عرض مشاركة واحدة
قديم 05-17-2012, 10:27 PM
المشاركة 577
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

الأديبة السورية قمر كيلاني

مقدمة

ما إن ينحني قوس قزح في السّماء، حتى تنجذب إليه العيون، تدلّ عليه الأصابع، تشدّ انتباه مَن لم ينتبه، فتمتلىء الأرواح، بالامتنان لهذا الجمال المباغت وتلك النّعمة الملوّنة التي تنبىء الأرض بالصّحو والتّجديد.

كذلك باغت اسم قمر كيلاني أساتذة المدرسة، فأغدقا على كتاباتها عبارات الثّناء، وتسابقت الفتيات على استعارة دفاترها للاستفادة من أفكارها في مواضيع التعبير، كل هذا وهي ماتزال في الحادية عشرة من عمرها، حيث بدأت بكتابة مذكراتها.

في دمشق ولدت قمر كيلاني عام 1928، في أسرة إقطاعية، ليس للعلم مكانة هامّة بين بناتها، لكن الاحترام والثقة العائلية، دفعا الكاتبة لتشقّ طريقها بثبات وعزم، في مجتمع لا يتقبّل لا الصحافة ولا الأدب ولا حتى فكرة تحرّر المرأة، ولكن دأب هذه الطفلة المجتهدة على القراءة، جعل الجميع يعترف بها، أو على الأقل يقف موقف الحياد من طموحها، راصدين كل خطوة من خطواتها، كظاهرة تحرريّة متقدّمة، سابقة لعصرها.

تأثّرت قمر كيلاني بكتب جبران خليل جبران، إيليا أبو ماضي، المنفلوطي، والقصص المترجمة عن الفرنسية، إضافة إلى الكتب الفلسفية
لشاكر مصطفى.

كتبت في صف الشهادة الثانوية أول قصة، ونشرتها في مجلة لبنانية بعنوان « شبح أم »، ونالت قصة « دمية العيد » جائزة أفضل قصة قصيرة في مسابقة أقامتها هيئة الإذاعة البريطانية bbc.

مثل حصان جامح عصيّ عن الخضوع، جمح قلم قمر كيلاني في سنين الجامعة، قافزاً فوق وديان التّقاليد، يصهل بحريّة المرأة، والحضّ على تعليم يؤهّلها استقلال قطار الحياة بجدارة. حصان تفجّر تحت وقع سنابكه، بركان من رؤى وأفكار، سالت حممه على صفحات المجلة الجامعيّة لطلاّب كليّة الآداب التي انتسَبَتْ إليها في قسم اللغة العربيّة، تحت اسم مستعار
( رائدة النبع ) إلا أن اسماً آخر أطلقه البعض على قلمها والتصق بريشته وهو ( المتمرّدة الذهبية )، وبعد فترة قصيرة لم يعد خافياً على أحد أن المتمرّدة الذهبية هذه هي رائدة النبع.

بين التدريس والأدب

بعد أن تفتّح برعم كتابتها، ناشراً عطره في كلّ مكان، قال لها الدّكتور أمجد طرابلسي في المعهد العالي للمعلمين : « نحن لا نريد أدباء ولكننا نريد مدرسين للغة العربية »، وكأنّه لم يدرك أن هذا الحصان الجامع، قادر على القفز لمسافات بعيدة، فوق حقليْ التّعليم والكتابة بآن معاً. فما كان من الكاتبة إلا إهداء أستاذها أوراقاً بعنوان : « أوراق من دفتر التدريس » نُشِرت مسلسلة في مجلة « صوت المعلمين »، تقول في إهدائها : « إلى أستاذي وصديقي فيما بعد الذي قال لي نحن لا نريد أدباء بل مدرسين ».

