عرض مشاركة واحدة
قديم 06-07-2016, 12:50 AM
المشاركة 27
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
هل قلت كل شيء ، طبعا لا ، هل سأقول كل شيء بالتأكيد لا ، هل أغفلت ربما ، هل الأسماء صحيحة نعم ، هل ستكون كذلك مع توالي الصفحات ، لا تراهنوا على ذلك ، فالاسم لايهم رغم أن تيار الإسميين يراه كذلك . أخي عبد الفتاح يقتحم عالمنا ، خرج من بعد أن أصاب أمّي بإجهاد كبير ، أذكر في ذلك الصيف كيف أصبحت أمي هيكلا عظميا تكسوه خرقة صفراء ، ليس الولد وحده من قهرها ، الحرّ الشديد مع الحمل ، موسم الحصاد مع الحمل ، رمضان مع الحمل ، لم تكن كذلك حين ولدت صلاح الدين عندما كنت في المستوى الثالث ، اليوم أراها تحارب لتعيش ، إن تجرعت الدوّاء أكاد أراه يعبر عنقها المسلوت ، يقسو عليّ رؤية منظر وجهها الممصوص ، جدّتي كلثومة ، تحوقل ، تسبّح ، يكاد وجهها يحكي حزنا عميقا ، أذكر اللحظة التي وضعت فيها أخي الجديد ، ارسلتني جدّتي لإحضار الليمون عند "عمّي عمر" ، كنت أبكي على طول الطّريق ، وعندما اقتربت من منزله و مزرعته ، مسحت دموعي لأبدو صلبا ، تعجبني صلابة الرّجل ، تذكرون أنه من أخرجنا من زنزانة القائد ، حكيت له عن طلبي ، عن حالة أمّي ، قدّم لي الليمون دون أن أرى تأثرا على وجهه . لا بأس فمجرّد أن يعطيني اللّيمون فهذا تأثر بالغ ، و تعامل جميل مع الظرف ، جدّي لا يتحدث عنه دائما بشكل جيّد و كذلك جدّتي ، حتى أبي في تلك المرحلة لا يتحدث عن أحد بإيجابية .
ذهبت إلى تاركا ، كانت المدرسة موصدة ، لائحة تعلوا بابها المقوس الجميل ، رقمي يشعّ في لائحة الناجحين ، إذا في العام المقبل سأكون في تالوين ، استضاف أبي معلّميّ و كذا زوج الحاجّة ، ذبح لهم شاة و قدمت أمّي الكسكس لأطفال المسجد ، شكرا لله على النّجاح ، شكرا لله على تعافيها . جدّي تكفل بإعداد مقامي الجديد في الموسم القادم ، زار العديد من أصدقائه في تالوين ، رحّب بمقدمي أحدهم ، سأكون تحت كنف أسرة جديدة.
الرماة يطوفون في حلقة دائرية في ساحة عملاقة مسوّرة ، الأطفال بين دخول وخروج ، عند المدخل في اليمين تستوى النساء وراء الرجال المستقبلين حلقة الرماة و ممرّ يفصل بينهما ، يطوف الرّماة حاملين عصيا ، حازمين فواقيهم بأحزمة مطرزة ، يتقلدون خناجرهم ، الطبل والدفوف متناغمة في إيقاع باسم مختلف عن إيقاع عيساوة ، يختلف أيضا عن رقصة أحواش ، ذكرية كانت أو نسائية ، يقوم الرماة بحركات رياضية ، بحركات بهلوانية ، شبيهة بالجمباز ، ترافقهم زغاريد النساء ، عندما لا ينجح الرّامي في تنفيد الحركة ، يتجه صوب وسط الحلقة ، و من ثم يخرج بحثا عمن يسدد غرامته ، يطوف حول المتفرجين ذكورا وإناثا ، هذا أعطاه درهما وتلك أعطته باقة ورد ، و الأخرى قدمت له ديكا وهكذا ، يعطي ما عتقت به رقبته للمقدم ، ثم يعود إلى التباري . منذ أن غادرت القرية ذبلت علاقتي بأطفال الدّوار ، أصبحت منعزلا أكثر عنهم ، وخاصة الذين يقصدون أساكي للتمدرس ، هناك تمرسوا الشغب بجدارة ، أصبحت أميل إلى الأطفال المنضبطين أكثر ، أبي ساهم أيضا في عزلتي ، ينهاني عن مرافقة أولئك الذين يمرحون في أحضان الحرية المطلقة ، أطفال يشاغبون على طول الوقت ، خمسة منهم اتفقوا اليوم على سلخي ، لست أدري لماذا ، مجرّد شغب ، ربما بعض غيرة من أطفال لا يفقهون في المدرسة شيئا ، قد أبدو لهم غريبا اقتحم بلدتهم مادمت خارج الدّوار ، سقطت في الفخ ، كانت خطتهم إخراجي من ملعب الرماة ، وبعد ذلك يشوون عظامي ، لست وحيدا يومها كان برفقتي ابن عمّتي ، جاءني أحدهم يستفزّني ، زاد في تحرّشه ، نهرته فتحدّاني بمبارزة في الخارج ، لبّيت نداءه ، التحق به ابن عمّه ، فثلاثة آخرون ، كلهم يكبرونني سنّا على الأقل سنة أو سنتين إلى ثلاث ، ابتدأت المعركة ، أرسل اللّكمات ، يهابون انفعالي ، كلما اتجهت نحو أحدهم هاجمني آخر من الخلف ، كانت الشّمس قد غابت ، و الظلمة تلتهمنا ، أتلقّى الضربات و لا زلت صامدا ، أحدهم يهوي على ظهري بحجارة ، ظهري يؤلمني ، ما العمل ، أصمد أو أهرب ، لا.... جنون أن أبقى مستميتا ، بدأت خطواتي تتسع ، لم يجرؤوا على ملاحقتي ، رجموني حجارة ، الظلام يحاصرني ، والحجارة ورائي ، ماذا أفعل ، بين حجارة وحجارة حجارة ، كلها تمر قريبة ، استدرت لاعرف كم ابتعدت عنهم ، تلقيت واحدة على جبيني ، رجلاي لا تزالان مندفعتان ، دم غزير يملأ ملابسي ، دموع تلاحق دمي ، أبكي وأبكي ، وأمّي تبكي . يغسلون جرحي بدواء أحمر ، يعصب أبي رأسي ، و إلى النوم . شيء حفر عميقا في دواخلي ، لم ابن عمتي لم يناصرني . لو كان هو من يتعرض للهجوم لا أظن أنني سأتصرف مثله .

في الصباح الباكر أمّي تأخذني من يدي ، تطوف بيوت الملت ، شاكية باكية متوعّدة ، و أمّهات المعتدين يطلبن السماح ، يتذرعن أنهم أطفال ، و يعدن بمعاقبة أولادهن ، أبي كما أنا أيضا يحرجني أن يعصب رأسي في أول ظهور لي في الإعدادية ، أبي يؤلمه أن يراني من سيستضيفني في بيته وعلامة الشغب ماثلة على وجهي . حسنا الكذبة هي الحل ، عندما يسألك أي شخص ما الذي أصابك ؟ وجب القول :" سقطت من على الحمار ."