عرض مشاركة واحدة
قديم 08-31-2010, 11:10 PM
المشاركة 10
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الفصل الثانى

شرح تلبيسه على الشيعة ,


تعرض بن الجوزى رحمه الله فى كتابه تلبيس إبليس لفرق الشيعة بشكل مختصر نوعا , حيث تناولهم بشكل عام فى بيان التلبيس على الرافضة ـ وهى أشهر فرق الشيعة الرئيسية ـ كما شرح فصلا آخر بعنوان التلبيس على المجوس
ونرى أن كلا الفصلين يعالج نفس المسألة لارتباط المسألة الشيعية بالمجوس كما سنوضح ,

تمهيد تاريخى :
من أعظم الأخطاء التى يقع فيها المثقفون بل وبعض الباحثين المتخصصين أنهم يعالجون مسألة فرق الشيعة المختلفة دون أن يفصلوا بين التشيع الإسلامى العربي المعدود ضمن المناهج الإسلامية السياسية لا العقدية ,
وبين الشيعة كفرقة رئيسية تفرعت إلى نيف وسبعين فرقة فيما بعد منها الفرق التى كفرت جهرة بالله كالإسماعيلية والنصيرية ومنها من وقف على الكفر ومنها من بلغ حد الفسق كالرافضة والمتفرع منها
والتفرقة فى هذا الأمر ضرورية للغاية لأن التشابه بين التشيع كمنهج سياسي والتشيع كفرقة ما هو إلا تشابه فى الإسم فقط لا علاقة له بالواقع العملى ,

فالتشيع كحركة سياسية لا علاقة له بمفهوم التشيع كفرقة ولم يخرج التشيع السياسي عن كونه مناصرة سياسية للإمام علىّ رضي الله عنه فى الخلاف والفتنة التى قامت بعد استشهاد ذى النورين رضي الله عنه حيث انقسم المسلمون فى عهده إلى ثلاثة اتجاهات سياسية لا شأن لها بالإنتماء العقائدى الذى ظل هو الإسلام بنفس مفهوم الصحابة لا تغيير
فالإتجاه الأول اتخذ جانب الإمام علىّ ورأى أنه على جانب الصواب فى خلافه مع معاوية رضي الله عنه وهذا الاتجاه هو اتجاه أهل السنة الذى لم يخالف فيه أحد أن معاوية كان مخطئا فى خلافه والحق كان لجانب الإمام علىّ
والاتجاه الثانى هو الاتجاه الذى اتخذ جانب معاوية باعتباره ولى الدم فى مسألة قتل عثمان رضي الله عنه ورأوه على حق فى مطالبته بالقصاص كشرط لبيعة الإمام على , وهو اتجاه ضعيف لم يناصره كثير من الصحابة
والاتجاه الثالث كان الاتجاه الذى اعتزل الصراع كله ورفض الخوض فيه تنفيذا لوصية النبي عليه الصلاة والسلام فى حال الفتنة بأن يتجنبها المسلم تماما إذا لم يتبين له الحق إلى أى جانب بوضوح

من هنا نخرج إلى نتيجة وهى أن التشيع كان مفهوما ونشاطا سياسيا فى خلاف وصراع وقع بين الإمام على وبين معاوية ولا علاقة لهذا الصراع بالعقائد حيث ظل الجميع تحت راية واحدة فى الدين وهى راية الإسلام الأول بلا تغيير

أما التشيع كفرقة من الفرق التى اختلفت مع السنة فى الأصول واخترعت لها فى الدين عقائد غير موجودة كوجودة الإمامة النصية وأن الإمام علىّ وأبناؤه أوصياء منصوص على خلاتفهم بالنص من القرآن والسنة إلى غير ذلك من الاعتقادات فهذه ليست لها علاقة بالتشيع العربي الذى كان قائما فى زمان الإمام علىّ نفسه وفى زمان الأئمة من أبنائه حيث كانوا جميعا من أهل السنة ولم يعرفوا شيئا مما ادعته الفرق الباطنية التى ظهرت فى العراق بعد وقوع الفتنة

