الموضوع: الحلم الضائع
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
8

المشاهدات
6361
 
عبدالسلام حمزة
كاتب وأديب

اوسمتي


عبدالسلام حمزة is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
2,945

+التقييم
0.57

تاريخ التسجيل
Mar 2010

الاقامة

رقم العضوية
8997
08-14-2010, 08:09 PM
المشاركة 1
08-14-2010, 08:09 PM
المشاركة 1
افتراضي الحلم الضائع
الحلم الضائع

إهداء إلى .....


عرفها في سنته الدراسية الأولى , سنة التغرب عن الأهل والحاجة إلى حنان صديق ٍ أو

صديقة تربط بينهما علاقة نديّة نقيّة كبياض الثلج , كانت بيضاء رقيقة السلوك والبشرة تمتاز

بعينين سوادوين فيهما عمق المرأة وبراءة الأطفال , وجد فيها الصديقة الصافية , قربت بينهم

الدراسة والحاجة إلى صديق ليحملا معا ًأعباء الغربة .

وأحسّت هي بحماية إنسان لمست فيه شهامة الرجال والغيرة على نسائه .

فبعد لقائهم الأول أحست بأنه يخاف عليها كأهله ومحارمه , كانت معه تتصرف على سجيتها

كطفلة ٍ, تشكي له , تفتح قلبها , تكلمه بما لا تستطيع أن تكلم أحدا ً غيره , يسمعها

يساعدها , يوجهها , تحس بنبرات خوفه عليها , تنتشي بهذا الإخلاص وترى في عينيه

صدقه , ونبل أخلاقه , وبراءة مقصده , وتمّر الأيام , ويكبران معا ً , وتكبر الأحاسيس ؟

يتشوق إلى لقائها وهي تقابله بشوق أكبر , كان تفكيرهما السامي وأخلاقهما العالية وتربيتهما

النبيلة كلها تزيد في الاقتراب مع الحفاظ على الحدود .

يلجأ أليها حين يغضب , و حين يحزن , وحين يحتاج إلى من يسمعه ؟

كانا يتخاطبان عن بعد دون رسائل أو هاتف ! لكنه سر ٌّ بين قلبين أبيضين نقيين , يحسُّ بها

عندما تحتاجه ,ويلبي نداءها الخفي وهي توقن بأنه سيلبيها مجرد أن تطلبه في قلبها , فهي

تؤمن بأنه يحسّ بها عندما تحتاجه !

وتفرح - فرح الشجر بقدوم المطر - عندما تراه - من نافذتها - مقبلا ً , يسأل الحارس

عنها , وبدوره يطلبها .

تقول له بأنها تحس بخطواته عندما يخرج قاصدا ً مسكنها فتتجهز منتظرة وصوله !

لأنها تعلم بأنه لا يحب الانتظار وخاصة بين كل تلك الصبايا في المدينة الجامعية , تنزل وهي

تكاد أن تطير من فرحها ,تلتقي العينان وتصبح الوجوه مرآ ة لفرح الإبتسامات , ابتسامات

تنبع من قلب يلهف برؤية الوليف الذي اعتاد عليه , تكاد أن تحتضنه ويكاد أن يأخذها بين

ذارعيه .

يمشون , يسرحون , يتناولون قهوة سريعة , يتناقشون يتنبؤن بالمستقبل , ويكبران معا ً

ودنت سنة التخرج ,ودنا الفراق , كانا يلتقيان والقلق يهمين عليهما , ثم ماذا ؟ .. ماذا بعد

كل هذا ؟

ما الذي تخبئه الأيام لهما , مرّت عليهما لقاءات طويلة دون كلام , كان الصمت وكانت

العيون تخفي رقراق الدمع !

تجرأ يوما ً ! سألها من فرط إحساسه بها وإشفاقا ً على مشاعرها ؟ ماالذي تأملين مني ؟

أجابته برقتها ولطافتها الآسرة , وبريق عينيها السوداوين والتي حاولت جاهدة أن تكبح

فيض الدمع فيهما ! وتنهدت بعمق وقالت : لاشيء !

فأنا منذ السنة الأولى سمعتك تصارحني بأني لست فتاة أحلامك ؟

ومنذ ذلك اليوم وأنا لم أطمح يوما ً أكثر مما يجمعني بك الآن !

