عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-2016, 02:41 AM
المشاركة 14
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
المصريون يشيعون الجنيه لمثواه الأخير وتحرير سعر الصرف الطلقة الأخيرة في سلاح الدولة الاقتصادي

حسام عبد البصير

[1]
القاهرة ـ «القدس العربي»: أمس الجمعة 4 نوفمبر/تشرين الثاني كان يوماً تاريخياً في حياة المصريين وسيبقى في الأذهان طويلاً، حيث شيعت الجماهير عملتها الوطنية لمثواها الأخير، على إثر فقدها قرابة نصف قيمتها رسمياً، وهو الأمر الذي سيسفر بشهادة السواد الأعظم من الاقتصاديين لموجة غلاء تأخذ في طريقها الأغلبية الفقيرة.
وفي سبيل أن تتم المهمة بدون قلاقل شعبية واسعة استعانت السلطة بكتائبها الإعلامية في الفضائيات والصحف من أجل أن يقنعوا الرأي العام بأن ما يؤخذ من إجراءات غير مسبوقة، الهدف منها الحيلولة دون إفلاس مصر وسقوطها. وفي سبيل أن تقتنع الأغلبية بوجهة نظر السلطة كانت الأدوار معدة سلفاً لمذيعي الفضائيات والضيوف الذين تم استدعاؤهم، فمن مستوحي للمأساة السورية بكل تفاصيلها وتوجيه الحمد للنظام لأنه حال بين البلاد والسقوط في السيناريو نفسه. ومن مذكّر بالملهاة العراقية والمخاوف التي تعتري السلطة من «أهل الشر» وتداعيات حروب الجيل الرابع التي لا مكان لها سوى في أذهان من أطلقوها. ومن محذر من عواقب الخروج على قانون منع التظاهر واستدعاء الذكريات المؤلمة لحالة الفراغ الأمني التي عاشتها البلاد وهي تسعى للخلاص من ديكتاتورها المستبد مبارك قبل ستة أعوام.
كل مذيع وكاتب سعى بالأمس لأن يجري عمليات غسيل أدمغة للجماهير التي باتت تعيش متاهة بين فريقين، نخبة تقتات من رضا السلطة عنها، وفريق يسعى للوقوف على الحياد محذراً من كوارث القضاء على سيادة العملة الوطنية، غير أن الكارثة الأكبر التي تلقاها المصريون بعد ساعات من الإجراء التاريخي لتحرير الجنيه تمثل في رفع أسعار المحروقات بنحو الثلث، وهو الأمر الذي يفتح الأبواب أمام جنون شامل لأسعار السلع كافة، وهو ما حذر منه أحمد يحيى، رئيس شعبة المواد الغذائية في اتحاد الغرف التجارية، الذي أكد أنه بعد رفع أسعار الوقود فمختلف السلع سترتفع أسعارها للضعف وإلى التفاصيل:

مأساة أم نجاة؟

في خطوة انتظرها الاقتصاد المصري طويلاً، قرر البنك المركزي الخميس، تحرير صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية، لينهي شهوراً من الترقب والجدل، وحسب «المصري اليوم» قرر ترك تحديد السعر لآليات العرض والطلب، في إطار مجموعة «إجراءات صعبة» لتصحيح سياسة تداول النقد الأجنبي والقضاء على السوق السوداء. وأكد البنك في بيان، أن قرار التعويم يتضمن إطلاق الحرية للبنوك في تسعير النقد الأجنبي، من خلال آلية «إنتربنك»، ورفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة الواحدة بواقع 300 نقطة أساس، ليصل إلى 14.75٪، و15.75٪ على التوالي.
وسمح البنك للبنوك العاملة في السوق المحلية بفتح فروعها حتى الساعة 9 مساء، وأيام العطلات الأسبوعية، لتنفيذ عمليات شراء وبيع العملة وصرف حوالات المصريين العاملين في الخارج، مؤكداً أنه لا شروط للتنازل عن العملات الأجنبية ولا قيود على الإيداع والسحب، وأنه يضمن أموال المودعين. ودعا جميع المتعاملين في السوق إلى التعاون لإنجاح المنظومة، بما فيها الصالح العام للاقتصاد المصري، بحيث يتم الالتزام التام بالتعامل في النقد الأجنبي من خلال القنوات الرسمية وبالأسعار المعلنة، مع الأخذ في الاعتبار أن الاتجار في النقد الأجنبي خارج القنوات الشرعية أمر يجرمه القانون وسادت حالة من الارتباك في أسواق بيع وشراء الدولار في البنوك وشركات الصرافة».