ويلزم لنا معرفة أصل التشيع العربي أولا قبل العروج على التشيع العقدى
والأمر باختصار ومن خلال أوثق المصادر التاريخية المحققة التى عالجت تلك الفترة واستخرجت الروايات الصحيحة وحدها ونبذت الروايات الباطلة , حيث أن كتب التاريخ الأولى كتاريخ الطبري عبارة عن كتب مرجعية حوت جميع الروايات بلا تحقيق ,
والجريمة الكبري التى تمت بحق التاريخ الإسلامى أن بعض المؤرخين والمثقفين المعاصرين أخذوا عن تاريخ الطبري واعتبروا مجرد ورود الروايات فيه معناها أن الطبري يعتقد صحتها وهذا غير صحيح حيث نص الطبري فى مقدمة تاريخه على أنه جمع كل الروايات التى أتت إليه وبين إسنادها ومصادرها وترك للمحققين من بعده النظر فى صحتها وتلخيصها
وهذه جريمة تتابعت على مر الزمن لأن التاريخ مثله مثل الحديث النبوى خضع للتحقيق والتصحيح والتضعيف عن طريق تفنيد ونقد المصادر الأولى
ولو أخذنا تاريخ الطبري مثالا وهو المرجع الأم الأكبر فى مجاله فإن مرويات الكذابين من الشيعة الإخباريين أحصاها الدكتور خالد كبير علال فزادت عن ثلاثة آلاف رواية باطلة سندا ومتنا وأصحابها أربعة فقط من رواة الشيعة المطعون فيهم
والمشكلة الكبري أن تلك الروايات تعالج الفترة الأكثر حساسية فى التاريخ الإسلامى وهى الفترة من وفاة النبي عليه الصلاة والسلام إلى استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه " 1"
وانتشرت تلك الروايات المغلوطة بين العامة وبين أقلام المثقفين المعاصرين باعتبارها من المسلمات التاريخية رغم أن العلماء قديما وحديثا بينوا مدى بطلانها
وما حدث فى الفتنة يمكن تلخيصه فى الآتى
أولا : أجمع المسلمون بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام على تولية أبي بكر الصديق رضي الله عنه لسابقته وفضله وولايته أمر الصلاة فى حياة النبي عليه السلام عند مرضه حيث أصر النبي عليه السلام على أن يتولى أبا بكر الصلاة وقال فى ذلك حديثا شهيرا ورد بعدة طرق منها كما فى البخارى ( يأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر )
وقد روى البخارى حادثة السقيفة التى نجمت عنها مبايعة الصديق بالرواية الصحيحة حيث تم الاتفاق على البيعة بلا منغصات وقبلها جميع الصحابة فيما بعد بالشورى حيث أن النبي عليه الصلاة والسلام ترك الأمر فى الحكم والخلافة شورى بين المسلمين وانتهى بذلك عصر النبوة والعصمة
وعليه فالروايات المزيفة التى تروى عن رواة الشيعة كأبي مخنف لوط بن يحيي الأزدى أن هناك خلافا وصراعا دب على السلطة كلها عبارة عن ترهات دسها هؤلاء الإخباريون ولم تثبت قطعا بأى سند صحيح , وقد لجأ المؤرخون لرواية الطبري ونقلها بعضهم وهى رواية منقولة عن الشيعي أبي مخنف الذى أجمع المحدثون على أنه من أهل الكذب "2"
والرواية الصحيحة الواردة فى البخارى تغنى كل طالب حق عما سواها

ثانيا : قبيل وفاة أبي بكر رضي الله عنه أوصي بعد استشارة أصحابه على تولية عمر بن الخطاب رضي الله عنه خليفة للمسلمين فناقشه فى ذلك بعض الصحابة لما يعرفون من شدة عمر فى الحق فأقنعهم أبو بكر بأنه يترك عليهم خير خلق الله فى زمانه كما هو فى رواية بن سعد فى الطبقات الكبري " 3"
وخرج كتاب البيعة لعمر مع عثمان بن عفان رضي الله عنه وقرأه على الناس وهم جميعا حاضرون فقبلوه وتولى الفاروق أمر الأمة فكانت أزهى عصور الخلافة " 4"
حيث سقطت فى عهده دولتى فارس والروم معا وكانت الجيوش الإسلامية تحارب على الجبهتين معا , فسقطت فارس فى يد كبار مجاهدى الجبهة مثل المثنى بن حارثة وخالد بن الوليد قبل انتقاله لجبهة الشام وأيضا سعد بن أبي وقاص قائد جبهة الفرس فى موقعة القادسية ونهاوند