درست قمر كيلاني التّصوف، واستغرقت في اتّجاهه الفكري، الفلسفي الدّيني، وابن عربي، وابن الفارض، وعبد القادر الجيلاني، لتجد نفسها تحلّق في عوالم شيّقة، رائعة، لا نهائيّة، متمنّية لو درست عوضاً عن اللّغة العربيّة، الفلسفة وعلم النّفس. فما كان منها إلا خوض غمارهما لتحصل على شهادة في علم النّفس والتّربية.

حصاد كثير وعمّال قليلون

التوق إلى الكتابة كان عظيماً، ولكن ليس هناك من دور نشر، ولا اتحاد كتّاب، ولا وزارة للثقافة، ولا أي مؤسسة تحمل هذا الحصاد، وتتبنّاه. لم تجد الكاتبة بدّاً من السفر إلى بيروت عاصمة الثقافة، لتبحث عن مجلات أسبوعية وشهرية، لنشر مقالاتها، وبالبحث عن دور للنشر تتبنى إنتاجها. ولم يتحقق هذا إلا في بداية الستينات عندما طبعت أول كتاب في التصوف الإسلامي، ومن بعده عام 1965 روايتها الأولى ( أيام مغربية ) التي كانت تحبو بين يديها مثل طفلة يتيمة.

في مجتمع محافظ ومتزمّت، عانت قمر كيلاني من الإفصاح عن اسمها كأديبة وكاتبة، إلى أن قامت ثورة آذار وبدأ الانفتاح فعلياً، ونشرت الأعداد الأولى من جريدة البعث، قصصاً للكاتبة قمر كيلاني، ومقالات، بعد تجربة مريرة من أيام الانفصال في 28 أيلول 1961، حيث أنشأت مع نخبة من الكتاب والمثقفين والنقاد مجلة اسمها « ليلى »، بإخراج مختلف وبتكاليف معقولة، دون أن تتقاضى ثمناً لأي كلمة فيها.‏

في هذه الأثناء، لمعت أسماء كتاب كثيرين على الساحة الأدبية، من بينهم قمر كيلاني، محي الدين صبحي، محمد الماغوط، وكثيرين غيرهم، وأصبحوا مراسلين لمجلات شهيرة أدبية أو ثقافية في الخليج وفي لبنان.‏ وظلت رغبتها الأولى في أن تكون في موكب الملكة الصغيرة أو القصة القصيرة التي نشرت أعداداً منها كثيرة في الوطن العربي كله، وترجم بعضها إلى لغات أجنبية. بالإضافة إلى الإذاعات العالمية أو العربية التي كانت تحتفي بالقصة القصيرة وتذيعها في برامجها الثقافية.

وبسبب تعذّر نشر الرواية، استعاضت الكاتبة عنها، بالمسلسلات الإذاعية وخاصة في هيئة الإذاعة البريطانية، وبعض من هذه المسلسلات شكلت منه فيما بعد روايات مثل رواية « الأشباح ».

أدرج بعض إنتاجها في مناهج الجامعات كنماذج عن الأدب العربي الحديث، ودخل اسمها في موسوعات عالمية بين أعلام القرن.

نشرت فصول روايتها عن دمشق والحياة الاجتماعية والسياسية فيها من الثلاثينات إلى الخمسينات من القرن الماضي في الموقف الأدبي، وفي مجلات إسبانية تهتم بنشر نماذج من إنتاج أدباء عرب ودمشقيين خاصة لما لهم من صلة حضارية بالأندلس.

