عرض مشاركة واحدة
قديم 04-06-2012, 02:08 PM
المشاركة 366
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
حليم بركات: ما ظهر بعد محاضرة أدونيس عنبيروت هو «فساد فكري»
عالم الاجتماع السوري لـ«الشرق الأوسط»: كتابي «المجتمع العربي في القرن العشرين» لا نظير له في اللغة العربية على ما أعلم
بيروت: سوسن الأبطح
إذا كان البعض يحب استخدام مفردة «إحباط» لتوصيف ما وصل إليه الوضع العربي الراهن، فإن عالم الاجتماع حليم بركات يستبدلها بعبارة أخرى هي «بداية الوعي»، ويستعيض عن الرؤيا المتشائمة بأخرى تترك منافذ للأمل والعمل معاً. وهنا حوارمعه:
* تدافع في كتابك «المجتمع العربي في القرن العشرين» عن كيان عربي تتشابه سماته الأساسية، وترينا ذلك على مدى صفحات طوال، فإلى أي مدى تصمد نظريتك في وجه تيار يتحدث اليوم عن مجتمعات عربية يصعب إيجاد ما يوحدها؟
ـ هذا الكتاب هو حصيلة ثلاثين سنة من البحث، شارك خلالها معي طلابي ليبصر النور، وهو على ما أعلم لا نظير له في اللغة العربية لأنه يتناول المجتمع بشمولية. وأود هنا أن أقول إذا كان التنوع داخل المجتمع العربي الكبير هو الذي يخيف الناس ويجعلهم يرفضون فكرة المجتمع الواحد، فإن البلد العربي مهما كان صغيراً نجده متنوعاً أيضاً، والتنوعات على اختلافها لا تلغي الهوية الواحدة، لأن ثمة دائماً ما هو مشترك. والأمر لا يتوقف على اللغة والدين والمصالح وما أشبه مما نشدد عليه حين نتحدث عن الوحدة. ولكن لنأخذ تركيبة العائلة المتشابهة على مدى الجغرافيا العربية، إضافة إلى التشابه الشديد في البنى الطبقية الاجتماعية، وهذا له من التأثير في سلوك الناس ما يتجاوز العوامل الاقتصادية والسياسية. المشترك بيننا هو أكبر مما نتصور، والتشتت عائد لأسباب تتجاوز التشابه والاختلاف. والدليل بأننا لو أخذنا الدول الخليجية وهي شديدة التشابه في ما بينها لوجدناها رغم ذلك غير موحدة بدورها.
* إذن أين تكمن المشكلة؟
ـ الهوية ارتبطت بمشروع يعمل باتجاهه المجتمع. فمنذ منتصف القرن التاسع عشر إلى الوقت الراهن سعى العرب لإقامة نهضة تقوم على وحدة قومية، من خلال نظام اقتصادي عادل وتعليم يفتح المجال أمام كافة الطبقات. والهوية لا يمكن فصلها عن النشاط الذي يقوم به المجتمع. فحين نتحدث عن الهوية الفلسطينية فلأن هناك عملاً على الأرض باتجاه تحقيق هدف ما. ولا هوية من دون مشروع. وإذا عدنا إلى العرب وجدنا ان النهضة التي كافحوا من أجلها لم تتحقق، لذلك هناك شعور كبير بالخيبة خاصة في فترة الأزمات، حين يتبين للناس مثلاً ان إسرائيل بإمكانها ان تهدم البيوت وتقتل الناس من دون أن يملكوا دفعاً لأذيتها، أو حين تدخل أميركا العراق بالسهولة التي شهدناها، أو حين يتساءل العرب لماذا لم يستفيدوا من مواردهم الاقتصادية الهائلة بقدر ما استفاد منها الغرب منها.
* هذا إحباط له ما يبرره..
