الموضوع: عتبات
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
9

المشاهدات
4363
 
محمد الشرادي
من آل منابر ثقافية

محمد الشرادي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
155

+التقييم
0.04

تاريخ التسجيل
Aug 2014

الاقامة

رقم العضوية
13134
09-11-2015, 12:35 AM
المشاركة 1
09-11-2015, 12:35 AM
المشاركة 1
افتراضي عتبات
دشن درس البلوغ، الذي قدمته أستاذة الطبيعيات، مرحلة جديدة في سلوك هيفاء نحو جسدها. أصبحت أكثر اهتماما بنضوجه، و ما يعتريه من تغيرات. كلما ربا هذا الجسم،و اهتز، انبجست مفاتنه، و طابت تماره.
واكب هـــذا الانفجار الأنثوي،ظهور فطنة باهرة، و حيوية لا تنضب. أتاحا لها التربع على عرش التفوق بمؤسستها، فظلت فارسة لا يشق لها غبار،حتى حصلت على شهادة البكالوريا بأعلى رتبة في تاريخ ثانويتها.
شكلت نباهتها هالة احتجب خلفها جمالها. ولفرط ما انتبهوا لنبوغها، نسجوا حوله حكايات موغلة في الخيال، تتضايق من سماعها. لأنها كانت تهفو إلى شاب مليح يغازلها... يداعب خصلات شعرها بأطراف أنامله... تجلس إلى جانبه على شط البحر ليقصا عليه أحلامهما، و يحكي لهما هو أساطير الحوريات، و سر افتتان البحارة بهن. و حين يسافر يبعث لها رسائل الغرام مع عودة أول سرب من الطيور المهاجرة.
ولجت باب الجامعة مسكونة بفكرة واحدة، أن تنال الإطراء الذي يحيي مواتها، ليس ذلك الإطراء المتطاير من الأفواه خناجر حادة تدمي فؤادها. لكن سوء الطالع مازال يلاحقها، و تجاهل الآخر لأنوثتها هـو لعنتها الأبدية.
لم تدرك أنها صارت خارج أسوار الكلية، إلا حين رأته جالسا بباب أحد المنازل. كان هادئا مشعا، غير مبال بما يدور حوله. لكنه حين سمع صوت نعلها،رفع عينيه في الاتجاه الذي ينبعث منه وقع خطواتها.
وجهه صاف...عيناه بنيتان...شعره مصفف بعناية بالغة، و يلمع كخيوط ذهبية رقيقة. شعرت بقلبها يرفرف في صدرها كفراشة جذلى. تلاحقت خطاها، و أنفاسها. فكرت في أن تلتفت خلفها، لكنها أحجمت، و راحت تخاطب نفسها:
لن أنظر إلى الخلف. لابد أن عينيه تلاحقان أردافي الممتلئة، و تمعنان النظر في ساقي الرشيقتين...
بدا كلامها باهتا، و متكلفا، لأنها كانت تحاول إخفاء ملاحظة ثاقبــــة عنت لها لما تعانقت أعينهما.كانت نظراته باردة،و وجهه محايدا كليا، كأنه لــــم ير شيئا. أو كأن التي مرت أمامه غير مرئية بتاتا. فأنشأت تواسي نفسها:
- ما حصل كان مجرد نظرة خاطفة، لم تتح له فرصة استيعاب قسمات جسدي الذي كان يتدفق صوبه على حين غرة.
عتبة العنوان
اعتدلت جالسة أمام حاسوبها، صانع أنوثتها. متوجهة إليه بالكلام:
الوجه بمثابة العنوان من الكتاب، أول ما يقع عليه النظر. بمساعدتك سأصنع الجمال. سأجعل من هذا الوجه روضة غناء مترعة بالورود، و الأزهار المتناغمة أشكالها و ألوانها، لتمنح ذاك الفتى لوحة بهية،تأسر عينينه... تخلب لبه... تمنع عنه النوم ليلة الغد، بل كل الليالي المتبقية من عمره.
