عرض مشاركة واحدة
قديم 02-25-2011, 10:59 PM
المشاركة 4
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي





باب ما جاء في المقادير:



إلتجأ اختلاف المخلوقين في المتضادات إلى أصلين. يتفرع منهما فصول شتى. فأحد الصلين ما يجب في حجة العقل الانقياد له والتسليم لما جاء عن الله عز وجل فيه فإنه يقول: (ما يفتح الله للناس من رحمةٍ فلا ممسك لها). وقال عز وجل: ( وما تشاؤن إلا أن يشاء الله). وقال: ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات). مع أيٍ كثيرةٍ تقوم الحجة عند المصغي إلى الحس المنقاد إلى البرهان. ولم يمنعنا من ذكرها إلا إحاطة علم أكثر الناظرين في هذا الكتاب بها.

سئل بعض الحكماء: ما الذي يحمل الموقن بالقضاء والقدر على الدووب والسعي؟ قال: يحمله عليهما القضاء والقدر. وقيل: استعمال الجد من دلالة التوفيق.

قرأت في كتاب كليلة ودمنة: إن السبب المانع رزق العاقل هو الذي يسوق رزق الجاهل. قال الشاعر:


الجد أنهض بالفتى من عقله .... فانهض بجد في الحوادث أو ذر


ما أقرب الأشياء حين يسوقها .... قدر وأبعدها إذا لم يقدر


فاذا تعسرت الأمور فارجها .... وعليك بالأمر الذي لم يعسر

قال بزرجمهر: العاقل لا يجزع من جفاء السلطان وتقديمه الجاهل دونه لمعرفته بأن الأقسام لم توضع على قدر الأخطار وعلى سبيل الاستحقاق. ولمنصور بن باذان:



يا ذا الذي ذمٍ دهره .... من أجل أن حط قدره


لا تأسفن لشيء .... ففي المغيرة عبره


لو نيل رزق بعقل .... لم يعطه الله بعره


فأخذ بعض المحدثين هذا فقال:


قد كنت للاعتزال منتحلاً .... أزعم أن الحظوظ بالسبب


فالآن قد صرت لا أقول به .... ولست أوصي بالعلم والطلب


فالعلم كالجهل والمطالب .... للرزق كوانٍ والجد كاللعب


وروي عن جعفر بن محمد أنه قال: إن الله وكل الحرمان بالعقل، والرزق بالجهل ليعلم العاقل أنه ليس إليه من الأمر شيء. وقيل: لا يزال الله يرزق الجهال حتى يعتبر بهم العقلاء. وكان يقال: غباوة تنفع خير من عقل يضر. وقيل: الحظ يغلب العقل. وأنشد الشاعر:



إذا كان الزمان زمان حمقٍ .... فان العقل حرمان وشوم


فكن حمقاً مع الحمقى فإني .... أرى الدنيا بحظهم تدوم


آخر:


لا تأتين الأمر من وجهه.... فإنه يعسر من كل باب


وشاور النوكى ولا تعصهم .... تلاق ما تهوى بعين الصواب


وجالس الأنذال تسعد بهم .... فان هذا الدهر دهر الكلاب


الواسطي:


سبحان من أنزل الأيام منزلها .... وصير الناس مرفوضاً ومرموقا


فعاقل فطن أعيت مذاهبه .... وجاهل كان في الأقوامخ مرزوقا


هذا الذي جعل الألباب حائرة .... وصير العاقل النحرير زنديقا


آخر:


خاب امرؤ راح يرجو أن ينال غنى .... بالعقل ما عاش في دهر المجانين


يا رب فاجعل لنا عقلاً نعيش به .... يا مستجيب دعاء المرء ذي النون

آخر:


ثنتان من سيرة الزمان تحيرت .... بهما عقول ذوي التفلسف والنهى


مثر من الأموال منقوص الحجى .... وموفر الآداب منقوص الغنى

آخر:


لما رأيت الدهر دهر الجاهل .... ولم أر المغبون غير العاقل


شربت خمراً من خمور بابل .... فصرت من عقلي على مراحل

آخر:


