الموضوع: حلم الأمس
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
11

المشاهدات
8833
 
خولة الراشد
كاتبة وأديبـة سعـوديـة

خولة الراشد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
32

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Jul 2012

الاقامة

رقم العضوية
11346
09-17-2012, 08:09 AM
المشاركة 1
09-17-2012, 08:09 AM
المشاركة 1
افتراضي حلم الأمس
حـلْمُ الأَمــس
قصة
ـــــــــــــــــــــــ


ليلة السبت التاسع عشر من مايو ، اسْتَيقظتُ من نومي من بعد سُباتٍ عميق ، لم تَكن الرؤيا واضحة لم أستطعْ أن أتَكَهّنْ مكاني ،ما أعْلَمُه فقط أني فتحتُ عينيْ على ظلامٍ دامِسْ ، ساعات اختلطتْ فيها رؤى أحلامي ، لم يكن ثِمة علامة أستدلُّ بها على الوقت ، جلستُ في الفراش بلا تَرَدّدْ لأتغلّب على إغراءِ النوْم ، هكذا هي عادتي ، وبحركة تلقائية تَمَغّطّت ورفعت بيديْ إلى الخلف كيْ أنْفض عني التكاسُل ، طَقْطَقْتُ أطراف أناملي الناعمة ..وصارَ فَكِّي يُطَقْطِق بطريقة غير مُنتظمة ، ثم وضعتُ أصابعي على فمي وأنا أسْمع نغماتٌ مُتقطّعة وتَأَوّهاتْ تخرج من نَبرات صوتي .. وكأني قد عُدتُ من رحلةٍ طويلة ..!
جلستُ في الفراش كعادتي دون تردّدْ ، وتربّعتُ لأتغلّب على إغراء النوْم الدّافئ انْزَلَقْت من تحت الغطاء ثم عدتُ إليه وكأني حائرة في أمري..!
أخذتُ أتَفقّدْ الظلام وأنظرُ إلى الخلف وكأني أبحثُ عن نفسي ..وأستعيد ذاكرتي، نزلتُ ثانية من سريري ،وأخذتُ أتَلَمَّسْ الطريق إلى أن اصْطَدَمتُ بجدار حُجْرتي بَسْمَلْت ،ثم ضَغَطتُ على أزْرار الإنارة ..المُثبّتة على الحائط، وأخذتني خُطايْ للحمّامْ ، ثم فتحتُ صُنْبورُ الماء وبدأَ خَريرُ الماء يتكاثَف و أصواتاً تخرجُ منه كما النايْ، اغتسلت و خرجت وأنا أحمل فوطة وجهي ، فتحتُ الباب بكل ما تبقّى لي من قوّة وانْخَرَطْتُ في المشي دون أي تفكير مني ،إيقاع مُتنافرْ؛ فيه زَعيق مُتفاوتْ بين الشوارع ..و الأرْصفة ، وكلماتٌ لم تخطر على بالي ، عندما فتحت النافذة المُطِلَّة من صالة الجلوس ،نظرت للسماء والأرض و تأملت معالم المدينة التي أسْكنها؛ أُناس ؛ يمشون، ..و يتزاحمون، أما البنايات الشاهِقة... تَفوقُ حَدّ البَصرِ ، يعكُسها زجاج حاجِب للرؤية ،أي مدينة هذه التي من حولي !
ما زلت في حيرتي أبحثُ عن نفسي في ذاتي عن وجودي ، إني أسمع نبضات قلبه وقلبي..
لا أعلم إلى أين ستقودني تلكَ الأحداث والأحلام الغريبة !
ولا كيف صرتُ على ذاك الحال ؟
و كأني قد نمتُ نومة "أهل الكهف" !
لا أعلم كيف سأخرج من هذا التيه وأعود لطبيعتي ! ..
بدأت تختلط بي الشكوك ،على أنّ هذا الدار ليس بِداري !
أخذتُ أتأمل ..الفَرْشْ ..والجدران ..واللوحات المعلقة على الحائط ..وأنا أتذكّر أغراضي الخاصة بي ،هَرِعْتُ أبحث عن.. مُتصفّحي.. وكُتبي ..وأوْراقي ..ودَوائي ..ودِبْلتي ..وسِلْسالي الذَهبي ، الذي أهداني إياه (سعيد ) !
يومها ألْبَسني ذاكَ الخاتم الجميل... وقال لي:
لا تَنْزَعيه يا حبيبتي أبداً..إنه أنا..سَأَتَوَحّد معكِ في كلّ الأمْكِنة...
أذكره قبل أن يتغرّب
أذكر يومها كان كل شيء يولد في القلب ، ولم تتبعثر الأحلام بعد..ولم تتمزّق الصور إلى أشلاء.....يومها كان معي..وكان الحب لنا..
أذكر عندما رقصت معه والمطر يدفئ وجهينا..يومها ألقيت بجسدي الصغير في حضنه واستعذبتُ اللحظة..كانت يده تطوّقني تدخلني في عالم ملوّن..تملؤني حباً وعينايْ تتعلّقان به و أصابِعه تَتَخَلّل شعري الطويل.
آه ..لو يدعني أشتم عطره مرة أخرى..ليتني أراه في هذه اللحظة
لو فقط يأخذني من جديد في صدره ، ويراقصني على ذاك النغم المحلّق
أه ..لو لم يغترب ..آه لو أستدلّ على عنوانه لأرقص معه (رقصة العمر) أين هو ..؟