ـ ربما يفضل ان لا نسميه إحباطاً وإنما هو «وعي»، بل لنقل انه «بدايات وعي». الإحباط هو ان تتمسك بمشروع الوحدة ثم تجدها أصعب بكثير مما تصورت، لأن المعيقات كانت كثيرة، منها عدم قيام دولة ديمقراطية، وعدم وجود عدالة اجتماعية، وتهميش الناس. ثم تنتهي إلى نتيجة مفادها أن أي حركة سياسية، أو غير سياسية ستولد لتغيير هذا الوضع ستفشل، هذا هو الإحباط، أي الإفتراض المسبق بأن السبل كلها قد سدّت. والفرق الجوهري بين الأمس واليوم، ان الاعتقاد السائد كان بأن الحلم لا بد سيتحقق، والنصر آتٍ لأن الحق معنا، وكأن النتائج محتومة. لكن الحق لا ينتصر في بعض الأحيان والشواهد التاريخية كثيرة. فهناك شعوب كانت على حق لكنها أبيدت مثل الهنود الحمر الذين لم نعد نشعر بوجودهم في أميركا. وفي ظني أن الوعي تعمق الآن لأننا نعي بشكل أفضل العوامل التي حالت دون تحقيق ما نتمنى. وهنا يختلف البعض في تشخيص الحلول وتظن فئة بأن عدم القبول بما يعرض علينا من الخارج، في الوقت الراهن، سيجعلنا في وضع أسوأ من الذي نحن فيه.
* هناك أصوات اليوم تعتبر ان المشروع العربي انتهى أمره، ولم يعد له من داعٍ. والخلاص هو دولة وطنية ناجحة بدلاً من حلم وحدوي طوباوي فاشل.
ـ هذا الطرح يتناسى أن الدائرة الصغيرة تعاني ذات مشكلة التفتت التي ابتليت بها الدائرة العربية الكبيرة، ولنأخذ مثلاً لبنان الذي ما يزال التنوع فيه مشكلة لم تجد حلاً لها. ولكل دولة عربية مشاكل داخلية مشابهة ما تزال مستعصية.
* هل هذا يعني ان النجاح في بناء الدولة الوطنية سيكون من الأولويات لتحقيق الوحدة المنشودة؟
ـ قد يبدو الأمر كذلك، إنما عملياً يتبين ان الالتفات إلى الشؤون الداخلية مع إهمال المحيط، لا يحل المشكلة بل يعمّق الإحساس بالخيبة، ويقلل من إمكانية السيطرة على الموارد الوطنية. هناك قوة مسيطرة على العالم وعربياً تتم السيطرة بالتفاهم مع القيادات.
* ولكن هل معاينة نموذج الدولة الوطنية بمقدوره أن يضيء على بعض جوانب العلل العربية العامة؟
ـ الأمور تختلف من بلد إلى آخر، لكن الجزء عنده متشابه مع الكل، وقد نتصور حين نحصر الدائرة أن العلاج بات أسهل، ثم سرعان ما نكتشف لو أخذنا عينة مثل لبنان أن مشكلته أكبر منه. النظر إلى الجزء ككل نهائي هو خنوع واستسلام لإرادة خارجية بالتعاون مع نخب البلد، لذلك يشعر العربي بأزمة في علاقته مع السلطة ويراها مسيطرة عليه من الخارج. فهي قوية على الشعب ضعيفة أمام القوى الخارجية. والتغيير لا يمكن ان يحدث من دون وجود حركة اجتماعية أو سياسية، فالتغيير ليس شأناً فردياً، انه عمل أحزاب أو تكتلات نطلق عليها في علم الاجتماع اسم «حركة اجتماعية»، من دونها صعب جداً تغيير الواقع.
* وهذا غير موجود...
ـ بل هو ممنوع في بلدان عربية عديدة. وما نلحظه حالياً ان الناس يطالبون بالحريات والحقوق المدنية والمشاركة. ما نسميه تنشيط المجتمع المدني هو ان تقوم حركات عندها رؤية واستراتيجية وأهداف محددة تعمل كجماعة بإشراك الشعب لتغيير الواقع.