وسقطت الروم وافتتح بيت المقدس على يد مجموع الجيوش الإسلامية فى الشام بقيادة خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وعمرو بن العاص وزياد بن أبي سفيان ومعاوية شقيقه
أما فى العدل فحدث ولا حرج حيث لا زالت سيرة عمر بن الخطاب تمس الأفق فى عدله وورعه , بل تجاوزت سمعته فى العدل والانصاف حدود دولة الإسلام إلى الغرب حيث أنصفه الأوربيون فوضعوه ضمن أعظم مائة شخصية فى الإسلام" 5 "
وفى التنظيم الإدارى قدم للخلافة الدوايين وأنشأ عدة أنظمة إدارية للعطاء والخراج فحقق فيه قول النبي عليه الصلاة والسلام فى الحديث الصحيح ( لم أر عبقريا يفري فريه )

ثالثا : بعد اغتيال عمر بن الخطاب واستشهاده رضي الله عنه بيد أبي لؤلؤة المجوسي الفارسي لعنه الله , أوصي قبيل موته بأن يكون الأمر شورى فى الستة الباقين من العشرة المبشرين بالجنة , يتداولوا الأمر ويرتضون الخليفة الثالث فيما بينهم
ومن فرط عدله رضي الله أبي أن يدخل فى الشورى صهره سعيد بن زيد رغم أنه من العشرة وذلك تلافيا للمجاملة التى قد تكون نظرا للقرابة بينه وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما
وكان أصحاب الشورى ستة هم عثمان وعلى وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف , وفى أول اجتماع تنازل عبد الرحمن بن عوف وفضل أن يكون حياديا دون تزكية أحد , فارتضي به الخمسة حكما بينهم
وتنازل طلحة والزبير وسعد لصالح الصحابيين الجليلين عثمان وعلىّ وبقي الخيار بينهما , فقام عبد الرحمن بن عوف بأوسع استفتاء شهدته الخلافة التى ما رأت من قبل انتخاب خليفة على مستوى القاعدة الشعبية بأكملها قبل ذلك , لأن الخلافة كانت تتم بالتشاور بين أهل الحل والعقد فى المدينة ثم تطرح هذه الزمرة الفاضلة ــ التى كانت تشكل مجلسا أشبه بالمجلس التشريعي ـ اسم الخليفة وتعلنه بين العامة فى المدينة وباقي الأمصار فيتولى الخلافة
أما فى أمر أصحاب الشورى فقد جاب عبد الرحمن بن عوف بيوت أهل المدينة جميعا لثلاثة أيام يستفتى الناس ويري اختيارهم فاختاروا عثمان بن عفان رضي الله عنه إجماعا , فكانت بيعته البيعة الأولى من نوعها فى شعبيتها وذلك لأنه ما من أحد اختلف على تقديمه لسابق فضله