*******************


تناولت جهاز التحكّم ، وعن بُعد تركتُ لإصْبعي كامل حريّة التنقّل بين القنوات الفضائيّة، وازداد ضَغْطي على الأزْرار عُنْفاً وحِدّة عندما وقعت عيْنيْ على القناة الإخباريّة والمذيع يقول :
أعداد من القتلى والجرحى في سوريا ، والإرهاب في اليمن ، وأطفال و قتلى ونساء في فلسطين وجنوب لبنان ...وانفجارات ودخان متصاعدا يحفّ أرجاء المدينة ... أحزان ..ومآسي ..وشهداء ...في بلاد العرب ، وأمريكا وأعوانهم يدّعون أنهم في حالة حُزن ..لا أعلم كيف يتفنّون ... الكذب.. والوعود ...والتمثيل .. والبراءة....
أصابني الذُعْر و الإعْياء توجّهت نحو حديقتي الصغيرة ، جلستُ على كرسي حديدي يَنْبَثق منه أربعة أرجل ، بجوار شجرة تبدو لي أنها ليست من بيئتي ..!
صرتُ أبحث عن نخلتي، تأملت النباتات المحيطة بي كانت رائعة الاخضرار، طيورٌ في قفصها لا تغرّد ! ونافورة تتلون بألوان فسفورية ومياه مموجة ، تخرج من قاعها الأضواء ثم ترتفع لسطح الماء، ورود لا تحصى عندما لمستها كانت بِلاسْتيكيّة ، لكن عندما رفعت رأسي للسماء لمحتُ ضوء القمر وهو يحدّثني ، كنت أحلّق كمسافرة في أجواء أخرى حيث يمكن للحب أن يولد مرة أخرى...
سألت عنه في مَطارِحِ الأمْس.. !
ثِمة إحساس غريب خانِق، كنت كلما تذكرتُ منْظره تمنّيْتُ لو أني أعيشُ عمري معه نبشْتُ في هواجِس الذكريات والماضي المدفون ، وتراءتْ لي ابتسامته ، شعرتُ بالسّخرية التي يخبئها لي القدر يوم أن هاجر ( سعيد ) وتغرّب،
ها هو يمشي متبختراً ببدلتُه الأنيقة السوداء.. وقميصه الأبيض ..وربطة العنق
المخططة باللون الأحمر ، لقد تبدّل حاله ، كان فقيراً قبل سفره لا يجد ما يَقي جسده من الشتاء ، وبعد أن جلس .. ألقيتُ عليه التحيّة من على بُعْد أمتارٍ من القهوة وهو يحتسي الشاي مع صديقه ،ابتسم لي ، عجبا لي لم يتوهج له وجهي ، كنت أتصنع إبتسامتي وكأني ألومه ، تسارعت نبضات قلبي فانتابتني دوافع عاطفية ،هذا الذي وثقتْ به.. وفرّ هاربا إلى بلادٍ لا تعرف غير المال .. والضياع .. هذا شخص لم يكن يؤمن بالوطنيّة ...والغيرة... ولا ببناء مجتمعه . فكره الوجودي هو الذي حمله إلى حيث لا وجودَ للروحِ والضميرِ .
علمت أنه يملك ثروة كبيرةً وينوي بناء مشاريع كثيرة يهدف من ورائها خدمة المواطنين الأجانب ليساهم في بناء مجتمع آخر ...وبناء مسجدا في فرنسا ..وهذا شيئ طيب.. ولكن آه لو يعود لبناء وطنه من جديد إنه يكد ويعرق خارج وطنُه..
أليس وطنه أحقّ به!..

