عرض مشاركة واحدة
قديم 02-25-2011, 12:29 AM
المشاركة 11
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي





أنطولوجيا الشعر الإيطالي الحديث باللغة العربية:


كيف يمكننا أن نقدّم للشعر الإيطالي الحديث بكلماتٍ قليلة، وهو الذي يعكس روح شعبٍ عريق متسم بالغنى الفني والأدبي والإنساني، ويحمل نبض بلادٍ ترث تاريخاً طويلاً من العبقريات في الشعر والنثر والرسم والنحت والموسيقى؟


ماذا يمكننا أن نقول عن أبناء دانتي ودانونسيو وليوباردي وغيرهم من كبار الشعراء الذين أحدثوا تحوّلات جذرية، ليس في الشعر الإيطالي فحسب بل في شعر الأمم قاطبة؟


كيف يتسنى لنا بقصائد قليلة أن نختصر شاعراً أو آخر لندلّ على العلامات المضيئة المتجلية في هذه السماء الشعرية الرحبة؟


كيف يسعنا بهذا الاختيار العشوائي والتعسّفي إلا نغمط هذا الشعر الكبير حقّه من الانتشار الواسع، وكيف نستطيع بهذا النذر القليل من القصائد المترجمة أن نلقي الضوء على كل أبعاده، وأن ننشر بعضاً من وهجه، وهو الشعر الذي لا تستطيع الأنطولوجيات الضخمة أن تتسع له؟



في هذه المحاولة التي عدنا فيها إلى ينابيع الشعر الإيطالي الحديث، وإلى لغته الاصلية، سعينا إلى بعض الاختيارات في الاسماء والنصوص، وحاولنا جهدنا أن تكون معبّرة عن بعض السمات والمحطات الأساسية المختلفة في النتاج الشعري الإيطالي المعاصر، على أن نضيف أسماء جديدة تدريجاً، مقدّمين بذلك أنطولوجيا تفاعلية متحرّكة تعكس جوهر الشبكة الأنترنتية المتحرك، وتسعى خصوصاً إلى نقل عدوى حبّنا للشعر، وما هذه "العدوى" إلا دور "جهتنا" الأساسي ورسالتها.


قد لا تكون الاختيارات شاملة ولا كافية، وقد لا تعكس تماماً كل التيارات المتنوعة التي شهدها ويشهدها الشعر الإيطالي في عصرنا هذا، ابتداءً من عشرينات القرن العشرين، وصولاً إلى تسعيناته. إلا أن القصائد التي ترجمناها من لغتها الأصلية تقدّم محض محاولة متواضعة تتيح لنا التعرّف على شعرٍ يحتضن هواجس الإنسان وأسرار الكون، ويقطر شفافية وغموضاً في آن واحد، ويعبّر عن دواخل كبار أدباء العالم الحديث.



إن ترجمة الشعر تشبه الطعنة التي نوجهها ربما إلى الشاعر ولغته. فهي تحمل في ذاتها أحياناً معنى الخيانة والمصادرة، خيانة الشاعر وقصيدته، ومصادرة أسرارهما وجعل هذه الأسرار تبعاً لأهوائنا التي تترجم - إذ تترجم القصيدة - بعضاً من أهوائنا الشعرية الخاصة. فمهما بلغت معرفتنا باللغة التي كتبت فيها القصيدة، ومهما توغلنا داخل عوالم الكاتب وحاولنا اكتشاف معاني كلماته وبواطنها، ستظل الترجمة في بعض لحظات تجلّيها غير "أمينة" في معنى ما للشاعر وقصيدته. وقد حاولنا في هذه الترجمات أن نخفي الكثير من "أنانيات" الترجمة من أجل الاقتراب أكثر فأكثر من روح النصوص الأصلية وجوهرها ودلالاتها. فماذا وجدنا في هذا الشعر الإيطالي الحديث؟



يتمتّع جميع الشعراء الإيطاليين الذين برزوا في هذا القرن، على اختلاف التيارات التي ينتمون إليها، بقاسم مشترك في عودتهم إلى الجذور، في إطار جغرافيا شعرية شاملة ومتنوعة. من مظاهر هذه الشعرية، غنائية حادّة وعميقة تعكس موسيقى أرواحهم وأفئدتهم، وهي موسيقى غير معبّر عنها بايقاعات سطحية أوسماعية مباشرة، بل إنها داخلية، حميمة، طالعة من حفيف أوراق الذاكرة وشفافية الجسد والروح وحياتهما المعاصرة.