طأطأ رأسه خجلا ً ! عاتب قلبه على قساوته , وفي نفس الوقت غمرت نفسه راحة خفية لأنه

لم يغشّها يوما ً , هكذا برّر لنفسه ؟

خمس سنوات مضين على هذا الكلام , هو لم يعد يذكر الموقف ؟ ولم يذكر ما قاله يوم ذاك ؟

أمّا هي فلم تنس َ !

أطرق رأسه , سرح طويلا ً وساد الصمت , واحتارت الكلمات ؟

قال لها بصوت - يكاد أن يُسمع - : نعود للبيت ؟

قالت وصوتها كأنه قادم من نفق بعيد : كما تشاء . مشيا بخطوات ثقيلة وأفكار شاردة ,

وكان الصمت رفيقهما .

الفراق يحاصرهم , حبها وإخلاصه والصدق الذي جمع بينهما , كل تلك المشاعر لم تستطع

أن تهدم ذلك الجدار الذي زرعه بكلامه منذ السنة الأولى ؟ !

أوصلها إلى غرفتها , مشيت بتثاقل ٍ وجمود كأنها تساق إلى الموت لأنها أيقنت بأنها

خسرته , لوّحت بيديها وهي تودعه ,وفي عيونها رجاء لم يستطع أن يشفع عنده بالرجوع !

فهي تعرفه بأنه يعني ما قاله منذ خمس سنوات .

صعدت أدراج مسكنها , وبقي هو متسمّرا ً في مكانه , لم تعد قداماه تطاوعه بالمسير ,

أحس بغمامة كبيرة من الحيرة غطّت تفكيره ؟

نظر إليه حارس الوحدة , وكأنه قرأ ما يدور في خلده فقال له , لا تتركها إنها تحبك !

فزاد ألمه وأحس بوجع الضمير !

واختلطت عليه المشاعر بين إحساس ٍ بالذنب , والدفاع عن قراره الواهم ,ولكنه في النهاية

برّء نفسه - من حبها - بأنه لم يغشّها !

فهورغم ( كل سلوك الحب ) ؟ لم يقل لها يوما ً بأنه يحبها , ومشى مبتعدا ً عنها محاولا ً

إسكات صوت ضميره مدافعا ًعن نفسه بأنه ما وعدها يوما ً بالزواج ! مشى وهو يظن بأنه

بريء من كسر قلبها ؟ ؟ ! وبأن الزمن سيتكفل بدواء الجروح .

ربّما لم يجرؤ أن يسمي الأمور بأسمائها ؟ ربما هي ظروفه ؟ وربما يمنّي نفسه بأنه سيلقى

من يحبها لتكون زوجته في مستقبل أيامه !

زفر َ , زفرة ً قوية أعلن لنفسه انتهاء المحكمة لصالحه وبأنه بريء من جراحاتها وعمق

آلامها .

ومضى ... ومضت , وانتهت الدراسة , و باعدت بينهم المسافات , وانقطعت عنه أخبارها .

لكنه أبدا ً يحنُّ أليها ؛يبحث عنها في كل ركن وزاوية , كم يشتاق إليها ! يسأل عنها

الصباحات .. والقمر ؟

يسأل عنها المسافات والدروب ؟ يسأل عنها المقاعد والأشجار التي جلسوا في ظلالها ؟

يسأل عنها طاولة المقهى ويبحث عن جواب في عيون الندلاء ؟

لكنها رحلت , وأخذت معها جزءًا من فؤاده وزرعت في قلبه حنينا ً إلى حبها ورائحة شعرها

وسواد عينيها , ونبرات صوتها , ودلالها الطفولي عندما كانت تغضب منه !

وفرح عينيها عندما كانت تراه .

آه كم استوفى الشوق منه ؟ كم ثأر لها ؟ وكم سقاه المرّ من جناية يده ؟ كم أحسّ بالندم

عليها !لأنه أيقن بأنها لن تتكرر في زمانه ! !

ورغم كل المسافات يسأل الصحارى , والأودية , والريح , ورذاذ المطر عن خصلات

شعرها , وبريق عينيها تحت ظلال القمر .

ثم أيقن بأنه لن يرى ذلك الملاك مرة ثانية , ربما في حياته ؟

عبدالسلام حمزة