* أين تكمن محطات الإجهاض الكبرى للمشروع العربي في رأيك؟
ـ بعد 1967 حين فشلت الحركة القومية العربية جاءت فترة البحث عن بديل آخر وإعادة تحديد الهوية، وكان قد بدأ نقد لديكتاتورية الحركات القومية، لكن بعد نجاح الثورة الإيرانية الدينية ارتفعت أصوات تقول ان الإسلام هو بديل العروبة. وكانت النواة موجودة منذ عام 1928 مع الإخوان المسلمين، وتعود فكرياً إلى أكثر من 155 سنة أي إلى زمن كتابات الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي. لقد قبلوا بتفاعل مع الغرب، لكنه إسلامي ويرفض تسليم مشيئته للخارج. بهذا كانوا ينصحون الحكام حينها. لكن هذه الدعوة أصبحت ثورة مع النموذج الإيراني، لأن المسلمين استطاعوا إزاحة أكثر الإمبراطوريات استبداداً، وهو المدعوم من أوروبا وأميركا. وظن البعض ان الأمر ممكن عربياً، وهو الذي ولّد الخوف عند قسم من الحكام العرب فأرادوا القضاء على النموذج القائم وساعدتهم أميركا في حرب بقيت من عام 1982 إلى عام 1988، وقضى بسببها الملايين من الناس. وهذه الحرب ضد ايران انتهت بانقسام العرب على بعضهم البعض، ولم تكن حرب الخليج عام 1991 سوى نتيجة، وكذلك كان الحصار على العراق الذي خلف الجوع والفاقة والتمزق الداخلي. أما مصر فقد نجح كيسنجر بعزلها عن المنطقة العربية، حين قال لهم نعيد لكم سيناء وكونوا وسطاء بيننا وبين العرب. والحكومة المصرية أصبحت مرتبطة بسبب المساعدات بالخارج، وصار المشروع العربي الموحد ضعيفاً جداً، وإذا اضفنا إلى ذلك تشتت المسارات الذي نتج عن ما قبل اوسلو، والخلاف العراقي السوري الذي لم يتم تجاوزه نستطيع ان نقول بأن المشروع العربي غير موجود. ولكن حتى المشروع الإسلامي لا يبدو انه يستطيع ان ينجز ما فشل المشروع العربي في تحقيقه، لذلك أقول بأن المخرج هو في تنشيط المجتمع العربي.
* الحجة اليوم لفرملة حركة مدنية وديمقراطية هي الحركات الإسلامية المتطرفة التي يخشى وصولها إلى السلطة!
ـ الحركة المتطرفة هي نتيجة وجود قوة مستبدة، لأنها قوة تحاول أن تواجه قوة. حين يصبح هناك نوع من النظام الديمقراطي الحقيقي يصير لكل مصلحة في هذا النظام العام. هكذا يدخل المتطرف في اللعبة ويحافظ عليها. أما توقيف اللعبة بالكامل لأن هذا الأخير ان هو نجح قد يسعى للتخلص من أعدائه فهو موقف قصير النظر، لأنه يخلق تطرفاً معاكساً له. والفت النظر إلى اننا هنا لا نتحدث عن ديمقراطية كلية، لأن الديمقراطية لا تستورد. وقبل ان توجد تحتاج لإيمان عميق بالحرية. أما مجتمعاتنا فهي تلغي الفرد لصالح العائلة أو الجماعة الكبرى. ولا غرابة بعد ذلك ان يلغى الفرد في السياسة. المكتمل عند العرب اليوم ليس الفرد ولا المجتمع إنما القبيلة أو الجماعة التي ترتبط في ما بينها برابط العرق أو الطائفة. وبفضل دعم هذه الجماعة يحصل الفرد على الوظيفة أو خط الهاتف، وبالتالي يصبح الفرد مديناً لجماعته لا للدولة، ويحتاج لأن يقدم ولاءه لها.
* وهو ما يقزّم دور المؤسسات أو قد يلغيها.
ـ لأن كل جماعة معنية بمصلحتها الذاتية لا بمصلحة الأمة أو الوطن. وكلما ازدادت الصعوبات، ازداد الإنسان عناية بمصالحه اليومية. وما حصل اننا تحولنا إلى مجتمع خدمات، الجماعة فيه هي المركز الفاعل. و«من يخرج عن الجماعة يعرى» كما يقولون، لأنه يضعف، حتى الزواج ليس شأناً فردياً.
* هل الحل هو في إنهاء سلطة المجتمع الأبوي؟
ـ نعم لقد كتب علي الوردي وهشام شرابي في هذا الموضوع. حرب العراق أظهرت الخلافات المذهلة بين الأعراق والمذاهب، والأخطر من ذلك القبائل التي اعتمد عليها صدام، وتعلم منه الأميركيون التعاون مع شيوخ القبائل لتثبيت وجودهم.
* قال أدونيس مؤخراً في محاضرة له أثارت غضباً شديداً ان بيروت ليست مدينة. فهل هناك مدن عربية بالمعنى المتعارف عليه، وأنت قد درست المدينة والريف؟
ـ إذا كنا نعتبر المدن العربية الموجودة وصلت إلى ما نريد يكون ثمة خطأ كبير، لأن القناعة ان هذه المدن ليست ما كنا نتصوره، ومجالات التحسين لا تحصى. فالفساد والنفعية يجهزان على كل شيء، بما في ذلك الطبيعة، من دون اعتراض أحد، لذلك فإن عدم الانتقاد هو تعاون على بقاء التخلف موجود. ما قاله أدونيس يقوله الناس جميعاً. وما ظهر بعد محاضرة أدونيس عن بيروت هو «فساد فكري» لا علاقة له بما قاله أدونيس نفسه.
