عرض مشاركة واحدة
قديم 02-16-2011, 10:18 PM
المشاركة 10
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نبوءة الشعراء



ولا تقتلوا 'زهران' الجديد: مصر وتونس تعيدانالحنين الى الزمن الثوري





ابراهيم درويش



2011-01-30





القدس العربي
بالعودة إلى شرارة الثورةالتونسية التي انهت حكم طاغية آخر ـ شاهدنا الجماهير التي لم تنس الشابي وراحت تردداغنياته عن الحياة والقدر والارادة، والآن نجد انفسنا امام ثورة المصريين وكل مناله وصفه للثورة الحالية.


الماغوط والارهاب العربي
وفي هذه اللحظة يجدالمرء نفسه مدفوعا للعودة الى ما كتبه الماغوط وهو 'يخون وطنه' ( ربما لم يقرأ منالثائرين الجدد هذا) متسائلا 'هل فقدت الشعوب العربية احساسها بالأرض والحريةوالكرامة والانتماء إلى هذه الدرجة؟ أم أن الارهاب العربي قد قهرها وجوّعها وروّعهاوشرّدها سلفا أكثر بكثير مما فعلته وما قد تفعله اسرائيل في المستقبل؟'. هذه نبوءةالشاعر تتحقق، وهنا لا بد من الاشارة إلى ان الشاعر الذي هرب من وطنه قبل ان يجديدا يحمل فيها حقيبته او يرتبها كتب قائلا 'آخر مرة كانت الى تونس، اربعة الاف كيلومتر فوق البحار والقارات وانا احدق من نافذة الطائرة، كما يحدق اليتيم في واجهاتالحوانيت في الاعياد. كانت الغيوم هاربة من العرب، الامواج هاربة من العرب، الاسماكهاربة من العرب التلوث هاربا من العرب، العروبة هاربة من العرب. وبعد اسبوع كنتاعود اليهم وحزام الامان ما زال حول خصري'. لكن العرب اليوم اكتشفوا ذاتهم وحريتهموحطموا جدار برلين. تأخروا قليلا ولكنهم الان على قمة العالم. لم يخن الماغوط وطنهلان قلبه كان عليه، فهو لا يمكن ان يكون من نوعية الخونة الذين تساءل عنهم السياب 'اني لأعجب كيف يمكن ان يخون الخائنون.... أيخون انسان بلاده؟؟'، ولا من بائعيالارض الذين تحدث عنهم ابراهيم طوقان 'اما سماسرة البلاد فعصبة / عار على اهلالبلاد بقاؤها'.




دمشق والثلاثية الحمراء
اليوم وفي انتفاضات الشعوب العربيةالتي تكسر قيود الخوف وتطالب بالتغيير ـ تحضر في القلب والعقل كل القصائد الجميلةالتي سجلت الحزن والفجيعة والثورة.


من شوقي ومرثيته لدمشق وهو يغني 'وللحرية الحمراءباب / بكل يد مضرجة يدق'، وهو يرثي عمر المختار،
وابراهيم طوقان وهو يكتب 'اوبرا' الثلاثية الحمراء عن شهداء انتفاضة البراق الذين اعدمهم الاستعمار البريطاني في سجنعكا 'لما تعر ض نجمك المنحوس / وترنحت بعرى الحبال رؤوس/ ناح الأذان واعول الناقوس/ فالليل اكدر والنهار عبوس'.


مثل الشهداء في الزمن العربي السابق يعيد لنا هؤلاءالشبان الزمن الجميل، الزمن الذي كان فيه الشعر بياناً ثورياً لم يذق بعد حسالهزيمة. شعر كان يتطلع إلى الحرية، ولم يكن قد واجه بعد عام 1948 ولا عام 1967 ولاحتى خروج المقاومة 1982.


تذكرنا الانتفاضات الجديدة بالشعر الجميل هذا مع اننا لمنسمع منه الكثير في مظاهراتهم التي لم تحمل سوى يافطات تهتف بسقوط الصنم، وقطعاسيأتي الشعر الجميل فيما بعد. ويظل من الغبن ان نصف ثورات الشباب بأنها ثوراتالياسمين والخبز والزبدة، فهي ثورات مخضبة بالدماء تحمل وسام سليمان الحلبي وعمرالمختار وعز الدين القسام وشهداء الثورة الجزائرية، وزهران بطل صلاحعبدالصبور.
صلاح عبدالصبور وشنق زهران


