القلق والتوتر الذي كان يهيمن على حياته.

وفي عام 1762 غادر إلى فرنسا للعلاج، وهناك استقبله الشعب الفرنسي باحتفاء كبير للشهرة الواسعة التي حققتها الأجزاء الأولى من روايته. وفي فرنسا بدأ بكتابة روايته الثانية «رحلة مؤثرة عبر فرنسا وإيطاليا»، التي نشرت في بداية عام 1768. وقبل مضي عام على نشرها تدهورت حالته الصحية وتوفي في 18 مارس وكان في الرابعة والخمسين.
ومن أسباب شهرته في بريطانيا وفي كل البلدان الأوروبية هو توجهه في الكتابة للطبقة الوسطى من الشعب على عكس أدباء عصره، ويعتبر النقاد ستيرن بمثابة الشخص الذي عبر بكتابته الجسر من طبقة الارستقراطيين إلى قراء الطبقة الوسطى. ويذكر الناقد إيان كامبل روس من جامعة برنستون في دراسته التي قدمها حول هذا الكاتب، بأن من أسباب شهرة روايته هو نجاحه في ابتكار تقنيات عدة لتسويقها.
ومن هذه التقنيات التي شدت القاريء أن يختار مثلا وضع صفحة سوداء بالكامل بعد حديث بطل الرواية عن وفاة إنسان عزيز عليه، وهذا السواد هو تعبير عن حزنه. وكذلك اختياره لأن تكون الصفحة التي تلي الحوار بشأن العلاقة بين الرجل والمرأة، إن كانت العاطفة أم الرغبة هي التي تربط بينهما، ويقترح على القاريء أن يدون رأيه الخاص في الصفحة الفارغة بكل أمانة.
وبالعودة إلى روايته «تريسترام شاندي» التي نشرها كما ذكرنا ضمن تسعة أجزاء يتضمن كل جزء ما يقارب من ستين صفحة، يصعب وصفها كما ذكر العديد من النقاد. فهي في الواقع لا تعتمد على أسس الرواية التقليدية، فمن الصعب تحديد حبكة القصة. وهي أقرب إلى أدب السيرة الذاتية،
ولكن في ذات الوقت يصعب على القاريء بعد انتهائه من قراءة الرواية أن يعرف أي شيء يذكر عن حياة بطلها شاندي، فكل ما يعرفه عنه يتلخص في يوم ولادته، واليوم الذي عانى فيه من حادث حينما كان في الخامسة من عمره، ورحلته عبر فرنسا. كما لا يتوفر للقاريء معلومات كافية ليحكم إن كانت المرأة جيني التي ذكرت في مواقع عدة هي زوجته أم لا. ومن خلال عنوان الكتاب يتجلى مضمون القصة المتمثل في عرض آراء وأفكار والد شاندي وليس هو شخصيا.
كما أن الأجزاء الثلاثة الأولى كتبت قبل ولادة شاندي وفيها يتناول شخصية والده وعمه ولاحقا أخيه. والرواية عبارة عن سرد لذكريات لنبيل من القرن الثامن عشر، وتتضمن الكثير من المواقف الكوميدية والطريفة، وإن كانت تتطلب من القاريء الكثير من التركيز للانتباه لها.
وتتجلى أهمية هذا العمل عبر تطوير لورنس لبنية الرواية من خلال أسلوب السرد، الذي تبناه العديد من الكتاب في إطار أدب الحداثة وما بعد الحداثة، فالموضوع لا يرتبط بشخص البطل، بل بالمواضيع التي يحلو للكاتب تناولها، والتي تكون متفرعة عن المحور، إلى جانب حوارات متخيلة مع قراء ونقاد.
ويهدف من خلال بنية الرواية إدخال القاريء إلى عقل شاندي، وهو الأسلوب الأدبي الذي تبناه كتاب القرن العشرين، حيث يتدفق النص من خلال الوعي الداخلي للشخصيات. ويتخلل العمل كما ذكرنا الكثير من الحوارات مع القراء والتعليق على ما الأحداث، ومثال على ذلك، «لقد وعدت بكتابة الفصل الخاص بالأزرار، ولكن علي قبلها أن أقدم لكم الفصل الخاص بخادمات الغرف».
ومن استخدم اسلوبا مشابها لأسلوبه في الأدب الانجليزي، الكاتب جيمس جويس في رواية يوليوس. فكلاهما اعتمد على العلاقة المتشابكة بين الكاتب والقاريء. وكلاهما تميز بروح السخرية ، وإن كان البطل شاندي يفتقد إلى الجدية وطبيعة التشاؤم في شخصية بطل رواية جويس المدعو ليوبولد بلوم. كما أن الأول نتاج القرن الثامن عشر، والثاني نتاج القرن العشرين.
وتجلت الصدمة التي شكلتها الرواية في المجتمع الفيكتوري من خلال المواقف الصريحة الفجة التي عرضها المؤلف والتي تحتمل على الدوام تأويلات عدة، مع طرحه للعديد من التساؤلات حول الواقع السياسي والاجتماعي ومفهوم الحياة والثقة والأمانة وذلك من خلال تساؤل الرواية في شخص بطلها، هل الرجل يتبع القواعد؟ أم أن الآخرين يتبعونه؟
تلك التساؤلات قدمها ستيرن من خلال حياة عائلة البطل، التي تروي بصورة ما قصته. فهو ابن جندي توفي في معركة في جامايكا، وتمحورت طفولة شاندي في حياة شخوص العائلة العسكرية، ورؤيتهم للحرب من خلال منظور قادتها أو جنودها، وذلك عبر القصص التي كان يسردها عمه توبي وهو من جيل المحاربين القدماء الذين سرحوا من الخدمة بعد انتهاء حرب السنوات السبع. أما شقيق عمه توبي ووالد شاندي فهو القس وولتر شاندي الواقعي بأفكاره، الذي يحاول السيطرة على كل احتمالات المغامرة في حياة ابنه.
وقد عمد ستيرن من خلال شخصيته شاندي إلى إيقاع النقاد في حيرة من أمرهم، فعمله إما يتجاوز قدراتهم أو أنه أدنى من إثارة اهتمامهم. وعلى عكس بريطانيا، فقد استقبل النقاد في ألمانيا روايته بترحيب وإعجاب، وعلى رأسهم جوته ورواد الحركة الرومانسية، كما تأثر بعمله كارل ماركس الذي حاول محاكاة عمله في رواية.
ولم يحظ ستيرن بتقديره ككاتب في بريطانيا إلا في بداية القرن العشرين، حيث وصفته فيرجينيا وولف بقولها، «إنه أقرب ما يمكن من الحياة»، أما جيمس جويس فقال عنه بأنه «رجل الريف».
رشا المالح