الرسالة الرابعة : إلى الشباب العربي جفت حلوقنا والله .. ونحن ندعو مرارا وتكرارا إلى الإستقلال يا شباب الأمة .. الإستقلال الفكرى عن أى تيار أيا كان نوعه , والإحتفاظ بالعقول مستقلة وليست مصادرة لحساب أحد , حتى لو كان الداعى لمصادرتها يدعو للجنة ! فالله عز وجل لم يجعل على الأمة حجة من الناس إلا النبي عليه الصلاة والسلام , وبعده كل ابن آدم يؤخذ من كلامه ويرد .. فمتى يحين الوقت لتتجمعوا حول فكرة الإستقلال الحقيقي , والتى تمنحكم الفرصة الذهبية لرفض الوصاية , وتمنحكم الفرصة للاستفادة العلمية من كل عالم أو مفكر أو داعية بلا أى تعصب لهذا أو ذاك .. أوليس بن تيمية هو القائل ( ليس لأحد أن يتخذ من الأمة عالما بعينه يوالى ويعادى عليه ) فما هذا السخف الذى نجده فى بعض منتدياتنا لشباب طبقوا نظرية الخصخصة على الإسلام , فهذا يتبع الإخوان , ويعتبرهم خلفاء الله فى الأرض , وهذا يتبع السلفية أو تيارا معينا فيها , ويعتبر البقية كلها مبتدعة , وهذا يتبع كاتبا معينا ويعتبره قائده الروحى , ... وهلم جرا .. إنى هنا أخاطب العقول أن تمنح نفسها فرصة ترك التعصب لدقائق معدودة , وتسأل نفسها , هل الدفاع عن علمائنا ودعاتنا معناه أن نتبعهم فى كل كبيرة وصغيرة حتى لو كانوا مخطئين ؟! المشكلة أنك تجد الجواب بـ ( لا ) من أى شخص , ورغم هذا فما إن يري أحدهم رأيا ـ مجرد رأى ـ يخالف رأى شيخه المفضل أو تياره المنتقي إلا وينقلب رأسا على عقب ! فلماذا تدخلون لمعارك لا ناقة لكم فيها ولا جمل ؟! قديما .. انقسمت الأمة إلى ناصريين وإلى ساداتيين وأنفقوا العمر فى تلك الصراعات , حتى ضيعوا الأمة بأكملها , وكان من المستحيل أن تجد أحدا يؤيد عبد الناصر ولا يكره السادات أو يؤيد السادات ولا يكره عبد الناصر ! ولم نجد عاقلا واحدا يقيم التقييم الطبيعى لكل رئيس منهما .. ورأينا فى التيارات الدينية , إخوان وسلفية وصوفية , ومن المستحيل أن تجد إخوانيا لا يعادى السلفية , أو سلفيا لا يعادى الصوفية أو صوفيا لا يعادى السلفية , حتى أصبح الأمر أشبه بملهاة مضحكة كملهاة فرق كرة القدم ولم نجد شخصا أو تيارا يرفض جميع المسميات , ويرحب بالجميع , ويقبل الحق حيث كان , ويقدّر علماء الأمة جميعا دون تفريط أو إفراط .. بل وجدنا العصبيات , ووجدنا ــ للغرابة ــ من الشباب من يدافع بحمية عن الأنظمة العربية تعصبا لجنسيته أو بلده , وليس لأنه يؤمن بصلاح ولى أمره ! التجربة القائمة فى مصر الآن , وفى تونس قبلها , لابد من فهمها حق الفهم , وتطبيقها التطبيق الأمثل , وهى السعي وراء الحق وحده , والرقابة عليه , والقدرة على الجهر بالقول فى كل زمان , فقد نجحت الأصوات المحبطة ـ سواء بقصد أو بغير قصد ــ فى مصادرة العقول من الشباب ودفعتهم إلى عبادة الحكام باعتبارهم ولاة الأمر , وقد حان الوقت لترك هذه النظريات , ومن ناحية أخرى .. لابد أن نتعلم من درس التاريخ أن الحل الوحيد الذى يحقق الإصلاح كما بشر به النبي عليه الصلاة والسلام , يكمن فى الإستقلال عن التعصبات والحزبيات , ودرس التاريخ واضح , ففي مصر التى قادت تجربة الثورات العسكرية , رأينا كيف أن محمد علىّ جاء للحكم بمساندة فرنسية ــ وليس كما يزعم البعض برغبة الشعب المصري وقتها ـــ ومن تلاه من حكام الأسرة العلوية جاءوا بمباركة إنجليزية , وقامت تجربة 23 يوليو , بمباركة أمريكية ودعم أمريكى استمر حتى عام 1956م , رأت فيه أمريكا وسيلة حقيقية لبسط نفوذها مكان إنجلترا فى الصراع على التركة الشرق ـــ أوسطية , وجميع هذه التجارب بلا استثناء , اتفقت فى أنها تجارب أضاعت الأمة بأكملها ومزقتها شر ممزق , وأفرزت حكومات ديكتاتورية لا زالت قائمة لليوم , وعليه فالدرس المستفاد من ذلك يتمثل فيما يلي .. أولا : أن الثورات العسكرية والإنقلابات طريق للحكم الديكتاتورى دون أدنى شك , فلا يمكن أن يأتى الإصلاح الحقيقي والديمقراطى على متن دبابة ! ثانيا : أن الثورة الحقيقية تتمثل فى رقابة الشعب , واستعدادهم التام لتجديد المعارضة فى حالة نكوص أى حاكم جديد عن الديمقراطية , وبهذا الشكل وحده يأتى الحكام بإرادة الشعوب , لا بمباركة القوى السياسية فى الغرب , ويصبح الحاكم العربي لا يخشي بعد الله إلا رأى شعبه , وليس رأى البيت الأبيض ! ثالثا : وجوب إدراك أن افتراق الأمة الحقيقي إنما تسبب فيه الإعلام الملوث , والعصبيات الشبيهة بفرق كرة القدم , وأن الداعين لوحدة الأمة , لو أرادوا الوحدة حقا , لدعموا الإستقلال عن أى وجه من وجوه التعصب , هذه هى البذرة التى تم غرسها مؤخرا على أرضية الوعى , وكل ما نأمله أن نراها وقد أثمرت إن شاء الله محمد جاد الزغبي .. من مصر المحروسة