عرض مشاركة واحدة
قديم 02-27-2014, 05:21 AM
المشاركة 10
نزهة الفلاح
باحثة في قضايا الأسرة والمجتمع
  • غير موجود
افتراضي
جزار وعينيه رادار...

سلسلة مواقف طريفة مع جزار في حي شعبي..

الحلقة السادسة:

انبعث صوت عميق بين الركام، متسائلا من هي بنت شفة..

فالتفت الشاب مستغربا، وزوجة صابر أيضا في ذهول..

إنه صابر أفاق متغلبا على كدماته ومتحديا للزجاج الذي انكسر والدكان الذي تحطم على جسده.. ومنتصرا لقوته الخارقة: فضوله الغالي الذي يشغل وقته الخالي..

فقد رنت في أذنه كلمة بنت شفة، فظنها فتاة وصارع الحدث للفوز بالمعلومة لغرابة الاسم على أذنه التي تعرف أسماء لا تعد ولا تحصى..

ضحك الشاب من غبائه، وانصرف يضرب كفا بكف وكأنه رأى مشهدا كوميديا..

عكَّز صابر على كتف زوجته وقام وقد تغيرت خريطة وجهه وعيناه تغير شكلهما قليلا وكأنهما يتعاملان بمرونة مع الأحداث ليغيرا سياستهما ويبتعدا عن الضرر دون التفريط في المهمة السامية والمراقبة الصارمة..

أخيرا أُقفل الدكان وغاب صابر أياما عن الجزارة ليتعافى مما جرى، وترتاح الحارة من سم عينيه ولسع لسانه ودقة راداره وشساعة ذاكرته واستيعابها لتفاصيل دقيقة في حياة أهلها وأبنائهم وأحفادهم وحتى أصدقائهم وربما مدارسهم..

مضت الأيام وهو في فراشه بعد أن منعه الطبيب من الحركة لمدة عشرين يوما، لكي تلتئم الجروح..

يصابر وبجاهد ويفرك عينيه بين الفينة والأخرى، لأنهما تؤلمانه من السكون والملل وقلة العمل..

قدمت له زوجته صابرة الطعام، وقد رسمت 111 فوق أنفها، ورفعت رأسها والاحتجاج باد على محياها..

سألها في استغراب: ما بك يا امرأة؟ ما الخطب؟

أشاحت عنه بوجهها وقالت وكأن ضرسها يوجعها: صرت قليل الكلام، عبوس الوجه، مقطب الجبين.. ترى لم تعد تحبني؟

تظاهر بالصمم وكأنه لم يسمعها، وحول وجهه إلى الجهة الأخرى، وتصنع النوم، ثم تلاحقت نغمات شخيره..

غضبت الزوجة وقامت إلى المطبخ، ثم أتت بإناء به ماء بارد..

لم يشعر إلا وتبللت ملابسه وفزع من فعلها غير المتوقع ورد فعلها السريع..

نظر إليها في امتعاض وقال: بعدد الملابس التي أرتديها، والأثواب التي بللتيها والتي لا شك أنك ستغسليها وستأتي لي بغيرها وتبدليها، أحبك يا صابرة يا بنت أمها..وسأحبك مدى الحياة ولكن بشرط..

نظرت إليه الزوجة في استغراب وقالت: وما الشرط يا أبا حسام..

رأسي يؤلمني، وأعاني من الأرق، ولن أجد أحدا مثلك يعينني عزيزتي..

تساءلت الزوجة في اهتمام..

فأجابها صابر وعينيه تنطقان رجاء:

أريد أخبار الحارة بالدقيقة والثانية لكل الأيام الماضية بعد الأحداث الدامية والحرمان الإجباري من دكاني الحبيب وهوايتي اليومية..

دخل ابنه فجأة وقبل أن تفكر والدته في الأمر، وقال في حماسة: جئتك يا أبي بكل الأخبار والتفاصيل، ثق أن جهدك لم يضع سدى، وأن وراءك رجل لن يسمح لرأسك أن يوجعك يوما، ولا لعينيك أن يحزنا ولا لعقلك أن يتوقف من الحيرة..

وما دمت ابنك فلا تخف لن يفلت مني أحد أبدا، أو يستأثر بيت بأخباره وأسراره..

وبدأ يسرد الأحداث والوالدين ينصتان في اهتمام بالغ ..

ونام صابر يومها في سلام واطمئنان واستسلمت عيناه للنعاس بامتنان..

بقلم: نزهة الفلاح