عرض مشاركة واحدة
قديم 07-18-2011, 09:29 PM
المشاركة 27
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،
محاولة لفكفكة الغموض في القصة هنا وسبر أغوارها والإشارة إلى عناصر الجمال والتأثير فيها ومعرفة المغزى :


الفقرة الخامسة تبدأ بكود مكرر وهو حرف الألف (أ) وفيها يستكمل القاص بناء الحدث بنفس الأسلوب من الجمال والتكثيف والاهتمام بالتفاصيل وحشد الألوان واستنفار الحواس والأحاسيس والنقائض ويضيف عليها استخدام الأرقام واستثارة المخيلة. ونحن نجد أن كل كلمة من كلمات الفقرة تكتنز في داخلها عنصر من عناصر الجمال المؤثرة. وهي تنص على ما يلي:
" ا
أفكر بشطيرة أخرى ولكني أحجم عن ذلك.. الفتاة التي أراها كل يوم تقف عند الباب بعباءتها الفضفاضة, ومعها أختها ذات السبع سنوات.. طريقة شربي للحليب تتغير, ونسيت بأي طريقة كنت أشرب..
طلبت شطيرة أخرى.. أشعر بتصنعي.."

وها هو القاص يضيف في مطلع هذه الفقرة إلى صفات شخصية البطل صفة التردد فهو يفكر (استخدام التفكير والمخيلة) في شطيرة أخرى لكنه يحجم عن ذلك.

وفجأة تظهر فتاة في الحدث وهي شخصية ثانوية جديدة تقف على باب المطعم (يراها البطل) وفي ذلك استنفار لحاسة البصر، ترتدي (عباءة فضفاضة)، وفي ذلك استثمار للنقائض و (تقف عند الباب) وفي ذلك نقيض للحركة، أي أن فيها استثمار للحركة والنقائض من جديد. ومع تلك الفتاة أختها ذات (السبع) سنوات ولا شك أن للأرقام سحر مهول في النص القصصي وهي تزيد اثر اللغة الكودية حدة ورمزية وغموض ودلالات فالأرقام هي لغة الكون...فلماذا (سبع سنوات) مثلا؟

ويكون لبروز تلك الفتاة ذات العباءة الفضفاضة اثر مهول ووقع مباشر على بطل القصة رغم انه يراها كل يوم كما يقول، فتتغير طريقته (في شرب الحليب) وهو مؤشر على حالة الانفعال التي أصابته، وفي ذلك استنفار لحاسة الذوق، بينما يُذَكّر الحليب باللون الأبيض من جديد، (فينسى) البطل وفي النسيان استحضار للذاكرة والمخيلة والفكر، (بأي طريقة كان يشرب ) وفي الشرب تكرار يستنفر حاسة الذوق وله اثر بالغ على المتلقي.

ولكن التغير لا يقتصر على طريقة بطل القصة في شرب الحليب فهو يعود ليغير رأيه بخصوص طلب شطيرة أخرى، فيقرر طلب واحدة أخرى بعد أن كان قد أحجم عن ذلك..فيشعر هو بتصنعه (وفي ذلك حشد للمشاعر والأحاسيس من جديد)، ونشعر نحن بالتغير الذي يحصل في شخصية بطل القصة على اثر رؤية تلك الفتاة.

وهنا نلاحظ أن القاص تمكن من إحداث تطوير على شخصية بطل القصة فجعلها وفي نقلة نوعية حيوية ديناميكية، نامية ومتغيرة، وليست شخصية جامدة، وهو مؤشر على دراية القاص بأهمية بناء الشخصية في القصة حيث تجعلها تلك الحيوية والدينامكية اقرب إلى الحياة عند المتلقي واقدر على الجذب، ويكون لذلك وقع شديد واثر بالغ على المتلقي، ويدفع المتلقي لاتخاذ موقف من تلك الشخصية.

وهو في نفس الوقت لا يكاد يقول لنا شيء عن شخصية الفتاة وأختها ذات السبع سنوات فتظل هذه الشخصيات سطحية غير معقدة التركيب والبناء، فينجح القاص بذلك في تسخير هذه الشخصيات الإضافية لخدمة التطور والتغير في مسلكية ونفسية وشخصية بطل القصة الرئيسي.

ولكن الغموض يظل هو سيد الموقف حول تطور الحدث حتى هذه اللحظة، ولا نعرف تحديدا أين يتجه بنا القاص؟ وما لدينا حتى الآن يمكن تلخيصه في قصة شاب يمشي على الطريق في مشهد يراه كئيبا رغم انه وقت الفجر، يشعر بفراغ قاتل رغم انه وقت النشاط، يسير في ذلك الطريق على غير هدى في يوم شتوي يشعر به قارص البرودة ، ويصاحب تلك الكآبة والفراغ أنفلونزا. تحتك بقدمه قطه لكنه يركلها بعيدا عنه. يصل ذلك الشاب إلى مطعم حيث يطلب شطيرة , وكوب حليب وفجأة تظهر فتاة ويكون لظهورها وقع شديد عليه يجعله يغير من طريقة شربه للحليب رغم انه يراها كل يوم كما يقول فيتصنع في تصرفه وسلوكه.

طبعا كل هذا التطور في الحدث يتم في فضاء مكاني وزماني محدودين ، ومحدودية الفضائيين المكاني وألزماني من خواص القصة القصيرة المؤثرة، وفي ذلك مؤشر إضافي بأن القاص يحرص على البناء القصصي الجميل والمؤثر.

ولكن يظل السؤال إلى أين يتجه بنا القاص في هذا الحدث؟ وكيف ستكون عليه لحظة الكشف؟ ثم ما هي الرسالة في هذه القصة إن كان يوجد رسالة أصلا؟