في زمن عُدّ فيه خروج المرأة للعمل، ضرباً من الغرابة، وأمراً مستهجناً، كانت قمر كيلاني المرأة الوحيدة التي تعمل في عدّة مكاتب تنفيذية، لاتحاد الكتّاب العرب، ومشاركات صحفية، أو في لجان عليا حتى على المستوى القومي، وبين عامي 1954 - 1975 ساهمت قمر كيلاني في تدريس اللغة العربية وآدابها، وأصول التدريـــس في المعاهد العليا لإعداد المدرسين ودور المعلمين، وانخرطت في النشاطات الثقافية، فكانت بين 1975 - 1980 عضو المكتب التنفيذي لاتحـاد الكتّاب العرب، مسؤولة النشاط الثقافي. وعلى الصعيد الاجتماعي فقد عملت الكاتبة قمر كيلاني، بين عامي 1980 - 1985 كعضو للّجنة الوطنية لليونسكو، ومسؤولة شؤون منظمة التربية والثقافة والعلوم ( الإليكسو ). وفي عام 1985 - 2000 أصبحت عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتّاب العرب، مسؤولة العلاقات الخارجية، ومسؤولة عن نشاط الجمعيات الأدبية وفروع الاتحاد، ورئيسة تحرير مجلة
« الآداب الأجنبية » الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب.

لجان ومنظمات

1967 - 1971 : رئيسة لجنة الإعلام في الاتحاد العام النسـائي.
- عضو لجنة التضامن الآفرو آســــيوي.
- عضو لجنة الدفاع عن الوطن وحماية الثورة.
- عضو اللجنة العليا لدعم العمل الفدائي.
- عضو اللجنة المركزية لمحو الأميـة.
- منذ عام 1967 عضو مؤسس لاتحاد الصحفيين السوريين.
- عضو مؤسس لاتحاد الكتّاب العـرب.

الترجمــات

ترجمت بعض أعمالها الأدبية إلى الروسية - الفرنسية - الإنكليزية
الفارسية - الهولندية.

الأبحاث

- عشرات الأبحاث في التراث وفي النقد، وفي موضوعات المرأة والمجتمع، لا سيما صورة المرأة الأم التي بالكاد ترد في « ألف ليلة وليلة »، حيث تقول الكاتبة: « إنّ صورة المرأة الأم قليلاً ما ترد في ألف ليلة وليلة، كأنّ النساء فيه مقطوعات عن أمّهاتهن، ولعلّ السّبب قي ذلك أنّ أكثرهنّ من الجواري أمّا أم الرجل ( أو الحماة ) فهي إن برزت فمن أجل تنكيد العيش على زوجة ابنها أو جاريته أو من يحبها ».

- تم إعداد عدد من رسائل الدكتوراه والماجستير والدبلوم حول مؤلفاتها، واعتمد بعض من هذه المؤلفات للتدريس في جامعة ايكس لو بروفانس
في فرنسا، وفي جامعات أخرى عربية وأجنبية.

- شاركت في العديد من الندوات والمؤتمرات العربية والدولية.

- أدرج اسمها في عدد كبير من الموسوعات العالمية والعربية، وموسوعة أعلام القرن العشرين.







موقف الأديبة من القضايا المصيرية

القضية الفلسطينية

تبنّى الشاعر أدونيس أول كتاب للكاتبة قمر كيلاني في بيروت، محطة استراحة المثقفين، وتولى إصداره عام 1962. كذلك أصدرت دار الكتاب العربي 1965 أول رواية للكاتبة ( أيام مغربية ).

بين عامي 1964-1965 أعلن النضال الفلسطيني لمنظمة التحرير، فكتبت عدداً من القصص حول القضية الفلسطينية مثل « قبلة على أرض غريبة »، و« ناتالي وأشجار البرتقال »، إضافة إلى المحاضرات والندوات حول الكفاح الفلسطيني، وكان لها زاوية أسبوعية في جريدة مغربية ( العلم ) تتكلم فيها أيضاً عن أوضاع المرأة في المجتمع المغربي.