وبايع الإمام علىّ مع المبايعين ولا إشكال وعمل كعادته وزيرا مع الخليفة الراشد عثمان كما كان من قبل وزيرا لأبي بكر وعمر وأصبح من المتعارف عليه بين الصحابة والمجتمع الإسلامى أن العشرة المبشرين هم أسياد الصحابة وأفضلهم الأربعة الأوائل بالترتيب ثم يتساوى الستة الباقون ثم يتبعهم فى الفضل أصحاب بدر ثم أصحاب أحد ثم بقية المشاهد ثم يتساوى الميزان مع سائر الصحابة , وفى هذا المعنى قال عبد الله بن مسعود فى رواية السيوطى بتاريخ الخلفاء
( كنا نفضل الناس بأبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علىّ ثم سائر العشرة ثم أهل المشاهد ثم نترك الناس لا نفاضل بينهم )
وكانت سنوات خلافة عثمان امتدادا للعظمة الراشدة التى أقرها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فاستمرت الفتوحات شرقا وغربا واتسعت إلى مدى هائل شمل سائر إفريقية وبلغ خراسان
وتوسعت المعيشة وازداد الرغد بسبب تدفق الغنائم , ومضت السنوات على عهد النبي عليه الصلاة والسلام واتسعت دائرة المسلمين فشملت أقواما من العجم فيهم ما فيهم سواء من النفاق أو الصلاح
وافتعل عبد الله بن سبأ وبعض أقرانه من الفرس فتنة عمياء فى مصر والعراق تهتف ضد الخليفة الراشد وتدعو للثورة عليه وخلعه فى مفاهيم كانت جديدة على العالم الإسلامى الذى كان لا يزال يعيش مشكاة النبوة ,

ومارس رواة الشيعة دورهم المعتاد فألفوا عشرات الروايات عن مطاعن تمس عثمان رضي الله عنه وتروى الفتنة بوجهة نظر لم تكن واقعا ملموسا وأثبت المحدثون وعلماء الأخبار كذبها جميعا "6"
ولم تكن الثورة على عثمان ثورة كما صورها هؤلاء المؤرخون بل كانت شغبا قادته شراذم تعد بالعشرات وتتبعها طبقات من الجهلاء والعوام اجتمعوا فى المدينة المنورة وتجمعوا حول دار الخليفة مطالبين بعزله
هنا ثار الصحابة إلى السلاح لتطهير المدينة من تلك العصابات والدفاع عن الخليفة لا سيما وأن شيئا مما عابه الثوار على عثمان لم يكن أثر واقع , ثم تطورت الأمور بعد رحيلهم واستجابتهم لتهديد الصحابة ليعودوا مرة أخرى إلى المدينة زاعمين أن عثمان أرسل لعامله على مصر عبد الله بن سعد بأن يقتل هؤلاء الثوار وأبرزوا كتابا مفترى على عثمان لا أصل له
واتضحت أبعاد المؤامرة عندما سألهم الإمام على بن أبي طالب كيف اجتمعتم مرة أخرى وقد ذهب أهل العراق باتجاه العراق وذهب أهل مصر باتجاه مصر , كيف عرف أهل العراق بحكاية الكتاب حتى يعودوا فى نفس التوقيت مع أهل مصر ؟!

وكان واضحا للجميع أن الأمر مدبرا بليل فلبس الإمام علىّ سلاحه وطلب من عثمان أن يمنحه الإذن بالقتال فأبي عثمان بإصرار شديد تورعا من تبعات الدماء وراجعه جميع الصحابة فأصر على الرفض
ثم طلب عثمان من أولاد الصحابة الذين يبيتون حوله يحرسونه أن يخرجوا إلى منازلهم وأقسم عليهم بطاعته , فاستغل الثوار الفرصة ووثبت شرذمة منهم إلى دار الخليفة فقتلوه وهو يقرأ فى المصحف
وكانت حادثة الاغتيال غير متصورة فى عقول سائر أهل المدينة لكونهم لم يفكروا فى أن الأمر سيصل بهؤلاء إلى مثل تلك الجريمة لكن ما لم يحسبه الصحابة أن قادة الفتنة كانوا قد انتظموا وصارت لهم أتباع بالآلاف وكلهم من الغوغاء
واهتزت المدينة للحادث الجلل وكاد زمام الأمور يفلت لولا أن استجاب الإمام علىّ للبيعة فخرج للمسجد وبايعه الناس وأولهم الصحابة .,