قد يعدم الحازم المحمود نيته .... نيل الثراء ويثري العاجز الحمق


فلا تخافي علينا الدهر وانتظري .... فضل الذي بالغنى من عنده نثق


إن يفن ما عندنا فالله يرزقنا .... من حيث شاء ولسنا نحن نرتزق


وكان يقال: الاجتهاد في الطلب من دليل القضاء والقدر. وقال بزرجمهر: كيأ يذبذن توشأي وتر. يقول: إذا لم يساعد القدر كانت الآفات من جهة الاجتهاد والطلب. وكان يقال: إذا كان القدر حقاً فالحرص باطل. قال الشاعر:



هي المقادير فلمني أو فذر .... إن كنت أخطأت فما أخطأ القدر


ومن قول الواسطة بين من يقول بالحتم في هذه المعاني وبين من يقول بالإهمال ومحض الاستطاعة قول بعض الحكماء: إن اليقين بالقدر لا يمنع العاقل من التوقي. ولكن التوقي فرض والطلب واجب والقدر غالب. وما أقرب ما قال من قول النبي صلى الله عليه وسلم: إعلموا فكل ميسر لما خلق له. ومن قول من يقول بمحض الاستطاعة والاعتزال وأبرأ إلى الله من ذلك، غير أني أحببت ذكره للناظر في كتابي ليتبين له فساد الأصل. قال بعضهم:



فسدد وقارب في أمورك واجتهد .... فهل لك في ترك المحجة عاذر


ولا تلزم المقدار ذنبك كله .... فأنت ولي الذنب ليس المقادر


فلو كان للمقدار في الذنب شركة .... لكان له حظ من الإثم وافر


آخر:


وعاجز الرأي مضياع لفرصته .... حتى إذا فات أمر عاتب القدرا
آخر:
إذا أعطاك قتر حين يعطي .... وإن لم يعط قال: أبى القضاء


فبخل ربه سفهاً وظلماً .... ليعذر نفسه فيما يشاء

آخر:


اصفع المجبر الذي بقضاء السوء قد رضي .... فاذا قال: لم فعلت؟ فقل هكذا قضي

باب مدح اليأس واستدعائه وما يعرض للطالب من الذلة والحيرة قال أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد: موطنان لا أعتذر للعيي فيهما: عند طلب الحاجة وعند مخاطبة الجاهل. وقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: طالب الحاجة أبله، فأرشدوا أخاكم وسددوه.

وعن ابن عباس: عند كل دخيل دهشة فأرشدوا أخاكم وابدأوا ذوي الحواتج بالجح قبل المطالب. ويقال: ذل الطالب بقدر حاجته. وكلم أعرابي خالد بن عبد الله في حاجة فلجلج في كلامه. فلما عرف ذلك من نفسه قال: لا تلمني على الاختلاط فان معي ذل الحاجة ومعك عز الغنى عني.

وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. احتج إلى من شئت فأنت أسيره، واستغن عمن شئت فأنت نظيره، وافضل على من شئت فأنت أميره. وقال رجل لخالد بن عبد الله: أكلمك بهيبة الأمل أم بجرأة اليأس؟ قال: بل انبسط فتكلم فلك ما أملت. قال النبي صلى الله عليه: المسألة من وجه غني كدوحٍ أو خموش في وجه صاحبها. قال: أتى رجل محمد بن مطرف بن عبد الله بن الشيخير فقال له: يا ابن أخي اكتب حاجتك في كتاب فإني أضن بوجهك عن ذل المسألة. وكان خالد بن عبد الله يقول: ارفعوا إلي حوائجكم في رقاع فاني أكره أن أرى ذل السؤال في وجوهكم. وكان يتمثل بهذه الأبيات:


لا تحسبن الموت موت البلى .... فانما الموت سؤال الرجال


كلاهما موت ولكن ذا .... أشد من ذاك لذل السؤال


يتبع
.
.



هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)