في عام 1965 كتبت في صحيفة مغربية بعنوان عريض : « الحل في يد الشعب الفلسطيني »، « اللعبة الخطرة »، التي استوحتها من حادثة جرت في القدس، إذ تآمر الأطفال على الجنود الإسرائيليين الذين يعتقلون بعض الفلسطينيين بأن رموا مياه الصابون في طريقهم كما أطلقوا أصواتاً غريبة لإفزاعهم كما يعتقد الصغار، وكأنها تنبىء بأن الإسرائيليين لو بدؤوا يلعبون مع هؤلاء الأطفال فإنها ستكون لعبة خطرة تؤدي إلى رميهم بالحجارة ومقاومتهم، كما حدث في الانتفاضتين.‏

كانت الكاتبة تفرح بكتابة قصة كما لو أنجبت طفلاً، فتهرع بها إلى زملائها الذين يشجعونها على المضي قدماً، لتطير بها إلى بيروت نحو المجلات اللبنانية. فقد ساعدت نفسها بنفسها، وبنت كوخ كلماتها، في عالم الأدب لبنة لبنة من خلال معاناة طويلة جداً، دون أن تهتم بالنقاد، على الرغم من صداقتها لهم، وفصلها بين علاقتها الأدبية بهم وبين آرائهم النقدية.

نكسة حزيران

عبّرَت الكاتبة قمر كيلاني عن النساء اللواتي خرجن من العزلة، والواجبات الأسرية، إلى القيام بمهام وطنية في روايتها « الدوامة »، والتي اعتبرت من بين أفضل مئة رواية عربية، وكان المحرّض لها نكسة حزيران، وظهور العمل الفدائي واحتدام معركة الكرامة، حيث بدأت إسرائيل بالتمدد في الوطن العربي كالأخطبوط، تقتطع الجولان، تسطو على سيناء، وتصادر الضفة الغربية وغزة وتقبض على القدس. وما أكثر ما كتبت قمر كيلاني، من قصص ومسلسلات إذاعية، حتى في مجلات نوعية كمجلة الشرطة، أو جيش الشعب، تحمل ثقل تلك المرحلة كلها. ويستشف القارىء من خلال كتاباتها كشفاً تنبؤياً يقول بأن ما يحدث لن يقتصر على المجال الذي نحن فيه خلال تلك الأيام بل سيتسع ويتسع، وهكذا صدرت مجموعتها « عالم بلا حدود » في بغداد
في أوائل السبعينات.

حرب تشرين

نشرت قمر كيلاني رواية مسلسلة في جريدة تشرين بعنوان « حب وحرب » طبعت فيما بعد في كتاب، تحيط بها خواطر تنبؤية، بأن الحل لن يكون إلا شاملاً لخارطة الوطن العربي كله وليس لفلسطين بالتحديد، كما تفتخر الكاتبة بأن لها مشاهد تمثيلية من حرب تشرين واقتحام جبل الشيخ بعنوان
« عواء الذئب ».

لبنان الطفل الصغير

التصقت الأديبة بلبنان، ذلك الطفل الصغير الذي يحبو، وتأثرت بالأحداث اللبنانية فكتبت رواية « بستان الكرز ». فيها تتحدث الكاتبة عن أهوال الحرب التي تشطر لبنان إلى بطلتي الرواية ( سونيا وناديا )، حيث تسير الأولى في الركب العربي، والأخرى تريد الابتعاد عنه، حيث أنهت القصة عام 1976 بدخول الجيش السوري إلى لبنان منقذاً ومنهياً هذه الحرب. تخلط الرواية السياسة بالفكر، والواقع بالخيال، كما تستخدم الإسقاط والاستبطان تارة والمباشرة والخطابية تارة أخرى. بطلة الرواية فتاة جامعية بورجوازية، أبوها رجل أعمال مسلم، وأمها من أسرة مسيحية مرموقة، جميلة ومثقفة، ترتبط بعلاقة حب مع زميلها الفلسطيني في الجامعة. منذ بداية الرواية تجد سونيا نفسها في جو مشحون بالتوتر والقلق، يوحي بأن كارثة ما على الأبواب، فالاضطراب يعم أوجه الحياة المختلفة، والانقسام يتضح بين التجمعات اللبنانية، والصراع يشتد فيما بينها، فتقع البطلة في حيرة بين الأفكار والمواقف المتناقضة التي سادت الساحة اللبنانية.