رابعا : تولى الإمام علىّ فى ظل ظروف الفتنة القائمة وكان أهم ما يشغله أن يطهر المدينة من الشراذم التى شاركت فى القتل ثم يبدأ فى البحث والتحقيق عن قتلته للقصاص , لا سيما أن الفاعلين كانوا مجهولين بأعيانهم وكل ما عرفه الإمام علىّ أنهم شراذم من البصرة والكوفة ولكن الرأس المدبر لم يكن واضحا
وأرسل الإمام علىّ بولاته للأمصار طامعا أن تستتب الأمور أولا قبل الشروع فى تحقيق القصاص
ولكن طلحة والزبير طالباه بسرعة القصاص خوفا من أن يتكرر انفلات الأمور ويفلت الجناة بفعلهم أو يحتموا بقبائلهم كما حدث فعلا بعد ذلك .
فرفض الإمام علىّ التعجل لا سيما وأنه كان يفتقد القوة العسكرية اللازمة لتطهير المدينة , فاستأذن طلحة والزبير رضي الله عنهما للخروج إلى مكة وخرجا فعلا وهما ينويان تشكيل جيش يأخذون به القصاص من الذين فروا بفعلتهم إلى الكوفة والبصرة وهناك التقوا مع أم المؤمنين عائشة التى وافقتهم الرأى على ضرورة الأخذ بثأر الخليفة الشهيد بعد أن تزلزل كيانهم من الفعل الشنيع , وبعد أن زج المنافقون بأسماء الصحابة فى مؤامرة تشويه الخليفة الراشد فزوروا خطابات بأسماء على وطلحة والزبير وعائشة تدعو الناس إلى قتال عثمان , وهذا مما زاد من غضب الصحابة رضي الله عنهم
وخرج جيش طلحة والزبير والسيدة عائشة إلى العراق بهدف إدراك حق عثمان من الذين فروا ولم ينتبهوا إلى أن رءوس الفتنة لا زالوا مندسين بالمدينة وفى قلب الجيش الذى شرع الإمام علىّ فى تشكيله
ووردت أنباء جيش طلحة والزبير للإمام علىّ فشد الرحال إلى العراق ليري الأمر وأدركهم هناك بعد أن خاضوا جولة أو جولتين وتفهم الطرفان الموقف واتفقا على اتحاد الجيشين والعمل تحت قيادة واحدة
وكما يقول بن كثير ( بات المؤمنون بخير ليلة وبات المنافقون بشر ليلة )
فعندما بلغت أنباء التفاهم بين الطرفين آذان عبد الله بن سبأ وزمرته أدركوا على الفور أن هذا التصالح سيمنح الفرصة للإمام علىّ فى كشف الأمر واستخراج القتلة من جيشه بسهولة بعد استقرار الأمور
فما ضيعوا وقتا , وعملت كتيبة منهم على اقتحام جيش طلحة والزبير ليلا وهم نيام وأعملوا فيهم طعنا وقتلا ونادوا بأن جيش علىّ غدر بهم وفى جيش الإمام علىّ فى نفس التوقيت فعلت كتيبة أخرى المثل واشتعلت المعركة على حين غرة
وعبثا حاول علىّ وطلحة والزبير تدارك الأمور فلم يفلحوا حتى انتهت المعركة بسقوط عشرات القتلى بين الفريقين وسيطر الإمام علىّ على الأمور بصعوبة وقام بتأمين أم المؤمنين عائشة وردها سالمة إلى المدينة المنورة ثم التفت إلى جيشه واتخذ الكوفة عاصمة له فى أكبر خطأ ارتكبه الإمام وندم عليه فيما بعد

لم يكن جيشه يحوى من الصحابة الكثير بل كانت الغالبية العظمى منه من أهل الكوفة وفيهم من شارك بنفسه فى قتل عثمان رضي الله عنه وهؤلاء مثلوا صداعا فى رأس الإمام علىّ لكونهم أهل نفاق فضلا على أن رءوس الفتنة بينهم تقوم بواجبها على أكمل وجه فعاش الإمام علىّ بينهم أسوأ سنوات عمره
وقد تشوهت وقائع معركة الجمل وحملت اتهامات عديدة لأم المؤمنين وطلحة والزبير ولها من روايات الشيعة الباطلة
وثبتت أقوال الإمام على بحق الكوفة وأهلها وسبه لهم لعصيانهم له وخذلانهم لأمره وهم يزعمون أنهم شيعته وأحبابه