* أدونيس تحدث عن بيروت وكأنما المدن العربية الأخرى لا تعاني الأزمة ذاتها.
ـ لقد قضى ثلث عمره في بيروت، ولو كان قد عاش في القاهرة لربما كان قد قال فيها الشيء نفسه. هذا لا يعني أن بيروت متخلفة عن المدن الأخرى بل قد تكون متقدمة عن كثير من غيرها، ومع ذلك فبيروت ليست مشروعاً انتهى، بل ربما ان هناك سيراً يتم في الطريق الخطأ. والنقد هنا جزء لا يتجزأ من عملية التغيير.
* اعتبرت الأدب أحد المداخل لفهم المجتمع العربي المعاصر، هل هذا عائد لغياب الإحصاءات والمعلومات، أم لإيمانك بأن الأدب هو الأجدى لفهم المجتمعات؟
ـ هناك نقص كبير في المعلومات، لكن هذه لو وجدت أظل أعتبر الأدب مصدراً معرفياً مهماً. فروايات نجيب محفوظ عن القاهرة لا تضاهيها أي دراسات اجتماعية ومثلها تلك الروايات التي كتبت في أوروبا أثناء الثورة الصناعية. شخصياً كان عندي دائما اهتمام بالأدب وتحديداً الرواية. لا بل درست علم الاجتماع ليفيدني في كتابة الأدب. وقد قمت بدراسة عن المخيمات الفلسطينية. لكنني شعرت بعد صدور الدراسة في كتاب ان شيئاً إنسانياً كان ناقصاً فسجلته في رواية.
* يزعجك الاهتمام بك كعالم اجتماع أكثر من الاهتمام بك كأديب؟
ـ كتابي عن «المجتمع العربي المعاصر» كما كتاب «المجتمع العربي في القرن العشرين» يقرآن بشكل واسع، بعكس الرواية التي لا تجد هذا الرواج. وهو أمر أفهمه. فالعديد من الجامعات تدرس هذه المادة والطلاب بحاجة لمراجع في هذا المجال فيستعينون بكتابي. وهذه الحاجة الملحة لا تتوفر للرواية التي أتمنى فعلاً ان تجد ما للدراسات من اهتمام. فالرواية تقدم الجانب الإنساني وأحاسيس الغربة والوعي وتعقيدات العلاقات العائلية. الفلسفة والعلم استفادا من العلوم الاجتماعية، وهي بدورها استفادت من العلوم الإنسانية. وتجزئة المعرفة موجودة بسبب وجود حاجة للاختصاص. وبقدر ما نجزئ المعرفة ننسى ان هناك تفاعلاً بينها، في ما التفاعل هو الذي يحقق للاختصاص وجوده ضمن رؤيا.
* حضّرت عامي 1993 و1994 تقريرين حول التنمية العربية ورفضت الأمم المتحدة نشرهما، في ما كان الاحتفاء لافتاً بتقرير التنمية العربية الذي صدر عام 2002، فما الذي تغير؟
ـ التقريران اعترض على نشرهما المكتب العربي في الأمم المتحدة، لأنه مكتب يمثل الحكومات العربية، وذلك بحجة وجود نقد فيهما للسلطات العربية. أما لماذا شاهدنا ما شاهدناه من احتفاء بعد ذلك بالتقرير الشهير رغم امتلائه بالنقد فهذا ما لا أستطيع الإجابة عليه. وكل ما أعرفه أن وسائل الإعلام الأميركية تلقفته بحرارة، ووجدنا الجميع يتكلم عنه هناك. وأعتقد أنهم أرادوا إظهار تخلف المجتمع العربي أمام الرأي العام، لتصبح حجة الذهاب لتأديب وتعليم هذا المجتمع مقبولة. لا أدّعي ان أميركا كانت وراء تحضير التقرير، لكن التوقيت كان مناسباً واستحق الدعاية التي رأيناها، ثم وجدنا الحكومات العربية تناقشه وكأن لا مسؤولية لها في ما هو مطروح. ولكن لنفكر بجدية رغم كل هذا الانتشار.. هل الحكومات العربية ستتبنى المشروع وتسعى لتصحيح أخطائها؟