عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2013, 04:21 AM
المشاركة 8
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


تحية للإخوة الأفاضل

مداخلتي ستكون حول مستقبل القراءة
إذا كانت القراءة شكلت ارتقاء نوعيا في حياة الفرد وربطته بالمعرفة ، حيث لا مجال للحصول على المعلومة غير الكتاب في حقبة معينة ، وكانت القراءة و حتى الكتابة إلى حد ما تساهم في تحقيق الذات والشعور بالرقي ، فأظن المستقبل سوف يعرف تطورات مهمة في أشكال جديدة للإحساس بالتميز و التموقع في المجتمع ، فالرهان على القراءة رغم أهميتها إلى اليوم سوف يتقلص بشكل كبير .
فالملاحظ الآن جنوح التواصل إلى الرمزية أكثر من استعداده للوقوف عند الأبجدية القديمة ، ويلاحظ هذا خصوصا في التعابير المشفرة التي يتواصل بها الشباب على الشاشات الصغيرة ، فأعتقد أن وصول هذه الرموز إلى نوع من العالمية كفيل بإنتاج لغة عالمية جديدة تنهل من كل الثقافات و تؤسس لأشكال جديدة من الإبداع خارج نطاق ما استطاعت الأبجدية تحقيقه .
ثقافة الصورة على سبيل المثال أضحت أكثر الوسائل استعمالا ، فهي تغني عن الكثير من التعابير التي يمكن بها تقريب فكرة معينة ، فالصورة لم تعد مجرد وسيلة لتوضيح الخطاب ، بل ربما أن الجمهور الذي يتفاعل مع الصورة اليوم أكثر بأضعاف مضاعفة من الذين يفكون رموز ودلالات الكتابة ، حيث قد تحتاج إلى ثلاثة أيام لقراءة كتاب أو رواية مع تركيز كبير و في عزلة عن الغير ، لكن يمكن اختصار هذا العمل في ساعة أو ساعتين وأنت تشاهد شريطا مصورا أكثر إثارة و يختزل بمهارة تعقيدات الأساليب الملتوية .
إذا كان الغربيون لا يزالون مصرين على الكتاب ، فالمسألة عندهم ثقافة و تعبير عن رابطة وجدانية كرمز لوسيلة ساهمت في رقي مجتمعاتهم ، أو لأسباب اقتصادية صرفة لها علاقة بالدعاية و الحفاظ على دور النشر و لكن كل تلك المحاولات يوما لن تستطيع فرملة التوجه العام إلى نمط ثقافي جديد .
القصة القصيرة تعد اختزلا للرواية والقصة القصيرة جدا اختزال للقصة القصيرة ، وهكذا ينحو الإبداع الكتابي والقراءة إلى مزيد من الانكماش ، هذا لأن التطور الحاصل اليوم حتى في أنماط الحياة و الاستعداد للوقوف على أكثر من موضوع لاكتساب القدرة على مواكبة التطورات تقتضي هذه القراءة الرياضية . فلا أظن أن مولعا بالقراءة مستعد للتضحية بكل التطورات التي تحدث ليثبت وفاءه للقراءة ، وإلا في يوم من الأيام سيحس أن كل معرفته تقادمت بشكل رهيب .

لعل رهان المدرسة اليوم ليس الحصول على المعرفة " التي ستتقادم بعد سنة أو سنتين في خضم الكم المعلوماتي الهائل الذي يتم إنتاجه " في حد ذاتها ، بقدرما هو إتاحة الفرصة للاستعدادات التكيفية أكثر على الاشتغال ، أي تطوير القدرة على معالجة الموقف و القدرة على الاختيار و التواصل .


كل التقدير .