فى تلك الفترة بالذات بدأت جذور فكرة التشيع الفارسي العقدى حيث أعلن بن سبأ أن الإمام علىّ كانت له الخلافة حصرا بعد النبي عليه الصلاة والسلام وأنه وصيه كما كان يوشع بن نون وصي موسي عليه السلام
كما كان بن سبأ أول من أظهر السب والطعن بحق أبي بكر وعمر ونشره بين أهل الكوفة فبلغ هذا الكلام مسامع الإمام علىّ فصعد المنبر وهو يقبض على لحيته ودموعه تسيل على خديه وتبللها وقال خطبته الشهيرة التى بدايتها
( ما بال أقوام تتناول حبيبا رسول الله عليه وسلم وصاحباه ورجلى الإسلام .......... )
كما ثبت عنه من ثمانين وجها أنه قال على المنبر ( من يفضلنى على الشيخين جلدته حد المفترى )"7"

وهم بقتل عبد الله بن سبأ لولا أن أقنعه بعض أصحابه أنه من قال ذلك عن طيش فتركه , فذهب هذا الملعون ينشر أول أقوال عقيدة التشيع وهى عقيدة الإمامة والوصاية بالوراثة على الدين وأن الأئمة محددين نصا وأنهم معصومون إلى غير ذلك من الأفكار التى وجدت فى البيئة الفارسية مرتعا كبيرا
ثم دخل الإمام علىّ فى أمر معاوية رضي الله عنهما , وهى المسألة التى حظيت بأكبر قدر من التشويه على مدى التاريخ الإسلامى حيث حفلت بالأكاذيب التى حققها المحدثون وبينوها
وأصل الخلاف بينهم لم يكن على الخلافة من قريب أو بعيد ولم يجرؤ معاوية طيلة حياة الإمام علىّ أن يطلب لنفسه الخلافة بل وضع شرط القصاص أمام قبوله بيعة الإمام علىّ
ورفض الإمام على هذا الشرط وأصر على أن يبايعه أولا ثم يطلب القصاص باعتباره ولى دم عثمان , وكانت وجهة نظر واجتهاد الإمام على هى الصواب وكان معاوية أيضا مجتهدا فيما ذهب إليه وإن لم يكن الحق معه كما كان مع علىّ
والقتال بينهما احتوته الآية الكريمة
[وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ] {الحجرات:9}
فليس معنى وقوع القتال بين جبهتين أن أحدهما فاسق أو كافر بل جعل اله الوصف للفرقتين هو وصف المؤمنين والبغي المذكور فى الآية لا يعنى التكفير من قريب أو بعيد
يدل على ذلك أيضا ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام عن الإمام الحسن الذى صالح معاوية فيما بعد فبشر النبي عليه السلام بذلك وقال ( إن ابنى هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين )
وقال النبي عليه الصلاة والسلام عن الفئتين أيضا
( تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق )

والفرقة المارقة المقصودة هى الخوارج الذين خرجوا على الإمام علىّ فى حرب صفين فقاتلهم علىّ فى معركة النهراون وهزمهم والنبي عليه الصلاة قال أن الذى يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق
معنى هذا أن كلا الطائفتين على ومعاوية كان يجتهدان لبلوغ الحق لا الحكم والدنيا وأن اجتهادهما مأجور والأقرب للصواب هو جانب الإمام علىّ
فأول التزوير والتلفيق كان فى اتهام معاوية أنه سعي للحكم وهو ما يثبت من أى وجه وفى أى رواية أنه سمى نفسه أميرا فى مواجهة على بن أبي طالب بل ثبت العكس وهو إقراره بفضله ولكنه طلب دماء عثمان أولا
وثانى أوجه التزوير تمثل فى أن رواة الشيعة أوضحوا أن الطرفين كانا يلعنان بعضهما وهو كذب وزور مفضوح حيث رفض الإمام علىّ سب الخوارج أنفسهم رغم ظهور فسقهم فكيف بأهل الشام , وكان يراهم متأولين وينهى أصحابه وجيشه عن سبهم وكان يقول ( قولوا اللهم أصلح ذات بيننا وبينهم )
وثالثة الأسافي فى التزوير هى انتشار قصة التحكيم المكذوبة الشهيرة التى تداولتها الألسن وهى من رواية لوط بن يحيي الكذاب المشهور وتحمل طعنا فى معاوية وأبي موسي الأشعري وعمرو بن العاص وما جرى منها فى الواقع شيئا
فقد نادى معاوية فريق علىّ بالاحتكام لكتاب الله فقبل علىّ على الفور ولم يجادل كما صورته كتب الشيعة وأرسل لهم أبا موسي ومعه عبد الله بن عباس وتقابل عن جبهة الشام معهم عمرو بن العاص ولم يستغرق النقاش طويلا حتى اتفق الطرفان عمرو وأبو موسي على أن يكون أمر قتلة عثمان ـ لا أمر الخلافة ـ فى يد جبهة مستقلة من الصحابة الذين لم يشاركوا فى القتال
وهذه هى الرواية الصحيحة التى رواها الدارقطنى ونقلها عنه القاضي أبو بكر بن العربي فى كتابه الرائع ( العواصم من القواصم ) وبين مدى الافتراء فى الرواية الباطلة للتحكيم والتى قالوا فيها أن عمرو خدع أبا موسي وأنه كان مغفلا وأنهما كان يناقشان أمر الخلافة إلى غير ذلك من الأكاذيب المشتهرة "8 "
وقبل عمرو بن العاص بقرار أبي موسي , ولكن الطرفان على ومعاوية لم يقبلا بالحكم وتجدد الخلاف بينهما
ولكن الخلاف لم تنشأ عنه معركة أخرى حيث استشهد الإمام علىّ بيد عبد الرحمن بن ملجم الخارجى وتولى بعده الإمام الحسن الذى كان حاضرا مع أبيه تلك المشاهد ولقي من أهل الكوفة الإيذاء بما فيه الكفاية فرفض القتال وأرسل لمعاوية للصلح , ولما علم الشيعة من حوله بذلك طعنوه فى فخذه وأهانوه وسموه مذل المؤمنين فصمم على البيعة لمعاوية وهو ما تم بالفعل بعد ذلك لتجتمع الأمة فى عام
الجماعة على البيعة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم جميعا

من تلك الأحداث نستنتج أن التشيع كمفهوم سياسي كان لا علاقة له بعقيدة أو بدين بل كان
وهذا الإتجاه تحول أولا إلى اتجاه فقهى ـ لا عقدى ـ أنتج فرقة الزيدية وهى القائمة اليوم فى اليمن والتى تتبع فقه الإمام زيد بن علىّ ولا تختلف عن أهل السنة إلا فى أنها تقدم عليا فى الفضل على أبي بكر وعمر ولكنها تقول بشرعية وفضل الخلفاء
وفرقة الزيدية لا يعتبر تسميتها بالفرقة أنها شذت فى شيئ من العقائد بل هم فى المجمل من أهل السنة ولهم فى الفقه مؤلفات خاصة بهم تخضع لميزان التحقيق العلمى سواء فى فقه الإمام زيد بن علىّ أو المسند المنسوب إليه [/color]
فالزيدية البترية ليست موضع خلاف هنا ولا تخضع للقالب الذى احتوى بقية فرق الشيعة عدا الجارودية من الزيدية والتى خرجت على الزيدية وتشبهت بعقائد الرافضة ,
أما فرق الشيعة التى جمعتها مظلة العقائد المبتدعة فقد ظهرت من خلال اتخاذ جانب الإمام علىّ اندس المتآمرون من السبئية ومن تابعهم من الفرس الذين توطنوا الكوفة منذ إنشائها وكونوا فيما بينهم تلك العقيدة الباطلة القائلة بالإمامة والتى تطورت خلال الأزمنة ولم تثبت عند حال , وكانت السبئية هى أول فرق الشيعة العقدية ظهورا تبعتها بعد ذلك باقي الفرق