انتهى المفعول

هذه الحدوتة التي يرويها فيلم «أرض النفاق» للأديب يوسف السباعي وبطولة فؤاد المهندس عن حبوب يتناولها الإنسان فتجعله أميناً، وأخرى تجعله قوياً، يستعين بها محمود خليل في «الوطن»: «تسليط الضوء على هذا الصنف من الحكام والمسؤولين الذين لا يملكون سوى الكلام وغير قادرين على صنع إنجازات حقيقية يمكن أن تكون مفيدة لكل من يصور لنفسه أن بمقدوره إيهام الناس بحل المشكلات، من خلال فبركة أحداث أو قصص وروايات، أو مجرد ترديد أقوال وإشاعات، وترجيح التصريحات والثرثرات اللفظية على القرارات. حل أي مشكلة يفرض على صاحبها التعامل مع الحقائق التي أدت إليها على أرض الواقع، وليس بمجرد إطلاق الكلمات عن أنها حلت، فارق كبير بين الواقع والإيحاء. من الممكن للإنسان أن يعيش الخيال للحظات، لكن هذه اللحظات لن تطول بحال من الأحوال، لأنه سرعان ما يجد نفسه مستسلماً لحقائق الواقع، ليكتشف أن الوقت الذي عاشه في إطلاق الخيالات والإيحاءات بأن المشاكل حلت، كان أولى به أن يستثمره في العلاج الواقعي للمشكلة. من يلعبون مع الناس لعبة التخييل أو الإيهام، شأنهم شأن من يلعب معهم لعبة خلعهم من الحاضر إلى خزائن التاريخ، ليمنحهم لحظات تأمل لهذا النوع من العدل المثالي، وذلك الصنف من الرحمة الإنسانية العلوية، وذلك الإحساس بالتضحية المقدسة».

رفع الدعم عن الوقود

«بعد شد وجذب أعلن أمس البنك المركزي المسؤول عن السياسة النقدية، تعويماً موجهاً للجنيه أمام العملات الأجنبية، وعلى رأسها الدولار الأمريكي، في محاولة أخيرة لانتزاع الدولار من أنياب حيتان المضاربات وتجار السوق السوداء، بعد أن نجحوا في احتكار العملة الأمريكية داخل مصر. وقرار «التعويم الموجه» يعني ببساطة، كما يشير ياسر مشالي في «الوطن» تحديد سعر عادل للعملة المحلية ثم تركه لآلية العرض والطلب، ليتحرك صعوداً وهبوطاً داخل هامش نسبة مئوية حددها البنك المركزي المصري في قراره بـ10٪، ليتراوح سعر الدولار في البنوك بين 13 و14 جنيهاً، وهو ما يقضي بشكل كبير على السوق السوداء للدولار، ويجلب كميات ضخمة من الدولارات إلى البنوك، بعيداً عن تجار العملة، سواء الخاصة بالمصريين في الداخل أو بتحويلات العاملين في الخارج، وهذه هي الميزة الكبرى للتعويم، بالإضافة إلى إنعاش الصادرات المصرية مستقبلاً بعد انخفاض قيمة الجنيه رسمياً بنسبة تقترب من 48٪. أما مخاطر التعويم فأهمها زيادة معدلات التضخم وأسعار السلع المستوردة مع تآكل القوة الشرائية للجنيه، وهذا هو ما يهم المواطن المصري في الأول والآخر، ما يعني تعرضه لضرر بالغ، كان يتعرض له بشكل غير رسمي قبل التعويم، فأصبح الآن ضرراً «مقنناً»، لكنه سيكون مؤقتاً، لو أن الحكومة تمهلت وأجَّلت قراراتها الصعبة التي تردد أنها تأتي ضمن حزمة اشتراطات صندوق النقد الدولي، ومنها رفع الدعم عن الوقود، وهو سلعة خطيرة تأثيرها يمتد ليشمل كل السلع بسبب تحميل فاتورة زيادة سعر الشحن والنقل على المستهلكين».

قرار غبي

وينتقد جمال سلطان رئيس تحرير «المصريون» الخطوة لأنها تمت على هذا النحو المفاجئ: «خروج قرار تحرير سعر الجنيه كان بطريقة خاطئة تماما وغشيمة، حيث أطلقت حالة مصطنعة من الفزع الشديد خلال يومين لدفع الناس إلى بيع ما لديهم من دولارات بحالة هلع وهستيريا منسقة، شاركت فيها جهات لا تخفى على المتابع وبث أخبار كاذبة عن انهيار الدولار، وأن قيادات بنكية تقدر أنه سيصل إلى ستة جنيهات، حتى تراجع الدولار في السوق الموازية إلى سعر الأربعة عشر جنيها تقريبا، وفي صباح اليوم التالي يصدر القرار بتخفيض الجنيه نفسه لقرابة 50٪ والإعلان عن تحرير سعر الصرف، وهو ما يجعل الجميع على يقين، لم يعد شكا، بأن ما حدث خلال اليومين الماضيين كان «لعبة» مفتعلة لصناعة وهم أقرب إلى خداع وابتزاز مالكي الدولارات، وأن هذه الخطة كانت تمهيدا لتحرير سعر الصرف، وهذا أسلوب «أمني» وليس اقتصاديا، ولا يدعم الثقة في السياسات المالية ويعزز من مخاوف الناس من أنهم أمام «ألاعيب» وتقلبات لا تبعث على الاطمئنان، وكل ذلك يضاعف من سلبيات خطوة تحرير سعر الصرف، ويجعل قطاعا واسعا من الناس يقولون، دعنا ننتظر نهاية «اللعبة»، وهذا هو السيئ في الموضوع. ويرى سلطان أن أخطر ما في قرار تحرير سعر الصرف أنه الطلقة الأخيرة في سلاح الدولة الاقتصادي، فإذا فشل في إصابة هدفه فسنكون على أبواب المجهول، ويمكن أن يتهاوى الجنيه إلى مراحل خطيرة على النحو الذي حدث سابقا للجنيه السوداني وغيره».