ويجد من يشاهد الانتفاضة المصرية عنبعـد نفسه مدفوعا مرة اخرى إلى القراءة والبحث عن صورة البطولة في الحياة المصريةوما اكثرها، ويقع على ما كتبه صلاح عبد الصبور عن مذبحة دنشواي، حيث تمنحه المشاهدالملحمية صورة تتفاعل وتتماهى بين ابطال اليوم وشبابها وبين ما صوره عبد الصبور عنزهران.
كانت مذبحة دنشواي، تلك القرية الهادئة التي وقعت فيها المذبحة في بدايةالقرن العشرين، بداية مرحلة للخروج من رق الاستعمار ثم جاءت الثورة المصرية عام 1919 لتعيد خلق الانسان المصري وصورته عن نفسه. ومصر اليوم في بداية العقد الثانيمن القرن الحادي والعشرين على اعتاب ثورة ستكون لها اصداؤها ليس في مصر بل في كلالعالم. فأيامها الأربعة او الخمسة او الستة هزت حتى الان المنطقة. وما يهم الان هوان لا ندع الديكتاتور يشنق زهران/ الشباب لأن عب دالصبور كتب عن بطله زهران قائلا:


'كان زهران غلاما ..
امه سمراء
والاب مولد، وبعينيه وسامة
وعلى الصدغ حمامة،
وعلىالزند ابو زيد سلامة .
ممسكا سيفا وتحت الوشم نبش كالكتابة..
اسم قرية ( دنشواي)
.. شبّ زهران قويا ونقيا،
يطأ الارض خفيفا واليفا'،
فهذا الشباب ولد من نسغ زهران الذي 'كان يحب الحياة..
كان زهران صيقا للحياة،
مات زهران وعيناه حياة..
فلماذا قريتيتخشى الحياة؟'.
لكن شباب اليوم يحبون الحياة مثل زهران ولم تعد مصر تحب الموت كماكان اجدادهم الفراعنة يهيئون كل شيء لما بعد الموت.




بين جوع المقريزي وجوع الحرية اليوم المثير الآن في ثورات الشبان انها ثورات محلية وان كان لها بعدٌخارج اراضيها ومع ذلك تظل مطالبها محلية تطالب بإزالة آثار استعمار الديكتاتوريينوانظمة قمع استعمرتهم لعقود، وهي وإن تأثرت ببعضها البعض من خلال التكنولوجياالحديثة، التويتر، والانترنت والفيسبوك الا ان مطالبها لا علاقة لها بالهم العربيالعام، فهي ليست معنية بالصراع العربي ـ الاسرائيلي ولا الوحدة العربية ولا 'الوطنالاكبر' ولا الوحدة الاممية ولا حتى الوطن الاسلامي الذي رفعه المصلحون المسلمونوالاسلاميون. انها ثورات بلا اعلام ولا قيادات ولا شعارات الا شعارات، وبلا لحى اوخنافس، ترفع اصواتها ضد الظلمة وهي في هذه تعيد الينا الهبات الشعبية في التاريخالماضي عندما كان الناس يهبون مطالبين. ونعود مرة ثانية الى ان الثورات هذه وانذكرتنا بثورات الجياع التي حدثنا عنها المؤرخ المعروف المقريزي في كتابه 'اغاثةالامة بكشف الغمة' و الذي صور فيه 'تاريخ المجاعات في مصر' ، لكن هؤلاء الشبانالثائرين المتعلمين تختلف فهم يريدون العمل والحياة الكريمة، جوّعهم النظام، وليسواكجياع المقريزي الذي كتب عن المحن والمآسي التي عاشها المصريون في غفلة من حكامهم،الذين ابتعدوا عن الجماهير. فقد ذكر المقريزي في كتابه ما يقرب عن 26 مجاعة. ويعودالمقريزي الى جذور مصر الفرعونية ليحدد ان اول مجاعة اصابت البلاد حدثت في عهدالملك السابع عشر. ويقدم المقريزي قصصا اخرى عن البلاء الذي حل بمصر بشكل ادى الىان راح الناس يأكلون الكلاب والاطفال الصغار. وفي احدى المجاعات بيع رغيف الخبزبألف دينار فيما اكلت جماعة حمار الوالي فشنقها الاخير، ووجد الناس ان جثثالمشنوقين قد اكلت قبل طلوع الفجر. ولم يكن المقريزي هو من كتب وحده عن مجاعات مصربل قص علينا عبداللطيف البغدادي في كتابه 'الافادة والاعتبار في الامور المشاهدةوالمعاينة بأرض مصر'. وقصص البغدادي مزعجة عن الحال الذي آلت اليه مصر. رجال يأكلونبعضهم بعضاً وولاة يأكلون لحم الصغار وصعاليك يأكلون لحم امرأة سمينة. ويقول انالجوع اشتد بالفقراء حتى اكلوا الميتات والجيف والبعر والروث ثم تعدوا ذلك واكلواصغار بني آدم...'. في مصر اليوم جوع من نوع آخر، جوع حقيقي ( غياب الفرص واسعارباهظة واغنياء يعيشون في بيوتهم المسورة) وجوع للحرية والتخلص من الطغيان. ولهذا لميعد المواطن يحلم بالوحدة العربية او حتى يهتم بالقضية الفلسطينية بنفس الحرارةالتي يعرف بها المصريون طوال عهود القضية، وهم الذين قدموا من اجلها الارواحوالاموال. وشوق المصري للحرية وكذا العربي التونسي والجزائري والسعودي واليمني هوشوق للتخلص من حكام تكلسوا على كراسيهم وقادوهم من كارثة إلى أخرى وافقدوهمكرامتهم، وهذا يذكر ما دمنا نبحث في الشعر عن مقابل او مواز للاحداث في العالمالعربي.