ضغطت على زر التشغيل، و بسرعة البرق، صارت تسبح في بحر مـــن مواقع التجميل. في البدء، اختارت التسريحة المناسبة لشعرها، و لشكـــل وجهها، ثم حددت الألوان التي ستبرز بها مواطن اللذة:عينيها... وجنتيها... شفتيها... لم يمض وقت طويل حتى قامت تستعرض ما صنع حاسوبـُـــــها:
انسدل شعرها خلفها كرفل فستان زفاف منسوج من أشعــة الشمس، بينما تدلت نواستها على جبينها لتطل على عينين أرجوانيتين تزهوان على الأديم الناعم لوجهها العاجي كزهرتي خزامى تفتقتا لتوهما من دم قديم... أضفت على شفتيها مسحة من حمرة خفيفة، ثم طلت فوقهما مادة براقة،حتى صار ثغرها كباقة من شقائق النعمان تتلألأ على حمرتها حبات الندى.
لم تضف على وجهها مسحة من الجمال فحسب،بل صبت فيه كل أحلامها، وآمالها، ثم انطلقت، و هي تسيـر بدلال، و حذاؤها يصدر وقعا رقيقا.التفت صوبها. حدق جهتها لمدة وجيزة جدا، أرسل ضحكة غامضة، ثم أشاح بعينيه بعيدا. لم تصدق ما حصل.
أسرعت الخطى كي تبتعد ما أمكن. وعلامات الإحباط، والارتباك بادية عليها. ثم شرعت تحدث نفسها:
- أي فتى متعجرف هذا الذي ابتليت به. لم يحدق في وجهي أكثر من بضع ثوان، و أرسل ضحكة مفعمة بالسخرية، كأنه رأى بهلوانا. أنت الآن أيها السارد تنظر إلي بشماتة بالغة. أليس كذلك؟.
- حسبك آنستي؟ أنا لست هنا كي أعبر عن التعاطف، أو الشماتة، أنا هنا فقط لأروي ما أرى، و أسمع..
- أي سر وضعت في هذا الفتى؟ لابد أن يكون فيه سر ما؟
- صدقيني أنني لا أعرف، و أنا لم أصنعه حتى أخبئ فيه سرا ما، أنت التي عثرت عليه.
عتبة الغلاف
فتحت باب غرفتها. عالم يغرق في الرمزية...أيقونة قرمزية اللون... صورة رجل مصاب بالعمى... صور رجال آخرين بأقنعة كلاب... عدة زينة غنية و متنوعة... ثم حاسوب كتبت فوقه بخط بارز – حاسوبي صانع أنوثتي-. جلست أمامه و ألقت نظرة متفحصة على مواقع المشاهير و النجوم ، مثلها العليا في الأناقة و الجمال. مركزة على عارضات الأزياء اللواتي يشبهنها، في القد، و لون الشعـر، و البشرة، و العيون، لتقتبس من أسلوبهن في اللباس ما يتناسب و جسمها الغض الطري.
مسترشدة بما قدم لها حاسوبها من نماذج الأناقة، وجمال المظهر، فتحت صوانها، الذي تزخر رفوفه بأصناف زاهية من الملابس الراقية. جربت العديد من البذل الباهظة الثمن. فاستقر رأيها على أن جسدها العاجي يبدو أكثر أنوثة ولذة في هذا القميص الأسود، الذي ينفتح على صدرها، بشكل يتيح لكل متلصص، رؤية رافعة نهديها الأرجوانية. ينتهي انسدال القميص عند وركها تماما. لتبقى تضاريس نصفها الأسفل بارزة للعيان من تحت سروال شفيف أسود. في قدميها انتعلت حذاء أسود بدون عقب، يتيح لها مرونة في الحركة. قبل الخروج،وقفت أمام المرآة، فزينت أذنيها بقرطين على شكل حلقتين كبيرتين من لجين، وشت حواشيهما من الأسفل خيوط ذهبية تشع على طرفي وجهها فيزداد وسامة و قسامة.
لقد خططت هذه المرة لمباغتته، وجسمها الجميل ينساب في دلال نحوه كحلم وردي لم يسبق له أن حلم به في نومه أو في يقظته. مرت أمامه خفيفة رشيقة كقطة فارسية. لم ينتبه لمرورها إطلاقا. ظلت عيناه ملتصقتين بالأرض. شعرت بالإهانة، و المرارة. أحست بتيار بارد يســري في جسمها.تمنت حينها، لو أن جناحين عظيمين نبتا على ظهرها، لتطير بهما نحو الشمس فتحترق هناك، ثم تعود إلى الأرض رمادا تدروه الريــــــاح. للتخفيف من توتراتها الداخلية، لا تجد إلا السارد لمعاتبه:
- آه أيها الســــارد لماذا جعلتني على هذا الحال؟ فتاة اشتد بها الوجد. و ابتليتني بفتـــى يصعب إرضاؤه.لماذا ترغمني على السير في هذا الدرب إلى نهايته؟ ألا تخاف أن أسير فيه إلى نهايتي؟
عتبة التجنيس
كلما أوغلت في استعراضها، ساورتها هواجس تجنيس ما يختلج في أعماقها. حاولت ذلك مرارا، لكنها اكتشفت أنها لا تستطيع ذلك، فتركت للقارئ تجنيس عواطفها اتجاه ذلك الفتى. لكنها في قرارة نفسها تشعر بغموض أحاسيسها نحوه. قد يكون ما تحس به عشقا، أو ربما رغبة لإثبات أن سوء الطالع لم يعد يطاردها.
عتبة الإهداء
إليك أنت الذي سحرتني بجمال عينيك، فهيجت أشواقي...لمجرد أنك إلي نظرت.
لقد ملأني طيفك حبا، و رغبة.
لست أدري إن كانت لي في قلبك منازل؟
و لا أريد أن أعرف. إليك سأقدم نسخة معدلة من جسدي و روحي...أو بالأحرى ما تبقى من جسدي و روحي.
عتبة التقديم
استوت أمـــام حاسوبها و هي تردد:
- حاسوبي صانع أنوثتي. امنح ذاك الفتى جسدا شبقيا... فاجرا...خليعا.
ابدأ بالعنق أول امتداد للوجه، فالصدر، ثم ما تبقــــى من الجسم.
جيدها استطال، و حسن. فحلته بعقد تتوسطه قلادة أرجوانية لتتناغـم و رافعة الصدر. لكنها، سرعان ما قدرت أن صدرها الباذخ لا يحتاج إلــى رافعة، فنهدان يافعان متحرران أحلى و أبهى. كانت ذراعاها المكشوفتان صافيتين و عليهما تنمو باستحياء شعيرات دقيقة ، تشع تحت الضوء إشعاعا لطيفا أسبغ عليهما مسحة من النضارة و الجمال. أسفل القميص، ارتدت جبـــــة مخملية تصف بشبقية ردفيها الممتلئين. لاحظت أن الجبة تصل إلى ركبتيها،فرفعتها قليلا.
وقفت أمام المرآة لإجراء آخر الترتيبات قبــــــل الاستعراض. فتذكرت أن الرجل كالكلب، لا يقتفى أثر امرأة بدون رائحة. حتى ولو كانت نتنة كالتي تنبعث من المواخير، أو من أسرة الخيانة و الغدر. صبت علـــــى قميصها عطرا زكيا، ثم انطلقت.
صارت تسير خلف نزعة استعراضية بشكل أعمى، دون أن تدرك أن ما تفعله قد أصاب روحها. انطلقت و حذاؤها ذو الكعب الطويل يرسل صوتا رخيما.كان هناك، فـــي نفس المكان، مسربلا بالبياض كملاك نزل من السماء في مهمــــــة إلهية.
رماها بنظرة ساحرة لكنها هذه المرة واضحة، و معبرة. بادلته النظرة بأعذب منها. أفرج عن بسمة هبت عليها نسيما عليلا هيج مشاعرها و رفع من وثيرة الانفعالات في أعماقها. بادلته البسمة بأحلى منها. وقف و عيناه مصوبتان إلى الجهة التي يأتيه منها صوت الحذاء، و يتدفق شلال العطر. اهتز كـــــل كيانها...طفرت من عينيها دمعتان ساخنتان بقيتا تتلألآن على أهدابهما. فكرت في أن ترمي حقيبتها، و تجري نحوه، لتقفز في أحضانه و تمطره بقبلات حارة على شفتيه، و على عينيه القاتلتين. تضع رأسها على صدره. تحفه بذراعيها بكل قوة و لا تتركه أبدا. في تلك اللحظة رأت بيده كيسا أبيض. دس يده بداخله، ليخرج منه شيئا مطــــــــويا أبيض. سواه بيديه الاثنتين، حتى صار عكازة، و سار يتلمس طريقه ليتوارى بين المنازل البيضاء.