عرض مشاركة واحدة
قديم 10-13-2010, 10:23 PM
المشاركة 29
عمر ابو غريبة
شاعر وأديب أردني
  • غير موجود
افتراضي
تابع،،

قراءة في قصيدة الشاعر عمر ابو غريبة " الصورة النازفة"- 2


ويستمر نزف الطفل دما قانيا ويستمر نزف الأم حسرة وولعا ودموعا كإمطار كانون ويستمر نزف الشاعر حيث استمر في تصوير ما يجري بين الطفل ووالدته ببراعة. فها هي الأم تخاطب ابنها النازف إذ تقول له مطمئنة، أي بني إن حضني مهد لك ودموعي هي بدل حليب الصدر لإرضاعك فلا تخف، وأنا حاميتك - كما تحمي الذئبة نطفتها- فلن اسمح لشيء أن يقترب منك، حتى ذرات التراب لن ادعها تعفرك، وهي صورة أخرى مزلزلة تمكن الشاعر من رسمها ليكون لها أعظم تأثير على ذهن المتلقي.



ويضيف الشاعر النازف على لسان الأم ها أنا ادفع الموت عن فلذة كبدي بكف يدي راجيا النجاة له، لكن الموت يستمر في شده إليه، ويزمجر ويزجر، ويستمر في الزحف على ثنايا جسده النازف. وتخبرنا الأم المكلومة بفلذة كبدها إنها بكت وبكت لعل الموت يعطف عليها ويحنو إليها ويشفق على حالها بأن يبتعد ويترك لها ولدها ولكن الموت يمعن في الشد والجذب ويسخر من تلك الأم المكلومة الباكية ويسخر من دموعها وهو يتخطف ابنها النازف.


وهنا يمكن القول أن الشاعر تمكن من شخصنة الموت ببراعة فجعله كانسان يشد من ناحية يتخطف ذلك الطفل النازف وألام ترجوه وتتوسل إليه عله يعطف عليها ويشفق لحالها ودموعها ويترك ابنها وشأنه، ولكن هيهات هيات فها هو الموت يسخر منها ومن دموعها ويستمر في الزحف على ثنايا جسد وليدها النازف.


ويستمر الشاعر في الأبيات التالية في رسم صورة الصراع بين الموت المزمجر والذي يشد ويجذب في جسد الصبي من جهة وألام المسكينة المكلومة والتي تحتضن ابنها وتشده أليها وتبكي، وتبكي، محاولة إنقاذه بكل عزمها، وتتوسل إلى الموت وترجوه محاولة أقناعه لعله يترك لها فلذة كبدها، ولكن الموت المزمجر الذي لا يُقهر لا يتراجع ويَقْهرَ بعزمه وجبروته عزم تلك الأم النازفة الباكية، ويستمر في زحفه يتخطف جسد فلذة كبدها...وهي صورة فذة أخرى وأثرها يكمن في أنها تصور مشهد الصراع على جسد الطفل بين الأم والموت قاهر العباد، وهذا الصراع يجعل الأبيات حية لها اثر ووقع عظيم على المتلقي...فليس هناك شيء ابلغ اثرا من تضمين النص الادبي صراعا ظاهرا بين ثنائية الموت والحياة فكيف اذا كان هذا الصراع بين الموت الذي تم تصويره هنا على هيئة شخص جبار والام ثكلى، مسكينة ومحور الصراع هو جسد ابن تلك الام الباكية النازفة الذي يتخطفه الموت؟
وهذه الصورة تدل حتما على قدرة الشاعر الفذة في التصوير ودراية واسعة في العناصر الفنية المهمة التي تجذب وتشد المتلقي الى نصوصه واهمها الصراع بين ثنائية الموت والحياة.





يتبع،،
الأستاذ الأديب ايوب صابر
رائع أنت في استقصاء المعاني والصور ولا مزيد على اضاءتك المبهرة
سوى ان الحضن الذي ترويه بالدموع سيكون قبره بدلا من جوف الثرى
عرفاني البالغ على تحليلك الراقي
مودتي واحترامي