يستسلم الشاعر الإيطالي بطواعية مذهلة لغناء القلب، لكنه استسلام لا يتنازل عن إيقاعات العتمة من أجل الإحتفاء السهل بالضوء. بل إن غنائيته هي غنائية ذات عمق فلسفي ودرامي، وهي تطرح أسئلة الوجود الكبرى في تناقضاتها المادية والروحية، حيث تطير الذات في مهب هذه الصراعات وتعود لتستدرج الضوء الخارجي إلى الداخل المعتم، وتصنع هناك نورها الموسيقي الخاص الذي ينساب في جسد الكلمات وفي دلالاتها المعنوية.



إن الغناء في الشعر الإيطالي، مقروناً بأمومة الأرض وبالروح المتوسطية وطبيعتها وبالتجاذب بين ثنائية الوهم والواقع والمادية والروحانية، تشكّل إذاً عناصر انتماء لدى غالبية الشعراء الإيطاليين المعاصرين.


وعندما ظهرت بداية موجة الواقعية الجديدة، هدّدت عناصر الانتماء هذه، إلى جانب الإنغلاقية المطبوعة بنفحة الرمزية التي ظلت مسيطرة على الشعر الإيطالي عموماً. ولكن اكتسبت الرمزية مع الشعراء المعاصرين إيقاعات جديدة، كما على سبيل المثال مع أونغاريتي ومونتالي، وهي إيقاعات وحدّت نوعاً ما جيلاً من الشعراء اتبعوا أنماطاً شعرية مختلفة للغاية.



ومما لا شك فيه أن الشعراء الإيطاليين المولودين في النصف الأول من القرن التاسع عشر قد أدّوا دوراً بارزاً في توجيه مسار شعر القرن العشرين. ولكن رغم المحاولات العديدة الهادفة إلى تقليدهم وإلى تقليد كبار الشعراء الذين أعقبوهم، انبثقت من الجيل الشعري المعاصر لغة جديدة وغنية، يمكن أن نعزوأسباب تجلّيها إلى توسّع الآفاق ومراقبة التحولات الإجتماعية والثورة الصناعية وخوض تجارب لغوية ثورية ومساع داخلية شخصية للتحرر من تأثيرات الأسلاف. هكذا استجاب الشعر الإيطالي المعاصر لنداء التجدّد والتحوّل، واتجّه تدريجياً إلى مزيد من النضج والاستقلال عن نهج شعراء الأمس. واكتسبت معه الرومنطيقية الجديدة حلة حديثة وغدت القصيدة مغامرة نفسية داخلية، تبوح كلماتها بالشيء وتحجبه في آن واحد.



جدير بالذكر أخيراً أن الشعرية الإيطالية تغتسل بماء التواطؤ مع المناخ المتوسطي وعناصر طبيعته، حيث تزدحم القصائد بمعجم غنّي بمفرداته الطبيعية، بما في ذلك مخاطبة ليريكية ترفع المشهد المنظور إلى مستوى الكائن البشري تارةً، في حين أنها تمّحي طوراً في طبيعة النسيج الشعري وتشكّل خلفية، ربما تزيينية، لأفكار الشعر وأسئلته وهواجسه.



وتساهم هذه المتوسطية الطبيعية في إضفاء نوع من الألفة على الشعر الإيطالي. ألفةٌ نشعر لوهلة أنها منسوجة من خيطان ثيابنا الشعرية المتوسطية هنا، أو بالعكس، نكاد أحياناً نظن أننا متأثرون من حيث لا ندري بهذا الشعر، وكأنه شقيق شعرنا وأرضنا وطبيعتنا.



وإذ نقترح هذه المحاولة اليوم، فإنما لنعقد بعض أواصر الصداقة بين شعرنا العربي والشعر الإيطالي المقيم على الضفة الأخرى من" متوسط" روحنا وقيمنا الأدبية والفكرية والمجتمعية.



منشورة فيالشعر الإيطالي





هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)