لا بد من العودة إلى القصيدة ـ البيان الثوري الممنوع في وقته للشاعرالفلسطيني المعروف عبد الكريم الكرمي ( ابي سلمى) ( 1909 ـ 1980). وهي القصيدة التينعى فيها الحكام العرب ، حيث قدملهم صورة ساخرة كاريكاتيرية.

بيان ابي سلمى الثوري
في الوقت الذي كتب فيهالقصيدة كانت فلسطين تعيش ثورتها الكبرى ( 1936- 1939) وجاءت القصيدة كغنائيةبياناً ثورياً، تحمل كل ألام المستضعفين في العالم العربي ويدعو الشاعر فيها العربإلى الخروج من قيد السجن والتخلي عن حكامهم الذين يلهون أنفسهم بلعب الشطرنج وصيدالصقور وملك يسبح ويلبس عباءة التقوى وحاكم لا يزال يعيش شعبه في عصر ثمود، سيوفهصدئة.

وفي مقابل هذه النخبة التي حملها ابو سلمى مسؤولية الكارثة هناك القسام الذييضيء وجهه الفجر، وفرحان السعدي ( احد قادة الثورة الفلسطينية) الذي يمشي الى حبلالشهادة 'صائما مشي الاسود'.

القصيدة هي 'لهيب القصيد'.
انشر على لهب القصيد /
شكوى العبيد الى العبيد.
شكوى يرددها الزمان الى الابد الابيد' .

ومثل ملوك العرباليوم وحكامهم يعبر ابو سلمى عن حال المواطن العربي في نبوءة شعرية .
وتبدو لهجةابي سلمى القاسية على ملوك زمنه وهو يقول

دكت عروش زينوها بالسلاسل والقيود
سحقالمن لا يعرف سوى التعلل بالوعود
واعطف على بغداد واندب عرش هارون الرشيد.

وفي القصيدة يبدو غضب الكرميعلى الانكليز المستعمرين - لم يكن الامريكيون بعد قد جاؤوا- حيث يقول 'لو كان ربيانكليزيا لدعوت بالجحود
لن تطهر الدنيا وفيها الانكليز على صعيد'.

طبعا يمكن تغييرالانكليز اليوم بالامريكيين.

النيلالمثقل بالقيود
والبيان الثوري يظهر كيف يقتل الحاكم آمال قومه كما فعل صاحباليمن السعيد 'وما هو باليمن السعيد' حيث يكتب عن شعبه قائلا '

تفنى الحياة وشعبه مابين قات او هجود'.

ويذكر ملك مصر، فاروق، بانه دمية يلهى بها في يوم عيد.

ولأنفاروق كان يتهيأ له انه سيصبح خليفة المسلمين حيث لبس عباءة الخلافة ومسبحتها وكتب '
دع عنك سبحة التضليل واخلع عنك كاذبة البرود
احسبت ان الملك يطلب بالتسبيحوالورود'.

والنبرة الاكثر اثرا هي وصفه للنيل الذي يقول '

والنيل يبكي حيث لا يقوىعلى جر القيود
زرق العيون حياله من كل شيطان مريد'.

ماذا ترك الملوك اللاهونلأمتهم غير الاهلين الذين ضاعوا بين الوعد والوعيد

ما بين ملقى في السجون وبينمنفي طريد
او بين ارملة تولول او يتيم او فقيد'.

اهم ما في قصيدة ابي سلمى انهوضع التغيير في يد الشعوب العربية عندما قال

ايه شعوب العرب انتم مبعث الاملالوحيد
لا تصهر الاغلال غير جهنم الهول الشديد'.

وكما في مصر وتونس واقطار العالمالعربي اليوم يقول ابو سلمى '
حلفت دماء الثائرين على العلوج ان لا تسودي
الثورةالحمراء نطعمها الجسوم مع الكبود'.

واخيرا ينادي ابو سلمى الشعوب العربية وهو يقول

'يا من يعزون الحمى ثوروا على الظلم المبيد
بل حرروه من الملوك ومن العبيد'.

نبوءة شعر ام تهويمات من زمن ماض، فالايام القابلة تحمل معها رايات من نوع جديد،رايات كسر حاملوها حواجز الخوف. فهل نرحب بالفرسان الجدد ام ندعو الله ان لا يقتلالصنم زهران في مصر؟
ناقد من اسرة 'القدس العربي'