****************************
أين هو الآن سأبحث عنه ...؟
إني ألمحه ثانية من بعيد وهو يحرك ربطة عنقه و يلوح لي
"أرجوك لا ترحلي"

-بكل ندم يناجيني : هيام .. عودي كي أعيش معك هنا ،عودي لنكن كما كنا
- همست له كفاكَ يا (سعيد) اغتراب ..عُد أنت إليّ... عُد لحبك ووطنكّ
خفقان سريع.. أراهُ أمامي وهو ينثرُ الورود على خصلات شعري ،وأنا أحضن مشاعره وأحاسيسه إني أسمع خطواته...
لقد كنّا معاً قبل أسبوع وبالتحديد يوم الجمعة الثاني عشر من يوليو.. !
واليوم أراه يداعبني ويحفني بالدلال
استحضرت ما تبقى مني من قوة
ضاع مني مرة أخرى ..ضممت أصابعي إلى بعضها وقمت بتحريكها نحو فمي وكررت تلك الحركة بسرعة لأخاطب النادل.. ، كيف سأتحدث معه لن يفهم لغتي
تكلّمت مع النادل بلغة الإشارة : أتيت لأبحث عن حبيبي ، وضعت كفي على قلبي ورسمت له في الهواء صورة قلب ، أنفاس تخرج من أعماق أعماقي ..آهات ..وأشواق ، كان النادل ينظر إليّ ليكشف عن الرموز ولغة الإشارة ،ربما خمّن أني من البُكم... تعاطف معي وعندما تيقن أني عربية ،
هزّ رأسه و قال لي : إنّ (سعيداَ) دوما يأتي هنا وهو يحبكِ ويذكركِ باستمرار
فاجأني أنه يتكلم العربية ..سألته كيف تعرفت إلى ملامحي ...صمت
عجبا ليس من علامات تدل على أنه عربي ولم يسبق لي وأن قابلته ،فهو نحيل ، ليس هو بالطويل ولا القصير ، أشقر الشعر، ذو بشرة صفراء ،وشفتيه وردية ، وملامحه دقيقة،
ثم أردف بجواب...وكأنه متأكدا من أن قلبي يعشقه :
لا بد أنك (هيام )،دوما صورتك في جيبه ، لما لا تأتي وتعيشي معه ، إنه لا يستطيع العودة لوطنه
بدأت الألغاز والأسئلة تتصارع في فكري
لم أعلم أن ( سعيد) يعشقني إلى درجة الجنون ، وأني معه في كل الأمكنة
أقبل (سعيد) وهو يهرول : هيام ..هيام ..
ربما أراد أن أبقى معه ،
قال : أنت الجمال أنت موطني وحبيبتي .. لا ترحلي... لا ترحلي ....
كررت عليه بكل رجاء ... لما لا تعود معي للوطن ، لقد أتيتُ من أجلك ، أتيت لتعود معي

****************************
مصطلحات تتردد في أعماقي ....
المجهول، البقاء، الفناء، المصير، الغربة ،الكون...التضحية
لغة كامنة حبيسة في باطني تريد أن تخرج. كيف أبرر لنفسي السؤال هل هذه الطلسمات الآتية من كوكب آخر ؟
أم هي من أطلس وموطن الذكريات الأولى ؟
سأنتظرك يا حبيبي مهما طال العمر .

***********************

تحيتي وتقديري للجميع ..أتمنى أن تعجبكم

خولة الراشد