الموضوع: O كانوا هنا .. O
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2019, 01:29 AM
المشاركة 409
العنود العلي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: O كانوا هنا .. O
اخلاق تحتضر
بقلم الأستاذ : محمد عفيفى


فلنبدأ بسؤال .... هل سبق ظهورُ الاخلاق ظهور الاسلام ، ام ان الاسلام هو الذى جاء بالاخلاق ؟ بعد نظرة متأملة نجد ان الاجابة هى : لا هذا ولا ذاك ! اذن، فما الدليل القاطع الذى يثبت عدم دقة احدى الجملتين ؟ الدليل هو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم :" انما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق " . فلننظر جيدا ونتأمل كلمة "لأتمم" ، فهذا دليل كافٍ على ان حميد الاخلاق كان موجودا قبل ظهور الاسلام ، ولكن الاخلاق لم تكن تامة مكتملة . فبعث الله عز وجل رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بالرسالة السماوية والدين الحنيف ؛ ليتمم ما كان ناقصا ؛ وليرمم ما كان متهدما . واذا نظرنا الى حال الجاهلية – قبل عصر صدر الاسلام – نجد ان العرب كانوا يمتازون بالعديد من الاخلاق الكريمة ، مثل : الكرم ، وحسن الضيافة ، والوفاء بالعهد ، والشجاعة ، .... الخ . ولكن ليس لنا ان نتناسى او نهمل وجود الكثير والكثير من الاخلاق الذميمة ، والعادات البذيئة ، والتقاليد الضالة المضلة . فبُعث الرسول صلى الله عليه وسلم بالدين الاسلامى ؛ ليكمل الناقص ، ويصلح الفاسد ، ويقوّم المعوّج ، بل ويزيد الصالح صلاحا ، والراقى رقيا ، والرفيع رفعة ً.
أدّى ظهور الاسلام فى شبه جزيرة العرب الى تأسيس مجتمع اخلاقى بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ وقيم . كان عصر المسلمين الاوائل أزهى عصور البشرية وأرقى عصور الانسانية . كان ما جاء به الاسلام نورا يهدى ليس فقط عرب شبه الجزيرة العربية ، بل الناس اجمعين .... يصلح فساد قلوبهم ، ويعلو بشأن كرامتهم ،وينهض بجذور انسانيتهم . واذا اردنا ان نسرد مواقف للرسول صلى الله عليه وسلم ، او لصحابته الاجلاء فى مظاهر حسن الخلق ، لن يكفينا كتابة جوامع الكتب ، ومجلدات المجلدات ، وملء مئات الصفحات ، ولكن نكتفى بذكر موقف جليل للرسول العظيم صلى الله عليه وسلم ، روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما عن انس انه قال بينما انا اسير مع رسول الله عليه برد (رداء) نجرانى غليظ فادركه اعرابى فجبذه بردائه جبذة شديده اثرت فى صفحة عاتق النبى عليه الصلاة والسلام وقال له يا محمد اعطنى من مال الله الذى عندك فليس بمالك ولا مال ابيك فالتفت اليه النبى عليه الصلاة والسلام وضحك ثم امر له بعطاء .
هذا كان حالهم ، ولكن كيف صار حالنا ؟ ان لم يكن بامكاننا كتابة ام الكتب فى سرد سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، او سرد سير الصحابة العظماء ، فأيضا لا يسعنا كتابة اضعاف هذه المجلدات فى رثاء حالنا ، وما آل اليه امرنا من فجورواندثار اخلاقى . يرتجف القلب تروعا ، وتذرف العين اسفا ، وتقشعر الابدان كآبة ً ، وتموج الجوارح حنقا مما نراه كائنا فى مجتمعنا الذى يفترض به ان يكون اسلاميا . فى ايامنا هذه فى بلاد المسلمين ، يكاد المرابط على دينه ، الخاشى ربه ، الطمئنة سريرته ، يكاد لا يخرج من بيته خوفا من التأذى مما اصبح شائعا من انفلات اخلاقيّ . لا تكاد تسير لبضع دقائق فى شارع من شوارع بلاد المسلمين حتى تتلوث اذناك من بذئ الافاظ وقبيحها . تشفق على نفسك اولا ثم على حالهم ثانيا جرّاء سلوكيات اذا اطلقنا عليها لفظ "اخلاق سيئة" ، فنكون قد ظلمنا كلاً من الاخلاق والسوء بوصف افعالهم بهما . سب ، وشتم ، وغش ، وكذب ، ونفاق ، ورياء . بل وتزداد الامور وتتجاوز هذا الحد فنجد ما يستحى القلم من كتابته ، وتستحى السطور من تسطيره . ابسط ما يمكننا قوله هو ان الاخلاق تحتضر !!
وهنا يأتى السؤال الصعب ... كيف اصبحنا هكذا بعد ان كنا هكذا ؟ سؤال يحتاج الى وقفة ، وتأمل وتدبر ، وتحليل ، وتفصيل . فلنحاول سويا ! بلا شك يأتى فى مقدمة هذه الاسباب – بل هو ابو الاسباب – بُعد الناس عن دينهم .... بعد الناس عن منهج اسلافهم .... بعد الناس عن السبيل التى سلكها مسلمونا الاوائل . تغافلنا وتجاهلنا وتناسينا اوامر ربنا ، وتعاليم نبينا ، فصرنا امة من اذل الامم ، صرنا امّعة نُساق من سائر الامم . غفلنا عن قوله تعالى فى مدح نبيه صلى الله عليه وسلم : " وانك لعلى خلق عظيم " ، ثم تجاهلنا قوله عز وجل : " وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " . لم ننتبه الى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن " ، وايضا قوله صلى الله عليه وسلم : " اكمل المؤمنين ايمانا احسنهم اخلاقا ، وخيارهم خيارهم لنسائهم " . لم نأخذ لا بالشرع ولا بالعرف !!
اكتب هذه الكلمات لنصح نفسى اولا ثم قارئها ، فكلنا مخطئون ، وكلنا مذنبون ، ولكن يا ليتنا كنا كلنا تائبين . الى الذين خمدت فى قلوبهم جذوة الايمان ، ابشروا ... هذا اوان الهجرة الى الله ورسوله ، قدّموا دموع الندم ، واستغفار السحر ، والحقوا بالصحبة التى تطرق ابواب الجنة ، ادركوا قطار الصالحين قبل ان يفوتكم ، واسرعوا قبل ان تذبل الزهرة وتنزلوا الحفرة ، بادروا فما زال فى ايمانكم امل ، وربكم على كثرة ذنوبكم يغفر الزلل ، والجنة تدعوكم كل يوم بلا ملل ، فهل انتم قارئون ؟

منبر الحوارات الثقافية والدينية العامة

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=11581

وحيدة كالقمر